أدلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد مساء 21 من يوليو/تموز بأول خطاب له منذ اندلاع الأزمة التي بدأتها عدة دول بقيادة السعودية من خلال عزل قطر بعد فرض حظر جوي وبري عليها وحاولت عزلها دبلوماسيًا في مطلع شهر يونيو الماضي بعد قطع العلاقات معها، وقد احتلت الأزمة مكانًا مهمًا في الأجندة السياسية للمنطقة والسياسة الدولية بشكل عام.
ورغم كل محاولات الدول وخاصة السعودية والإمارات لإجبار قطر على تبني سياسة خارجية تابعة والتنازل عن سيادتها من خلال تحقيق مطالب هذه الدول التي تمثلت بـ13 مطلبا رآها الكثير من المتابعين على أنها مطالب غير منطقية، ورغم الدعم الضمني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية والإمارات من خلال تغريداته الشهيرة، لم تنجح الحملة في إجبار قطر على ذلك، وظهر الأمير في خطابه الأول منذ الأزمة واثقًا وهادئًا في خطاب استغرق نحو 16 دقيقة شمل تقريبًا معظم نواحي الأزمة وتطرق إلى بعض القضايا الحساسة الأخرى.
يمكننا القول إن الخطاب كان قويًا ومحكمًا، وقد أكد فيه الأمير على مضي قطر في سياستها الخارجية وعدم القبول بالمساس بسيادتها واستقلاليتها، ولعل هذه النقطة الأهم، حيث أكد الأمير بندية واضحة أن دولة قطر من حقها ممارسة سياستها الخارجية حتى لو اختلفت مع الدول الأخرى، فهي أيضًا ترى أن الدول الأخرى تختلف معها ولكنها لم تحاول فرض رؤيتها على هذه الدول ولذلك تستهجن محاولة هذه الدول فرض رؤيتها عليها.
أشار الأمير بشكل غير مباشر إلى الفشل الدبلوماسي لدول الأزمة من خلال عدم قدرتها على شراء الدول والمواقف بالمال
وعلى الرغم من أن عدد سكان قطر قرابة مليوني نسمة وهو عدد قليل مقارنة بالدول الأخرى، فإن هذا الشعب أثبت تضامنًا كبيرًا مع قيادته وهذا ما أكد عليه أمير قطر، ومن وجهة نظري أن هذا كان اختبارًا جيدًا للعلاقة بين القيادة والشعب، وفيما أثنى الشيخ تميم على الموقف الشعبي فقد شمل بذلك المقيمين في قطر من خلال قوله “كل من يعيش على أرض قطر أصبح ناطقًا باسمها”.
لقد كان الخطاب أيضًا درسًا في القيم والأخلاق للدول المحاصرة، حيث كان محملاً بعدد من الجمل التي صيغت بعناية مركزة أظهرت تسامي قطر وأخلاقيتها وعدم مجاراتها للاعتداءات عليها، حيث لم ترد قطر بالمثل ولم تطرد مواطني هذه الدول من قطر خاصة عندما أشار الأمير إلى الرذائل المتعلقة بالكذب والتشهير والتشويه، وحديثه عن الأطفال فيه تعريض لسلوك هذه الدول ويمكن أن يقرأ بأنه رسالة غير مباشرة بأن سلوك قادة هذه الدول كان صبيانيًا، حيث ظهر الأمير كمعلم يعطي التوجيهات لتلاميذه.
في الشق الثاني من الخطاب – إذا تسنى لنا أن نقسمه إلى قسمين – فقد أشار الأمير بشكل غير مباشر إلى الفشل الدبلوماسي لدول الأزمة من خلال عدم قدرتها على شراء الدول والمواقف بالمال وعدم قدرتها على إقناع الدول الكبرى دبلوماسيًا، كما وجه الأمير شكرًا خاصًا لكل من الكويت وتركيا وبعض الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وهي دول تعاملت معها قطر بذكاء دبلوماسي واضح مما حيدها ومنع تجاوبها مع الدول التي حاولت عزلها.
وقد ركز الأمير بشكل واضح على دور تركيا في إقرار اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين بشكل سريع وتلبيتها لاحتياجات السوق القطرية من الغذاء وغيره.
أهم ما أكد عليه الشيخ تميم ضرورة التفريق بين المقاومة والإرهاب وفي ذلك إشارة إلى حركة حماس
من الجدير بالذكر أن هذا هو الخطاب الأول ومع ذلك لمسنا حرصًا في انتقاء الكلمات، فلم يذكر الأمير أي دولة من الدول المحاصرة بالتصريح باسمها لا السعودية ولا الإمارات ولا مصر، وقد يكون هذا حرصًا عالي المستوى على لغة الخطاب، كما يمكن أن يقرأ على أنه تجاهل لهذه الدول.
كما يمكن بوضوح لمس المرارة في حديث الأمير عن الأشقاء، أما بخصوص إيران فلم يذكر اسمها في الخطاب بتاتًا وهذا يمكن أن يفسر بالحرص على عدم أخذ ذلك ذريعة لدورة جديدة من التحريض على قطر بسبب علاقاتها مع إيران، مع العلم أن الأمير شكر الدول التي فتحت مجالاتها الجوية والبحرية أمام قطر بشكل عام.
ولعل من أهم ما أكد عليه الشيخ تميم ضرورة التفريق بين المقاومة والإرهاب وفي ذلك إشارة إلى حركة حماس وهي نقطة مهمة، حيث تم إقحام حركة حماس في هذه الأزمة دون أي مبررات، وقد سقط في هذا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والسفير السعودي في الجزائر وعدد من سفراء دولة الإمارات.
لم ينس الشيخ تميم الحديث عما يتعرض له المسجد الأقصى ومدينة القدس من اعتداءات إسرائيلية، مستنكرًا إغلاق المسجد الأقصى رغم أن الحديث كان في مجمله عن الأزمة وهو ما يدل أنه قائد يهتم بقضايا أمته حتى في ظل الأزمة وهو ما يكسبه شعبية أكبر لدى المواطن العربي والمسلم.
لقد كان في حديث الأمير عن رؤية قطر في الاقتصاد والانفتاح الاقتصادي والتنويع والاستثمار رسالة أن الأزمة أصبحت من الماضي، كما يمكننا القول إن أهم جملة في خطاب الأمير كانت “لم يعد من الممكن العودة إلى الخلف”، وهذه العبارة ربما تكون أشبه بإعلان انتصار على الأزمة وتجاوز لها.