ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أعلنت الدول العربية الأربعة عن عزمها محاصرة قطر قبل شهر من الآن، بذريعة أن هذه الدولة الخليجية الغنية تقوم بدعم الإرهاب، سارع هذا الرباعي إلى غلق مجاله الجوي والبحري وحدوده البرية أمام الجار القطري.
من جهته، صرّح مدير شركة لتوزيع مواد البناء في منطقة الخليج، محمد صالح، أن هذه الأزمة أدت لتعطيل شحنة هامة كانت متجهة لقطر، وهي لا تزال عالقة في ميناء جبل علي في دبي. وفي الحقيقة، اضطر صالح للحصول على قرض من أجل سداد مستحقات المزودين، وتكبد في هذه العملية خسائر وصلت إلى 30 ألف جنيه إسترليني. وفي هذا الصدد، قال صالح: “كنا نمارس التجارة مع قطر بشكل عادي، وبين ليلة وضحاها قيل لنا أننا كنا نتعامل مع دولة ممولة للإرهاب، وهو ما يعدّ حقا أمرا غير مفهوم”.
وعلى غرار العديد من شركات البناء ومكاتب الاستشارات المالية، تعرض القطاع الخاص في المنطقة إلى نكسة كبيرة بسبب الخطوة التي أقدمت عليها الدول الأربعة وهي؛ المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر، والمتمثلة في التخلي عن خيار الدبلوماسية الهادئة، والجنوح إلى الإجراءات العدائية بهدف إجبار الدوحة على الإذعان لمطالبها.
في الواقع، نفت الإمارات خلال الأسبوع الجاري التهم الموجّهة ضدّها من قبل تقارير إعلامية، بشأن وقوفها وراء عملية الاختراق التي تعرضت لها وكالة الأنباء القطرية في شهر أيار/مايو الماضي، والتي تخللها نشر تصريحات زائفة نُسبت زورا إلى أمير البلاد. وفي ظل هذه الأزمة التي لم تظهر بعد بوادر انفراجها، والتي فرقت حلفاء الولايات المتحدة وألبتهم ضد بعضهم، يبدو أن الحصار أضر كثيرا بمكانة منطقة الخليج العربي التي لطالما كانت بمثابة ملاذ لرجال الأعمال يوفر لهم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالتوترات.
أفاد المسؤولون في الدوحة إنهم سيقومون بكل ما يلزم من أجل الحفاظ على تدفق الواردات، حتى لا تمس هذه الأزمة بالحياة اليومية للمواطن القطري العادي
في الوقت الراهن، يواجه أغلب مواطني الخليج مشكلة بسبب منعهم من السفر ذهابا وإيابا إلى قطر، وهو ما أدى إلى تفكيك عائلات وإلغاء عقود تجارية، وتوجيه ضربة موجعة لتدفق الاستثمارات بين هذه الدول. وفي هذا السياق، يقول رجال الأعمال الذين كانوا يعانون أصلا بسبب تباطؤ الاقتصاد منذ انخفاض أسعار النفط، أن هذا الحصار أدى لخلق حالة من عدم الثقة والارتباك وأدى لارتفاع الأسعار.
وحول هذا الأمر، يقول أحد التجار: “لقد كانت قطر منطقة تتواجد فيها العديد من الفرص الاقتصادية التي من شأنها أن تستقطب الكثيرين. في المقابل، باتت الآن الكلفة مرتفعة جدا، ونحن لازلنا إلى حد هذه اللحظة نتقاضى مستحقاتنا بالريال القطري. وبالتالي، لسائل أن يسأل: هل سيتواصل ذلك في المستقبل؟”.
في هذا السياق، أفاد المسؤولون في الدوحة إنهم سيقومون بكل ما يلزم من أجل الحفاظ على تدفق الواردات، حتى لا تمس هذه الأزمة بالحياة اليومية للمواطن القطري العادي. بالإضافة إلى ذلك، تعهّد المسؤولون بالمحافظة على نسق الإنفاق في مشاريع البنية التحتية، الذي يبلغ حجمه حوالي 500 مليون دولار أسبوعيا، بينما تستعد البلاد لاحتضان كأس العالم 2022.
في الواقع، تعد قطر واحدة من أثرى البلدان في العالم، باعتبار قيمة الدخل الفردي، وذلك بفضل مدخراتها الهائلة من الغاز وتعدادها السكاني المحدود الذي لا يتجاوز 2.7 نسمة. ولكن في ظل غلق معبرها البري الوحيد الذي يقع على حدودها مع السعودية، اضطرت الدوحة لصرف أموال إضافية من أجل الاعتماد على الحلول الجوية والبحرية، لإدخال الخضر والغلال من إيران ومنتجات الألبان من تركيا.
