إن “المسجد الأقصى” ليس قضية فلسطينية أو قضية شرق أوسطية، وإنما قضية إسلامية من الدرجة الأولى، والأقصى والقدس أمانة في أعناق كل المسلمين في كل مكان بالعالم، وهذا يفرض علينا جميعًا الوقوف مع شعب فلسطين في التصدي لمخططات ومؤامرات الاحتلال الصهيوني على المقدسات الإسلامية.
وللأسف يظن بعض العرب أنه يمكنهم استعادة القدس والأقصى بالمفاوضات ولا يعلم هؤلاء أن الحاخامية الكبرى في “إسرائيل” (أعلى مرجعية دينية لليهود في العالم) أفتت بأنه “آثم من يقبل بطرح قضية المسجد الأقصى في المفاوضات”.
منع الصلاة في الأقصى
ومنذ أيام قليلة منع جيش الاحتلال الإسرائيلي المصلين الفلسطينيين من الدخول إلى باحات المسجد الأقصى على إثر اشتباك مسلح قرب أحد أبوابه أدى إلى مقتل 3 شبان فلسطينيين واثنين من شرطة الاحتلال بالقرب من باب “الأسباط” بالقدس المحتلة.
وكانت هذه المرة الأولى التي تمنع فيها “إسرائيل” المصلين المسلمين من تأدية صلاة الجمعة في المسجد الأقصى منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967، ونقلت القناة السابعة في تليفزيون الاحتلال، عن عضو الكنيست من حزب “البيت اليهودي”، دعوته عقب العملية إلى إغلاق المسجد الأقصى بوجه المسلمين بشكل دائم.
تم الكشف مسبقًا عن وضع الاحتلال مواد كيماوية في أثناء حفره أسفل الأقصى، تتفاعل هذه المواد مع الرطوبة
وقالت ما تسمى “منظمة جبل الهيكل” إن الرد على عملية القدس سيكون عبر زيادة البناء وزيادة ساعات الاقتحام للأقصى.
الصلاة باطلة بسبب البوابات
فيما قال مفتى القدس الشيخ محمد حسين: “دار الإفتاء بالقدس تقرر كل من يدخل للأقصى من الأبواب الإلكترونية فإن صلاته باطلة”، وجاءت تصريحات مفتى القدس بالتزامن مع البيان الصادر عن الهيئات الإسلامية بالقدس والتي طالبت عدم دخول إلى المسجد الأقصى المبارك عبر البوابات الإلكترونية التى وضعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وتوجه خطيب المسجد الأقصى للفلسطينيين بالقول: “عليكم بالصلاة خارج المسجد الأقصى عند البوابات الإلكترونية، ولا تدخلوا من خلال البوابات مطلقًا، وإلى أهالي مدينة القدس، نؤكد ممنوع منعًا باتًا الدخول من البوابات، ومن يفعل ذلك يعتبر خارقًا لإجماع أهل البلدة”.
مخطط خطير
يقول الشيخ كمال الخطيب القيادي في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر: “يوم 22-10-2014 وفي ظل هبة الأقصى دفاعًا عنه من اقتحامات اليهود، كتب الصحفي الإسرائيلي أليكس فيشمان مقالة بين فيها غباء السياسة الإسرائيلية في فهم حساسية المسجد الأقصى وإمكانية تحول الصراع إلى صراع ديني في ظل استمرار استهداف المسجد الأقصى، وختم مقالته بالقول كنا أغبياءً وما زلنا، أي أننا لم نتعلم الدرس ولم نفهم خطورة التصعيد ضد المسجد الأقصى المبارك”.
