طرحت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام قانونًا للآداب العامة، وأنشأت بموجبه شرطة الآداب التي ستتولى مهمة تطبيق بنود القانون، والذي يتضمن عدة بنود، بينها فرض الحجاب على الفتيات فوق 12 عامًا، ومنع الاختلاط بين الجنسَين في العمل، ومنع تشغيل الأغاني في الأسواق والمقاهي وصالات الأعراس، ومنع الأراجيل.
وتشمل مهام الشرطة الرقابة على وسائل الإعلام الطرقية، ووسائل التسلية والترويح، والمؤسسات التجارية والصناعية والخدمية والطرق والمرافق العامة، ومنع مخالفات الآداب والذوق العام فيها، وللشرطة أيضًا صلاحية منع الأعمال المخالفة، وضبطها أو إزالتها، أو القبض على المخالفين، أو إغلاق المحال المخالفة.
أهم بنود القانون
طرحت وزارة الداخلية مشروع القانون في 28 صفحة، وورد في المادة 1 من القانون تعريفه، وهو “مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع”، وتنص المادة 2 منه على الحفاظ على الآداب العامة والذوق العام، ويُقصد به منع المخالفات وكل ما هو مذموم شرعًا وعرفًا، ما لم تنظمها قوانين أخرى.
أما المادة 7 من القانون، فتتولى شرطة الآداب العامة منع المخالفات العامة التي تظهر في المجال العام، وهي “كل محرم قطعي لا يُختلف فيه، مشهور التحريم، وما استقرت فتوى أهل العلم في البلد على تحريمه، واشتهر ذلك بين الناس، والمخالفات الاجتماعية الظاهرة، وما يمسّ الذوق العام، ممّا منعه القانون، وممّا يصدر من الوزارة تعميم بمنعه”.
أما المادة 9 فتنصّ على عدم “سب الله وأنبيائه ودينه، أو الاستهزاء والانتقاص من شعائر الإسلام ورموزه وعلمائه”، فيما تنص المادة 10 على منع “البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم والأندية والمسابح والمقاهي والبسطات ونحو ذلك، بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة”.
أما في المواد الأخرى، فيمنع فيها “تشبّه أحد الجنسَين من الرجال والنساء بما يختص به الآخر، ويمنع الوشم، وفرض الحجاب على النساء والفتيات اللاتي بلغن 12 من العمر، ويُمنع شرب الخمر والمخدرات بأنواعها وصناعتها وحيازتها وبيعها أو اللعب بالقمار”.
كما يمنع القانون السحر والشعوذة وكتابة الطلاسم والرقى بألفاظ غير مفهومة أو خارج حدود القرآن والسنّة الصحيحة والأدعية المأثورة، وتمنع الكهانة -الضرب في الغيبيات بقراءة الكف والفنجان والخطوط ونحوها- وإتيان أصحابها، ويمنع المجاهرة بالفطر في نهار شهر رمضان، ويُمنع البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم والأندية والمسابح والمقاهي والبسطات ونحو ذلك، بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة.
يجب على أصحاب العروض التجارية المتعلقة بالثياب الخاصة بالنساء تعيين بائعة لهنّ، وعدم تقديمها على واجهة المحال بصورة تخدش الحياء وتنافي الأدب والفضيلة.
ويضم القانون بنودًا عن منع الأغاني ومنع الرجال بالمباشرة في بيع الأشياء الخاصة بالنساء، ويمنع دخول الرجال في الأماكن المخصصة للنساء، إلى جانب منع الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص، إلا بإثبات أنهما من المحارم.
كما يمنع استخدام الأسماء المسيئة للقيم والأعراف المجتمعية، سواء في الأماكن العامة أو المحال التجارية أو المنتجات أو الخدمات الإعلامية، ويمنع البغاء والزنا وعمل قوم لوط ومقدماتها، ويمنع شرب الخمر والمخدرات بأنواعها وصناعتها وحيازتها وبيعها، ويمنع عقوق الوالدَين سواء بالقول أو الفعل، ويمنع سبّ المرء لأحد والدَي أو أقارب شخص آخر، ويمنع القمار والميسر، وتمنع السرقة والنهب والغصب والغش والرشوة وأكل ميراث النساء وأكل أموال الناس بالباطل، ويمنع القذف والطعن في الأنساب واللعن والسباب.
