ترجمة وتحرير نون بوست
نشرت الصحف الإيرانية صور عالمة الرياضيات، مريم ميرزاخاني، التي توفيت يوم الجمعة الماضي، من غير حجاب. وبذلك، ستذكر مريم ميرزاخاني كامرأة تجاوزت الحجب حية وميتة. في سنة 2014، أصبحت هذه الرياضية الإيرانية أول امرأة تظفر بجائزة فيلدز، التي تعرف بجائزة نوبل في عالم الرياضيات. وعندما توفتها المنية الجمعة الماضية عن عمر يناهز 40 عاما، كسرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، وحتى الرئيس حسن روحاني، القيود القومية من خلال صور ظهرت فيها مريم دون حجاب.
في إيران، يفرض على المرأة أن تلبس الحجاب في الأماكن العامة منذ نشوب الثورة الإسلامية سنة 1979. لذلك، من النادر أن تظهر المرأة الإيرانية من دون حجاب في الصحف. لكن، ميرزاخاني التي كبرت في طهران وتحصلت على الشهادة من معهد هارفارد وأصبحت أستاذة في ستانفورد، لم تكن ترتدي الحجاب.
نشرت صحيفة الشرق الإصلاحية اليومية صورة لها وهي مرتدية الحجاب، وكتبت بالخط العريض تحتها: “ملكة أرض الأرقام”.
عندما فازت مريم ميرزاخاني، بجائزة فيلدز قبل ثلاث سنوات أصرت الصحافة الإيرانية على عدم نشر صورها من دون حجاب. فعملوا على تعديل صورها بالحاسوب وأضافوا الحجاب، أو نشروا صورا قديمة لها وهي مرتدية للحجاب، أو رسموا صور يدوية لها بحجاب. ولكن الأسبوع الماضي، ملأ خبر وفاتها في أحد مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية، بعد صراع مرير مع مرض سرطان الثدي الخبيث، الصفحات الأولى في الصحف الإيرانية، حيث وافق البعض على نشر صورها كما عاشت، وبهذا حققت ميرزاخاني شيئين أولهما أنها أصبحت رمزا وفخرا قوميا، والثانية أنها ماتت.
وفي هذا الإطار، قالت هالة إيسفاندياري، المديرة السابقة لبرنامج مركز وودرو ويلسون الدولي للعلوم بواشنطن، “لقد توفيت، ولم تعد موجودة بيننا، لذا فلننشر صورها بالحجاب أو من دونه، فهذا لا يمثل فرقا كبيرا لدى الناس، فهذا ليس بالشأن السياسي المهم”.
وحيال هذا الشأن، نشرت صحيفة “هامشاهري” المساندة للحكومة صورة كبيرة لمريم من دون حجاب تحت عنوان، “عبقرية الرياضيات التي أخضعت الجبر قد ماتت”. كما قامت صحيفة “دنيا الاقتصاد” بالشيء نفسه، مرفقة النص التالي، “ملكة الرياضيات انتقلت إلى العالم الآخر”.
كما نشرت صحيفة الشرق الإصلاحية اليومية صورة لها وهي مرتدية الحجاب، وكتبت بالخط العريض تحتها: “ملكة أرض الأرقام”. أما صحيفة “إيران” اليومية فقد نشرت صورها من دون حجاب، ولكن استخدمت خدعة رقمية لإخفاء شعرها الأسود في الخلفية. بينما، لم تنشر كل من الصحيفتين المحافظتين، رسالات وكيهان، صورها في الصفحة الأولى، حيث أفاد مركز بري، “نشرت صحيفة كيهان صورة لمريم تلبس الحجاب في صفحة داخلية”.
خلال سنة 2014، كان روحاني محل مضايقة وعدم رضا من قبل ماسيح والعديد من النشطاء
وعلى خلفية موت عبقرية الرياضيات الإيرانية، أضافت إيسفاندياري مفردات شاعرية تأثر في الإيرانيين مثل “عبقري” و”ملكة” وتشعرهم بالفخر الممزوج بحزن، بشكل كسر القواعد المحافظة: “أحبها الناس لما حققته من إنجازات وما كانت عليه… وهناك حزن حقيقي سائد في البلاد، فقد فقدوا امرأة مفعمة بالحياة بسبب مرض السرطان في عمر مبكر”.
