قاربت مراسلة صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية في الشرق الأوسط ديلفين مينوي بين مسرحية يوجين أونسكو “وحيد القرن”، وبين الوضع في مصر بعد الانقلاب العسكري.
ففي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” كتبت تقول: “مرت الذكرى الثالثة على الثورة المصرية في عام 2011 الشهر الماضي وقد انتهيت من قراءة مسرحية “وحيد القرن” التي نشرها عام 1959 يوجين أونيسكو، ولشخص يعيش مثلي في القاهرة اليوم، فالمقارنة بين أمثولة الكاتب الفرنسي المولود في رومانيا في منتصف القرن العشرين عن صعود الفاشية والستالينية في أوروبا مقاربة، والزيادة الغريبة لحد الهستيريا التي تحيط بصعود نجم المشير عبد الفتاح السيسي لافتة للنظر”.
وتمضي الكاتبة بالقول إن نوافذ المقاهي تزدان بصور الرجل الذي أطاح بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي، والذي ينظر إليه باعتباره الرئيس المقبل لمصر، “يمكنك شراء شوكلاته عليها صورته، وعلى مدار اليوم تبث القنوات التلفازية مقتطفات من خطاباته ممزوجة بالأناشيد الوطنية.
“وفي واحدة من حفلات الزفاف التي عقدت قبل فترة في فندق على النيل، بدا المدعون بالنزول لساحة الرقص بعد أن وضع “دي جي” أغنية “تسلم الأيادي”؛ وهي أغنية وطنية حولها المصريون إلى مديح للرجل، بل حولوها إلى نغمات اتصال للهاتف النقال”.
وتعلق قائلة إن الصديقة المصرية التي دعتها للحفلة وصفت ما يجري من حمى السيسي بأنها “وباء حقيقي”، وفيروس معد يصيب حتى الشباب الثوري الذي ملأ ساحات ميدان التحرير قبل ثلاثة أعوام.وفي مثال آخر عن حمى السيسي تقول: “قبل يومين خارج قاعة المحكمة حيث كانت تعقد محاكمة مرسي، قامت فتاتان بربط حذاءيها على رأسيهما؛ كعلامة للخضوع للمشير السيسي، مثل شخصيات مسرحية أونيسكو، حيث نبت على جبهتهم مطبات كبرت وكبرت حتى تحولت لقرن”.
وتقول إنها قرأت مسرحية “وحيد القرن” عندما كانت في المدرسة الثانوية في باريس، حيث شرحت المدرسة جذور ومخاطر الفاشية، وكيف يمكن أن تتحول الأيديولوجية مشفوعة بالخضوع إلى أداة يمكنها تشكيل العقول.وتعتبر مسرحة أونيسكو واحدة من كلاسيكيات ما يعرف بـ “مسرح العبث” وهي “مجاز حي عن الصعود المفاجئ للديكتاتورية في أوروبا، وعن الخنوع والخوف والذهن الجماعي”.
ويقول أحد أبطال المسرحية: “الخوف شيء لا عقلاني، ويجب أن يستمع للعقل”.وكان مشهد ظهور عدد من حيوانات وحيد القرن في قرية صغيرة مدعاة للخوف أكثر منه مدعاة للفرحة، وفي الفصل الثاني بدأ الناس يعانون من تلوث أصابهم من “دودة وحيد القرن”، وكانت هذه هي حالة بوتار، أحد شخوص المسرحية، فبعد أن قاوم الوباء بل أطلق عليه “الوحش”، انتهى به الأمر كي يزرع قرنا.
وينتهي الأمر بالسكان جميعا، إلا شخصية واحدة وهي بيرينجيه، التحول إلى حيوانات.واليوم في مصر تقول إن “الليبراليين واليساريين يذكرونني ببوتار؛ فبعد مقاومتهم لتلاعب الجيش لأكثر من عامين ونصف العام استسلموا لإرادته (أي الجيش) على الرغم من تعرضهم للضغوط والإهانة، ومثل بوتار يبدو أنهم فقدوا حس المقاومة”.
