أصدر الملك السعودي أمس الخميس أوامر ملكية مختلفة تضمن بعضها استحداث أجهزة جديدة وتعيينات وإعفاءات من مناصب مختلفة. أبرز تلك القرارات كان إنشاء جهاز باسم “رئاسة أمن الدولة” يرتبط برئيس مجلس الوزراء، وذلك ليكون منظمة أمنية واستخبارية سيادية في السعودية بحسب ما رأى مراقبون في هذه الخطوة.
وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس)، جاء في البند الأول من القرار الملكي أن ” ينشأ جهاز باسم ( رئاسة أمن الدولة) يعنى بكل ما يتعلق بأمن الدولة، ويرتبط برئيس مجلس الوزراء”. وذكر الأمر الملكي، بأن كلاًّ من المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة وقوات الطوارئ الخاصة وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية ومركز المعلومات الوطني، وكافة ما يتعلق بمهمات الرئاسة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وتمويله والتحريات المالية، ستكون تابعة لجهاز “رئاسة أمن الدولة” الجديد.
إعادة هيكلة الأمن وجهاز جديد لأمن الدولة
أشار نص الأمر الملكي إلى أهمية الاستمرار في تطوير القطاعات الأمنية بالبلاد، وفق أحدث التنظيمات الإدارية لتكون على أعلى درجات الاستعداد لمواكبة التطورات والمستجدات، ومواجهة كافة التحديات الأمنية بقدر عال من المرونة والجاهزية والقدرة على التحرك السريع لمواجهة أي طارئ كما جاء في نص القرار.
وقضى الأمر الملكي بتعيين عبد العزيز بن محمد الهويريني رئيسًا لأمن الدولة بمرتبة وزير مع استمراره مديرًا عامًا للمباحث العامة، والذي كان يشغله في السابق محمد بن نايف ولي العهد وثيق الصلة بالإدارة الأمريكية وخاصة في هذا الملف الأمني الخطير، ويُذكر أن الهويريني مقربًا من بن نايف، على أن يتابع هذا الجهاز ولي العهد الجديد محمد بن سلمان مباشرة.
كما تم إعفاء حمد العوهلي، رئيس الحرس الملكي من منصبه، وتم تعيين الفريق أول سهيل المطيري مكانه، وتقرر أيضًا أن يكون وزير الداخلية عضوًا في مجلس الشؤون السياسية والأمنية.
إعادة الهويريني بعد بمثابة شراء للموقف الأمريكي واسترضاء للإدارة هناك، ويذهب البعض بالقول أن واشنطن ربما تكون أجبرت المملكة على إعادته للمشهد الأمني للاطمئنان على استمرار سياسة تبادل المعلومات والتنسيق الأمني والاستخباري التي كانت تتم مباشرة مع ابن نايف وفريقه.
مراقبون يرون أن السبب وراء استحداث هكذا مؤسسة، هو أن السعودية أصبحت بحاجة إلى تعديل هيكلي في التنظيم الخاص بوزارة الداخلية، وبالأخص بعد “عزل” بن نايف عن ولاية العهد، وهو ما جعلهم يقومون بفصل قطاع الشئون الأمنية الخاص بأمن الدولة عن باقي الشئون الداخلية للمملكة. ورأى فيه البعض أن هناك فوائد اقتصادية تعود على الحكومة من هذا القرار وذلك عن طريق التقليل من مصروفات الدولة.
ظهور عبد العزيز الهويريني إلى جانب ولي العهد محمد بن سلمان أثناء لقاءه بوزير الداخلية العراقي
ويعد جهاز المباحث العامة واحداً من أكثر أجهزة الأمن السعودية أهمية بسبب المهام الكثيرة الموكلة إليه، إذ يعد المسؤول عن المحافظة على الكيان السياسي والأمني للبلاد، ومكافحة العمليات “الإرهابية” والتخريبية، ومواجهة الحركات الفكرية والدينية المتطرفة ذات المبادئ الهدّامة، ومكافحة عمليات التجسس الأجنبية، ومكافحة الفساد الإداري.
