اتفقت قوى مدنية سودانية تعرّف نفسها باسم “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية – تقدم”، في أديس أبابا، مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، على بلورة خارطة طريق لوقف الحرب المستمرة في السودان بين الجيش والدعم السريع منذ نحو 9 أشهر.
التنسيقية التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والتي يعتبرها البعض موالية ضمنًا للدعم السريع، طرحت رؤية من 4 محاور لحلّ الأزمة المستفحلة في البلاد، تبدأ بوقف لإطلاق النار وفتح مسارات آمنة للسكان ومعالجة الأزمة الإنسانية والدخول في عملية سياسية، تشمل الإصلاح الأمني والعسكري وقضايا العدالة الانتقالية وإعادة البناء المؤسساتي لأجهزة الدولة.
وأعلنت التنسيقية دعمها لمنبر جدة التفاوضي ومبادرة الاتحاد الأفريقي اللتين تم طرحهما في 25 يونيو/ حزيران الماضي، وتتبنّان خطة تدمج بين رؤية منبر جدة ومقترحات الهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد”، إذ تنص على إجراءات تؤدي إلى وقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي إلى انتقال السلطة للمدنيين.
التقى حميدتي مساء الاثنين الماضي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى جانب عدد من السياسيين أغلبهم ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير التحالف المدني الذي أطاح به انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وقالت المتحدثة باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، رشا عوض، في تصريحات صحفية عقب الاجتماع، إنه “تم الاتفاق على السعي الجاد للتوصل لاتفاق وقف عدائيات، لأن حل الأزمة الإنسانية مربوط بالتوصل لاتفاق وقف العدائيات”.
وأوضحت أن الاجتماع ركّز على قضايا رئيسية منها القضية الإنسانية، حيث ناقش باستفاضة كيفية التصدي للأزمة الإنسانية وحماية المدنيين، والاتفاق على تشكيل لجان لتقصي الحقائق وبحث السبل لحماية المدنيين من الانتهاكات، وتوصيل الإغاثة للمتأثرين من النزاع عبر تدابير يتم الاتفاق عليها.
كشفت كذلك عن اتفاق الطرفَين على تشكيل لجنة فنية مشتركة لتدارس خارطة الطريق وإعلان المبادئ السياسية، على أن تتواصل الاجتماعات يوم الثلاثاء، وأكدت أن التنسيقية في انتظار ردّ الجيش السوداني على دعوة الاجتماع المشترك، لكون أن “تقدم” قضيتها الأساسية هي إيقاف الحرب.
اجتماع بعد جولة إقليمية لحميدتي
جاء اجتماع التحالف المدني مع قائد الدعم السريع عقب استقبال قادة أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي لحميدتي، خلال أول جولة إقليمية له منذ الحرب، وهي خطوة أثارت غضب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي لوّح باتخاذ إجراءات حيالها.
I welcomed Gen. Mohamed Hamdan Daglo, the former Deputy Chairman of the Transitional Sovereignty Council of Sudan, to my country home in Rwakitura. During our meeting, he briefed me on the current situation in Sudan. pic.twitter.com/B5zKWO3O98
— Yoweri K Museveni (@KagutaMuseveni) December 27, 2023
وعدّ استقبال الجهات التي تعادي الدولة على أنه عدم اعتراف بالحكومة القائمة، معتبرًا أن ذلك يشكّل عداء صريحًا للدولة، حيث يحقّ لها أن تتخذ من الإجراءات ما يحفظ سيادتها وأمنها، بحسب تعبيره.
وأشار البرهان إلى أن من أسماهم ميليشيا ومرتزقة الدعم السريع مستمرون في التدمير، بمساندة “بعض خونة الشعب وطلاب السلطة، وبتأييد من بعض دول الإقليم والعالم تحت دعاوى زائفة”.
لاحقًا، انتهى اليوم الثاني من مباحثات الكتلة المدنية والدعم السريع بالتوقيع على إعلان أُطلق عليه اسم “إعلان أديس أبابا”، ينص على “وقف العدائيات واستكمال الثورة السودانية والحكم المدني الديمقراطي”، ووفقًا للإعلان فإن قوات الدعم السريع مستعدة لوقف الأعمال العدائية بشكل فوري وغير مشروط، عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني.
كما ذكر الإعلان أن مشروع خريطة الطريق وإعلان المبادئ يشكلان أساسًا جيدًا لعملية سياسية تنهي الحرب في السودان، وأن الكتلة المدنية ستطرح التفاهمات المتفق عليها مع الدعم السريع على الجيش السوداني، لتكون أساسًا للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب.
وشدد طرفا الإعلان أيضًا على أن “السلام المستدام في السودان يجب أن يستند إلى وضع حد قاطع لتعدد الجيوش، وتشكيل جيش واحد مهني” يعبّر عن الجميع، وفقًا لمعيار التعداد السكاني، وجاء في إعلان أديس أبابا أن “السلام المستدام في السودان يجب أن يستند على إطلاق عملية شاملة للعدالة الانتقالية”.
⭕️ نص إعلان أديس أبابا pic.twitter.com/1S6dePJS47
— درويش ®️ (@Derwish249) January 2, 2024
اتفقت كذلك قوات الدعم السريع مع “تقدم” على تشكيل إدارات مدنية بتوافق أهالي المناطق المتأثرة بالحرب، لإعادة الحياة إلى طبيعتها، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام.
