كان من آيات وأدبيات الصمود بعد الانقلاب العسكري لدى الإخوان ما يندرج تحت بند الغرابة والتفنن في الخيال، ومنه ما قالته زوجة شهيد مهندس على صفحتها بأحد مواقع التواصل الاجتماعي، من أنها ليلة الفض واستشهاد زوجها جلست مع بعضهن يهتفن في قلب ميدان رابعة العدوية: “لو قادر فضّها.. ما أنتاش قدها”!
في تعريض غير موفق وتقدير للموقف غير صائب، وناقلة الموقف نفسها كانت تعجب من تصورها وقتئذ، مع بساطة فهمها وجرأة الكلمات.
ثم تطور الأمر بعد الفض إلى القول بعد المجازر بـ”إننا حينما سنستفرغ الوسع سيأتي لا محالة نصر الله”، هكذا بلا أسباب أو قوة أو قدرة على المواجهة أو التصدي، ما إن ينتهي الوسع يأتي النصر، ثم قيل إن الدول التي اعترفت بالانقلاب أربعة فحسب، فلا داعي للقلق فالانقلاب منبوذ من العالم!
وسط قوائم الموت والإصابة والاعتقال وتبلبل الجماعة بين المسار السلمي ونقيضه، الذي لا تعرفه فضلًا عن أن تستطيعه، ولكن مسيرة التخبط إذا بدأت لا تنتهي
ومن قبل كانت الأدبيات تقول إن الدكتورمرسي عائد كما عاد شافيز سواء بسواء، الأمر يحتاج 48 ساعة طويلة فحسب، ثم قيل إنه يحكم مصر من السجن، ثم عما قريب قيل إن العسكر عرضوا على الإخوان حتى رئاسة الوزراء مقابل وقف المظاهرات فأبوا إلا خروج الدكتور محمد مرسي، وكان كاتب تلك الكلمات ديفيد هيرست يقول: “حاسبوني إن لم تتحقق كلماتي”!
ولا أحد يتذكر فضلًا عن أن يُراجع ويُقيم ويفهم بصورة جدية.
ثم دخلنا في نفق الاصطفاف المُضني المُخجل ولم نزل، ففي حين كانت قوائم الاعتقالات على أشدها في مصر، والناس تتم تصفيتها بلا رحمة، وخير كوادر الإخوان يتم إبعاده أو اعتقاله أو إصابته أو إنهاء حياته، والجماعة تتخبط بين المسارين السلمي الأقوى من الرصاص، ولا نعرف على أي معيار كانت الكلمات سوى الأوهام للأسف الشديد، فهذه السلمية تُقال وتنفذ مع غير الإسلاميين، فالغرب المجرم، المكون من كثير من القادة والساسة لا الشعوب، مع العسكر الآثمون القتلة من أبناء أوطاننا للأسف لن يقبلوا بسيناريو يناير/كانون الأول ثانية، وهي مناسبة لإقرار صاحب الكلمات بإجرام الانقلابيين تجاه الذين يتغنون بوجوب توجيه الكلمات إليهم، فإن كان الله قد ختم على سمع وبصر وعقول هؤلاء غشاوة فكيف سيفهمون، والعاقل من حدث عقلاء لا غيرهم؟
ووسط قوائم الموت والإصابة والاعتقال وتبلبل الجماعة بين المسار السلمي ونقيضه، الذي لا تعرفه فضلًا عن أن تستطيعه، ولكن مسيرة التخبط إذا بدأت لا تنتهي، خرج علينا طرف من ساسة الجماعة الذين تسببوا في فشلها الأول المستمر، متمسكين بأماكنهم، كما جميع قيادات الجماعة الحريصة على القيادة والدنيا غير المُعتذرين عن الفشل، أو المُلازمة لبيتها من بعده، ويكفي ما جرته من وبال على الأمة بعد مصر، هذا بعد نجاتهم من الاعتقال والإصابة والقتل، وفيهم شيوخ كانوا يدلون الناس على مصارعهم أمام الحرس الجمهوري وفي سيارة نصف نقل، وقال أحدهم إنه أخذ 30 ألف ثائر لمفاوضة المسؤولين في وزارة الدفاع، ولم يروِ الرجل مَنْ هم، ولكنه توعد ليلة مجزرة من مجازر العسكر بتنامي العدد الذي سيأخذه في الغد إلى 300 ألف، ولم يأت غد إلا بحادث المنصة وأكثر من 70 شهيدًا، واستمر الرجل بعدها في المشهد لأشهر حتى آثر الانسحاب مؤخرًا، وإن لم يفعل مجاوره في السيارة نصف النقل حتى اليوم، فضلًا عن عدم محاسبة أحدهما لنفسه!
