أعلنت الحكومة التركية عن عزم البلدية في العاصمة أنقرة على إجراء تعديلات في محيط النصب التذكاري “آنيتكابير” لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. وبالإجماع بين وزارة الدفاع الوطنية ومجلس البلدية التركي تم الاتفاق على مصادرة أو اقتطاع بعض من الأراضي المقابلة للضريح وتوحيدها مع المناطق المحيطة بهذا المكان وتحويلها إلى وحدات سكنية عسكرية على مساحة تصل إلى 12 ألف متر مربع وبارتفاع 12 متر ونصف.
بعد الكشف عن هذه الخطة، يوم الاثنين، لم تتوقف القنوات التركية الإخبارية عن الحديث عن هذا القرار الذي تحول إلى جدل واسع بين الكماليين وبين الجهات التي لم تشكك في نوايا هذا القرار الذي أصدرته البلدية.
وفي ساعات أصبح هذا الموضوع حديث الأتراك وخاصة الأتاتوركيين منهم. وفي رد على موجة التساؤلات والغضب التي عمت مواقع التواصل الاجتماعي، قامت بلدية أنقرة وبعض الجهات المساندة لهذه الخطة بتقديم تفسيرات ومعلومات تفصيلية لهذا المخطط نافية أي نوايا حول المساس بضريح مصطفى كمال أتاتورك.
ضريح مصطفى كمال أتاتورك
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
الضريح عبارة عن نصب تذكاري ضخم يحمل اسم “آنيتكابير”، ويضم قبر مصطفى كمال أتاتورك، بدأت عملية إنشائه عام 1944 واكتمل نهائيًا عام 1953. وفي نفس الموقع يوجد مثوى عصمت إينونو الرئيس الثاني للجمهورية التركية والذي دفن عام 1973. وصمم هذا المكان من قبل المعماريين أمين أونات وأحمد أورهان أردا واللذان تغلب تصميمهما على 48 مصمم من المشاركين من الدول الأخرى في مسابقة نظمتها الحكومة التركية آنذاك.
زار هذه القاعة العديد من الشخصيات السياسية البارزة في العالم
يتألف هذا البناء من أربع أقسام رئيسية وهي عبارة عن ساحة للاحتفالات وقاعة الشرف “قبر أتاتورك” وطريق الأسود ومنتزه السلام الذي يحيط بالنصب. وضعت صورة الضريح على الأوراق النقدية التركية خلال هذه الأعوام 1997-2009 و1966-1987.
طريق الأسود وهو ممشى طويل يصطف على جانبيه 12 زوج من الأسود المنحوتة، أما ساحة الاحتفاليات تقع في نهاية هذا الممر ويمكن أن تستوعب 15.000 شخص، وقاعة الشرف تحتوي على تابوت أتاتورك وقد زار هذه القاعة العديد من الشخصيات السياسية البارزة في العالم، أما حديقة السلام المحيطة بهذا الضريح أطلق عليها هذا الاسم شهرةً وتكريمًا لعبارة أتاتورك التي يقول فيها “سلام في الوطن، سلام في العالم”، كما تحتوي هذه الحديقة على حوالي 50.000 شجرة وأكثر من 105 صنف مجمعين من 25 دولة من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى احتوائها على الكثير من التماثيل والأدوات التي استخدمت في الحروب السابقة، أو أدوات خاصة بأتاتورك مثل الكتب والساعات والسيارات. وتقع هذه المنطقة تحت حراسة مشددة طيلة النهار والليل.