ويحظر القانون الترويج أو التحريض على الأعمال المخالفة للآداب العامة والذوق العام، ويمنع نشر أو إذاعة أو ترويج ما يخلُّ بالآداب والتعاليم الإسلامية، وبحسب القانون يجب على أولياء أمور النساء والفتيات ضبط خروجهن إلى الطرق والمرافق العامة من حيث اللباس الساتر للبدن وغطاء الرأس وانتفاء مظاهر التبرج.
كما يمنع التعدي على الآخرين بالضرب أو السب أو الإهانة أو أي نوع من أنواع الأذى، ويمنع إيذاء الجوار بالضجيج وكل ما يدخل في مسمّى الأذى والضرر، ويمنع اعتلاء الأسطح أو الأبراج في الأماكن السكنية من دون استئذان من الجوار من أصحاب المنازل المكشوفة جرّاء ذلك، ويمنع التدخين في المشافي والمراكز الطبية والصيدليات ووسائل النقل العامة، وفي المؤسسات العامة والخدمية والمرافق العامة المغلقة.
ويمنع عرض السلع التجارية الخادشة للحياء على واجهة المحال، ويمنع عرض وبيع الشارات والأعلام الدالة على الفساد والانحراف، ويمنع الوقوف أمام المدارس والمعاهد والجامعات والأماكن الخاصة بالإناث بصورة تنافي الأدب والأعراف المجتمعية، وتمنع السخرية من ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والنساء والأطفال، أو ممارسة أي سلوك مؤذٍ تجاههم، ويمنع تقصّد تصوير الآخرين في الأماكن والمرافق العامة من دون إذن مسبق منهم أو من الجهة المختصة.
ويُلزم مشروع القانون أصحاب صالات الأفراح والمناسبات الخاصة بتخصيص عاملة في صالات الأفراح النسائية تشرف على إدارة المكان وخدماته، وتوثيق تعهُّد خطي يؤخَذ من مستأجر الصالة بالالتزام بضوابطها، ومنع الاختلاط بين الجنسَين في الحفلات، ومنع الأصوات الصاخبة المؤذية للجوار، ومنع المعازف والعروض المخالفة للدين والذوق العام، ومنع إطلاق الرصاص واستعمال السلاح، وعدم تركيب كاميرات للمراقبة في صالات الأفراح النسائية أو في غُرف تبديل الثياب ودورات المياه، ويمنع تصوير النساء لبعضهن من دون استئذان.
وبما يخص الأسواق والمراكز التجارية، فرض القانون تخصيص حرس دائم على البوابات الرئيسية، ينظِّم دخول الأفراد والعائلات إذا كان المكان محاطًا بالأغلاق من جوانبه، كما يجب على أصحاب العروض التجارية المتعلقة بالثياب الخاصة بالنساء تعيين بائعة لهنّ، وعدم تقديمها على واجهة المحال بصورة تخدش الحياء وتنافي الأدب والفضيلة، وعدم تركيب كاميرات المراقبة في الأماكن المعدّة لبيع الألبسة النسائية الخاصة، أو في غُرف تبديل الثياب ودورات المياه، والتقيُّد بإغلاق المكان بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة.
دواعي طرح القانون
يسود اعتقاد بين الأوساط الشعبية في مناطق إدلب بأن القانون سيكون بديلًا عن “جهاز الحسبة” لكن بشكل أكثر تنظيمًا، وبإدارة مدنية، أي يتبع لحكومة الإنقاذ ولا دخل لعناصر الهيئة العسكريين بتطبيقه، وسبق أن حلت الهيئة آخر نسخة من أجهزة الحسبة عام 2021، حينها كانت تطلق عليه اسم “مركز الفلاح”، والذي أُسّس عام 2020 على أنقاض جهاز “سواعد الخير” والذي أسّسته أيضًا عام 2018، واضطرت فيما بعد لتفكيكه وإنهاء عمله على خلفية احتجاجات شعبية ومظاهرات طالبت بإيقافه، بسبب تدخّله في الحياة اليومية للناس وفرضه الكثير من القيود.
وهناك مخاوف من أن يكون القانون فرصة لفرض المزيد من الضرائب على الناس، وإطلاق يد النافذين في الهيئة وحكومتها، وأن يفسح المجال أمام المرتشين والفاسدين لجمع الأموال، لأن بنود القانون ببساطة فضفاضة وتسمح بذلك، ويرى فريق من المناهضين للهيئة أن القانون يلبّي رغبة التيار المتشدد الذي فاز مؤخرًا بالمقاعد المقرّبة من زعيمها أبو محمد الجولاني، بعد الإطاحة بأبي مارية القحطاني وأبو أحمد زكور (كلاهما يحسبان على التيار البراغماتي الأكثر انفتاحًا).
