بعد محاولات عديدة لتوحيد القضاء في مناطق سيطرة المعارضة السورية، من خلال تشكيل هيئات قضائية جامعة كان أبرزها تشكيل مجلس القضاء الأعلى في حلب قبل عامين، اتفقت كبرى المؤسسات القضائية في المناطق السورية المحررة يوم الأربعاء 19 يوليو/ تموز 2017، على تشكيل مجلس القضاء الأعلى في سوريا، واعتماد القانون العربي الموحد وتعديلاته كمرجعية قانونية لهذا التشكيل.
وضم التشكيل الجديد كلاً من الهيئة الإسلامية للقضاء ومجلس القضاء الأعلى بحلب والتي تعمل في مناطق الشمال السوري وكلاً من مجلس القضاء الأعلى في الغوطة الشرقية بريف دمشق ودار العدل في حوران العاملة في محافظة درعا جنوب البلاد.
لكن ما مدى النجاح الذي سُيكتب للتشكيل الجديد وخاصة أنه ليس اندماجاً كاملاً بين جميع مكوناته، حيث نص بيان التشكيل فقط على “اجتماع” تلك المؤسسات والهيئات القضائية تحت مسمى مجلس القضاء الأعلى، ما يضع العديد من إشارات الاستفهام حول حقيقة هذا الجسم الجديد ومدى القوة القضائية والتنفيذية التي سيمتلكها.
أما تبنى المجلس للقانون العربي الموحد كمرجعية قانونية بعد إدخال تعديلات عليه، فلا يكفي لحل المشكلة القضائية التي تعاني منها المناطق المحررة، مع عدم وجود اندماج حقيقي وكامل بين مكونات المجلس، ما يعني استمرار تعدد الجهات القضائية وقوتها التنفيذية وعدم قدرتها على تطبيق القانون على الجميع، وخاصة إن كان المُدعى عليه من فصيل عسكري مهيمن على إحدى تلك الجهات القضائية، لذلك يرى بعض المراقبين أن القضاء الموجود في مناطق سيطرة المعارضة لا ينطبق عليه تعريف القضاء الصحيح، من كونه الإخبار بالحكم على وجه الإلزام، فكثير من الأحيان تضيع الحقوق كون القضاء ليس عنده القدرة الإلزامية لإخضاع الجميع لسلطة القانون، وهذه معضلة لا يمكن حلها بغياب الدولة ومؤسساتها القانونية، التي الأصل فيها أن يكون لها سلطة حتى على رئيس الدولة إن خالف القانون أو أساء إلى الرعية.
تبني المجلس للقانون العربي الموحد لا يكفي لحل المشكلة القضائية التي تعاني منها المناطق المحررة
ويضاف إلى صعوبة توحيد القضاء في المناطق المحررة وجود محاكم لفصيل هيئة تحرير الشام، وهو فصيل إسلامي له مناطق سيطرة ونفوذ واسعتين، وخاصة في مناطق الشمال السوري، وبإمكان أي شخص اللجوء إلى قضاء الهيئة، وهو غير ملزم بمحاكم مجلس القضاء الأعلى، ما يعني عدم قدرة المجلس على فرض محاكمه على الناس، وعدم إمكانية الاعتراض على حكم قضائي صادر عن محاكم هيئة تحرير الشام، ما يعني استمرار الفوضى القضائية في ظل غياب الدولة.
أما عن رأي المحامين في هذا التشكيل الجديد فيقول المحامي أحمد العمر عضو نقابة المحامين الأحرار بحلب: ” تفاجئنا نحن كمحامين بهذا الإعلان حيث لم يتم استشارتنا كمحامين في كافة نقابات المحامين، سواء شمال سوريا أو جنوبها ومن المفروض مهنياً أن يتم استشارة المحامين في كافة المناطق المحررة قبل الإعلان عن هكذا تشكيل”.
وعن فرص نجاح التشكيل الجديد، فيرى العمر أن هذا التشكيل لن يكتب له النجاح في توحيد الهيئات القضائية في سوريا، شأنه كشأن مجلس القضاء الأعلى في حلب الذي فشل في توحيد القضاء على مستوى محافظة حلب، معزياً هذا الفشل إلى أن غالبية المحاكم المنتشرة في المناطق المحررة تفتقر إلى المهنية والخبرات ووجود الكوادر القضائية القادرة على تسيير شؤون المحاكم وفق رؤية قانونية صحيحة.
يرى بعض المراقبين أن القضاء الموجود في مناطق سيطرة المعارضة لا ينطبق عليه تعريف القضاء الصحيح
وسبق إعلان تشكيل مجلس القضاء الأعلى ظهور تسريبات تتناول إعلان مبادرة ستطلقها حركة أحرار الشام الإسلامية قريباً من أجل تشكيل إدارة موحدة لإدارة الشمال السوري المحرر تشترك فيه جميع الفصائل العسكرية والجهات المدنية المختصة، ما يعني أن خطوة تشكيل المجلس جاءت في سياق التمهيد لإنجاح مشروع الإدارة الموحدة، مع العلم أن الهيئة الإسلامية للقضاء أحد مكونات مجلس القضاء الأعلى تتبع بشكل مباشر لأحرار الشام.
فهل يستطيع مجلس القضاء الأعلى رغم كل المعوقات أن يكون مؤسسة قضائية ذات استقلالية وشفافية، وقدرة على إقامة العدل بين شرائح المجتمع السوري في المناطق المحررة بعيداً عن تأثير القوى العسكرية المهيمنة على الأرض وهل سيتمكن من توحيد جميع الجهات القضائية ودمجها في جسم قضائي واحد؟
لعل الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على تلك التساؤلات التي يطرحها الشارع السوري الثائر والذي ينادي منذ سنوات بتوحد كافة الجهات المدنية والعسكرية العاملة على الأرض في سوريا.