في الوقت الذي تروّج فيه الحكومة التونسية ورئيسها لإنجازات حققتها فيما أطلق عليه يوسف الشاهد بـ “الحرب على الفساد”، صادقت لجنة برلمانية على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية بعد أن تم تعديل اسمه واستبداله باسم ” المصالحة الإدارية” في انتظار عرضه على نواب البرلمان لنيله الثقة وهو ما دفع بعديد التونسيين للرجوع إلى الشارع للتنديد بمشروع هذا القانون المثير للجدل والتساؤل عن جدية الحكومة في مكافحة الفساد.
احتجاجات رافضة لمشروع القانون
وسط إجراءات أمنية مشدّدة شارك مئات التونسيين عشية أمس الجمعة، في قلب العاصمة التونسية، في الاحتجاجات التي دعت إليها تنسيقية “مانيش مسامح” (مستقلة)، ضد “قانون المصالحة”، الذي صادقت عليه لجنة التشريع بمجلس نواب الشعب، الأربعاء الماضي، وأرجع المحتجون رفضهم لمشروع القانون إلى معارضته للدستور والعدالة الانتقالية، إلى جانب تضمنه في فصولها العفو عن الفاسدين، حسب وصفهم، ورفع عشرات المحتجين لافتات كتب عليها “لا مصالحة دون محاسبة”، و”لا لقانون تبييض الفساد”، و”بالشارع لن يمر”، و”مناش مسامحين (لسنا مسامحين)”، مذكرين بشهداء الثورة التونسية (عام 2011).
أرجع المحتجون رفضهم لمشروع القانون إلى معارضته للدستور والعدالة الانتقالية
وتأسست حملة “مانيش مسامح” قبل عامين، عندما أطلق الباجي قائد السبسي مشروع قانون المصالحة، وتعهدت الحملة باسقاط القانون، وعطلت في مناسبات كثيرة مناقشته. وتعرّف الحملة نفسها بكونها:”مبادرة مواطنيّة مستقلة مفتوحة أمام كل من يريد الانضمام (…) تسعى إلى تجميع كل المواطنين وكل المكونات السياسية والحقوقية والفكرية حول مهمة سحب قانون المصالحة، الذي يبيّض الفساد ويبرّئ رؤوس الأموال الناهبة لأموال الشعب“.
أعضاء في حملة مانيش مسامح
قبل ذلك، أعرب 21 نائبًا في البرلمان التونسي عن رفضهم لمشروع قانون المصالحة المالية والاقتصادية، قبل أن يتم تغيير اسمه إلى “المصالحة الإدارية” وطالبوا بسحب المشروع الذي اعتبروه “مريبًا ومنحازًا للفاسدين ومتناقضًا مع مبادئ المساءلة والمحاسبة، ووقع النواب الذين ينتمون لأحزاب سياسية ممثلة في البرلمان التونسي على مذكرة تقدمت بها منظمة “أنا يقظ” (مستقلة)، من أجل سحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية.
وعبر النواب في المذكرة عن رفضهم القطعي لمشروع هذا القانون، الذي اعتبر أنه “يكرّس الإفلات من العقاب لأشخاص تعلقت بهم شبهات فساد “، كما أنه يجافي “مبدأ المساواة بين المواطنين وعمل الإدارة وفق قواعد المساءلة والمحاسبة، كما نص على ذلك الفصل 15 من الدستور التونسي”.
تعديلات جديدة
وفي غياب ممثلي المعارضة، صادقت لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي الاربعاء الماضي، على مشروع “قانون المصالحة في المجال الإداري”، وذلك بعد تعديلات عن نص المشروع الأصلي الذي كان يسمى “المصالحة الاقتصادية والمالية”، تقدم به الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي ينشد عفوا عن آلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال الذين نهبوا أموالاً عامة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1987-2011)، شرط إرجاعها مع فوائد. ولاقى القانون معارضة شديدة من أحزاب ومنظمات وحملات شبابية.