وقد يكون القانون استجابة شكلية للضغوط التي مارستها التيارات المناهضة (من منشقين وسلفيين من أتباع التنظيمات التي فكّكتها الهيئة سابقًا)، والتي كانت تتتبع الانفتاح الاجتماعي المفترض، وتراقب السياسات العامة للهيئة وحكومتها، وتنتقد بشدة ما تسمّيه بالانفتاح والاختلاط والتبرج في الأسواق والجامعات، كذلك عمل المنظمات النسوية التي تُعنى بتمكين المرأة.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أن القانون لم تنشره حكومة الإنقاذ في الجريدة الرسمية رغم تسريبه إلى الإعلام، وهو غير معتمد بشكل نهائي، وبدا أنها تعمّدت تسريبه كي تجسّ نبض الشارع، وترصد ردود الأفعال، لكن حتمًا لن تلغيه، ربما ستجري عليه بعض التعديلات، فهي قد أعلنت بالفعل عن جهاز شرطة الآداب الذي سيتولى تطبيقه، وفتحت باب الانتساب لضمّ المزيد من المتطوعين إلى صفوفه، وقد بدأ التسجيل بتاريخ 2 يناير/ كانون الثاني ويستمر لغاية السابع من الشهر نفسه.
وبالفعل بدأ الجدل حول القانون يتوسع، والأوساط الشعبية والمشايخ بدأوا بتداوله، بينهم الشيخ علي نايف الشحود، والذي علّق خلال درس له في أحد مساجد إدلب على القانون، وذكر نقاطًا مهمة بخصوص آليات تطبيقه، وهل من المفترض أن يعرض للتصويت، وهل هو ملائم ويناسب حالة الحرب التي تعيشها مناطق شمال غربي سوريا بحسب فقه المصالح والمفاسد.
القانون شكلي لم يضعه مختصون
يقول الباحث هشام حاج محمد لـ”نون بوست”، إن “قانون الآداب العامة الذي أصدرته حكومة الإنقاذ لا ينسجم مع مسار سلكته الهيئة كان مقررًا له أن يبعدها عن الصورة الجهادية، وعن التصادم مع المجتمع في سبيل الاعتراف الدولي، وغالبًا التغييرات الأخيرة داخل بيت الهيئة أنتجت هذا القانون”.
ويرى محمد أن “القرار يهدف إلى ترميم شرعية الهيئة بين الناس بعد ملف العملاء داخل الهيئة، وقد يكون طرحه في هذا التوقيت نتيجة لانتصار تيار على آخر داخل الهيئة، في رأيي سيقوم زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، بمسايرة التيار الجديد وقانونه الذي أنتجه، ومن ثم سيعطّله لاحقًا”، أي أن القانون شكلي، ولن يطبّق بحذافيره، ولن يكون نسخة جديدة مفترضة من “الحسبة”.
استطلع “نون بوست” آراء عدد من الناس حول القانون الجديد، ومدى فاعليته وإمكان تطبيقه بشكله الحالي، يرى نشطاء حقوقيون -رفضوا الكشف عن هويتهم- أن المواد 24-25-26 كان يجب أن تتضمن بشكل صريح تحديد الممنوعات، ولا أن يتم استخدام الألفاظ العامة، منعًا للتعسف وسوء استخدام السلطة من قبل السلطة التنفيذية، أي جهاز شرطة الآداب.
وفي المادة 30 مثلًا، الممنوع شرعًا يجب أن يكون محرمًا اتفاقًا، كالموسيقى والمعازف، فتحريمها ليس محل إجماع، كان يكفي منع بثها في الأسواق، وتبقى داخل محل صاحبها، من الواضح أن واضعي القانون مبتدئون، فالأمثلة كثيرة منها، المادة 27: منع الاختلاط في العمل، إذا يجب عليهم تأمين مشافٍ ومدارس خاصة للنساء كل كوادرها من النساء، وهذا محال واقعًا.
قال الباحث في مركز جسور للدراسات، بسام أبو عدنان، لـ”نون بوست” إن “نسخة قانون الآداب المسرّبة في إدلب تحتاج إلى إعادة نظر في قسم من بنودها، كما أنها تحتاج إلى إعادة نظر باللجنة الواضعة لها، فهكذا قوانين تحتاج ورشات عمل من اختصاصيين حقوقيين مشرعين ومن وجهاء اجتماعيين”، ويضيف: “أتمنى ألّا تكون هذه النسخة هي النسخة النهائية”.
