ترحمة وتحرير نون بوست
يوم الثلاثاء 21 حزيران/ يونيو، تلقى الرجل القوي في الأجهزة الأمنية السعودية على مدى العقدين الماضيين، الذي كان ينتظر دوره للوصول للعرش، دعوة للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز في الطابق الرابع من القصر الملكي في مكة. وهناك، بسب مصدر قريب من محمد بن نايف، وجه له الملك أمرا بالتنحي وفسح المجال لابنه المفضل، وهو الأمير محمد بن سلمان. وكانت الذريعة حينها أن الإدمان على مسكنات الألم يؤثر على قدرة محمد بن نايف على إصدار الأحكام.
وقد قال هذا المصدر المقرب من محمد بن نايف، “إن الملك جاء لمقابلة بن نايف وكانا بمفردهما في الغرفة، فقال له أريدك أن تتنازل عن منصبك، فأنت لم تستمع للنصيحة ورفضت الحصول على علاج لإدمانك الذي بدأ يؤثر على قراراتك بشكل خطير”.
وبالتالي، سلطت هذه التفاصيل الجديدة حول هذا اللقاء المثير بين الملك وولي عهده السابق، الضوء على انقلاب سياسة الأمر الواقع، الذي شهده القصر، وساعدت على فهم الأحداث، التي أدت إلى إعادة تشكيل سلسلة القيادة في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
أكدت المصادر أن بن نايف لم يكن يتوقع أن يطيح به الشاب المتهور محمد بن سلمان، الذي قام من وجهة نظره بعدد من الأخطاء السياسية الفادحة، مثل سوء إدارته للصراع اليمني
فضلا عن ذلك، يشار إلى أن وكالة رويترز لم تتمكن من التأكد بشكل مستقل من هذه الادعاءات بشأن إدمان محمد بن نايف. كما أن المسؤولين في القصر الملكي رفضوا الإجابة عن أية أسئلة دقيقة حول الظروف المحيطة بعملية الإطاحة بمحمد بن نايف. في المقابل، أكدت مصادر مطلعة على الأوضاع في السعودية أن الملك كان عازما على الدفع بابنه ليكون ولي عهده ويصل للعرش بعده، وأنه استخدم مشكلة إدمان بن نايف كذريعة للتخلص منه.
وفي هذا الشأن، أكد ثلاثة من العارفين بشؤون القصر الملكي، وأربعة من المسؤولين العرب المقربين من عائلة آل سعود، والعديد من الشخصيات المقربة من العائلة الملكية، لرويترز، أن محمد بن نايف كان متفاجئا عند تلقيه أمرا بالتنحي. وقد ذكر مصدر سياسي سعودي مقرب من محمد بن نايف، أن هذا الأخير كان في حالة صدمة شديدة بعد صدور هذا القرار، الذي كان بمثابة انقلاب لم يكن مستعدا له.
وفي سياق متصل، أكدت ذات المصادر أن بن نايف لم يكن يتوقع أن يطيح به الشاب المتهور محمد بن سلمان، الذي قام من وجهة نظره بعدد من الأخطاء السياسية الفادحة، مثل سوء إدارته للصراع اليمني، ووقف الامتيازات المالية عن الموظفين الحكوميين. وقد أدى هذا الصراع على السلطة إلى وضع صلاحيات واسعة بين يدي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 سنة، في خطوة كان من الواضح أنها تهدف لتسريع وصوله إلى العرش.
وفي حال وصوله إلى هذا المنصب، فإن هذا الأمير الشاب سيجد نفسه على رأس مملكة تواجه أوضاعا صعبة بسبب انخفاض أسعار النفط، والصراع في اليمن، والعداء المتزايد تجاه إيران، إضافة إلى الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت مؤخرا في الخليج.
تم الإبقاء على محمد بن نايف معزولا في إحدى الغرف طوال الليل، بينما صودر هاتفه الجوال، ومنع من التواصل مع مساعديه
وفي شأن ذي صلة، أقر المصدر المقرب من محمد بن نايف بأن هذا الأخير يعاني من مشاكل صحية، ازدادت حدتها بعد أن حاول عنصر تابع لتنظيم القاعدة تفجير نفسه أمامه في قصره في سنة 2009. ويشار إلى أن هذه المتاعب الصحية، التي يعاني منها، تم تأكيدها من قبل ثلاثة مصادر أخرى في المملكة العربية السعودية، ومصادر رسمية مقربة من العائلة المالكة. كما قدّم مصدر آخر عربي مقرب من العائلة الحاكمة نفس هذه الرواية، حول اللقاء المثير الذي أمر خلاله الملك سلمان ولي عهده محمد بن نايف بالتنحي بحجة معاناته من الإدمان على الأدوية المسكّنة.
