الكل يعرف الترمومتر كمقياس لدرجة الحرارة يهرع إليه عند مرض الإنسان، إني كمشروع طبيب لأعرف الحاجة القصوى لهذه الأداة للكشف المباشر عند ظهور أحد الأعراض العامة الهامة -“الحمى”- عند الإنسان المريض.
كما أن الإنسان يمرض فإن المجتمعات تمرض وتموت، ومجتمعنا الإسلامي في وضعه الحالي موبوء بظهور أعراض مرضه الداخلية والخارجية.
تمرض أمة الإسلام ومجتمعها القوي عندما تفقد عنصر قوتها التي يتجسد في بقاء ارتباطها بواجد الوجود وسيرها على النهج الصحيح الذي أرساه الله عزوجل العارف بكينونة الإنسان وطبيعته.
وإن الإيمان وقود الأمة الذي يدفعها للبناء ومناعتها الذاتية التي تدفع عنها عناصر المرض، بل به اكتمال الحياة الداخلية لتتوافق مع تطور الحياة الخارجية المادية وسمو ذكاءها من خلال تعاملها مع الطبيعة.
يمرض المجتمع المسلم بضعفه تركيبه الداخلي وتعتل الأمة الإسلامية بفقدانها لعنصر قوتها “الإيمان”، ولأن الترمومتر يقيس حالة الإنسان بموضوعية بهدف التشخيص الحقيقي، فإن الأداة التي تؤكد تشخيص المرض عند الأمة الحالية هو مقياس من طبيعة أخرى يقيس إيمان الأمة الإسلامية ويحدد درجة قوتها ومستوى حزمها وعزمها هو مقياس الإيمان أو “الإيمانومتر” ألا وهو المسجد الأقصى.
أثبت التاريخ على مدى طوله وتعدد أحداثه أن المسجد الأقصى، هو المحدد لقوة الأمة الإسلامية من ضعفها، إذ تتناسب ولايته من طرف الأخيار طرد مع قوة الأمة الإسلامية وعلو إيمانها وسمو فعاليتها وقوة فكرها وصلابة عودها في قيادة العالم البشري قيادة حضارية محررة للإنسان محققة لإنسانيته.
في عصرنا الحالي نعيش الإمتحان نفسه المحدد لشكل العالم البشري لسنوات لاحقة، تكون مادته الموجبة للفوز الثمين أو الخسارة الجالبة للهوان مثل مادة اختبار الأمم السابقة
ولأن مركز النماء المادي والإيماني للبشرية أجمع يتمركز في المسجد الأقصى ويفيض لينال مستحقيه وذلك مقتضى شمول البركة للعالمين، فإنه أيضا محل الاختبار الدائم للعنصر البشري ومنطلق الاختيار بين معسكري الفساد في الأرض والخلافة عليها.
إما أن يكون المسجد الأقصى المبارك في يد الخلفاء على الأرض فيتحقق للبشرية الاهتداء لمنهج الصفاء والنقاء، أو يتراجع الخيرون على التصدر لولاية مركز العالم فيتولاه المفسدين في الأرض بحبل من الله كعقوبة إلاهية واجبة يتحقق فيها الاستبدال للمتقاعسين عن أداء الواجب.
نال سيدنا ابراهيم إمامة العالم وولاية المسجد الأقصى بعد امتحان النار، فكان النجاح في الامتحان نقلة حضارية واجتماعية لفتى يكاد يعرف اسمه في مجتمع نشأته: “إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم”، عبر النجاة الربانية له إلى مركز الإمامة على العالمين في عاصمة الأرض المباركة: “إني جاعلك للناس إماما”.
اجتبى الله أبناء سيدنا يعقوب لحماية المسجد الأقصى وسيادة العالم فتتالى المرسلون من شجرة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم يتوارثون ولاية المسجد الأقصى لحماية العنصر البشري أجمع من الانقطاع عن الحبل الرباني المسير بعظيم علمه للحياة البشرية.
كانت عقوبة تحول بني إسرائيل من الخلافة على الأرض من مركز الإمامة على البشرية جمعاء في المسجد الأقصى إلى معسكر الفساد يوم ضعف ايمانهم وانقطع حبل وصالهم بالله عزوجل، استحقوا حينها الاستبدال التام بفشلهم الذريع في الامتحان. يوم أعطى الإيمانومتر علامة الصفر في قياسه لإيمان بني اسرائيل كان حتمية الضعف والتشرد واستبدال الله لهم حقيقة.
ساد الإسلام العالم، يلقن البشرية طريق الرشاد ويقود الأمم في شهود حضاري راقي يكشف عن الوجه المشرق للأمة الإسلامية ويبرز قوتها في سيادة العالمين وأمانتها في قيادة البشرية للخير والأمن والسلام فقط يوم نجح المجتمع الأول في امتحان كان أحد مساقاته الركيزة المسجد الأقصى المبارك.