لم تتوقف التصريحات الاستفزازية الصهيونية بحق المسجد الأقصى وهدمه وبناء الهيكل المزعوم، بل تتزايد مع الأيام
وقال: “نتنياهو رئيس الحكومة، جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي، روني الشيخ المفتش العام للشرطة، هم من أمروا بإغلاق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه واصفين إياه بجبل الهيكل، ولو قلتم مليون مرة إنه جبل الهيكل فهو ليس، ولن يكون إلا المسجد الأقصى المبارك، حقًا خالصًا لنا نحن المسلمين، والاحتلال وممارساته وحده المسؤول عن كل ما جرى ويجري، وعن الدماء التي سالت وتسيل من أي كان وبغض النظر عن تفاصيل أي حدث بعينه اليوم وغدًا وكل يوم”.
وأضاف الخطيب: “أنا على يقين بأن هناك أمر قد دبر ليلاً، وهناك ما هو أخطر من وضع كاميرات مراقبة وتجسس وأبواب إلكترونية، تتمثل بوضع مواد كيماوية بين جدران وأعمدة المسجد الأقصى والمصلى المرواني، لتساهم في واقع جديد، تمهيدًا لانهياره، ليبدو الأمر أنه بفعل الطبيعة”.
وتابع: “تم الكشف مسبقًا عن وضع الاحتلال مواد كيماوية في أثناء حفره أسفل الأقصى، تتفاعل هذه المواد مع الرطوبة، مما يساهم في تفتيت التربة والصخور والأعمدة وهذا ظهر بالتصدعات في الأقصى”.
العربدة الصهيونية
لم تتوقف التصريحات الاستفزازية الصهيونية بحق المسجد الأقصى وهدمه وبناء الهيكل المزعوم، بل تتزايد مع الأيام وتزداد حدة واستهتارًا بالمسلمين ومقدساتهم.
فقد أكد وزير بارز في حكومة نتنياهو أن الهيكل سيتم بناؤه على أنقاض المسجد الأقصى، في حين قال وزير الإسكان أوري أرئيل، إن إسرائيل لا يمكنها الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى، الذي زعم بأنه مقام على “أكثر الأماكن قدسية لإسرائيل”.
أما الوزير الصهيوني ن.بنات فيقول: “الأقصى مقام على أقدس بقعة لنا ومن حق اليهود وحدهم الصلاة فيه”، في حين رأى الكاتب الصهيوني د. كرلي في كتابه “ملائكة في سماء يهودا”، أن المتدينين سيسيطرون على الجيش وسيدشنون دولة الشريعة، وسيدمرون الأقصى، أما الكاتب اليميني يوآف شورك، فقال: “هذا هو الوقت المناسب لتغيير الوضع القائم في القدس عبر تفعيل السيادة اليهودية على المسجد الأقصى”.
أما المفكر اليهودي روجل ألفير، فتوقع أن إسرائيل ستدمِّر المسجد الأقصى، للسماح ببناء الهيكل الثالث على أنقاضه، وقال ألفير في مقال له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، إنه لا يستبعد أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية التي ستشكل بعد الانتخابات المقبلة، هذا القرار، على اعتبار أنه يتماشى مع توجهات ورغبة معظم الجمهور الإسرائيلي، وأشار ألفير إلى نتائج الاستطلاع الذي أجراه المركز الإسرائيلي للديمقراطية مؤخرًا، الذي دلَّل على أن 80% من اليهود في إسرائيل يؤمنون بأنهم يمثلون الشعب المختار، ويتوجب تطبيق ما جاء في التوراة من فرائض، وضمنها إعادة بناء الهيكل، على الرغم من أن أغلبيتهم من العلمانيين.
أهم فتاوى الحاخامات والهيكل المزعوم
تلك التصريحات لا تتعلق بالمسؤولين الصهاينة وحدهم، وإنما أصبحت تمثل الرأي العام لغالب السكان في “إسرائيل”، وفتاوى الحاخامات هي السبب الرئيسي لانتشار تلك الأفكار المتطرفة، وفيما يلي أهم تلك الفتاوى:
1- حاخامية “إسرائيل” الرئيسة تحرم التفاوض بشأن الحرم القدسي وتدرس عدة مقترحات لإقامة كنيس يهودي، فقد قرر مجلس الحاخامين الرئيس في “إسرائيل” أنّ مجرد قبول الحكومة الإسرائيلية التفاوض بشأن الحرم هو إثم وأنّ هناك حظر شرعي مطلق على تسليم الحرم للأجانب في إطار سيادة أو أي ملكية أخرى، ومجرّد البحث في حق الملكية اليهودية لجبل الهيكل تدنيس في نظر الله.