وحيال هذا الشأن، أكدت هذه المصادر أن محمد بن نايف يعاني أيضا من وجود شظية داخل جسده لا يمكن إخراجها، وأنه يعتمد على بعض الأدوية المسكنة مثل المورفين لتخفيف الألم. وأفاد مصدر آخر أن بن نايف تلقى في السابق العلاج في مستشفيات في سويسرا في ثلاث مناسبات خلال السنوات الأخيرة، إلا أن رويترز لم تتمكن من تأكيد هذه المعلومة بشكل مستقل.
انقلاب في القصر
قرّر الملك التحرك قبيل اجتماع منتظر لمجلس الشؤون الأمنية والسياسية. وكان من المنتظر أن يبدأ هذا الاجتماع في الساعة الحادية عشر مساءً، ولكن قبل ساعات قليلة، تلقى بن نايف مكالمة هاتفية من محمد بن سلمان بدت في ظاهرها روتينية. وبحسب المصدر المقرب من محمد بن نايف، فإن بن سلمان قال له خلال هذه المكالمة أن الملك يريد مقابلته.
وفي الساعات الموالية لهذا اللقاء، الذي تم فيه استبعاد بن نايف، وقع إعلام هيئة البيعة، التي تضم أكبر أعضاء العائلة المالكة، عبر رسالة خطية باسم الملك. وورد في هذه الرسالة، التي كتبها مستشارو محمد بن سلمان في القصر، “إن بن نايف يعاني من مشاكل صحية وإدمان على الأدوية، ونحن نحاول منذ سنتين إقناعه بإيجاد علاج ملائم ولكن دون جدوى”. كما جاء في هذه الرسالة، “بسبب هذه الوضعية الخطرة، نحن نرى أنه يجب إعفاؤه من منصبه، وتعيين محمد بن سلمان بدلا عنه”.
وفي الأثناء، تمت قراءة هذه الرسالة عبر الهاتف لأعضاء هيئة البيعة، بينما تم الإبقاء على محمد بن نايف معزولا في إحدى الغرف طوال الليل، بينما صودر هاتفه الجوال، ومنع من التواصل مع مساعديه. وتم أيضا تغيير حراسه الشخصيين المنتمين لوحدة النخبة في وزارة الداخلية.
ولي العهد محمد بن نايف من السعودية يتحدث مع أحد أعضاء بعثته أثناء لقاء رفيع المستوى حول تدفق اللاجئين والمهاجرين، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في مانهاتن، نيويورك في 19 أيلول/ سبتمبر 2016.
بالإضافة إلى ذلك، تم إرسال مبعوثين لأعضاء الهيئة للحصول على توقيعاتهم، وهو الأمر الذي قام به كل الأعضاء البالغ عددهم 34، باستثناء ثلاثة فقط، ما يعني أن الانقلاب نجح. وتم أيضا تسجيل المكالمات التي قام بها أعضاء هيئة البيعة، الذين ساندوا قرار تنحية محمد بن نايف، ثم عرضت هذه التسجيلات على هذا الأخير من قبل مستشار في القصر لإثبات قوة المعسكر المعارض له، بهدف إثنائه عن الإتيان بأي محاولة للمقاومة قد يقدم عليها هذا الأمير، البالغ من العمر 57 سنة.
بحسب مصدرين سعوديين على علاقة بالعائلة المالكة، فإن ثلاثة أعضاء فقط من هيئة البيعة عارضوا الإطاحة بولي العهد، وهم؛ أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية السابق، وعبد العزيز بن عبد الله ممثل عائلة الملك الراحل عبد الله، والأمير محمد بن سعد النائب السابق لحاكم الرياض. ولكن تعذر التواصل مع هؤلاء الثلاثة للحصول على تعليق منهم. وبحلول الفجر، استسلم محمد بن نايف لمصيره، حيث قال لمستشار في القصر أنه مستعد لمقابلة الملك. وقد كان هذا اللقاء مقتضبا، ووافق خلاله بن نايف على التنحي وأمضى على وثيقة تنص على ذلك.
وفي هذا الإطار، ذكر هذا المستشار أنه عندما غادر محمد بن نايف قصر الملك، فوجئ برؤية محمد بن سلمان في انتظاره، وشرع هذا الشاب مباشرة في تقبيله واحتضانه بينما كانت الكاميرات تقوم بالتصوير. ومباشرة بعد نشر بيان كتُب مسبقا، يعلن فيه الملك عن قراره بتعيين ابنه كولي للعهد، وقع بث ذلك المقطع المصور في كل وسائل الإعلام السعودية والخليجية على مدى الساعات والأيام الموالية.
