ليس جديدًا على المرأة العاملة وخاصة المتزوجة أو الأم أن تُسأل مرارًا وتكرارًا عن قدرتها على الجمع بين العمل في المنزل وخارجه، وفي المقابل، نجد أنه من النادر أن يتم توجيه هذه الأسئلة للرجل والسبب البديهي لذلك هو الأفكار التقليدية التي عادة ما كانت تحدد دور المرأة في أعمال المنزل وتحصر نشاطها على هذه المسؤولية التي تشمل إدارة المنزل وتربية الأطفال وغيرها، أما الرجل فهو المدير والمدبر الأساسي للجوانب المادية للمؤسسة الأسرية.
ولحسن الحظ، هذه الأدوار تبدلت ولم يعد أيا من الطرفين مقيد بمهام معينة، لكن بالرغم من هذه المساحة المتاحة للمرأة في بيئة العمل وداخل الفعاليات الاجتماعية المختلفة، إلا أن هذه النشاطات الاجتماعية أو العملية غالبًا ما تكون مصحوبة بالشعور بالذنب أو بالاعتذار المفرط، وهذا ما بينته البحوث أن أكثر من نصف الأمهات اللاتي يعملن يشعرن بالذنب إزاء ترك أطفالهن في المنزل.
شعور المرأة بالذنب
من خلالة متابعة العديد من قصص النساء العاملات، تم الاستنتاج أن المرأة لا تقوم بمغادرة منزلها فعليًا عندما تتوجه إلى العمل، والمقصود بذلك أنها تزال تحمل مشاعر الأمومة وأحمال المسؤولية المنزلية داخل العمل، وهذا الأمر يجعل المرأة تشك في مدى أهمية تحقيق طموحها في الحياة العملية ومدى كفائتها كمربية منزل. محاولةً تحقيق استقرار نفسي يرضي طموحها، وتكيف اجتماعي يلبي متطلبات الأسرة والمجتمع، وهذا ما يسميه علماء الاجتماع والنفس بالتوافق النفسي الاجتماعي.
المرأة تعرقل تقدمها الشخصي ونشاطها الفكري في ميادين العمل لإرضاء من حولها وبغض النظر عن أولوياتها
وبهذا الخصوص يقول الكاتب، ميلودي بيتي، “شعور المرأة بالذنب يمكن أن يضع حدود لطموحها وهذا الأمر ليس في مصلحتها”، ويضيف “عندما تضع النساء أنفسهن داخل هذه الانشغالات العاطفية والحدود الفكرية، فإنه من الصعب عليهن اللحاق بأي فرصة للتطور في مجال العمل” وهذه إشارة إلى ضرورة تخلي المرأة عن ارتباطاتها العاطفية بالمنزل في أوقات الدوام حتى تترك مساحة فكرية خاصة بالعمل.
ومن جانب عالمة النفس الاجتماعي، سوزان نيومان، فتقول “تعودت المرأة أن تكون الطرف اللطيف والمتعاون، أما الرجل فمن المتوقع منه دائمًا أن يعبر عن رأيه وأن يفاوض على حقوقه الخاصة والعامة”، كما تضيف قائلة “الأمر في غاية البساطة، الرجال تعلموا بأن يقولوا “لا” ولا يجدون صعوبة في استخدام هذه الكلمة التي توفر لهم مساحة خاصة أكبر قليلًا من مساحة المرأة” وما تشيره له العالمة نيومان، أن المرأة تعرقل تقدمها الشخصي ونشاطها الفكري في ميادين العمل لإرضاء من حولها وبغض النظر عن أولوياتها.
لا تفضل المرأة أن تفوتها اللحظات التي يتكلم بها طفلها لأول مرة أو التي يخطو بها خطواته الأولى، فهذا الأمر يعتبر اخفاقًا “عاطفيًا” لديها. كما أنها في نفس الوقت لا يمكنها تجاهل رسائل البريد الإلكتروني التي تصلها من العمل
وتضيف نيومان أن المرأة لديها مشكلة بأن تتواجد بشكل “جزئي” في المنزل أو العمل، وتفضل أن تفرض وجودًا أقرب للمثالية والكمال في أي دور تقوم به، وبسبب هذه الرغبة التي قد لا يحققها التوازن، فإنها تصبح فريسة للشعور بالذنب والقلق لعدم قدرتها على مواكبة كامل الأحداث داخل المنزل وكذلك في العمل. كما تضرب عالمة النفس مثالا على هذا قائلة “لا تفضل المرأة أن تفوتها اللحظات التي يتكلم بها طفلها لأول مرة أو التي يخطو بها خطواته الأولى، فهذا الأمر يعتبر اخفاقًا “عاطفيًا” لديها. كما أنها في نفس الوقت لا يمكنها تجاهل رسائل البريد الإلكتروني التي تصلها من العمل وهذه المسؤوليات جميعها تخلق لها شعور بالتقصير والضغط ويكون الذنب هو سيد هذا الموقف”، وتضيف “أما الرجل، ليس لديه مشكلة بأن تكون لديه قدم واحدة في الملعب وقدم أخرى في العمل، وكأنه كائن قابل للتجزأ”.