“لا تمسوا آنيتكابير” و “آنيتكابير خط أحمر” و “لا يمكنكم أن تمسوا آنيتكابير“
Anıtkabir, ULUS bilinci olan herkesin KIRMIZI ÇİZGİSİDİR. Ona yapılacak en ufak saygısızlık, sabrın tükendiği yer olur.#AnıtkabireDokunma pic.twitter.com/ptT58nqcfT
— Özel Kuvvetler (@ozelkuvvettimi) 17 Temmuz 2017
دشن الأتراك وسم على موقع تويتر الشهير، والذي تصدر المرتبة الأولى على الموقع، معبرين عن رفضهم التام وغضبهم إزاء هذه القرارات التي تهدف إلى التقليص من مساحة مكانة أتاتورك وإلغاء ما تبقى من آثاره في ذاكرة البلاد، وأي خطط تمس هذا المكان فهو عدم احترام للوطن، خاصة وأنه يعتبر أكثر الأشخاص قدسية ورمزية في تركيا. هذا بحسب ما جاء في التغريدات.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الصدام الكبير بين الكماليين والبلدية. ففي العام الماضي، قامت البلدية بإنشاء منتزه للأطفال داخل بناء النصب التذكاري، وهذا كان سبب في اشتعال الغضب على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف المدشنين هذه الخطوة بأنها معيبة ومخجلة ولا يليق بهذا المكان التاريخي، فهو ليس بمكان للعب أو الاستراحة. وهذا تبعا لما جاء في التغريدات المنشورة في شهر أيلول 2016.
هجوم من صحف المعارضة
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
ذاعت قناة سي إن إن التركية مقابلة تلفزيونية تحاور فيها عدد من الباحثين الحقوقيين ومجموعة من المسؤولين من المعارضين والمساندين لهذا القرار.
خلال المقابلة قال اللواء المتقاعد، بابور أوغلو، “هذه المسألة لا تتعلق بأتاتورك، بل هي قضية تمس الذاكرة التاريخية التركية. فعند الحديث عن هذا المكان، أول ما يجول في عقول الشعب هو المشوار البطولي التاريخي الذي عاشته البلاد في مختلف المدن التركية كمدينة سامسونج وايرزوم وأزمير. لا بد أن نتذكر دوما أن هذه المنطقة هي مسألة تخص النصر الذي حققته تركيا وحاربت من أجله منذ سنين”
إن كان هناك من يحاول أن يحجم من مكانة أتاتورك لدى الشعب التركي، فهو يمس بالتاريخ التركي وبطولاته
ويضيف متسائلا “ألم تجد البلدية مكان أخر في أنقرة لتنفيذ خططها الانشائية؟ هذا ليس مكانا للإعمار، هذا مكان مقدس ولا يجدر اقتطاع أراضي منه لخطط إسكانية، خاصة أنه تم تقليل عدد العساكر بشكل كبير بعد محاولة الانقلاب الفاشل”، وينهي حديثه قائلا “إن كان هناك من يحاول أن يحجم من مكانة أتاتورك لدى الشعب التركي، فهو يمس بالتاريخ التركي وبطولاته، وهذا الفعل هو خيانة بحق أطفالنا وأحفادنا والأجيال القادمة”.
أما الباحث الحقوقي، سليم شين قال “بعد الاطلاع على الخطة التنفيذية للمجمع السكني، نجد أن ارتفاع هذا المبنى يصل إلى 12 متر ونصف، أي أنه سيحجب رؤيته من بعيد لارتفاع هذه المباني المخطط إنشاءها”، ويضيف ” لا ضرورة لهذه الخطة ولا حاجة لإجراء أي تعديلات على هذا المكان الذي لا يليق بشخص أتاتورك، أو فلسفته أو مبادئه أو حكمه. هذا المكان بالغ الأهمية والحساسية فلنحترمها احتراما لمؤسس الجمهورية التركية”.
لا يمكن لأي جهة أن تتعرض للأماكن المقدسة والتاريخية، فهي كالمتاحف التي تعرض لنا المحطات التاريخية التي انتصر فيها شعبنا
ونهاية لحديثه يقول شين “هذه القرارات التي تتخذها البلدية بشأن هذا المكان الحساس تثير القلق وتوقظ في أفكارنا الكثير من المخاوف”، كما أشار إلى استحالة المساس أو التعرض لهذا المكان، وهذا لأنه تحت حماية سلطات الجيش.
