منذ اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى سلاح الاغتيالات كوسيلة للفتك بالقيادات الفلسطينية المقاومة من أجل وقف إفراغ الساحة من قياداتها وتمدد العمل المقاوم الفلسطيني والتصدي لحالة الثورة، فاغتال العشرات منهم في فلسطين وخارجها.
وأعاد اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” صالح العاروري، مساء أمس 2 يناير/كانون الأول 2024، فتح الملف من جديد وأسباب تمسك المستوى السياسي والعسكري والأمني بهذه الوسيلة رغم فشلها.
لا يعد العاروري الشخصية الأولى فلسطينيًا التي تغتالها “إسرائيل” خارج فلسطين المحتلة، فقد سبق وأن نفذ الموساد سلسلة من العمليات التي طالت شخصيات من الصف الأولى سواء المحسوب منهم على حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” أم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من الفصائل الفلسطينية.
فمنذ بدء الكفاح المسلح، عملت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على ملاحقة وقتل قادة الفصائل الفلسطينية في مختلف دول العالم، فنفذت عمليات أمنية في روما وباريس وقبرص وغيرها، ولم تكن بيروت استثناءً، حيث كانت منذ السبعينيات مسرحًا للفصائل الفلسطينية المقاومة ومستقرًا لقادة الحركات المسلحة، ما جعلها مستهدفة من أجهزة الأمن الإسرائيلية التي خططت ونفذت عمليات تصفية عدة بحق هؤلاء القادة.
ومن أبرز عمليات اغتيال القادة الفلسطينيين التي نفذها الاحتلال في لبنان، كانت عملية فردان أو عملية “ينبوع الشباب” كما أسمتها “إسرائيل”، وهي عملية أمنية عسكرية نفذتها قوات إسرائيلية في 10 أبريل/نيسان 1973 تمكنت خلالها من اغتيال 3 قادة فلسطينيين من حركة فتح هم: كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، كما فجرت مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وسبق ذلك في يوليو/تموز 1972، اغتيال الأديب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني الذي قتل بانفجار عبوة ناسفة وضعت في سيارته ببيروت، لكن “إسرائيل” في ذلك العام، كما اليوم في العام 2024، لم تعترف رسميًا بتنفيذ عملية الاغتيال، لكن أصابع الاتهام لم يكن لها وجهة غير حكومة تل أبيب.
ولعل “الأمير الأحمر”، علي حسن سلامة أو أبو حسن، كان من أبرز من اغتالهم الاحتلال الإسرائيلي في بيروت، فقد كان قياديًا بارزًا في منظمة التحرير الفلسطينية، وشخصية معروفة وذات كاريزما عالية في المجتمع الفلسطيني واللبناني على حد سواء، قاد العمليات الخاصة ضد المخابرات الإسرائيلية في العالم من لبنان، إلا أن الموساد تمكن منه في 22 يناير/كانون الأول 1979 عن عمر لم يتجاوز 37 عامًا، بسيارة مفخخة.
أبرز الاغتيالات في حركة حماس
استطاع الاحتلال الإسرائيلي، اغتيال عدد من قيادات المقاومة في حركة حماس، على مر السنوات، بعدما وجهوا ضربات مؤلمة للاحتلال، وشاركوا في المقاومة ضده، ولعل من أبرزهم المؤسس الشيخ أحمد ياسين ورفيق دربه والقائد الثاني للحركة عبد العزيز الرنتيسي، بالإضافة إلى المفكر إبراهيم المقادمة ويحيى عياش وعماد عقل.
وفيما يلي قائمة بأبرز الشخصيات التي اغتالها الاحتلال من قادة حركة حماس:
- اغتال الاحتلال عماد عقل عام 1993 في حي الشجاعية بغزة، بعد أن نفذ عشرات العمليات ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، وُلد عام 1971، في مخيم جباليا، واعتقلته السلطات الإسرائيلية عام 1988 بتهمة الانتماء لحركة حماس، واعتقل مجددًا عام 1990.
