تبذل السلطات المغربية مجهودًا لوقف انتشار حراك الريف ووصول الاحتجاجات إلى مدن أخرى خاصة “مليلة المحتلة” التي يقطنها الكثير من الريفيين، حتى لا تتسبّب في فضح ممارساته القمعية كما يصفها نشطاء مغربيين، إلا أن هذه الاحتجاجات عرفت طريقها للمدينة الواقعة تحت الاحتلال الإسباني بالتزامن مع مسيرة كبرى في الحسيمة بعد أيام من التهدئة.
مليلة على الخط
بأعلام وشعارات مثيلة بالتي ترفع في باقي مدن الريف المغربي، خرج عدد من النشطاء في مسيرة جابت مختلف شوارع مدينة مليلة، الثلاثاء الماضي، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية حراك الريف الذي انطلق منذ شهر أكتوبر من السنة الماضية، بكل من سجون الناظور والحسيمة والدار البيضاء، دون قيد أو شرط، ووقف المتابعات القضائية الجارية.
ورفع المشاركون في المسیرة شعارات تطالب الحكومة الإسبانية والاتحاد الأوروبي بالضغط على المملكة المغربية من أجل احترام حقوق الإنسان واحترام الحق في الاحتجاج السلمي ودفعه لإطلاق سراح المعتقلین على خلفیة الاحتجاجات التي تعرفھا مدینة الحسیمة والمناطق المجاورة لھا.
ينص البند الأول من اتفاقية حسن الجوار على التزام المغرب وإسبانيا يتعهد بالوفاء بحسن نية بالالتزامات التي تعهدا بها طبقا للقانون الدولي
ومليلية هي مدينة مغربية محتلة من طرف إسبانيا وهي ذاتية الحكم تقع على القارة الأفريقية بجانب بحر البورانو قبالة سواحل غرناطة وألمرية، قبالة الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الإيبيرية. تحيط بها الأراضي الريفية المغربية من كل الأطراف، وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينة مليلية وتعتبرها جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، حيث يتمتع سكانها من أصل مغربي بحقوق كاملة داخل المملكة كمواطنين مغاربة.
ورغم تجنيد السلطات المغربية لعدة عناصر موالية لها للمشاركة في المظاهرة، للتخفيف من حدة الشعارات فيها، فقد ندّد المحتجون المقاربة “القمعية” التي تنهجها السلطات مع الاحتجاجات بالريف، وطالبوا بضرورة إسقاط العسكرة عن الريف بأكمله، والعمل على الاستجابة للمطالب بسرعة، ورفع المشاركون في المسيرة شعارات من قبيل “يا مخزن حذار كلنا الزفزافي”، و”يا مخزن يا جبان شعب الريف لا يهان”، و “هي كلمة واحدة هاد الدولة فاسدة”، و”الحرية الحرية للمعتقلين”.
أهالي مليلة يشاركون “الريف” تحركاته
وفي مداخلة رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، رشيد الراخا، طالب بإلغاء معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون الموقعة بالرباط في 4 يوليوز 1991 بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية، نظرا لانتهاك المغرب للبند الأول من هذه الاتفاقية المتعلق باحترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وينص البند الأول من اتفاقية حسن الجوار على التزام المغرب وإسبانيا يتعهد بالوفاء بحسن نية بالالتزامات التي تعهدا بها طبقا للقانون الدولي سواء تلك المنبثقة من مبادئ وقواعد القانون الدولي، المعترف بها عموما، أو الصادرة عن معاهدات أو أوفاق أخرى يعدان طرفين فيها وفقا للقانون الدولي.
رشيد الراخا، أكّد في وقت سابق أن جميع ممثلي الأحزاب السياسية الإسبانية الممثلة في بالبرلمان الإسباني، عبروا عن انزعاجهم من تعامل السلطات المغربية مع مطالب نشطاء الحراك الشعبي بالريف، مؤكّدين استعدادهم للضغط على حكومة “ماريانو راخوي ” للتحرك والتدخل لدى الحكومة المغربية وحثّها على وقف تعاملها الأمني المرفوض مع المحتجين بالحسيمة وإقليمها، ووقف حملة الاعتقالات ومحاكمة نشطاء “حراك الريف”، حسب قوله، وتخشى السلطات المغربية أن تتواصل الاحتجاجات المتضامنة والداعمة لحراك الريف في مدينة “مليلة المحتلة” لما تمثّله المدينة من أهمية كبيرة في صفوف الريفيين الذين يرون فيها امتدادا لهم.