منذ أسابيع صرح الأساتذة في الجبهة المُسماة بالتاريخية بوضوح برغبتهم في التصالح مع العسكر
وكان مسلسل الاصطفاف وما يزال حلقة في فلاة، أو إبرة في صحراء، ففيما يتمكن العسكر من مصر مفصلًا مفصلًا وشبرًا شبرًا، يأتي بعض الساسة الطامعين أو الذين عفا الزمن عليهم محاولين التجمع مع بعضهم في الغرف المكيفة خارج مصر لإنقاذ الثورة، من عام 2014 وحتى اليوم ينقذونها بلا آلية أو قدرة أو مهارة، هم فحسب يحددون القوائم والطلبات ويختلفون بشأن عودة الدكتورمرسي من عدمها، وهو الأمر الذي تمنيناه وما زلنا، ولكن يكذب على الله من يقول يملكه، وهكذا ففي حين لا يقبل الإخواني من جبهة مد يده لأخيه من جبهة أخرى، فإنه يمد يده لدعاة الاصطفاف، والمشهد كله عبارة عن سد للفراغات، عفوًا، في لعبة بازل، فيما مصر مستمرة في الانحدار.
علام يؤجل الإخوان الاعتراف بالخطأ وخطيئة زج أنفسهم في مواجهة، عبر الترشح للرئاسة في مصر وما تلاه، وهم لم يكونوا أهلًا لها؟
منذ أسابيع صرح الأساتذة في الجبهة المُسماة بالتاريخية بوضوح برغبتهم في التصالح مع العسكر في مصر مرارًا وتكرارًا، عبر مخاطبة الذين أسمونهم بالقادة العرب في البحر الميت في الأردن بـ”فخامة الملوك والرؤساء والعرب” مع الاعتراف الواضح بـ”دولة إسرائيل”، في بيان للسيد نائب المرشد المستمر على قلب الجماعة رغم تصريح زميل سابق له وشاهد عيان عن أنه إنما كان موكلًا بصنع الشاي والقهوة بمكتب لندن، فصار المسؤول الأول عن إخوان مصر، بلا شرعية انتخابية واضحة، وبضبابية غريبة في الفهم مع اعتذاره عما يقول في كل مرة بشكل غريب يدعو للتساؤل عن القدرات العقلية لرجل يقارب السبعين أو يزيد.
ومرة يقول الجماعة إصلاحية لا تستهدف أنظمة الحكم العربية، هذا منذ أسابيع بعد آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقلين ومئات الآلاف من المُطاردين، ولا أحد يعتذر عمليًا عن تصورات أهدت الجراح للجميع بترك منصبه في الدنيا قبل أن يسأله الله في الآخرة، وهم أصابوا دمًا وأشعلوا صراعًا أمات أنفسًا وتسببوا في آلام وجراح لا تطاق لمن بقي حيًا.
جماعة الإخوان فيها الآلاف من الكوادر بل أضعاف أضعاف هذا الرقم، ممن يُفنيهم هؤلاء القادة، الذين لا يدركون مقاصد الشرع من الحفاظ على النفس التي خلقها الله بعدم الزج بها فيما لا طائل من ورائه
ولكن الرغبة في المصالحة، وهو ما لا أقره على هذا النحو بل أبرأ إلى الله منه، مع أن نائب المرشد والسادة لا يستطيعون الثبات والبوح بها خوفًا من كلمات الصف في الدنيا، وهم لا يستحون من الله في الآخرة بعد أن كادوا يُجهزون على مقدرات الجماعة كلها في مواجهة لا تبدو لها نهاية.
لماذا لا يجتمع السادة من القيادات المدعاة للإخوان متجردين لله ثم مُعلنين مثلًا أنهم يُشهدون العالم على تراجعهم عن أمر المنازعة السياسية في مصر، طالما لم يعودوا يملكون من أمر أنفسهم شيئًا وليعودوا للبناء من جديد ولمنظومة الوعي، ويوقفوا ما وصلت الأمور إليه، نائب المرشد قال على شاشة الجزيرة بوضوح تام إنهم لم يستهدفوا تغيير الحكام، أي إنه يعترف بخطأ الترشح للرئاسة في مصر، فلماذا يبيع ويتنازل عن كل شيء بمخاطبة مثل بشار الأسد والسيسي بالسادة أصحاب السيادة والفخامة، معترفًا ومبجلًا لهم في بيان أقر بنفسه بصدوره عنه، بل ذهب للاعتراف بـ”إسرائيل” دون إنهاء لأمر استنزاف الجماعة في مصر، واعتراف محدود بالفشل بدلًا من بيع كل شيء بلا أي مقابل يُذكر.
جماعة الإخوان فيها الآلاف من الكوادر بل أضعاف أضعاف هذا الرقم، ممن يُفنيهم هؤلاء القادة، الذين لا يدركون مقاصد الشرع من الحفاظ على النفس التي خلقها الله بعدم الزج بها فيما لا طائل من ورائه سوى العناد والتبلبل إلى أبد الدهر.
إن الأعراض التي تنتهك والدماء البريئة التي لا يُرضي الله قتلها، بل فناء الكعبة والدنيا أحب إليه من ذلك، وإن أسر مصر في رقبة المجرمين الفسدة في مصر المستجيبين لقوى الشر في العالم ثم في رقاب قادة الإخوان المُطلقي السراح الذين يرضون عن هذا المسلسل بلا هدف ولا غاية ولا فهم ولا دراية، وهم يملكون تغييره ولكنهم يكابرون!