- يحيى عياش: اغتال الاحتلال عام 1996 أحد أبرز القادة في كتائب القسام، يحيى عياش، عبر هاتف مفخخ تم تفجيره عن بعد، بعد ملاحقة طويلة، وعياش أو “المهندس” كما يلقب، مسؤول عن قتل عشرات الإسرائيليين، والتخطيط لعمليات ضد الاحتلال، واستطاع أن يغادر الضفة المحتلة ويصل إلى قطاع غزة في أواخر عام 1994.
- جمال سليم وجمال منصور: اغتال الاحتلال عام 2001 القياديين في حركة حماس بنابلس، جمال منصور وجمال سليم، ويُعتبر منصور من مؤسسي حركة حماس في الضفة المحتلة، وتعرض للاعتقال أكثر من 10 مرات، أما جمال سليم فانخرط في صفوف حركة حماس بعد تأسيسها مباشرة وأبعده الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان.
- محمود أبو هنود: اغتاله الاحتلال عام 2001 بصاروخ استهدف سيارته، بعد أن كان من أبرز المطلوبين للاحتلال، حيث حاصره الاحتلال عام 2000 داخل منزل في الضفة الغربية، وأفلت بعد معركة قتل خلالها 3 جنود.
- صلاح شحادة: اغتال الاحتلال صلاح شحادة أحد مؤسسي كتائب القسام عام 2002 بإلقاء قنبلة يزيد وزنها على الطن على منزل بحي الدرج في غزة، أدت إلى استشهاده مع 18 شخصًا بينهم زوجته، وشحادة من مواليد عام 1952 في مخيم الشاطئ بغزة، وهو مسؤول عن التخطيط لعدد من العمليات وسجن لمدة 10 سنوات، وعامين تقريبًا في الحبس الإداري، وأطلق سراحه عام 2000.
- مهند الطاهر: اغتاله الاحتلال عام 2002، وهو أحد المهندسين الأوائل لكتائب عز الدين القسام ومن أبرز مهندسي المتفجرات، اغتيل هو ومساعده عماد دروزة في 2002 بعد معركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث رفضا تسليم أنفسهما لقوات الاحتلال وقاوما حتى استشهادهما.
- إسماعيل أبو شنب: اغتال الاحتلال إسماعيل أبو شنب في 2003 بإطلاق مروحية عسكرية 5 صواريخ على سيارته، ويعتبر أبو شنب أحد أبرز مؤسسي وقياديي حركة حماس وأمضى أكثر من 10 سنوات في السجون الإسرائيلية بتهمة الانتماء لحركة حماس خلال الانتفاضة الأولى.
- أحمد ياسين: في 22 مارس/آذار 2004 اغتال الاحتلال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس في هجوم صاروخي شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية، ولد الشيخ ياسين عام 1938 في زمن الانتداب البريطاني، وألقي القبض عليه عام 1989، وتلقى حكمًا بالسجن مدى الحياة بتهمة التحريض على قتل العملاء الذين يتعاملون مع الاحتلال، خرج عام 1997، في عملية تبادل بعد محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك خالد مشعل، في الأردن، وتعرض لمحاولة اغتيال في 2003 خلال وجوده مع إسماعيل هنية في أحد المنازل، لكنه نجا بجروح طفيفة.
- عبد العزيز الرنتيسي: اغتاله الاحتلال بعد أقل من شهر على توليه قيادة الحركة خلفًا للشيخ أحمد ياسين عام 2004، بصاروخ من طائرة أباتشي على سيارته في غزة، ولد الرنتيسي في قرية يبنا ولجأت عائلته إلى قطاع غزة بعد احتلال فلسطين، تعرض الرنتيسي للاعتقال عدة مرات لفترات متباينة، وأبعد إلى مرج الزهور عام 1992، وألقي القبض عليه فور عودته من مرج الزهور حتى عام 1997، نجا من محاولة اغتيال في 2003 عندما أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخًا على السيارة التي كان يستقلها في قطاع غزة.
