ترجمة وتحرير نون بوست
في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2016، نشر الخبير في الشأن السوري، توبياس شنايدر، تغريدة أرفقها بصورة تعود للميليشيات الشيعية العراقية وهي بصدد الصعود لطائرة تجارية إيرانية في طريقها إلى دمشق. وقد أوضحت صورة السيلفي التي تم التقاطها على متن الطائرة شبانا كان يبدو عليهم التعب والإرهاق.
في الواقع، أظهرت صورة أخرى، من المرجح أن تكون قد التقطت عند وصول الميليشيات إلى دمشق، طائرة شحن كبيرة تابعة لمؤسسة الطيران العربية السورية من طراز “إليوشن 76” على مدرج الإقلاع. بعد ثلاثة أيام، نشرت صفحة الفيسبوك لموقع المعارضة الإيرانية “أخبار الحروب في الخليج الفارسي” صورا أخرى لمقاتل عراقي في طريقه إلى ساحات الوغى في سوريا.
على الرغم من أن الصور غير مؤرخة، إلا أنها تعتبر موثوقة. وعموما، تعد هذه الصور دليلا على استمرار عمليات النقل الجوي الإيراني للمقاتلين إلى ساحات القتال في سوريا. وتبرز جميع الصور أن مدرج إقلاع الطائرات يحمل نفس الشعار ألا وهو شعار شركة “فازا أندشان أرفاند”، مشغل الخدمات الأرضية في مطار عبادان الدولي في إيران.
تعد آبادان موطنا لأكبر مصفاة للنفط في إيران، وكانت مسرحا للقتال المرير خلال المراحل الأولى من الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)
وتجدر الإشارة إلى أن آبادان، المدينة الصغيرة التي تقع على مقربة من مصب نهر شط العرب، تبعد بضع خطوات عن الحدود الإيرانية العراقية وتقع بجانب المياه الضحلة لنهر مدينة البصرة العراقية.علاوة على ذلك، تعد آبادان موطنا لأكبر مصفاة للنفط في إيران، وكانت مسرحا للقتال المرير خلال المراحل الأولى من الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988).
منذ صائفة 2015، كانت آبادان تعدّ محطة توقف دائمة للطائرات الإيرانية والسورية التي تحلق بين طهران ودمشق والدافع الأساسي وراء الجهود الإيرانية العملاقة لتحويل موازين الحرب الأهلية في سوريا لصالح نظام بشار الأسد. وفي أحد المنشورات التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، قام أحد المقاتلين بتحديد موقعه حيث كان في آبادان.
في الحقيقة، تكشف أجهزة تتبع الرحلات المتاحة تفاصيل العملية اللوجستية المعقدة التي جلبت البضائع الإيرانية إلى سوريا والتي يبلغ عددها حوالي 923 على الأقل بين 16 يناير/كانون الثاني سنة 2016، إذ يعتبر هذا التاريخ مهما للغاية على قدر أهمية توقيع الاتفاق النووي في سنة 2015، إلى حدود 9 يوليو/حزيران سنة 2017.
في الحقيقة، كان جمع هذه المعلومات حكرا على الحكومات التي بإمكانها نشر أقمارها الصناعية، بيد أن العصر الرقمي أتاح للمواقع التجارية إمكانية تتبع الحركة الجوية. وعلى الرغم من أن مقتفي آثر التحركات الجوية لا يستطيعون تحديد هوية الأشخاص الموجودين داخل الطائرة، إلا أن الحركة الإيرانية القوية التي تتقاطع مع المجال الجوي العراقي ذهابا وإيابا إلى دمشق يتم تسجيلها بسهولة من قبل أي شخص لديه اتصال سريع بالإنترنت فضلا عن الصبر الكافي لمراقبة تلك الرقعة من السماء.
في سنة 2011، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “إيران للطيران” على خلفية الدور الذي تضطلع به في نقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا. في المقابل، ساهم الاتفاق النووي الإيراني المعروف رسميا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” في رفع العقوبات المفروضة على قطاع الطيران الإيراني
يعتبر الجسر الجوي جوهر عمل الناقلين الإقليميين على غرار بويا للطيران، والخطوط الجوية السورية، وماهان للطيران. ويشمل أيضا أسطول النقل الإيراني الوطني، أو ما يعرف بإيران للطيران. وعموما، لا تعد هذه العمليات بالأمر الجديد.