وبموازاة مع قمع الإخوان المسلمين والثوريين، فظاهرة عبادة شخصية “كلت” المشير السيسي وصلت حدا من “الجنون الجماعي” –على حد تعبيرها-.
“ففي منتصف كانون الثاني/ يناير دعي المصريون للتصويت على الدستور، حيث تحولت مراكز الاقتراع إلى مسيرات مؤيدة للجيش وحلويات وصخب، فيما أُبعد المعارضون عن الحفل، اختبأوا في زواياهم”.
وعلى التلفاز، تحول المذيعون إلى وكلاء للحقيقة الرسمية: الجيش يقاتل الإرهاب، وعلى من يشك أن يراقب نفسه، السيسي هو رجل الساعة”.وبمواجهة هذه الموجة، وبالتخلي عن الحرية الفردية، وتعاملوا مع هذه الرواية كما هي. وموقفهم في هذا يشبه موقف دودار شخصية تحولت لوحيد القرن الذي لخص الوضع بطريقة جيدة قائلا إنه يريد أن يكون جزءا “من العائلة”.
وتشير إلى أن البربوغاندا في مصر انتشرت كنسخة سيئة عن مسرح العبث، مشيرة في هذا إلى قصة “أبلة فهيتا” التي لم يسلم من فيروسها حتى “طبيب أسنان ابنتي المتعلم الذي يتقن أكثر من لغة”، فبالنسبة له “لا يقوم الجيش بأي شيء سوى حماية الوطن من مؤامرة أمريكية كبيرة لإضعاف المنطقة، وتدمير القوات المسلحة”.
وبشكل ساخر، فحيوانات وحيد القرن الجديدة في مصر “هم أنفسهم الذين كانوا يتهمون الإخوان المسلمين ومؤيدهم بأنهم ليسوا إلا قطيعا من الخراف”، يقول أحد أبطال المسرحية: “يجب أن تسبح مع التيار”.
صحيح أن مصر لديها قصتها الخاصة والاستثنائية، فهي بلد نشأ أهلها على حب الجيش والحنين للوطنية وجمال عبدالناصر، ولكن هناك أشكال مثل تلك التي تتميز بها الدول الفاشية: وهي الانقياد الأعمى للسلطة، وقمع ومحاكمة من يتجرأون على التفكير بطريقة مختلفة، والميل حول العدو المشترك، وفي هذه الحالة “الإخوان المسلمون”. وبالنسبة للكثيرين فوضع قرن أحسن من المخاطرة بفقدان كل شيء باسم الحرية.
وتختم بالقول: “في 25 كانون الثاني/ يناير مشيت مع مئات من الثوريين السابقين الذين تجمعوا أمام اتحاد الصحفيين وهم يواجهون قنابل الغاز المسيل للدموع، وبعيدا عنا كانت هناك عشرات الألوف من وحيدي القرن وهم في حالة من النشوة، واجتمعوا في ميدان التحرير الذي هتفوا فيه لسقوط حسني مبارك، ولكنهم اليوم يهتفون لبطلهم الجديد: المشير السيسي”.
و”في وسط الجماهير، تعرفت على الصحفي خالد داود الذي كان معارضا للإخوان المسلمين، وأصبح من ناقدي الجيش، ولكنه يظل هامشيا في نظر الكثير من المصريين، وسألته إن كان يحمل أملا لبلده أجاب “نعم”، “طالما رأيت هؤلاء الناشطين في الشوارع فالثورة لم تنته”.
بيرينجيه الذي أنقذه حبه لشخصية في رواية أونيسكو إلى التحول إلى وحيد قرن كباقي شعبه، يختم الرواية بقوله “أنا آخر رجل باق، وسأبقى على هذا النحو حتى النهاية، أنا لن أستسلم”، فهل هناك من هم مثله الآن في القاهرة؟؟