قد يظن البعض أن الاكتئاب حالة منتشرة بين جموع البالغين والكبار فحسب، مستبعدين أن يعاني الأطفال منه خاصة أن الطب النفسي اعترف به كمرض يصيب الأطفال بعد سنين طويلة من القول إن الاكتئاب خاص بالكبار فقط.
وتمامًا مثل البالغين يمر الأطفال بأيام جيدة وأخرى سيئة يعانون فيها من موجات من الحزن العابر أو حالات مزاجية متقلبة، الأمر الذي لا تصعب ملاحظته أبدًا، فبالتأكيد تتذكر حزن ابنك حينما ضاعت لعبته، أو حزنه حينما لم يحصل على ما يريد، أو حالته المزاجية السيئة في أول أيام مدرسته أو في حال انتقل إلى صف جديد، لكن كل تلك الأمور الصغيرة قد تتغير في آن واحد من حزن عابر إلى حالة اكتئاب حاد، قد تتطور مع الزمن وتؤثر على عدة نواحي من حياة الطفل والعائلة.
لنتفق بداية أن الطفل إذا بدا حزينًا فلا يعني بالضرورة أن لديه اكتئابًا شديدًا، لكن إذا أصبح الحزن مستمرًا لفترة تزيد عن الأسبوعين أو الشهر الكامل، وإذا بات يُبدي سلوكيات يومية تتعارض مع حياته العادية في الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام، فهذا يشير إلى أنه قد يطور نوعًا من الاكتئاب.
بعض الدراسات أشارت إلى أن 25% من الأطفال الذين يعاني أحد والديهم من الاكتئاب الإكلينيكي معرضون أيضًا للإصابة بالاكتئاب
تختلف أعراض الاكتئاب لدى الأطفال وتتراوح، وغالبًا ما تكون غير مشخصة ولا تؤخذ بعين الاعتبار باعتبارها جزء من التطورات النفسية والعاطفية المتسارعة التي تتميز بها الطفولة ومراحل النمو الأولى لدى الطفل، بالإضافة إلى أن الدراسات الأولى في علم النفس عن اكتئاب الأطفال ركزت على ما يُعرف بـ”الاكتئاب المقنع”، أي أن الطفل لديه سمات ومؤشرات تدل على إصابته بالاكتئاب النفسي ولكن لا تظهر عليه أي من الأعراض الكلاسيكية المتعارف عليها.
مع مرور الوقت توصلت العديد من الدراسات والأبحاث النفسية إلى وضع ركائز من الأعراض والدلالات التي تشير إلى إصابة الطفل بالاكتئاب، جميعها تتمحور حول الحزن والشعور باليأس وتقلبات المزاج السريعة، بالإضافة إلى خليط آخر من الأعراض مثل التهيج أو الغضب، الانطواء الاجتماعي وتفضيل الوحدة، تغيرات في الشهية والنوم إما زيادة أو نقصانًا، زيادة الحساسية تجاه الرفض أو كلمة “لا”، صعوبة التركيز وانخفاض الطاقة، الشعور بالرغبة العارمة بالبكاء المفاجئ، التفكير بالموت أو الانتحار.
وكما قلنا سابقًا، لا يمر جميع الأطفال المكتئبين بكل تلك الأعراض دفعة واحدة، فهناك عوامل كثيرة تلعب دورًا مهمًا في تطور بعض الأعراض منها العوامل البيولوجية والجينية والبيئية والنفسية المختلفة، فقلة الثقة بالنفس والانتقاد الدائم للطفل وشعوره أنه ليس بإمكانه القيام بأي أمر تزيد من نسبة إصابته بالاكتئاب، كما أن الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم قد تكون نسبة إصابتهم بالاكتئاب كبيرة، كما يلعب الجو العائلي دورًا كبيرًا في اكتئاب الطفل، فالأسرة غير المستقرة التي تكثر فيها المشاكل بين الوالدين تُعتبر سببًا قويًا وصريحًا في تطور المرض لدى الأطفال، خاصة إن طالتهم يد العنف من أحد الوالدين أو كليهما.
تختلف أعراض الاكتئاب لدى الأطفال وتتراوح، وغالبًا ما تكون غير مشخصة ولا تؤخذ بعين الاعتبار باعتبارها جزء من التطورات النفسية والعاطفية المتسارعة
كما أن بعض الدراسات أشارت إلى أن 25% من الأطفال الذين يعاني أحد والديهم من الاكتئاب الإكلينيكي معرضون أيضًا للإصابة بالاكتئاب خلال مراحل الطفولة، النسبة التي قد تزيد إلى 75% في حال كان كلا الوالدين يعانيان من الاكتئاب.
كيف تتعامل مع طفلك المصاب بالاكتئاب؟
ابحث عن الدليل في اللعب
يميل الأطفال للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم من خلال اللعب أكثر من الحديث والكلام، لذلك يمكنكَ تعلم الكثير عن كيفية شعورهم ببساطة عن طريق قضاء الوقت معهم ومشاهدتهم في أثناء اللعب، ففي حين أن الامتناع عن اللعب وصعوبة الاندماج فيه قد يكون طريقًا واضحًا لتشخيص المرض، على الجانب الآخر قد تكون طريقة اللعب نفسها دليلًا، مثل ميل الأطفال للعب العنيف أو تكرار عبارات غير طبيعية في أثناء لعبهم كحديثهم عن الموت أو الانتحار أو القتل وما إلى ذلك.
تحدث مع طفلك
معظم الأطفال ليسوا جيدين في الحوار وبدء الحديث، خاصة إن كان الأمر متعلقًا بمشاعرهم أو مشاكلهم النفسية، لذلك خصص وقتًا محددًا بين الفينة والأخرى للحديث مع طفلك عن حياته اليومية سواء في البيت أو المدرسة أو غيرها، وحاول أن تغير من طريقة الحوار كلما وجدت أنه يمتنع عن الكلام والإفصاح، وركز أكثر أن تشعره أنك مستمع جيد طول الوقت وأن بإمكانه اللجوء لك متى شاء.
ونظرًا لأنه ليس ببعيد أن يفكر الطفل المكتئب بالموت والانتحار، فتعمد أن تجعل منهما محورًا للحديث بالطريقة التي تراها مناسبة، فمن هذا المنطلق تستطيع أن تستكشف مدى خطورة الاكتئاب والأفكار السلبية المرافقة له التي يعاني منها طفلك.
استعن بطبيب أو معالج نفسي
قد يصعب في كثير من الأحيان أن يمسك الوالدان بزمام الأمور دون اللجوء لطبيب نفسي، لذلك لا تستهن بهذه الخطوة التي قد تختصر الكثير عليك وعلى طفلك وتسرع من علاجه، فالتشخيص والعلاج المبكر هو المفتاح، وقد أظهرت الكثير من الدراسات أن تأخر علاج الاكتئاب عند الأطفال يؤدي إلى تغيرات في أجزاء من الدماغ مما يؤثر على نمو الطفل النفسي والعقلي في مراحل عمرية متقدمة، بالإضافة إلى أن التأخر في الحصول على العلاج قد يزيد من حدة الأفكار السلبية التي تراود نفس الطفل مثل الانتحار والموت.