في سنة 2011، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “إيران للطيران” على خلفية الدور الذي تضطلع به في نقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا. في المقابل، ساهم الاتفاق النووي الإيراني المعروف رسميا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” في رفع العقوبات المفروضة على قطاع الطيران الإيراني وإعفاء شركة “إيران للطيران” مما مكنها من التوصل إلى إبرام صفقات تقدّر قسمتها بمليارات الدولارات مع شركتي إيرباص وبوينغ لشراء ما لا يقل عن 180 طائرة.
ما نراه يحلق في السماء السورية، تجد الحكومات الغربية صعوبة في الاعتراف به، حيث أن أكبر مستفيد، حتى الآن، من الأرباح الاقتصادية لبرنامج العمل المشترك هو أيضا شريك في جرائم الحرب الجارية. علاوة على ذلك، من المرجح أن تستخدم طهران إمدادات كل من إيرباص وبوينغ من الطائرات وقطع الغيار والتدريب التقني للحفاظ على جهودها الفتاكة للحفاظ على الأسد في السلطة.
لا تعد حقيقة أن الطائرات الإيرانية غالبا ما تحط رحالها في دمشق دليلا على ارتكابها للمخالفات، لكن ليس هناك سبب بريء للرحلات التجارية المتكررة من إيران باتجاه دمشق، بمعدل 11 رحلة في الأسبوع، بما في ذلك اثنين تديرها شركة إيران للطيران. وعلى الرغم من أن الرحلتان تعدان ظاهريا مُبرمجة لأغراض تجارية، إلا أنه لا يمكن حجز مقعد فيهما عن طريق موقع شركة الطيران أو من خلال وكالات الأسفار. في الواقع، لا يشمل موقع شركة إيران للطيران حتى دمشق ضمن وجهاتها من طهران.
من جهتها، تظهر مواقع تتبع الرحلات الجوية أيضا أن الطائرات الإيرانية التي تحلق إلى سوريا تعتمد على الممارسات الخادعة، على غرار إلغاء ترددات بعض رحلاتهم، وتزوير بيانات الرحلات الجوية، وإخفاء وجهاتها عن طريق منح أرقام تقديرية للرحلات، لإخفاء حجم حركة التنقل بين إيران وسوريا. في الحقيقة، تختفي الطائرات فجأة من شاشة الرادار أو يتّعذر تتبع الرحلات المرتبطة بوجهة معينة، من طهران إلى بغداد، وذلك من خلال إتباع مسار مختلف أو حتى الاقلاع من مطارات مختلفة.
إيران للطيران انتقلت إلى سوريا حوالي 134 مرة على الأقل منذ تنفيذ خطة العمل الشاملة. وهذا ما يمكن أن تحدده البحوث بشكل قاطع، وهو ما يرجح أن يكون العدد المصرح به أقل من العدد الفعلي للرحلات الجوية التي تقوم بها شركة الطيران
في كثير من الحالات، يتم إعادة توجيه الطائرات القادمة من سوريا بسرعة للرحلات التجارية بمجرد عودتها إلى طهران. فعلى سبيل المثال، عادت الطائرة الإيرانية للطيران إلى طهران (المسجلة إب – إي) التي حطت بعد رحلتها من آبادان إلى دمشق في 23 مارس/آذار، وغادرت في رحلة جوية مقررة إلى إسطنبول في اليوم الموالي. وقد غادرت طائرة ماهان للطيران (المسجلة إب أم – أن أف) التي حلقت من دمشق عبر آبادان في 30 مارس/آذار والتي يرجح أنها كانت تنقل مقاتلين مصابين، من طهران للقيام برحلة مقررة إلى أنقرة.
والجدير بالذكر أن إيران للطيران انتقلت إلى سوريا حوالي 134 مرة على الأقل منذ تنفيذ خطة العمل الشاملة. وهذا ما يمكن أن تحدده البحوث بشكل قاطع، وهو ما يرجح أن يكون العدد المصرح به أقل من العدد الفعلي للرحلات الجوية التي تقوم بها شركة الطيران.