الإقامة الجبرية
لا يزال محمد بن نايف خاضعا للإقامة الجبرية منذ عملية الإطاحة به من أجل منعه من التحرك، ولا يُسمح له بتلقي زيارات من قبل أي شخص، باستثناء أقاربه، فضلا عن أنه لا يتلقى أي مكالمات هاتفية. وخلال الأسبوع الماضي لم يُسمح له إلا بزيارة والدته المسنة، مع مرافقته من قبل الحراس الجدد الذين تم تعيينهم. وذكر هذا المصدر أن محمد بن نايف يرغب في أخذ عائلته إلى سويسرا أو لندن، إلا أن الملك سلمان وابنه محمد قررا إجباره على البقاء، ولم يمنحاه أية خيارات.
من جهته، امتنع البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية عن التعليق على هذه المعلومات. وذكر مصدر إداري رفيع المستوى أن واشنطن كانت على علم بأن محمد بن سلمان هو الابن المفضل للملك، إلا أن نواياه بشأن ولاية العهد كانت أمرا غامضا بالنسبة للأمريكيين. ولكن، يبدو أن الدفع بمحمد بن سلمان لولاية العهد كان خطوة منتظرة من قبل العديد من المسؤولين الغربيين والسعوديين، إلا أنها فقط جاءت قبل الموعد المنتظر، عبر إجبار بن نايف على التعجيل في الانسحاب.
ومنذ تولي الملك سلمان الحكم، كانت هناك إشارات واضحة على أن محمد بن سلمان يمتلك حظوظا أكبر من محمد بن نايف، وهو ما مهد الطريق للأمير الشاب للتفوق على ولي العهد، الذي كان يسبقه في الترتيب. وتجدر الإشارة إلى أن محمد بن سلمان حصل على صلاحيات غير مسبوقة، من والده المريض والبالغ من العمر 81 سنة. وبفضل هذه الصلاحيات، تمكن من إعادة توزيع المناصب الهامة في القطاعات السياسية والنفطية والأمنية والاستخباراتية، وكان ذلك يتم غالبا دون علم بن نايف.
في ظل هذا الصعود المفاجئ لمحمد بن سلمان، توجد الآن توقعات لدى عديد الدبلوماسيين والسعوديين والمسؤولين العرب بأن الملك سلمان يستعد للتنحي عن الحكم لفائدة ابنه
ومنذ وصول والده للحكم، قبل سنتين، شرع محمد بن سلمان في وضع رجاله المخلصين في المناصب الحساسة. كما كان يتدخل في شؤون وزارة الداخلية التابعة لمحمد بن نايف، ويقوم بتعيين وترقية وطرد الضباط دون إعلام هذا الأخير.
وفي هذا الصدد، ذكرت نفس المصادر أن الصراع من أجل ولاية العهد بدأ في سنة 2015، عندما تم حل هيئة التحقيق والادعاء العام التابعة لمحمد بن نايف ودمجها مع سلطات الملك. وهو ما حرَم ولي العهد حينها من تقديم مزايا للناس بشكل مستقل، والحصول بالتالي على دعمهم. وقد أتبعت هذه الخطوة بإقالة سعد الجابري، المستشار الأمني لمحمد بن نايف.
وعند وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، شرع محمد بن سلمان في تعزيز العلاقات مع واشنطن لإضعاف الدعم القوي، الذي كان محمد بن نايف يحظى به لدى مؤسسات الأمن والاستخبارات الأمريكية، بفضل نجاحه في محاربة تنظيم القاعدة. ومن هذا المنطلق، ذكر المصر المقرب من محمد بن نايف لوكالة رويترز، أن الانقلاب تم تنفيذه بعد أن نجح محمد بن سلمان في إقامة علاقة قوية مع صهر ترامب ومستشاره المقرب، جاريد كوشنير. في المقابل، امتنع المتحدث باسم كوشنير عن التعليق على هذه النقطة.
وفي ظل هذا الصعود المفاجئ لمحمد بن سلمان، توجد الآن توقعات لدى عديد الدبلوماسيين والسعوديين والمسؤولين العرب بأن الملك سلمان يستعد للتنحي عن الحكم لفائدة ابنه. ونقلا عن شاهد من داخل القصر، أورد مصدر سعودي، أن الملك سلمان سجل خلال الشهر الجاري بيانا يعلن فيه عن نقل الحكم إلى ابنه. ويمكن أن يتم نشر هذا التسجيل في أي وقت، وربما لن يتجاوز الأمر شهر أيلول/ سبتمبر.
المصدر: رويترز