- عدنان الغول: اغتال الاحتلال الغول عام 2004 بصاروخ من طائرة استطلاع استهدف سيارته، وهو من الجيل الأول والمؤسس لكتائب القسام، وينسب له الفضل في تصنيع القنابل والصواريخ التي تستخدمها حركة حماس.
- سعيد صيام ونزار ريان: اغتال الاحتلال صيام وريان خلال الحرب على قطاع غزة عام 2009، حيث تولى صيام وزارة الداخلية بعد فوز حركة حماس بأغلب مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006، وشكل القوة التنفيذية المساندة للأجهزة الأمنية في مايو/أيار 2006، واستشهد بغارة على منزله في القطاع، أما ريان فقد استشهد بقصف منزله في جباليا مع 15 من أسرته بما فيهم زوجاته وأبناؤه وبناته.
- أحمد الجعبري: بدأ الجعبري حياته السياسية ضمن حركة فتح، وبعد أن تعرف على الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي انضم إلى حركة حماس، توطدت علاقته بقيادات “حماس” من الصف الأول، فاعتقله جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة بتهمة الانتماء لكتائب القسام، في 2012 نجح الاحتلال في اغتياله بغارة جوية عندما كان في سيارة بالقرب من مجمع الخدمة العامة في مدينة غزة.
- رائد العطار: استهدف الاحتلال الإسرائيلي العطار الذي كان عضوًا في المجلس العسكري لكتائب القسام، في غارة جوية على منزل في رفح بقطاع غزة عام 2014، خطط العطار لعملية كرم أبو سالم عام 2006 التي قتل فيها جنديان، وتم اختطاف الجندي جلعاد شاليط خلالها.
الأبعاد والتداعيات
لا يمكن اعتبار اغتيال العاروري مجرد حدث اعتيادي في ظل الحالة الفلسطينية خاصة مع استمرار معركة طوفان الأقصى التي انطلقت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لا سيما أنها جرت خارج الأراضي الفلسطينية وداخل الضاحية الجنوبية التي تعتبر حصنًا خاصًا بحزب الله اللبناني.
وتفتح عملية الاغتيال التي جرت، الباب أمام تصعيد عمليات سواء في قطاع غزة أم الضفة الغربية بالإضافة إلى إمكانية زيادة حجم ومساحة الاشتباك وقواعده في لبنان، خاصة أن ما جرى يمس بمصداقية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي توعد برد مزلزل على أي عملية اغتيال.
ومن بين السيناريوهات المتوقعة أن يكون دور حركة حماس أوسع في عملية الرد من لبنان، خاصة أن الحركة نشطت عبر مجموعاتها المحسوبة على القسام في الفترة الأخيرة، وهو أمر من شأنه أن يكون له تداعيات مختلفة خلال الفترة المقبلة بغض النظر عن موقف الحزب أو إيران.
ويبقى سيناريو تنفيذ حركة حماس لعمليات تطال أهداف إسرائيلية خارج فلسطين المحتلة أمرًا مستبعدًا مع عدم استحالته، لأن الحركة تمسكت منذ نشأتها بالقتال داخل نطاق جغرافيا فلسطين المحتلة، حتى إن تم اغتيال كوادرها في خارج غزة أو فلسطين.
علاوة على ذلك فإن هذا الاغتيال يفتح المجال والصراع في دول الطوق، خصوصًا وسط تصاعد التهديدات باغتيال جهاز المخابرات لقيادات حركة حماس سواء الموجودين في لبنان أم تركيا وقطر، وهو أمر من شأنه أن يزعزع الاستقرار في المنطقة.
بالعموم فإن الاغتيالات لم تؤثر كثيرًا في تاريخ حركة حماس، بل أسهمت في صعود شخصيات كانت أكثر تمسكًا وتشددًا على الصعيد الوطني وأدارت الصراع بوتيرة متصاعدة، وهو أمر كان واضحًا بالذات في العقدين الأخيرين، إلا أن التنظيم سيعيش واقعًا أمنيًا معقدًا في ظل الموقف الإسرائيلي المعلن بعزمه تصفية قيادات الحركة في الداخل والخارج ضمن المعركة الدائر رحاها الآن.