من ناحية أخرى، بإمكان الدول القومية التي تتمتع بأجهزة مخابرات وموارد، تحديد ما يتم تحميله على متن هذه الطائرات. في سنة 2011، عندما كانت إدارة أوباما ترغب في الضغط على إيران، لم يكن لديها صعوبة في العثور على الأدلة لإدانة إيران للطيران لنقلها للمعدات العسكرية والأفراد إلى سوريا.
لكن في ظلّ غياب الإرادة السياسية، من الصعب أن تكلّف “أعين المخابرات” في السماء نفسها عناء مراقبة طائرة إيرباص من طراز “إيه 300” القديمة التي تنقل البضائع لدمشق. خلال سنة 2017، كان نجاح خطة العمل المشتركة رهين تجاهل ما تقوم به الخطوط الجوية الإيرانية في دمشق، لأن إعادة فرض العقوبات، وخاصة بعد صفقات إيرباص وبوينغ، لها تداعيات سياسية معقدة إذ من الممكن أن يتمّ التراجع عن الاتفاق النووي نهائيا.
أما بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى صور الأقمار الصناعية المتطورة والمواد المصنفة، فإن الأدلة المقدمة عن طريق الهواتف الذكية للمقاتلين داخل الطائرات التجارية الإيرانية والسورية تكشف عن الغرض من وراء إجراء مئات الرحلات التجارية المزعومة بين إيران ومنطقة الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر مواقع التواصل الاجتماعي أن المليشيات الشيعية تجتمع في آبادان، حيث يقوم نظام طهران بنقلهم من هناك إلى دمشق. كما أنها توثق تفريغ الطائرات للرجال الذين يرتدون زي القتال ومن ثم تنقل المصابين والقتلى إلى آبادان. فضلا عن ذلك، تقام جنازات في شوارع قم، ومشهد، ومسيرات يشوبها الحزن والأسف تحت شعارات تنادي بتغذية دعاية النظام الاستشهادية.
في الواقع، كانت الحرب التي تدور رحاها في سوريا وحشية للغاية، بيد أن الإحصاءات لا توفيها حقها حيث لقي أكثر من نصف مليون سوري حتفهم خلال النزاع الذي نشب في آذار/مارس سنة 2011. كما أفرغت البلاد من شعبها، حيث أن نصف عدد السكان البالغ عددهم 21 مليون نسمة قبل الحرب إما مشردون داخليا أو تقدّموا بطلب اللجوء في البلدان المجاورة. علاوة على ذلك، امتدت الأزمة إلى أوروبا، التي شهدت موجة لم يسبق لها مثيل من اللاجئين. ولقد استخدم نظام الأسد بشكل منهجي الأسلحة الكيميائية، والتطهير العرقي، والتعذيب، وهاجم بشكل عشوائي الأهداف المدنية على غرار المستشفيات والأسواق.
ومنذ بداية الحرب تقريبا، قدمت إيران مساعدات مالية للأسد ومساعدات عسكرية تتراوح بين الأسلحة والقوى العاملة الإضافية. وقد لعبت طهران دورا أكبر في الحفاظ على المجازر في سوريا منذ صائفة سنة 2015، عندما بدأت في تنسيق جهودها لإنقاذ نظام الأسد رفقة روسيا.
كل هذه القوات بحاجة للوصول إلى سوريا وكانوا بحاجة إلى إعادة الإمداد عند القتال. عموما، يعد الطريق البحري من إيران إلى سوريا طويلا (العبور من الخليج العربي، حول شبه الجزيرة العربية، إلى البحر الأحمر، وقناة السويس). كما تم إيقاف السفن الإيرانية التي تحمل أسلحة لحزب الله في العديد من المرات عندما أبحرت عبر البحر المتوسط
خلال زيارة حاسمة لموسكو في يوليو/تموز سنة 2015، وضع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية الإيراني، خططا لهزيمة المتمردين الذين كانوا على وشك الاستيلاء على كامل حلب، أكبر مدينة في سوريا. وبالتالي، كانت هناك حاجة ملحة لزيادة القوات المتواجدة هناك. ولذلك، تم نشر الميليشيات الشيعية تحت قيادة ضباط الحرس الثوري الإيراني إذ كانوا في البداية مقاتلين من حزب الله اللبناني الإيراني وكتائب من المجندين الأفغان والباكستانيين الشيعة. وفي نهاية المطاف، تم أيضا إرسال الميليشيات العراقية إلى أرض المعركة.
