نالت المرأة العربية جزء كبيرا من حقها في قضايا الفن كالمسرح والسينما، لكنها مازالت تبحث عنه في قطاع الرياضة، وسط مقاومة التقاليد والعادات الموروثة وتحريم بعض المشرعين. ورغم ما حققته الرياضيات العربيات من نتائج مشرفة على الأصعدة المحلية والدولية إلا أن حركات جذبهن للوراء تزداد قوة وتشددا تحت مسمى الموروث الثقافي الإسلامي المحافظ في ظل غياب قرارات سياسية وقوانين تضمن حق المرأة العربية في ممارسة جميع الرياضات التي تستهويها دون قيد أو شرط.
في فترة الثمانينات وبداية التسعينات شاركت العديد من الرياضيات العربيات في الدول التي تسمح بمشاركة رياضياتها في المنافسات والألعاب الدولية وحققن نجاحات كثيرة وفزن بعدد من الميداليات الذهبية ورفعن رايات دولهن من أمثال نوال المتوكل من المغرب وغادة شعاع من سوريا وحسيبة بولمرقة من الجزائر ورانيا علواني من مصر ومريم الميزوني من تونس وغيرهن أسماء كثيرة جلبت إلى بلدانها الميداليات. هذه القائمة من الرياضيات العربيات مرفوقة بقائمة من النجاحات تدون تاريخ عصر ازدهرت فيه الرياضات النسائية في القرن الماضي.
الركود في الرياضة النسائية يدور في حلقة مفرغة بين ما تحلم به المرأة العربية من مواكبة للتقدم الحاصل في مجال الرياضة في العالم وتحقيق الفوز
اللافت للانتباه أنه وفي السنوات الأخيرة ورغم ما تبدو عليه أوضاع النساء العربيات من تطور وتقدم في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين إلا أن أداء الرياضيات العربيات شهد تراجعا إن لم نقل انتكاسة. فالنكوص على مستوى الإنجازات والنتائج الرياضية الدولية يرجع لأسباب عديدة أهمها الزي الرياضي الذي يتحكم بطريقة غير مباشرة في إقبال الفتاة العربية على ممارسة الرياضة، سواء كانت فردية أو جماعية. وحتى لو كانت موهوبة فإن حدود الأخلاق والزي الشرعي والزي الرياضي والعادات والتقاليد العربية والإسلامية المحافظة والدين الإسلامي ورفض بعض المجتمعات والأسر لدعم وتشريك بناتهم في الألعاب الرياضية تقف جميعها حواجز متراصة في وجهها.
ولكن رغم السماح للرياضيات العربيات بارتداء غطاء الرأس في عدد من المنافسات الدولية إلا أن الإنجازات الرياضية النسائية العربية ظلت محدودة لتثبت أن مشاكل الرياضة النسائية العربية تتجاوز الزيّ الرياضي “الشرعي” إلى مسائل أعمق أهمها الوعي بأهمية وقيمة دعم حق المرأة في ممارسة الرياضة ومعاملتها مثل الرياضيين الذكور.
نظرة المجتمع للمرأة وتطوير الرياضة النسائية العربية … وجهان لعملة واحدة
الركود في الرياضة النسائية يدور في حلقة مفرغة بين ما تحلم به المرأة العربية من مواكبة للتقدم الحاصل في مجال الرياضة في العالم وتحقيق الفوز والإنجازات والنجاحات وبين مطرقة التقاليد الاجتماعية المحافظة التي لا تستسيغ ممارسة النساء للرياضة وظهورهن بأزياء رياضية يصفها المتشددون بالعري ويرون أنها لا تنسجم مع تعاليم الدين الإسلامي ولا مع روح الثقافة العربية لكونها تقدم المرأة في صور عارية.
ورغم محاولات الرياضيات العربيات الارتقاء برياضاتهن ورغم توجه سياسات بعض الدول العربية مثل تونس والمغرب ومصر وبعض دول الخليج العربي مثل البحرين لتشجيع العنصر النسائي ودعم مكتسباته الرياضية إلا أن النجاح والإبداع النسائي في الرياضة ما يزال محدودا واستمرار التضييق على المشاركة النسائية في الرياضة حيث لا يوجد وعي في المجتمعات العربية بأحقية المرأة في أن تمارس الرياضة. وهو ما يجعل العديد من الأسر لا تتقبل دخول بناتها لممارسة الأنشطة الرياضية وتحبطهن منذ الطفولة كما ترفض ما تفترضه المنافسات الدولية من سفر وانتقال من بلد إلى آخر من دون محرم.