وقال عضو مجلس الحاخامين الرئيس الحاخام شائر يشوف كوهين – نقلًا عن صحيفة معاريف الصادرة بتاريخ 5/1/2001 -: “ثمّة أمر خطير جدًا لكل من يرتكب هذا الإثم، هذه أمور لا يمكن التكفير عنها، وطلب الغفران، حتى يوم الغفران”.
الحاخام عفوديا يوسف الزعيم الروحي لحركة (شاس) يقول: “الحرم القدسي كله لنا”
2- نشرت صحيفة “معاريف” خبرًا في 21/1/2002 بعنوان كبير “يجب إقامة كنيس في المسجد الأقصى”، ومفاد هذا الخبر أنّ حاخام مدينة حيفا شائر يتشوف كوهين دعا إلى إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى، وذلك بعد أن أوصى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي شين بيت بالسماح لليهود بدخول الحرم القدسي، ونقلت جريدة معاريف عن الحاخام كوهين الذي زار بولندا قوله: “من الممكن، بل من الواجب إقامة كنيس يهودي في الحرم القدسي بشرط أن يكون الدخول إليه حسب القواعد الدينية”.
3- الحاخام إبراهام شابيرا – الذي كان قبل أعوام الحاخام الإشكنازي الأكبر في “إسرائيل”، ويعد من أكبر مصدري الإفتاء بالنسبة للتيّار الديني الإسرائيلي الذي ينتمي إليه المستوطنون اليهود – وفي حضور عدد من وزراء حكومة باراك يصرّح: “عليهم أن يعرفوا أنّه لن يكون بإمكانهم البقاء في هذا المكان إلى الأبد، هذا هو قدس الأقداس بالنسبة لنا، إنّ أحدًا لا يمكنه أن يصنع سلامًا مع الدولة التي تمثل الشعب اليهودي وفي نفس الوقت يصر على البقاء في المكان الطبيعي الهيكل”، وقال: “لا يوجد شيء اسمه المسجد الأقصى، إنّ هذه كذبة افتراها علينا العرب وصدّقوا أنفسهم، وللأسف بعض منّا قد آمن لهم”.
وأضاف شابيرا “لا مجال للتضليل هنا، فجبل الهيكل (المسجد الأقصى) يتبع اليهود والشعب اليهودي في كل أماكن تشتته، ولا يليق بالدولة التي تمثل الشعب اليهودي أن تبدي أي تنازل عن هذا المكان”.
4- الحاخام إسحاق ليفي رئيس حزب المفدال سابقًا أكدّ أكثر من مرّة أن دولة “إسرائيل” لا يمكنها أن تفرط بالمسجد الأقصى تمامًا، وهي جادة تمامًا في عمل كل ما يلزم من أجل تهيئة الظروف لتمكين اليهود من السيطرة على المسجد الأقصى، ويقول: “الجمهور الدّيني في “إسرائيل” لا يمكنه أن يتحمّل رؤية تسوية لا تمكن اليهود من إقامة شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى”.
5- الحاخام ما كوفر: “لا أشك لحظة أنّ الجامع ذا القبة الذهبية والمقام على الصخرة نفسها، التي أقام عليها الملك سليمان مركز العبادة العبرانية في التاريخ القديم، سيدمر ليقام مكانه هيكل القدس الجديد الذي سيعاد بناؤه بكل فخامته”.
استهداف مقدسات المسلمين سيكون شرارة بداية النهاية لدولة الاحتلال
6- يسرائيل تسيدون أحد مؤسسي تنظيم (أمونا)، الذي يعتبر أحد أبرز الدعاة لهدم الأقصى على رؤوس المصلين المسلمين في أثناء صلاة الجمعة يقول: “في النهاية لا غنى عن عمل تخريبي من أجل تدمير المسجد الأقصى وإنهاء ملفه”.
7- نقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر يوم الجمعة 29/12/2000، تصريحًا للحاخام يسرائيل أريل من الحركة المسماة (معهد الهيكل) – التي تتلقى الدعم المالي مباشرة من الحكومة الإسرائيلية لتمويل أبحاث موضوع الهيكل – يقول فيه: “حكومة “إسرائيل” الرسمية والجيش الإسرائيلي مطالبان بالعمل على إزالة المساجد الإسلامية من باحة الحرم القدسي، المساجد الإسلامية كومة من الحجـارة يجب إزالتها، هذه هي العملية، وهذا ما سيحدث”.
7- الحاخام عفوديا يوسف الزعيم الروحي لحركة شاس يقول: “الحرم القدسي كله لنا”، وقد سبق للحاخام عفوديا يوسف أن تطاول على الذات الإلهية بالقول بأنّ الله ندم على خلق العرب، واصفًا إياهم بالأفاعي والمدنسين والنمل، وقد صرّح مؤخرًا بأن المسيح عندما ينزل فإنّه سيقتل العرب ويودي بهم إلى جهنّم، فما على اليهود إلا الشروع بهدم المسجد الأقصى والبدء ببناء الهيكل دون خوف من ردة فعل العرب والمسلمين، لأن المسيح سيتكفّل بهم” على حد زعمه.
8- الحاخام الأكبر – السابق – لـ”إسرائيل” وللجيش (شلومو غورن) كان أول من دعا إلى إعادة بناء الهيكل، ولمّا احتل اليهود الحرم القدسي سنة 1967م نفخ (غورن) في البوق احتفالًا بالنصر وإيذانًا ببدء عملية بناء الهيكل، وقد ألّف كتابًا عن هذا الموضوع، وقد حاول عدة مرات الدخول إلى ساحات الحرم لينفخ فيه بالبوق، وكان هذا الحاخام قد دعا القائد العسكري للقدس عام 1967م إلى هدم المسجد الأقصى مستغلاً ظرف الحرب.
9- الحاخام مردخاي إلياهو يقول: “إنّنا نرى بأمّ أعيننا ثعالب تمشي على الهيكل، وقد قيل في الكتب إنّه يجب قتل الغرباء الذين يدخلونه، إنّ هؤلاء يمشون عليه ويدنسونه، وقد قال حكماؤنا يجب منع عابدي النجوم – أي غير اليهود – من دخول المكان المقدّس، ولذلك على المسؤولين وقف هذه الحالة دون مبالاة بما سيقول الغرباء عنهم”.
10- تصريحات حاخام حائط البراق – المبكى كما يزعم اليهود – (ي.جاتس)عام 1968م حيث تحدث لصحيفة هآرتس الإسرائيلية قائلاً: “توقيت إقامة الهيكل قريب وليس بالبعيد، الله هو الذي سيهدم المساجد في الحرم القدسي الشريف بمساعدتنا”.
ثبات الشعب الفلسطيني عامة والمقدسيين خاصة وانتفاضتهم الأخيرة لنصرة الأقصى والمقدسات الإسلامية في كل مرة كان يتعرض فيها للأخطار والمؤامرات، هو الذي أجبر الباحث الصهيوني ش.بوركفيتش على القول: “ما نقوم به ضد الأقصى قد يفضي إلى القضاء على دولتنا في النهاية”.
بوركفيتش أصاب كبد الحقيقة، والاستهانة بمشاعر المسلمين تجاه الأقصى لعب بالنار، وقد أكد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق وأحد أبرز منظري ومهندسي السياسة الخارجية الأمريكية عبر عقود طويلة في تصريحات له عام 2012، أنه بعد عشر سنوات لن تكون هناك دولة الكيان، أي عام 2022، ولا شك أن استهداف مقدسات المسلمين ستكون شرارة بداية النهاية لدولة الاحتلال.