في الحقيقة، كل هذه القوات بحاجة للوصول إلى سوريا وكانوا بحاجة إلى إعادة الإمداد عند القتال. عموما، يعد الطريق البحري من إيران إلى سوريا طويلا (العبور من الخليج العربي، حول شبه الجزيرة العربية، إلى البحر الأحمر، وقناة السويس). كما تم إيقاف السفن الإيرانية التي تحمل أسلحة لحزب الله في العديد من المرات عندما أبحرت عبر البحر المتوسط.
في المقابل، تعد الطائرات أسرع بكثير. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من العراق سنة 2011، لم يعد هناك وجود لأي مقاتلات أمريكية لتعطيل الرحلات الجوية الإيرانية التي تجتاز المجال الجوي العراقي. علاوة على ذلك، أمنت دمشق كل الطائرات المدنية الإيرانية لتضمن نجاح الخطة. لذلك، وكلت إيران مهمة نقل المقاتلين لشركات الطيران التجارية.
من جهة أخرى، كانت لعملية النقل الجوي دور فعال في تسهيل الأعمال الوحشية التي ترتكب ضد السكان المدنيين السوريين، حيث قدمت دعما حيويا لنظام الأسد. وقد ساعدت في تعزيز دور حزب الله “كدولة داخل دولة” في لبنان وبناء ميليشيا شيعية متعددة الجنسيات من خلال حمل مقاتلين من أفغانستان، والعراق، وباكستان، للمشاركة في العمليات العسكرية المشتركة إلى جانب حزب الله والجيش السوري.
علاوة على ذلك، تم دمج هذا “اللواء الدولي” بالكامل ضمن الهيكل العسكري للحرس الثوري الإيراني. ومما زاد الأمر سوءا هو أن سلسلة التوريد هذه تساهم بشكل كبير في الحشد العسكري لحزب الله والحرس الثوري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية.
والجدير بالذكر أن الغارات الجوية للقوات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قوافل الأسلحة المتجهة إلى لبنان هي بمثابة استجابة مباشرة لتدفق الأسلحة المتزايد من سوريا إلى لبنان، وحيازة حزب الله للأسلحة المتقدمة على غرار الصواريخ الروسية الصنع المضادة للسفن. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة قد تسبق نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. في المقابل، يمكن تجنب هذا السيناريو في حال اختارت إدارة ترامب الكشف عن دليل مشاركة إيران للطيران في الجسر الجوي وتعطل الممر الجوي الذي أنشأته إيران لدعم الأسد.
في الحقيقة، نحن ندرك تماما أن الجسر الجوي الإيراني يعمل منذ بداية الحرب الأهلية السورية. وفي الأثناء، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية سنة 2011 عقوبات على ماهان للطيران، وإيران للطيران، والرحلات الجوية الإيرانية بسبب نقلها للمعدات العسكرية، بما في ذلك القذائف والصواريخ، إلى سوريا حيث تعدّ هذه العمليات أنشطة لا يشملها الاتفاق النووي.
في مارس/آذار، تم إدراج شركة ياس للطيران (التي سميت لاحقا باسم بويا للطيران) من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بسبب توريد الأسلحة إلى وكلاء إيرانيين في أفريقيا وسوريا. وإلى جانب ياس للطيران، أدرجت وزراة الخزينة أيضا 117 طائرة إيرانية مملوكة من قبل شركة “إيران للطيران”، و”ماهان للطيران” و”ياس للطيران”.
كما نشرت هذه الوزارة صورا جوية تشير إلى إرساء الشحن الجوي الإيراني في محطة دمشق الدولية، مما يثبت تورط الطائرات التجارية الإيرانية في حرب الأسد. علاوة على ذلك، أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى مؤسسة الطيران العربية السورية سنة 2013 وأجنحة الشام للطيران سنة 2016 بسبب نقلهم للأسلحة والمقاتلين إلى سوريا.
