ترجمة وتحرير: نون بوست
وقَّع الاتحاد الأوروبي في صيف 2023 اتفاقًا مع تونس للحد من تدفق المهاجرين للاتحاد، وتعد الدولة الواقعة في شمال إفريقيا أحدث نقطة محورية في محاولات الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط؛ حيث ستقدم بروكسل حوالي 1.1 مليار دولار للحكومة في تونس، يتم صرفها على سلسلة من الأقساط الأصغر، لمساعدة البلاد على التعامل مع أعداد المهاجرين المرتفعة، وتحديث الدفاعات مثل خفر السواحل، وفي النهاية منع الأفارقة من الوصول إلى شواطئ أوروبا بشكل غير مشروع، وقد تفوقت تونس على ليبيا كدولة المغادرة الأولى للمهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا عن طريق القوارب في سنة 2022.
وقد أثارت الاتفاقية الكثير من الجدل – وأصبحت متانتها موضع الشك بالفعل وسط خلافات جديدة بين بروكسل وتونس – وذلك لأن تونس دولة ديمقراطية تتراجع بسرعة بسبب عدد كبير ومتزايد من انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة باسمها، وكتب منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل في رسالة بريد إلكتروني داخلية حصلت عليها صحيفة الغارديان أن “العديد من الدول الأعضاء أعربت عن عدم فهمها” للاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتونس.
وتعد الانتخابات الرئاسية التونسية واحدة من 15 انتخابات رئيسية يجب مراقبتها في التصويت العالمي التاريخي لسنة 2024.
كانت آخر مرة كتبت فيها عن الانتخابات التونسية في سنة 2021، وكان الرئيس قيس سعيد قد أكمل للتو عملية الاستيلاء على السلطة التي وصفها النقاد بـ”الانقلاب”، وحتى ذلك الحين، كانت الرئاسة في تونس ــ التي تُعتبر في كثير من الأحيان قصة النجاح الديمقراطي الوحيدة في الربيع العربي ــ مجرد دور شرفي؛ لكن حالة الطوارئ التي فرضها سعيد سمحت له بالحكم بموجب مرسوم رئاسي.
وبحلول سنة 2022؛ جعل سعيد دوره رسميًا في الاستفتاء الدستوري، الذي حول تونس من نظام رئاسي برلماني هجين إلى نظام فوق رئاسي يتمتع بسلطة تنفيذية لا تخضع للرقابة تقريبًا، ومن بين التغييرات الأخرى، ذكر الصحفي سايمون سبيكمان كوردال قبل التصويت أن “الدستور الجديد يمنح الرئيس حصانة طوال فترة ولايته وينص على أنه لا يمكن استجوابه بشأن أفعاله كرئيس”.
وستكون الانتخابات الرئاسية التونسية هذا العام – المتوقع إجراؤها في وقت ما في الخريف – أول منافسة من نوعها بعد التغييرات الدستورية التي أجراها سعيد، فمنذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2019، والتي أوصلت سعيد إلى السلطة كتغيير سياسي مستقل واعد، تراجعت تونس من ديمقراطية معيبة إلى نظام هجين، وفق مؤشر الديمقراطية الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية.
كراهية الأجانب الموثقة جيدًا التي تمارسها الحكومة التونسية هي جزء من الأسباب التي تجعل اتفاق المهاجرين بين الاتحاد الأوروبي وتونس مثيرًا للجدل
ويقبع زعيم المعارضة البارز في البلاد، راشد الغنوشي، في السجن بتهم ملفقة ويقول مراقبون إن لها دوافع سياسية؛ حيث استهدف سعيد، وهو علماني قوي، حزب النهضة الإسلامي المعتدل الذي يتزعمه الغنوشي، والذي كان له دور فعال في التحول الديمقراطي الأخير في تونس وأصبح فيما بعد أكبر كتلة سياسية فيها، وفي خضم المداولات البرلمانية الشاقة، لم يتمكن حزب النهضة من تمرير سياسة حاسمة، مما أحبط العديد من التونسيين، وبرر سعيد صلاحياته الموسعة من خلال الإشارة إلى ما يدّعي أنه “الآلية الفاسدة لسياسات الحزب الراسخة” وعدم الفعالية التي تجلبها، كما كتب الباحث يوهانس لانغ في مجلة فورين بوليسي في كانون الأول/ديسمبر 2022.