مسيرة ضخمة في الحسيمة رغم “القمع” الأمني
إلى جانب ذلك، شهدت مدينة الحسيمة مساء أمس الخميس مسيرة ضخمة، وذلك رغم إعلان السلطات المغربية، قبل أيام، منع تنظيم مسيرة “مليونية” من طرف نشطاء الحراك، ولم يثني التواجد الأمني الكثيف وسط المدينة وضواحيها منذ الساعات الأولى من أمس الخميس، الألاف من التوافد للحسيمة.
وشارك آلاف المتظاهرين في المدينة بالمسيرة التي ندّدت باستمرار اعتقال نشطاء “حراك الريف“، واستخدمت السلطات الأمنية، الغازات المسيلة للدموع، لتفريق المحتجين، ومنعتهم من الوصول إلى ساحة “محمد السادس”، التي يطلق عليها المتظاهرون اسم “ساحة الشهداء”، لكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة الاحتجاج في الشوارع والأزقة.
حتى المصلون في بيوت #الله لم يسلمو من الغازات المسيلة لدموع في الحسيمة
#Maroc #Hirak #Alhoceima #المغرب #الحسيمة #Morocco #Hirak_Rif pic.twitter.com/bBapxm3d4z
— حسناء المغربية (@elmaghariba) July 20, 2017
وتسبب الإطلاق الكثيف للغازات المسيلة للدموع، في حدوث إغماءات بصفوف المحتجين، بحسب ما أظهرت صور تداولها نشطاء على “فيسبوك”، فيما اعتقلت القوات الأمنية أكثر من 15 شخصًا بالقرب من أحياء ساحة “محمد السادس”، إضافة إلى إصابة العديد من المحتجين نقلوا على إثرها إلى المستشفيات.
إصابة عناصر أمن
في مقابل ذلك، أعلنت السلطات في إقليم الحسيمة، في بيان أصدرته مساء الخميس، أن “72 عنصرًا من القوات العمومية أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة، إثر استفزازها ومهاجمتها بالحجارة من طرف بعض العناصر الملثمة، في حين أصيب 11 شخصًا من المتظاهرين نتيجة استعمال الغازات المسيلة للدموع، تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي الإسعافات اللازمة”، حسب نصّ البيان.
لم تكن هذه الاحتجاجات التي يعرفها الريف المغربي الأولى من نوعها، فقد عرفت المنطقة بعض الاحتجاجات الاجتماعية في عهد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني
وأدى مقتل بائع السمك الشاب محسن فكري سحقًا داخل شاحنة نفايات، إلى أحد أكبر الاحتجاجات على مستوى المملكة المغربية منذ عام 2011 عندما نظمت حركة 20 من فبراير مظاهرات تطالب بالإصلاح الديمقراطي مستلهمة انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في مختلف أرجاء المنطقة، وأصدرت الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف في الحسيمة، نهاية الشهر، أحكامًا وزعت بين البراءة والسجن النافذ في حق 11 متابعًا في ملف ما عرف بـ “بائع السمك“.
ولم تكن هذه الاحتجاجات التي يعرفها الريف المغربي الأولى من نوعها، فقد عرفت المنطقة بعض الاحتجاجات الاجتماعية في عهد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958 وكان آنذاك وليًا للعهد، كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية في عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب.
احتجاجات نسوية
بالتزامن مع مسيرة الحسيمة، تجمّع العشرات من النشطاء الحقوقيين، مساء أمس أمام مقر البرلمان بالرباط، في وقفة تضامنية مع الحراك الشعبي بالحسيمة ومطالبة بإطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفيته، في سياق ما أطلقوا عليه أسبوع التضامن النسائي، الذي دعت إليه “نساء مغربيات واقفات ضد الاعتقال السياسي”.
مطالب بالافراج عن معتقلي الحراك
وحمل المحتجون صورا للمعتقلة الريفية سيليا الزياني، مطالبين بالإفراج الفوري عنها وعن باقي معتقلي الحراك الشعبي بالحسيمة، بجانب أعلام أمازيغية ولافتات احتجاجية كتب عليها “لا لتخوين الريف” و”لا لتسخير الإعلام العمومي ضد الحراك الشعبي” وأيضا “الاستبداد يعمم القمع فلنعمم التضامن” وكذا “عاش الشعب ولا عاش من خانه”، بجانب شعارات مطالبة بالحرية والكرامة ومنددة بالسياسات الرسمية في مجال حقوق الإنسان.