في الواقع، لا تزال العقوبات الأمريكية مفروضة على شركة ماهان للطيران بصفتها إحدى الشركات التي تقدم الدعم للإرهاب، فضلا عن أجنحة الشام للطيران، والخطوط الجوية العربية السورية وبويا للطيران. وخلافا لذلك، سُمح لشركة إيران للطيران بالانضمام إلى السوق العالمية.
ما تغير هو أنه خلال صائفة سنة 2015، وافق الرئيس أوباما، كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة، على رفع العقوبات الأمريكية التي كانت مفروضة منذ عقود على قطاع الطيران الإيراني، ما مهد الطريق أمام توقيع الصفقات بيع طائرات إيرباص وبوينع التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي أبرمت بعد ذلك بوقت قصير.
لم تشمل خطة العمل الشاملة المشتركة الطائرات التابعة لأجنحة الشام للطيران، والخطوط الجوية العربية السورية، وبويا للطيران لأنهم لا ينقلون ركابا مدنيين بين طهران ودمشق. علاوة على ذلك، لم يمنع مواصلة إيران استخدام طائراتها التجارية، من أجل معركة بقاء الأسد الوحشية، الرئيس أوباما من تحقيق أهداف سياسته الخارجية.
من المرجح أن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري أراد ببساطة من خلال تلك القرارات أن يتأكد من أن الإيرانيين لن ينسحبوا، بعد أن رأى أن الوضع مربح لكلا الجانبين، نظرا لأن شركة بوينغ ستستفيد من إنهاء العقوبات الأمريكية المفروضة على الطيران الإيراني
ولا يسع للمرء إلا أن يتساءل لماذا ساهم اتفاق يُفترض أن يركز على الأنشطة النووية الإيرانية والعقوبات الدولية، في إزالة بعض العقوبات الأمريكية غير النووية؟ في المقابل، قالت طهران إن العقوبات الأمريكية كانت تؤثر على سلامة وأمن الطائرات الإيرانية. ومنذ فترة طويلة، ادعى مسؤولون بشركات الطيران الإيرانية، أنهم اضطروا إلى إرجاء عمل العديد من الطائرات نظرا لأنهم لا يستطيعون شراء المعدات اللازمة لهذه الطائرات.
من المحتمل أن يكون أوباما قد اتخذ مثل هذه الخطوة بسبب ذنب قديم ارتكبته الولايات المتحدة في حق إيران. وقد بدا ذلك واضحا، عندما اعترف في خطاب ألقاه في القاهرة، سنة 2009، بدور واشنطن في الانقلاب الذي جدّ سنة 1953 ضد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الوثائق السرية التي تم تسريبها كشفت أن واشنطن اعتبرت اعتذار أوباما لطهران غير مبرر وغير ضروري.
من المرجح أن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري أراد ببساطة من خلال تلك القرارات أن يتأكد من أن الإيرانيين لن ينسحبوا، بعد أن رأى أن الوضع مربح لكلا الجانبين، نظرا لأن شركة بوينغ ستستفيد من إنهاء العقوبات الأمريكية المفروضة على الطيران الإيراني.
أيا كان السبب، فإن شركات الطيران الإيرانية الأربعة يمكنها، في الوقت الراهن، شراء الطائرات، وقطع الغيار، والخدمات، واكتساح سوق الطيران العالمي. في المقابل، يمكن للمؤسسات المالية الأمريكية أن تستفيد من هذه الصفقات. ولأول مرة منذ الثورة الإيرانية لسنة 1979، تستطيع إيران بناء أسطول حديث يُمكنها من التنافس مع مراكز طيران الخليج المتواجدة في أبو ظبي، والدوحة، ودبي.