وفي سياق متصل، رأت الكاتبة الإيرانية القاطنة في بروكلين، ماسيح ألينجاد، والمسؤولة عن صفحة “حريتي المسلوبة” على موقع فيسبوك (وهي حملة شجعت النساء في إيران على نشر صورهن من دون حجاب، ويتابعها أكثر من مليون شخص)، أن هناك دوافع مختلفة في طريقة تعامل الإيرانيين مع وفاة مريم وتبنيهم للفكر القومي. وقد كانت متشككة حيال روحاني، الذي سارع في تفنيد توقعاتها ونشر صورة مريم ميرزاخاني من دون حجاب في حسابه على الإنستغرام.
فضلا عن ذلك، تساءلت ماسيح ألينجاد، “لماذا لم ينشروا صورها عندما كانت حية؟ الآن بعد أن غابت عنا يحاولون أن يكسبوا ودها بطريقة مكشوفة ومقززة. يريدون نشر صورها ليروا العالم كيف تمكنوا من تجاوز الممنوع وليظهروا كم هم حداثيون”.
خلال سنة 2014، كان روحاني محل مضايقة وعدم رضا من قبل ماسيح والعديد من النشطاء. وفي هذا الإطار، أفادت ماسيح ألينجاد أن حملتها “سميهم وافضحهم” قد تهجمت على الرئيس حسن روحاني ووسائل الإعلام، حتى شعر الرئيس بالمضايقة لأنه واجه في العديد من المرات قانون إلزامية ارتداء الحجاب خلال السنوات الماضية. ففي سنة 2015، واجهه صُحفي في فرنسا بصور من صفحة “حريتي المسلوبة” وسأله عما إذا كان يرى أنها عدائية.
في وقت متأخر من هذه السنة، قررت قناة أوسكار الإيرانية منع نشر صور أنوشه أنصاري بعد أن حازت على جائزة أفضل فيلم أجنبي عن فيلم “رجل المبيعات”. وقد أثار هذا غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. وبالتالي، لا يواجه الرئيس الإيراني ضغطا دوليا فحسب، ولكن يعيش غليانا شعبيا في الداخل، في شكل مظاهرات على غرار مظاهرة الأربعاء الأبيض، حيث قامت النساء بارتداء الأبيض تعبيرا عن رفضهم لقانون اللباس العام. (رابط بوست روحاني على انستغرام )
في الواقع، تواجه حكومة روحاني غضبا شعبيا من نوع آخر؛ المتمثل في أزمة هجرة الأدمغة. فقد غادرت ميرزاخاني من أجل إكمال دراستها في الولايات المتحدة، كما يفعل آلاف الإيرانيين كل سنة. وعلى الرغم من أنها عاشت مسيرتها في أمريكا إلا أن وفاتها وفرت للحكومة الإيرانية والإعلام الفرصة لتوظيف رمزية الصورة لخدمة مصالحهم.
وحيال هذا الشأن، قالت ألينجاد، “يشعرون أن سمعتهم قد تلوثت أمام العالم، ويريدون تلميعها من جديد. مريم اسم كبير، لذا فهم يتسلقون هذا الاسم ليصنعوا اسما لهم. وهذا دليل نفاق، لأنه إن كنت تهتم بحرية الاختيار فعليك أن تسمع صوت زوجتك التي تصرح منذ سنوات داخل إيران، وليس صوت شخص قد أصبح في عداد الموتى”.
من جانبها، رأت إيسفاندياري أن وسائل الإعلام الإيرانية توظف أزمة الحجاب بطريقة ما من أجل معاقبة النساء اللاتي يرغبن في انتقادهم. وتحدثت عن شيرين إيبادي، التي فازت بجائزة نوبل للسلام في سنة 2003، لعملها في شؤون حقوق الإنسان خاصة في إيران، فقالت، “عندما أرادت الصحافة المحافظة إيذاءها نشرت صورا لها بالخارج من دون حجاب”. أما في حالة ميرزاخاني المحبوبة، فلا وجود لإشكاليات سياسية تدعوا للتهكم عليها لذا بالكاد نشرت الصحف المحافظة صورها وغطت قصتها.
وفي في شأن ذي صلة، أوردت ألينجاد أنها تعتبر التفاعل المتواضع من قبل الصحف المحافظة مع موت ميرزاخاني خطوة صغيرة نحو تحقيق مساواة المرأة. كذلك، من المهم الثناء على الناشطين المعارضين المنددين بمسألة ارتداء النساء الحجاب بالفوتوشوف حتى تهتم الحكومة. وقد قالت أيضا، “يقول بعض الناس إن هذا إنجاز آخر لمريم، أنا أحترم مريم فهي بطلتي. ولكن مريم وأنوشه أنصاري لم تعارضا، ولكنهما كانتا صوت المرأة الإيرانية. فهما حاولتا إيذاء الحكومة وصوتهن الآن مسموع”.
المصدر: الأتلانتيك