ومن جانب، روشان جول تيكن، باحث حقوقي، يعلق على هذه القضية قائلا “لا أهمية لهذه المباني في هذا المكان التاريخي، ولا يمكن لأي جهة أن تتعرض للأماكن المقدسة والتاريخية، فهي كالمتاحف التي تعرض لنا المحطات التاريخية التي انتصر فيها شعبنا وشهدائنا والمحارب المؤسس أتاتورك”.
البلدية: أخبار كاذبة وتحريضية
لم تهدأ الأصوات المعارضة لهذا القرار والتي طالبت بتوضيح هذه الخطة التي أثارت القلق والشكوك حول ما إن كانت الحكومة التركية تحاول بالفعل إضعاف مكانة أتاتورك التاريخية والوطنية، أما أنها مجرد خطة على جداول البلدية.
سبق أن قامت البلدية ببناء وحدات سكنية داخل حدود بناء الضريح، وبطريقة غير مشروعة وبلا أي رخص، ولم يعترض أحد على هذا الاجراء
ردا على هذه الاتهامات، قال رئيس البلدية في أنقرة، مليح جوكتشيك، “تحاول بعض الجهات بإثارة الأزمات والترويج للمعلومات الخاطئة لخداع الناس وتحريضهم ضد قرارات الحكومة. منذ البداية كانت البلدية مسؤولة عن تنظيف وتنظيم وتشجير هذه المنطقة وليس لدينا أي علاقة بزعزعة مكانة أتاتورك، فهذا ليس من شأننا” وأشار في كلامه إلى حادثة قطع عدد من الأشجار داخل النصب التذكاري “آنيتكابير” من جهة مجهولة ولم يقم أحد بالغضب أو السؤال عن هذا الفعل.
أثناء المقابلة التلفزيونية التي عرضتها السي ان ان. قال الكاتب الصحفي، كمال أوزتورك “هذه الاعتراضات على هذا القرار تتجه إلى مكان خاطئ، هذه الخطة ليس لها علاقة بشخصية أتاتورك ولا مكانته. هذه الأصوات تتعامل معنا بذهنية “المعارضة “وتحول هذا الموضوع إلى شأن سياسي وتجعلنا نبدو كأننا أعداء لأتاتورك وهذا ليس صحيحا”. وأشار إلى ضرورة قراءة تصريحات رئيس البلدية قبل اتهام أي جهة بإهانة مكانة اتاتورك، كما أنه وصف هذا الاتهام بـ “الجنون”.
وبدوره، قال البروفيسور والصحفي، ياشار هاجي صلاح أوغلو، ” بلدية تشانكلي والتي يقودها حزب الشعب الجمهوري، هي المسؤولة عن هذا المكان، وسبق أن قامت البلدية ببناء وحدات سكنية داخل حدود بناء الضريح، وبطريقة غير مشروعة وبلا أي رخص، ولم يعترض أحد على هذا الاجراء” ويتساءل “لم اتجهت أصابع الاتهام نحو بلدية أنقرة بالذات؟”.
غرفة المهندسين المعماريين
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
في نهاية الخلاف، اجتمعت أراء الجهتين على أن المسؤولية تقع على عاتق غرفة المهندسين التي قامت بافتعال هذا الجدل الحساس لإيقاع الجهتين في فخ الصراع التركي المعتاد بين الكماليين والمحافظين من الأتراك.
وهذا عندما قامت بالكشف عن هذه الخطة، ولم تقم من قبل بعرض الإجراءات التي حدثت داخل النصب التذكاري وبشكل غير قانوني. كما أنها قامت من قبل بنشر صور توضح فيها حدوث عملية قطع للأشجار الموجودة داخل هذه المنطقة. وفي المقابل، لم تقم بتقديم أي توضيحات عن هذه التعديلات.
وتوقفا عند هذه النقطة، قالت الجهات المساندة لهذا القرار، أنه ليس هناك نوايا للتقليل من القيم والرموز والمبادئ الوطنية التركية، وما تم افتعاله من مشاكل هو بسبب المعلومات الخاطئة المنقولة.