منذ الاتفاق النووي، استطاعت إيران للطيران شراء جميع اللوازم التي تنقصها. وإلى جانب الصفقات التي أبرمتها مع شركة إيرباص (100 طائرة) وبوينغ (أكثر من 80 طائرة)، وقعت إيران على صفقة مع الشركة الفرنسية الإيطالية لصناعة الطائرات، إيه تي آر، للحصول على 20 طائرة إقليمية. ومن المحتمل أن توقع صفقات إضافية مع شركة بومباردييه الكندية، وامبراير البرازيلية، وميتسوبيشي اليابانية.
علاوة على ذلك، توصّلت شركة آسمان للطيران، ثالث أكبر شركة طيران في إيران، إلى اتفاق لاستئجار سبع طائرات إيرباص في كانون الأول/ ديسمبر سنة 2016، ووقعت اتفاقا مع شركة بوينغ لشراء 30737 طائرة ذات الممر الواحد، في ربيع هذا العام.
وخلال معرض باريس الجوي، الذي عقد في حزيران/يونيو، قامت شركات الطيران الأصغر حجما في إيران “زاكروس للطيران ” و”إيران آيرتور”، التي كانت تشملها العقوبات سابقا، بإبرام صفقات رسمية لشراء طائرات جديدة من شركة إيرباص. وفي الحقيقة، من المرجح أن يزيد حجم هذه الصفقات في المستقبل. وفي السياق ذاته، قال وزير النقل الإيراني إن “البلاد تتطلع إلى شراء ما يتراوح بين 400 و500 طائرة خلال العقد المقبل لتحل محل أسطولها الجوي القديم”.
وقد بدأت إيران للطيران بالفعل في الحصول على طائراتها الجديدة. فقد سلمت شركة ايرباص إيران طائرة من طراز “إيه-320” خلال شهر كانون الثاني /يناير سنة 2017 وطائرتين من طراز “أي-330″، خلال شهر آذار/مارس. فضلا عن ذلك، انضمت أربعة طائرات توربينية من شركة “إيه تي آر” إلى أسطول إيران للطيران خلال شهر أيار/مايو. ومن المتوقع أن تتسلم إيران شحنات شركة بوينغ خلال شهر نيسان/أبريل سنة 2018.
في الواقع، ستساعد هذه الصفقات الجهود الحربية الإيرانية في سوريا سواء بصفة مباشرة من خلال توريد طائرات جديدة يمكن استخدامها لنقل الأسلحة إلى سوريا، أو بشكل غير مباشر من خلال تقديم المساعدة التقنية وقطع الغيار التي يمكن أن تدعم الطائرات القديمة.
بالتالي، تشكّل خطة العمل الشاملة المشتركة معضلة بالنسبة إدارة ترامب. فنظرا لتورط صناعة الطيران المدني الإيراني في الجسر الجوي السوري، فإن من مصلحة الولايات المتحدة فرض عقوبات على تلك الصناعة لمنع إيران من استغلال التجارة العالمية في أنشطتها غير المشروعة. في الوقت ذاته، فتحت نهاية العقوبات المفروضة على الطيران الأمريكي، منذ فترة طويلة، ضد إيران، سوقا جديدة مربحة للمُصنعين الأمريكيين. فضلا عن ذلك، تصر شركة بوينغ على أن الصفقة التي أبرمتها مع إيران للطيران والتي تصل قيمتها إلى 16.6 مليار دولار والصفقات المحتملة في المستقبل بين صناعة الطيران في الولايات المتحدة وغيرها من شركات الطيران الإيرانية، ستساهم في توفير عشرات الآلاف من الوظائف الأمريكية.
وتدعي بوينغ أن الصفقات “ستدعم حوالي 100 ألف وظيفة في الولايات المتحدة” على الرغم من حقيقة أن زميليّ “توبي ديرشويتز وتيلر ستابليتون قد كشفا مؤخرا، عن استعانة شركة بوينغ بمصادر خارجية لتسريح الناس من وظائفهم لكي تستخدم بشكل متزايد التشغيل الآلي لتنفيذ أعمالها.
وتمثل الصفقة التجارية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات حاجزا قويا يقف ضد إعادة فرض أي عقوبات على إيران. كما تؤكد هذه الحجة على أن مُوقعي خطة العمل المشتركة قد ادعوا سنة 2015 أنهم قاموا برفع تلك العقوبات لحماية الصفقة من الغش الإيراني.