الشعور بالذنب أمر ضروري
في تقرير نشرته المسؤولة القيادية في وكالة ناسا والكاتبة مارجي واريل تقول “الشعور بالذنب أمر ضروري ومثير للاهتمام، لأنه يساعدنا على تتبع تصرفاتنا ومعرفة النواقص التي تمنعنا من تحقيق التوزان في حياتنا”، كما تشير إلى أنه من الغير الممكن أن تكون لدينا رغبة في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي والعيش حياة خالية تمامًا من الشعور الذنب في نفس الوقت.
يوجب عليها أن تسقط أعباء هذا الشعور المفرط لتكون أكثر انتباهًا وانتاجية في أدوراها، وأن لا تضيع طاقتها مرتين، مرة في القلق والتوتر ومرة بالتبرير
وتؤكد المؤلفة واريل أن الشعور بالذنب هو أساس الانضباط والالتزام بالمسؤوليات التي يجب أن يفعلها الفرد وهي ضرورة حياتية للتعرف على ما يستحق أن نعطيه الوقت اللازم والجهد. وتضيف “في أسوأ الأحوال، يمكن أن يتحول الاحساس بالذنب إلى سلوك قمعي، في حال كان هناك إفراط بهذا الشعور ويمكن أن يتسبب بأضرار نفسية تعوق من احتمال ضغوطات المنزل والعمل”
ونتيجة للشعور بالذنب، تجد المرأة نفسها في حاجة إلى التبرير المستمر وإلى تقديم أدلة في حالة حدوث خطأ اعتيادي، أو حتى إن وجدت نفسها تذهب إلى النوم مبكرًا دون إنهاء خططها اليومية، لهذا يوجب عليها أن تسقط أعباء هذا الشعور المفرط لتكون أكثر انتباهًا وانتاجية في أدوراها، وأن لا تضيع طاقتها مرتين، مرة في القلق والتوتر ومرة بالتبرير.
الأمهات العاملات سبب في تفوق أبنائهم
أشارت أبحاث جديدة من جامعة هارفرد للأعمال إلى أن الأمهات العاملات أكثر كفاءة في رفع مستوى أبنائهم التعليمي ورعايتهم بشكل صحي، فالمناصب الوظيفية والأجور العالية والعلاقات العامة تجعل من الأمهات العاملات نموذج ملهم لأبنائهن في المستقبل ويكبرون ليكونوا أكثر انخراطًا في المجتمع.
هذه النتائج التي قد تغير من المواقف الثاقفية بشكل أكبر للتشجيع المرأة وعدم إثارة قلقها بشأن تقاسم الأعمال المنزلية والوظيفية.
هدمت هذه الدراسة التصورات السلبية نحو الأم العاملة، وتشير أستاذة في كلية إدارة الأعمال في هارفرد، كاثلين ماكفين “إن تأثير الأمهات العاملات على أبنائهن كان تأثيرًا ملحوظًا، فهذا مكن الأطفال من الاحتذاء بنماذج قيادية داخل المنزل وخارجه، وهذا أفضل ما يمكن أن تقدمه المرأة لأطفالها”.
على الرغم من أن المجتمعات عرفت منذ زمن طويل ضرورة مشاركة المرأة في الحياة العملية ومساندتها في تحقيق توافق بين مسؤولياتها سيعود بالفائدة على الأطفال والأجيال الناشئة ، فإنه من الجيد أن نرى مزيد من الأبحاث تؤكد هذه النتائج التي قد تغير من المواقف الثقافية بشكل أكبر للتشجيع المرأة وعدم إثارة قلقها بشأن تقاسم الأعمال المنزلية والوظيفية.