امتحن الله المجتمع الإسلامي الأول من خلال الإيمانومتر الصادق المسجد الأقصى المبارك يوم الحدث الإنساني الأعظم لخاتم الأنبياء والمرسلين والنموذج البشري الأرقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مركز الهدى المسجد الحرام إلى مركز الإمامة المسجد الأقصى. يومها نال رسول الله مفتاح إمامة الأنبياء.
كان هذا الحدث العظيم امتحان لمدى ايمان المجتمع الإسلامي الأول. نجحت فيه الثلة المعروفة وخاب فيه العدد المجهول، لكن المعلوم من التاريخ أن نال سيدنا أبو بكر الصديق مرتبة الصديقية بإيمانه بهذا الحدث العظيم.
اللحظة فاصلة، إما أن يرتفع الإيمانومتر ليصل لدرجة التمكين أو يتدحرج فيكون الاستبدال هو الباب الذي تخرج منه الأمة الإسلامية من تاريخ وجودها الى اركان الموت الحضاري الجامد
كان ثاني الاختبارات يوم أن انتقلت جغرافية التوجه في الصلاة بانتقال القبلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكانت حكمة الله ظاهرة يومها بأن كان النجاح في هذه المهمة الكبيرة مستحقا لشرف الشهادة على الناس واختبارا فاصلا بين الإتباع أو الانقلاب. إذ يقول تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلاَّ عَلَى الَذِينَ هَدَى اللَّهُ ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
لم يكن الله ليضيع الإيمان العالي الذي حدده الإيمانومتر والله الرؤوف الرحيم بأمة الوسطية والشهود الحضاري. غير رسول الله صلى الله عليه وسلم العالم البشري يوم أن خطط لاستعادة مركز الإمامة من الروم بأن خط خطة استراتيجية لتحرير المسجد الأقصى وكان منطلق التحرير الربط الإيماني الروحي. فمتى اكتمل الإيمان تحقق النصر والتمكين. فكان بذلك الإعداد الإيماني مستحقا للإمداد الرباني يوم ان ارتفع ايمان الأمة.
قويت الأمة الإسلامية يوم كان المسجد الأقصى في احضانها بفتح الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين الفاروق المسجد الأقصى. كانت بداية لكرونولوجية الشهود الحضاري وتحرير الإنسان من عبادة أخيه الإنسان.
بقي الإيمانومتر يعلن عن قيمة ايمانية مستقرة تحقق الحد الأدنى لبقاء المسجد الأقصى الأمانة الغالية في معسكر المستخلفين على الأرض أصحاب المنهج الرباني في القيادة الإنسانية، حتى أن انقطع حبل وصال الأمة بخالقها وانخفض ايمانها وتسربت الأدواء لجسدها فظهرت الأعراض فكان لابد من الإيمانومتر من قياس يشخص حالة الأمة الاسلامية بين العلة والصحة.
تحدد المرض في الأمة فاستحقت عقوبة الاستبدال يوم أن فشلت الدولة العباسية في الحفاظ على المسجد الأقصى فسقط في أيدي الصليبين. أيقن ذلك الرجل الرباني أن العودة للقيادة لا تكون إلا بعودة المسجد الأقصى ولا يكون هذا الاخير ممكنا إلا بتشكيل جيل الإيمان الذي يرفع منسوب إيمان الأمة إلى النسبة الأدنى المحققة للتمكين التي يعلن فيها الايمانومتر برء المرض.
فلنختر مكاننا عند مالك الأرض والسماء وفي صحائف التاريخ ومصائر البشر
عاد المسجد الأقصى بعودة الإيمان للأمة وعادت الأمة الإسلامية في شهودها على البشرية وقيادتها لها يوم أعادت المسجد الأقصى لأهله. في عصرنا الحالي نعيش الإمتحان نفسه المحدد لشكل العالم البشري لسنوات لاحقة. تكون مادته الموجبة للفوز الثمين أو الخسارة الجالبة للهوان مثل مادة اختبار الأمم السابقة. إنها موطن الاختبار ومقياس الإيمان.
إما نصر وتمكين يعيد القوة للأمة الإسلامية باستعادة أقصاها بعد أن أغلقه الاحتلال لأول مرة في التاريخ ومنع فيه الأذان أو بقاء للذل واستحقاق للاستبدال مثل الأقوام السابقة بفشلنا في هذا الامتحان المصيري.
إن الإيمانومتر يظهر لنا ضعفاً إيمانيا عسيراً وهواناً فكرياً نتج عن اتباع المناهج الوضعية البشرية متغاضيا عن منهج الله في البناء الانساني. اللحظة فاصلة إما أن يرتفع الإيمانومتر ليصل لدرجة التمكين أو يتدحرج فيكون الاستبدال هو الباب الذي تخرج منه الأمة الإسلامية من تاريخ وجودها الى اركان الموت الحضاري الجامد. فلنختر مكاننا عند مالك الأرض والسماء وفي صحائف التاريخ ومصائر البشر.