في الحقيقة، تجعل الرهانات الاقتصادية من الصعب على أي إدارة إعادة فرض عقوبات على بلد يقوم بارتكاب فظاعات. فخلال هذا الأسبوع، وافقت إدارة ترامب إيران على الامتثال لاتفاق سنة 2015، على الرغم من أنها فرضت عقوبات على عدد قليل من الشركات الإيرانية في الوقت نفسه.
منذ البداية، لم يتوان الرئيس ترامب عن توجيه انتقادات مناهضة لإيران. وخلال الأشهر الستة الأولى من عمله في منصبه، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على كيانات إيرانية أكثر مما فعلت إدارة أوباما خلال السنوات الأربع الماضية. في المقابل، تعدّ جلّ تلك العقوبات لا معنى لها باعتبار أنها لم تكن موجهة لقطاع الطيران.
وقد اعتبر المفاوضون الغربيون أن إيران تريد إصلاح اقتصادها، فضلا عن أن عطشها للتجارة والاستثمار من شأنه أن يعزز قوة الأطراف التي توجد داخل النظام الإيراني والتي ترغب في تحسين العلاقات مع القوى التجارية العالمية. علاوة على ذلك، ستساهم أولويات الوظائف والبنية التحتية في أن تصبح إيران أكثر اعتدالا. كما من شأن المصلحة الاقتصادية أن تجعل الطموحات النووية والإقليمية لإيران وجهان لعملة واحدة، مرتبطان حقا برغبات الطبقة المتوسطة الإيرانية الطموحة.
يعتبر وقف تدفق الأسلحة والميليشيات أمرا لا بدّ منه إذا ما أردنا إحباط جهود الأسد لقهر المتمردين وتطهير الريف السوري من سكانه السنة
في المقابل، تثبت صفقات شركتي إيرباص وبوينغ أن العطش للتجارة يجذب مصالح الدول الغربية لصالح إيران، حيث أن استمرار استخدام إيران للطائرات المدنية في إبقاء آلة القتل أي الأسد في سوريا أمر غير مهم عندما يتعلق الأمر بصفقات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.
يعتبر وقف تدفق الأسلحة والميليشيات أمرا لا بدّ منه إذا ما أردنا إحباط جهود الأسد لقهر المتمردين وتطهير الريف السوري من سكانه السنة. كما أن ذلك سيكون بمثابة ضربة لمساعي إيران المتمثّلة في الهيمنة على بلاد الشام. وتجدر الإشارة إلى أن إثبات مشاركة شركة إيران للطيران في عمليات النقل الجوي العسكري، التي تُجرى لصالح الحرس الثوري الإسلامي، الذي يهدف إلى إبقاء آلة الذبح السورية وتسليح حزب الله من شأنه أن يجعل شركة الطيران مؤهلة لعقوبات جديدة.
من جهة أخرى، قد يلغي تجديد هذه العقوبات صفقات الأعمال الكبرى الموقعة مع إيران للطيران. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى سلسلة من ردود الفعل العنيفة التي قد تفضي إلى انهيار اتفاق سنة 2015 برمّته.
والجدير بالذكر أن أولئك الذين ضغطوا بشدة من أجل توقيع خطة العمل الشاملة يعرفون جيدا أن إيران تقوم باستخدام قطاع الطيران المدني في مغامراتها العسكرية في سوريا. فضلا عن ذلك، يتمثل الموافقة عن الأعمال الإيرانية في سوريا الثمن السياسي لتوفير طلبيات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات لصناعة الطيران.
بدلا من إبقاء إيران وفيّة تجاه التزاماتها عن طريق استخدام صفقات الطائرات كورقة ضغط، سهّلت إدارة أوباما توقيع سلسلة من الصفقات من خلال منحها ترخيص الخزانة قبل أن يغادر منصبه. وبالتالي، بقيت إدارة ترامب مع خيار أصعب بكثير خاصة مع ارتفاع عدد الصفقات وبدأ عمليات التسليم.