يقرّ مشروع هذا القانون قبل تعديل الأخير، العفو على قرابة 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد
وبموجب التعديلات الأخيرة والتي سهّلت عملية المصادقة على مشروع القانون داخل اللجنة المكونة في مجملها من نواب الأحزاب الحاكمة، تم حذف الفصول المتعلقة برجال الأعمال، والاقتصار على عفو يناله موظفو الدولة الذين ارتكبوا تجاوزات.
يقرّ مشروع هذا القانون قبل تعديل الأخير، العفو على قرابة 400 رجل أعمال تورطوا في قضايا فساد، والعفو عن الموظفين العموميين، وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية. وتستثنى الرشوة والاستيلاء على الأموال العمومية، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 – 2011)، من الانتفاع بهذه الأحكام.
الحرب على الفساد
المصادقة على مشروع قانون المصالحة، جاء بالتزامن مع تأكيد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد عزمه مواصلة بما يصفه بـ “الحرب على الفساد”، حيث قال الشاهد خلال جلسة حوار أول أمس الخميس، بمجلس نواب الشعب أن الحرب على الفساد لن تكون خلال فترة فقط بل ستكون حربا على الفاسدين دون إنتقاءات وطويلة المدى ولن يُترك أي شخص تحوم حوله شبهات فساد.
يوسف الشاهد يشدّد على أهمية حربه على الفساد
وأكد الشاهد في كلمته أن شعار المرحلة في مكافحة الإرهاب أساسه “لا حصانة لأي كان”، وفق تعبيره مضيفا أن كلا من أخطأ في حق المجموعة الوطنية سيحاسب مهما كانت الفئة أو الجهة التي ينمتي إليها وأن “مفما حتى حد فوق الدولة والقانون”، وفي مايو الماضي أعلنت الحكومة التونسية “الحرب على الفساد”، واعتقلت السلطات 10 رجال أعمال معروفين، لتورطهم في تهم فساد مالي وتهريب ومساس بأمن الدولة، ووضعتهم تحت الإقامة الجبرية. وتمت مصادرة أملاك 13 من رجال الأعمال التونسيين وموظفي جمارك ممّن ثبت تحقيقهم لأرباح بشكل غير مشروع جراء علاقاتهم وارتباطاتهم بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وعائلته.
يتساءل تونسيون، كيف لرئيس حكومة يدّعي الحرب على الفساد أن تدعم حكومته وحزبه سن قانون يعفو عن فاسدين
وتمّت إقالة 21 موظف جمارك برتب مختلفة من مواقع المسؤولية أو الإدارات الحساسة في منتصف يونيو الماضي في انتظار استكمال التحقيقات معهم، فيما تمت إحالة 35 آخرين من مختلف الرتب على مجلس التأديب، في حين تتواصل التحقيقات بشأن عدد آخر من الأعوان الذين تعلقت بهم قرائن فساد. وتعيش تونس أزمة اقتصادية ولدت حالة احتقان شعبي عكسته اندلاع احتجاجات بمحافظات جنوب البلاد تطالب بحلول ناجعة للحصول على نصيبها من التنمية وفرص التشغيل في آجال قريبة وعدم الاكتفاء بوعود الحكومات المتعاقبة.
ويتساءل تونسيون، كيف لرئيس حكومة يدّعي الحرب على الفساد أن تدعم حكومته وحزبه سن قانون يعفو عن فاسدين ويعتبرونه متعارضا مع مسار العدالة الانتقالية، وكشف رئيس الوزراء في خطاب أمام البرلمان أن الحملة الأخيرة التي شنتها الدولة على مهربين وعدد كبير من رجال الأعمال قادت إلى مصادرة حوالي 700 مليون دينار (290 مليون دولار) إضافة لمطالبة الدولة من القضاء بتوقيع غرامات تصل إلى 2.7 مليار دينار (1.12 مليار دولار).