القانون محاولة لإرضاء المتشددين
في بداية أغسطس/ آب 2023، بدت التعليمات التي عمّمتها وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الإنقاذ بخصوص الالتزام بالضوابط الشرعية المتعلقة بالرسوم واللباس والفصل بين الطلاب، تعليمات شكلية تتماشى مع تصاعد الخطاب المناهض لما يسمّيه الإسلاميون انتشار التبرج، وتوسع ظاهرة الاختلاط بين الجنسَين في الأسواق والمؤسسات التعليمية والصحية، وغيرها من القطاعات الخدمية في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام شمال غربي سوريا.
وعدا عن كونها في ذلك الحين محاولة لامتصاص غضب الناقمين على سياسة الانفتاح المفترضة، إلا أن التعليمات قد فتحت الباب مجددًا للحديث عن المخاطر المترتّبة عن تسهيل عمل المنظمات والجمعيات النسوية، التي تعنى بشؤون المرأة وتعمل على تدريبها وتمكينها، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وتهدف إلى تعزيز مشاركة النساء في صنع القرار وتنمية قدراتهن وتعليمهن.
ومن ثم تطورت النقاشات لتظهر حملة إعلامية منظَّمة تحذّر من عمل تلك المنظمات في مناطق إدلب، وتدعوا لإغلاقها، وذلك على اعتبار أن لها الباع الأطول فيما آلت إليه الأمور في إدلب، من تبرُّج وسفور وتمرد للفتيات بشكل عام، وشارك في الحملة عدد من المشايخ المستقلين وخطباء الجمعة، بينهم الشيخ عبد الرزاق المهدي.
وعلق المهدي بالقول: “نحن لا ننتقد من المنظمات الإنسانية سوى من كان ضرره على الأجيال القادمة وعلى الأسرة والمرأة، ويتجسّد ذلك بشكل واضح بموضوع النسوية وداعميها، فلا بدَّ من بيان حقيقة هؤلاء وإظهار زيفهم، فهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب شرعي”.
وكان من بين الدعاة والمشايخ الذين نشطوا في الحملة الشيخ أبو العباس الحلبي، الذي عنون خطبة الجمعة “النسوية مناقضةٌ للقرآن موافقةٌ للشيطان”، وعنوان الخطبة كان ذاته عنوانًا لمقالة كتبها الشيخ أبو الوليد الحنفي تتحدث عن مخاطر النسوية أيضًا، أما الشيخ أبو مصطفى الحلبي فقد عمل على نشر سلسلة تتحدث عمّا أسماه “فيروس النسوية”.
كما ورد التحذير من عمل المنظمات النسائية في بيان وقّع عليه أكثر من 200 شيخ في إدلب، عندما تمّت مقارنة سياسة تحرير الشام إزاء عمل المنظمات النسوية بأساليبها الأمنية المتبعة في عمليات الدهم التي لا تراعي فيها حرمة المنازل، والفارق بينهما.
وفي النصف الثاني من عام 2023، تصاعد هجوم المناهضين (من بقايا تنظيمات ومنشقين سابقين) على سياسات الهيئة وحكومتها بخصوص الاختلاط بين الجنسَين والتبرج في الأسواق وإشاعتها للمنكرات، وانضمّ اليهم طيف من التيار المتشدد داخل الهيئة، وكان افتتاح مول الحمرا في مدينة الدانا شمال إدلب، وسبقها افتتاح سوق إدلب المركزي، الأكثر جدلًا بين الأوساط المناهضة، وعلى إثره اضطرت وزارة الأوقاف والدعوة في حكومة الإنقاذ إلى إغلاق السوق والمول لفترة محدودة، ونشر فرق دعوية لتوعية الناس وإلقاء محاضرات دعوية فيهما، في محاولة منها لإنهاء الجدل وإرضاء المنتقدين.
يقلل المنشقون عن الهيئة من أهمية القانون الجديد، ولا يتوقعون أن يكون له الأثر المطلوب في إنهاء المظاهر التي يحاربونها في مناطق إدلب، حيث يقول المنشق السابق أبو حمزة الكردي في تيليغرام، إن “مجلس الشورى التابع للهيئة صوري ولا يحق له التصويت على مثل هكذا قانون، علمًا أن هذا القانون ليس منوطًا بالتصويت، فهو أمر شرعي واجب ولا نقاش فيه”.
ويضيف: “لكن اللافت أنهم يخجلون من تسميته باسم شرعي، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقبل عامَين ونصف أوقف مركز الفلاح وأُلغيت الحسبة وتم تفعيل شرطة الأخلاق، ولم نرَ تحسنًا بل ازداد الأمر سوءًا”.