بإمكان إيران حماية أنشطتها التجارية من الأنشطة التي تقوم بها من خلال الاعتماد على الطائرات العسكرية. وفي الواقع، هذا تماما ما تفعله شريكتها سوريا. من جانب آخر، تزود روسيا قواتها هناك، عن طريق استخدام طائرات شحن من طراز “إليوشن” وطائرات من طراز “أنتونوف” المسجلة لدى قواتها الجوية.
بالتالي، يمكن لإيران أن تفعل الشيء نفسه وتعتمد على الشحنات العسكرية للقيام بعملياتها العسكرية. ومما لا شك فيه أن ذلك لن يحل مشكلة دعمها للأسد وحزب الله، ولكن ذلك يعني أن تجديد لأسطولها، إلى جانب الحصول على قطع الغيار وخدمات الصيانة والتدريب التقني، لن يكون مرتبطا بهذه الأنشطة. في المقابل، تفضل طهران استخدام خطة العمل الشاملة والفوائد الاقتصادية المنجرة عنها كدرع لحماية دعمها الشائن للأسد وحزب الله.
لا يمكن إقامة جدار فصل بين الحركة الجوية التجارية الإيرانية وعمليات النقل الجوي العسكري إلى سوريا، حيث تستخدم إيران قطاع الطيران المدني لتلبية الاحتياجات العسكرية
وبالنسبة للولايات المتحدة، ينبغي ألا تكون هناك تدابير تفرض على البعض وتتجاهل بالنسبة للبعض الآخر. ولن يؤدي الحد من المبيعات إلى كيانات غير مقيدة إلى منع المتورطين في الجسر الجوي من الاستفادة من ترقية الأسطول الجوي الإيراني. ويمكن للفنيين المدربين نقل المعرفة بسهولة إلى نظرائهم في شركات الطيران الخاضعة للجزاءات أو طائرات الإصلاح المشاركة في الجسر الجوي. علاوة على ذلك، يمكن إعادة بيع قطع الغيار المقدمة للمشترين الإيرانيين المرخصين إلى كيانات محددة.
كما لا يمكن إقامة جدار فصل بين الحركة الجوية التجارية الإيرانية وعمليات النقل الجوي العسكري إلى سوريا، حيث تستخدم إيران قطاع الطيران المدني لتلبية الاحتياجات العسكرية. والجدير بالذكر أن خطة العمل المشتركة رفعت العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على قطاع الطيران المدني الإيراني منذ عقود وتحديدا عندما أصبح القطاع ضروريا لجهود طهران في الحرب السورية.
أدى تردد الولايات المتحدة في النظر في الأدلة المتزايدة على تواطؤ قطاع الطيران الإيراني مع نظام الأسد إلى زيادة جرأة البلاد خاصة في الوقت الذي أعطت فيه خطة العمل المشتركة لقادتها موارد مالية إضافية لمتابعة طموحاتها للهيمنة الإقليمية. ويعدّ ذلك أحد الأسباب الأخرى التي تجعل إدارة ترامب يجب أن تعلق تراخيص صفقات الطائرات مع شركات الطيران الإيرانية في حين تجري مراجعة شاملة لدورها في عمليات النقل الجوي إلى سوريا. وينبغي للولايات المتحدة أن تشرع في إلغاء التراخيص وإعادة فرض الجزاءات إذا تأكد ذلك الدور بصورة قاطعة.
عموما، تتمثل الطريقة الوحيدة في منع المصنعين الأمريكيين على غرار شركة بوينغ من تزويد الطائرات للشركات الايرانية المشاركة في الدعم المادي للإرهاب هو الاعتماد على العقوبات الأمريكية غير النووية. وفي حين أن الولايات المتحدة لا تستطيع وقف كل طائرة، إلا أنها يمكن أن تفرض عقوبات على قطاع الطيران الإيراني. من جهتهم، يعتقد المفاوضون المشاركون في خطة العمل المشتركة أن الجزاءات تعمل وأن إيران، عند تخييرها، ستتصرف بطريقة عقلانية. ولذلك، يجب على إدارة ترامب أن تضع هذا الخيار نصب عينها مرة أخرى حيث لا ينبغي السماح لإيران بالتعامل مع كل من حزب الله وبوينغ في نفس الوقت.
المصدر: ويكلي ستاندرد