كما أنه مسؤول عن متابعة جميع الأنشطة في المملكة، بما في ذلك الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والدينية، ومتابعة التنظيمات الاجتماعية ومطالبها وتطلعاتها وتفاعلاتها معًا، والمحافظة على أمن الدولة في جميع الجوانب، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو عقائدية، أو اجتماعية.
دلالات الخطوة
يعد الفريق الهويريني اسمًا معروفًا في قطاع الأمن بالسعودية، فهو واحد من أقدم ضباط وزارة الداخلية، حيث عاصر وزير الداخلية الراحل، الأمير نايف بن عبدالعزيز، وكان أحد أكثر الضباط الذين وثق بهم، قبل أن يصبح الرجل الأول في عهد وزير الداخلية السابق، الأمير محمد بن نايف، حيث عمل معه كمدير للمباحث العامة ولا يزال في ذلك المنصب حتى الآن.
تعيين الفريف الهويريني يعود لسبب رئيسي بحسب خبراء، وهو طمأنة الإدارة الأمريكية عن وجود خليفة قوي لابن نايف في مكافحة الإرهاب، فهناك صلة قوية كانت تربط بين بن نايف ومسؤولي الأمن في واشنطن.
محمد بن نايف ولي العهد السابق وإلى جانبه عبد العزيز الهويريني
وكان الهويريني يشارك في حضور الاجتماعات الأمنية المشتركة مع الأوربيين والأمريكيين، وآخر اجتماعاته الهامة التي شارك فيها تكريم الاستخبارات الأمريكية لمحمد بن نايف في شباط/فبراير الماضي. والتي مٌنح فيها بن نايف ميدالية “جورج تينت” التي تقدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ CIA للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب. ويعد حضور الهويريني هذا التكريم دلالة على أنه أحد الأعمدة الأمنية السعودية التي لها علاقات وثيقة بالاستخبارات الأمريكية. كما شارك الهويريني بن نايف لقاؤه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء قمة الرياض في مايو/أيار الماضي.
وكانت جريدة “نيويورك تايمز” نشرت تقريرًا حول وضع محمد بن نايف تحت الإقامة الجبرية بعد عزله من ولاية العهد، كما لفتت الصحيفة أن الإقامة الجبرية فُرضت كذلك على الفريق الهويريني التي وصفته بأنه قريب من ابن نايف والذي يعد شخصية أساسية في العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، إلا أن مراقبين شككوا بذلك خصوصًا أن الهويريني حضر استقبال وزير الداخلية العراقي مع محمد بن سلمان مؤخرًا.
الهويريني يشارك في حضور الاجتماعات الأمنية المشتركة مع الأوربيين والأمريكيين، وآخر اجتماعاته الهامة التي شارك فيها تكريم الاستخبارات الأمريكية لمحمد بن نايف في شباط/فبراير الماضي.
وأشارت الصحيفة حينها إلى أن مسؤولي الاستخبارات المركزية الأمريكية أعربوا للبيت الأبيض عن قلقهم من تأثير الإطاحة بمحمد بن نايف والإزاحة المحتملة للهويريني ومسؤولين أمنيين آخرين على تبادل المعلومات الاستخبارية بين البلدين.
لذلك فإن إعادة الهويريني يمثابة شراء للموقف الأمريكي واسترضاء للإدارة هناك كما يرى مراقبون، ويذهب البعض بالقول أن واشنطن ربما تكون أجبرت المملكة على إعادته للمشهد الأمني للاطمئنان على استمرار سياسة تبادل المعلومات والتنسيق الأمني والاستخباري التي كانت تتم مباشرة مع ابن نايف وفريقه. يُذكر أن بن نايف واجه خلال الشهور الماضية سلسلة قرارات ملكية تجرده من صلاحياته ومناصبه بشكل تدريجي ابتداءًا من إنشاء جهاز أمني تابع للديوان الملكي وانتهاءًا بتجريده من منصب ولي العهد ومنصب لصالح محمد بن سلمان.