ولدى سؤاله حول التأثيرات المالية للحصار المفروض على بلاده، صرّح مسؤول قطري رفيع المستوى أن “الشركات لن يتم تركها بمفردها لمواجهة الخسائر”، إلا أنه رفض في نفس الوقت إصدار تعهد بدفع تعويضات للشركات التي تضررت بفعل الأزمة. وعندما تم إعلان الحصار في بداية حزيران/يونيو الماضي، شعر بعض المقيمين في الدوحة بالذعر وسارعوا لشراء مستلزماتهم من مراكز التسوق، بينما قام آخرون بسحب كميات كبيرة من الدولار الأمريكي من بنوك المدينة.
في الأثناء، يشعر بعض رجال الأعمال على غرار صالح بوقع هذه التطورات إذ أن شركته الصغيرة المختصة في توزيع مواد البناء، والتي تنقسم مداخيلها بين قطر ودبي، تواجه مشكلة تتعلق بارتفاع تكاليف السفر والشحن ما اضطره لاعتماد الشحن الجوي والبري. وقد قررت إدارة ميناء جبل علي الذي يمثل نقطة حيوية للنقل البحري في المنطقة منع كل السفن المتجهة إلى قطر حتى إشعار آخر. كما أعلنت السلطات الإماراتية كل شركات النقل البحري بوجوب عدم تسلم أي شحنة متجهة نحو قطر، حتى لو كان ذلك عن طريق دولة ثالثة.
هدد المسؤولون الإماراتيون بفرض شروط جديدة على الشركات التي تواصل التعامل مع قطر
في الوقت الحالي، قام التجار بنقل خطوط الإمداد من الإمارات إلى عُمان، بما أن السلطنة حافظت على حيادها حول هذه الأزمة. وعلى سبيل المثال، نجح صالح في تمرير شحنته العالقة نحو قطر عبر إعادة تحويل وجهتها نحو ميناء صلالة في عُمان، وهو ما أدى إلى إطالة مدة النقل حيث بلغت 10 أيام.
من جهة أخرى، يعتبر رجال الأعمال القطريين أنفسهم مضطرين للبحث عن مصادر بديلة لجلب مواد البناء، على غرار الحجارة التي يتم اقتلاعها من جبال الحجر الموجودة في رأس الخيمة في الإمارات العربية المتحدة، والتي أصبح يتم استيرادها عبر عُمان.
على الرغم من أن الشركات لا تزال قادرة على نقل المواد من الإمارات إلى قطر، إلا أن ذلك سيكلفها إجراءات ومجهودا إضافيا. وفي هذا الصدد، أفاد أحد المحامين العاملين في المنطقة قائلا: “عليك تقسيم عملية الشحن إلى مرحلتين، إذ أنه لا يمكنك استصدار إذن في دبي بالشحن نحو الدوحة عبر صلالة. في المقابل، يمكنك استخراج إذن بالشحن من الإمارات إلى عُمان، وهناك بإمكانك أن تحصل على إذن ثان للشحن نحو قطر”.
وبينما تبحث الشركات عن استراتيجيات جديدة للالتفاف حول الحصار، هدد المسؤولون الإماراتيون بفرض شروط جديدة على الشركات التي تواصل التعامل مع قطر. وقد قال عمر غباش، سفير الإمارات في موسكو إنه “من الطبيعي جدا بالنسبة لنا اختيار شركائنا على أساس العلاقات التي يقيمونها. لا شيء مؤكد لحد الآن، ولكن من المنطقي بالنسبة لنا تجنب التعامل مع من يقيمون علاقات مع القطريين”.
شرعت بعض الشركات في التقليص من أنشطتها التجارية في قطر، استباقا لأي قرارات قد تجبرها على إيقاف أعمالها هناك
في الوقت الراهن، تواجه الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد على دبي كمركز رئيسي لإدارة عملياتها إجبارية الاختيار، والتفكير فيما إذا كانت علاقاتها التجارية مع قطر مربحة لدرجة المخاطرة بالحرمان من مزاولة النشاط في السعودية، والإمارات ومصر، أكبر ثلاث اقتصاديات عربية في الشرق الأوسط. وحول هذا الموضوع، أفاد أحد الدبلوماسيين أن “الأزمة الحالية شجعت الشركات على التفكير في إعادة هيكلة نشاطاتها من أجل الفصل بين عملياتها في كل من قطر والإمارات”.
وعلى ضوء هذه المعطيات، شرعت بعض الشركات في التقليص من أنشطتها التجارية في قطر، استباقا لأي قرارات قد تجبرها على إيقاف أعمالها هناك، فيما عمدت شركات أخرى إلى نقل مسؤولية تقديم خدمات لحرفاء قطريين، من مكاتبها في دبي نحو مكاتب أخرى في أوروبا.
أما بالنسبة لصالح، فإن هذا الخيار غير وارد حيث أنه سيكتفي في الوقت الحالي بالبحث عن طرق أخرى للالتفاف على الحصار. ومن جهته، قال صالح: “يمكننا أن نقرأ ما بين السطور. وفي الواقع، كل طلب منا جلّ شركائنا التجاريين في دول الحصار إبقاء الأمر سرا وعدم الإفصاح عن تعاملهم معنا”.