ورغم ردود الفعل والاحتجاجات العامة التي أثارتها تحركات سعيد المناهضة للديمقراطية، إلا أنه حصل أيضًا على نصيبه العادل من المؤيدين، ومن الصعب الاعتراف بالموافقة على استفتاء سعيد، لأن مقاطعة المعارضة للانتخابات الأخيرة جعلت النتائج غير متوازنة بشكل هزلي تقريبًا، فقد حصل الاستفتاء الدستوري لعام 2022 على دعم ما يقرب من 95 بالمائة في صناديق الاقتراع مع نسبة مشاركة تبلغ حوالي 30 بالمائة فقط، وهناك الآن دلائل تشير إلى أن البعض في قاعدة سعيد – التي تضم الناخبين الشباب – ربما ينقلبون ببطء على الرئيس، حسبما ذكرت الصحفية ثروة بوليفي في مجلة فورين بوليسي في شباط/فبراير الماضي.
التراجع الديمقراطي ليس القضية الوحيدة التي تعاني منها تونس، فقد أدان المدافعون عن حقوق الإنسان معاملة البلاد للسود، وحذرت منظمة العفو الدولية في تموز/يوليو 2023 من أن السلطات التونسية مارست “عنفًا وانتهاكات متصاعدة ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”، وقد ذهب سعيد إلى حد تبني نسخ من نظرية “الاستبدال الكبير” اليمينية المتطرفة؛ وفي أذار/مارس الماضي، ذكر نوسموت غباداموسي، الكاتب في “موجز أفريقيا” في مجلة فورين بوليسي أن “العديد من المحللين الأمنيين يعتقدون أن تصريحات سعيد التحريضية تهدف إلى إثارة الكراهية العنصرية في وقت المعارضة الشرسة لحكم الرجل الواحد”.
أعلن سعيد بالفعل أنه سيمنع مراقبي الانتخابات الأجانب من مراقبة الانتخابات الرئاسية التونسية
إن كراهية الأجانب الموثقة جيدًا التي تمارسها الحكومة التونسية هي جزء من الأسباب التي تجعل اتفاق المهاجرين بين الاتحاد الأوروبي وتونس مثيرًا للجدل، وبالإضافة إلى تعزيز أمن الحدود التونسية، كان المقصود من هذا الاتفاق توفير شريان الحياة لبلد يعاني من اضطرابات اقتصادية، وتونس مثقلة بالديون وسط تضخم كبير، لكن الحكومة لم تتمكن من الموافقة على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، أبرز دائنيها، وهو شرط ظاهري لتلقي أموال الاتحاد الأوروبي، وهاجم سعيد، الذي رفض صفقة صندوق النقد الدولي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الصندوق بخطاب مناهض للغرب، مما وفر غطاءً لأزمة داخلية متصاعدة.
ومع وجود الغنوشي، خصم سعيد الرئيسي، وآخرين خلف القضبان، قد ينتهي الأمر بحملة إعادة انتخاب سعيد هذا العام إلى أن تكون تمثيلية سياسية جيدة التصميم، وبموجب إصلاحاته الدستورية، يحق لسعيد الترشح لولاية أخرى مدتها خمس سنوات؛ حيث سيحتاج إلى الأغلبية المطلقة للفوز، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتم إجراء جولة إعادة للتصويت.
وحتى الآن؛ أعلنت مرشحة واحدة فقط عن نيتها الترشح مقابل سعيد، فقد أعلنت ألفة حمدي، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة الطيران الوطنية التونسية، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أنها ستترشح عن حزب الجمهورية الثالثة الذي أسسته بنفسها، وقالت حمدي إنها تهدف إلى “بناء ائتلاف واسع يضمن تحولًا سياسيًّا سلميًّا ناجحًا”.
ربما تطلب حمدي الكثير، فقد أعلن سعيد بالفعل أنه سيمنع مراقبي الانتخابات الأجانب من مراقبة الانتخابات الرئاسية التونسية، ما يعني أن الدولة التي أطلقت عليها مجلة الإيكونوميست اسم “نور الأمم العربية” قبل عقد من الزمن فقط ربما تتلاشى قريبًا في الظلام.
المصدر: فورين بوليسي