إثارة الجدل بين الحين والآخر في مثل هذه القضايا التي يركز عليها عادة الإسلاميون تخدم دعاية الهيئة، وهي مجرد مناورة جديدة ترمّم من خلالها الهيئة سمعتها التي تلطّخت بسلسلة من الفضائح في الربع الأخير من العام 2023.
وبحسب الكردي: “هذا القانون هو لامتصاص غضب الجماهير وتجاوز الصدمة وتمرير مرحلة صعبة، خاصة بعد حادثة مول الحمرا والغضب والاحتقان الشعبي، والحقيقة لو أنهم كانوا صادقين لما وصلوا مرحلة عمل استفتاء على أمر شرعي واجب قصّروا فيه، فرغم كل هذه الأخطاء التنظيمية والشرعية يحاول أبو محمد الجولاني ربط تطبيقها أو إيقافها بمجلس شورى صوري، إن أخطأ أُلحق الضرر بهم لا به، وإن أصاب تباهى هو بما وصل إليه المحرر”.
شهدت مناطق إدلب في الفترة ما بعد عام 2019، أي بعد الهيمنة الكاملة للهيئة وحكومتها، زيادة ملحوظة في أعداد المطاعم والمقاهي والمسابح والحدائق ومنشآت الملاهي، وغيرها من المشاريع الخدمية التي باتت واحدة من أهم القطاعات الاستثمارية في إدلب التي تشهد هدوءًا نسبيًّا منذ بداية عام 2020 وحتى الآن.
وبدا الانفتاح المفترض أكثر وضوحًا في النصف الثاني من عام 2021، بعد أن ألغت تحرير الشام جهاز الحسبة، كما قيّدت صلاحيات العناصر والقادة الذين ينتمون إلى التيار المتشدد داخل صفوفها، ومنعتهم من التدخل في الشؤون المدنية، كما قنّنت العمل الدعوي وحصرت الخطابة والإمامة بالمشايخ المحسوبين عليها ويتوافق خطابهم مع توجهاتها.
وعادت ظاهرة خروج الفتيات في مناطق إدلب بثياب عصرية واستخدام مساحيق التجميل، وباتت العائلات تتوجّه سويًا إلى المطاعم وملاهي الأطفال، واُفتتح في إدلب العديد من المنشآت الرياضية النموذجية والترفيهية الخاصة بالنساء، ومراكز تدريب أخرى تعلّم النساء أساليب القتال الفردي للدفاع عن أنفسهن.
وبات مألوفًا أن تتجول النساء العاملات في سلك التعليم وفي الجمعيات والمنظمات، والعاملات والمتدرّبات في المنظمات المعنية بدعم وتمكين المرأة، بين إدلب والأتارب وحارم وسلقين والدانا وسرمدا وغيرها من المناطق، بحرّية للقيام بأعمالهن، وبعضهن يقدن سياراتهن الشخصية بعد أن كنّ ممنوعات من القيادة في فترات سابقة.
كما أصبح متاحًا للنساء اللواتي يرغبن باقتناء سيارة أن يتعلمن القيادة على يد واحدة من المتدرّبات اللواتي تطوعن في هذا المجال، كما كثّفت حكومة الإنقاذ من الأنشطة التي تظهر فيها مشاركة المرأة، كاحتفاليات تكريم الخريجين والمتفوقين، وأعطت المنظمات المدنية هامشًا إضافيًّا لتوسيع أنشطتها، وتحديدًا تلك التي تُعنى بدعم المرأة.
يرى فريق من السلفيين أن إتاحة قيادة الهيئة للمشايخ والمناهضين وللتيار المتشدد في صفوفها هامشًا من الحرية لتوجيه الانتقادات، وتلبية مطالبهم وطرح مثل هذا القانون، لا يعني بالضرورة أن قيادة الهيئة قد غيّرت من سياسة الانفتاح التي لطالما روّجت لها، بل أن إثارة الجدل بين الحين والآخر في مثل هذه القضايا التي يركز عليها عادة المتشددون تخدم دعاية الهيئة، وهي مجرد مناورة جديدة ترمّم من خلالها الهيئة سمعتها التي تلطّخت بسلسلة من الفضائح في الربع الأخير من عام 2023، وهي محاولة لإشغال الشارع بتفاصيل القانون والجدل حوله، بدل انشغاله بأخبار عملاء التحالف، وانشقاق جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور) وتسريباته، وحملة الاعتقالات المستمرة بين قيادات الصف الأول في الهيئة.