المصرية رانيا علواني التي تلقب في مصر بالسمكة الذهبية وهي من مواليد 1977 وتعرف على أنها أول سباحة مصرية وعربية تحصل على ميداليتن ذهبيتين في السباحة في تاريخ دورات البحر الأبيض المتوسط
تعثرالرياضيات امام انعدم تقبل الوعي الجمعي العربي ذي الخلفية المسلمة لتواجد المرأة في النشاط الرياضي لذلك تصل قليلات منهن لمنصات التتويج العالمية. وغياب العمل في أعلى هرم السلطة على تغيير الثقافة والأفكار الرجعية بشكل جذري لأنها تقيس جميع حقوق النساء بالعقلية الذكورية التي لا تريد أن تظهر المرأة إلا على ما تستسيغه ذائقتها التمييزية. ورغم أن عددا هاما من الرياضيات تمارسن ما يسمى حديثا بـ”الرياضة الشرعية” أي يلتزمن بغطاء الرأس والحجاب والسراويل وستر وتغطية أجسادهن إلا أن تشجيعهن يظل منقوصا وهن لا تحظين بنفس الدعم الذي يحظى به الرياضيون الرجال حتى وإن تفوّقن بإنجازاتهن وتتويجهن عليهم.
ورغم أن ظهور رياضيات مسلمات وعربيات مرتديات للحجاب وللباس محتشم بات مقبولا بشكل نسبي خاصة في الدول الغربية بعد إلا أن تأخر الرياضات النسائية العربية عن اللحاق بركب الرياضة في العالم يزداد منسوبه لتتسع الفجوة بين الرياضيات في الدول العربية والمسلمة من جهة وبين نظيراتهن من السيدات في الدول الغربية وبينهن وبين الرياضيين الرجال في نفس الدولة.
فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي العصر الذهبي للرياضة النسائية
أسماء عربية لعديد اللاعبات من الدول العربية في المحافل المحلية والإقليمية والدولية سطعت وكن نجمات عصرهن ومفخرة لدولهن وللجمهور الرياضي العربي. وكان للرياضيات من شمال أفريقيا ومن دول المغرب العربي نصيب الأسد في الوصول إلى منصات التتويج العالمية مقارنة بالنساء من بقية الدول العربية حيث قبلت مجتمعاتها وحكوماتها تشريك النساء في المنافسات الإقليمية والدولية.
المصرية رانيا علواني التي تلقب في مصر بالسمكة الذهبية وهي من مواليد 1977 وتعرف على أنها أول سباحة مصرية وعربية تحصل على ميداليتن ذهبيتين في السباحة في تاريخ دورات البحر الأبيض المتوسط منذ إنشائها في عام 1951 بالإضافة إلى الفوز بـ77 ميدالية على المستوى الدولي والأفريقي والعربي خلال مسيرتها التي انتهت عام 2000 لتتولى عديد المناصب في المجال الرياضي ومؤخرا عينت من بين أعضاء البرلمان المصري.
العداءة المغربية نوال المتوكل التي دونت اسمها بحروف لا تمحى في تاريخ تمثيل الرياضات الفردية المغربية والعربية في المسابقات الدولية وقد فازت المتوكل عام 1984 بالميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز خلال دورة لوس أنجلوس لتكون أول عربية تحصل على هذا التتويج. كما تحصلت عام 1987 على ذهبية دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في سباق 400 متر عدو في سوريا ومن ثم واصلت طريقها في التميز لتحصد ألقابا لم يبلغها أبناء جيلها من الرجال في المغرب، ومازالت المتوكل إلى اليوم تمثل الوجه المشرق للرياضة في المغرب وتعد فخرا للرياضة النسائية المغربية على وجه الخصوص.
لاعبة ألعاب القوى الجزائرية حسيبة بومرقة والتي تفوقت في سباقات الجري للمسافات المتوسطة والطويلة. ونجحت في الوصول إلى أن تصبح بطلة رياضية على المستويين العالمي والأوليمبي. فهي أول امرأة عربية تفوز بلقب عالمي عندما حققت المركز الأول في سباق 15000م وفازت بالميدالية الذهبية في بطولة العالم الثالثة لألعاب القوى التي أقيمت عام 1991م في طوكيو باليابان حيث سجلت زمنًا قدره 4,02,211 دقائق.
السورية غادة شعاع المولودة عام 1972،والتي تظل أبرز لاعبة ألعاب قوى سورية في العالم، وإلى جانب ما حققته من ألقاب في سوريا والعالم العربي أحرزت شعاع على ذهبية بطولة العالم لألعاب القوى في السويد عام 1995 ثم تحصلت على الميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1996 في أتلانتا لتنال الميدالية الأولمبية الذهبية الأولى لسوريا في تاريخ الألعاب الأولمبية.