إشادات وانتقادات
فور الإعلان عن لقاء الكتلة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك مع قائد الدعم السريع حميدتي، انقسم الرأي العام في السودان بين مؤيد ورافض للقاء؛ المؤيدون للاجتماع وإعلان المبادئ برروا موقفهم بأن تلك الخطوات تشكّل فرصة لإيقاف الحرب، ووضع حد لإنهاء معاناة الملايين من المواطنين الذين تقطّعت بهم السبل منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
اي جهود عقلانية ممكن تنفيذها علي ارض الواقع لوقف نزيف الحرب والانتهاكات المصاحبة بعملية تفاوضية لطرفي الحرب هي محل تقدير ونشجع عليها لانه أوضاع السودان لاتسمح باستمرار الحرب أكثر من ذلك لذا نعم للحوار ونعم للحلول التفاوضية #لا_للحرب #لا_للتضليل_والكذب#تقدم_تمثلني pic.twitter.com/g0Otg1cf5y
— المليونية (@Sofey19) January 2, 2024
كما أشار المؤيدون لإعلان أديس أبابا إلى أنه قد غطى جزءًا كبيرًا من القضايا الوطنية الملحّة لمرحلة ما بعد الحرب، ما يجعلها كأجندة حوار وطني مستقبلي حول قضايا السلام المستدام وإعادة بناء الدولة السودانية.
وأشادوا كذلك بإعلان ميليشيا الدعم السريع استعدادها لفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرتها، إلى جانب الإعلان عن إطلاق سراح عدد 451 من أسرى الحرب كبادرة حسن نية.
أما الرافضون لاتفاق أديس أبابا فيرون أنه يُبقي على سيطرة الدعم السريع على المواقع التي يحتلها، بما في ذلك منازل المواطنين، ويعتقدون أنه كان ينبغي أن ينص على سحب قوات الدعم السريع إلى معسكراتها السابقة تحت أي ضمانة أو حماية دولية، وعودة الجيش إلى مواقعه العسكرية، إلى جانب نشر الشرطة في الأحياء والأسواق والأماكن العامة.
كما يجادل معسكر الرافضين للاتفاق بأنه يُشرعن كل الجرائم التي تورّطت فيها الدعم السريع، من قتل الأبرياء ونهب ممتلكاتهم، واغتصاب النساء، واحتلال المنازل، وتدمير المرافق العامة والخاصة.
دبلوماسي أمريكي: تحالف “تقدم” تموّله الإمارات
كان من اللافت أن الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون، قد وجّه انتقادات لاذعة لاجتماع تنسيقية القوى المدنية “تقدم” برئاسة حمدوك مع محمد حمدان دقلو، واتهم التنسيقية المدنية بالعمل لصالح قوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة.
Would it change anyone’s view of todays agreement if it were understood that the Taqadum coalition was financed by UAE? Or that UAE helped advise/implement the attack on Wad Madani or Hemedti’s regional tour or his meeting with Hamdok and this agreement?🧵https://t.co/ptUkpJHndW
— Cameron Hudson (@_hudsonc) January 3, 2024
وقال هدسون في سلسلة منشورات على منصة إكس، رصدها “نون بوست”: “قوات الدعم السريع لم ولن تغير مواقعها.. إنها ميليشيا إبادة جماعية ظلت وفية لطبيعتها منذ 15 أبريل/ نيسان. كما أنها تلتزم بالتزامات ليس لديها نية للوفاء بها”.
ووصف حمدوك بأنه “شخص فشل إلى حد كبير كرئيس للوزراء”، وأن وضع الثقة فيه لقيادة الناس للخروج من هذا الكابوس الوطني سيكون قرارًا متهورًا، موضحًا أن تحالف “تقدم” تم تمويله من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكذلك وجّهت محللة شؤون أفريقيا في الكونغرس الأمريكي، لورين بلانشارد، انتقادات للمدنيين على حسابها في منصة إكس، حيث علقت على الاتفاق قائلة: “إنها مقامرة كبيرة من قبل هؤلاء السياسيين: فقد تورطت قوات الدعم السريع في مجموعة واسعة من الجرائم ضد المدنيين، بما في ذلك الفظائع التي تعتبرها الولايات المتحدة وآخرون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، وقد تراجع حميدتي عن التزاماته السابقة”.
Quite a gamble by these politicians: the RSF has been implicated in a wide range of crimes against civilians, including atrocities that the US & others assess to constitute war crimes, crimes against humanity & ethnic cleansing, and Hemeti has reneged on prior commitments. https://t.co/0pdAK4q7QH
— Lauren Blanchard (@LaurenBinDC) January 2, 2024
وأضافت بلانشارد في ختام سلسلة منشورات لها: “لم يكن حظ حكومة حمدوك كبيرًا في محاسبة قوات الدعم السريع على الانتهاكات خلال الفترة الانتقالية، فلماذا ستكون الأمور مختلفة الآن؟”.
اتفاق لن يوقف الحرب والانتهاكات
ريم عباس -محللة وزميلة غير مقيمة في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط– علقت على الاتفاق، قائلة: “أسوأ شيء في اتفاق المبادئ أنه جعل من الدعم السريع حليفًا لـ”تقدم””، مشيرة في حديث خاص لـ”نون بوست” إلى أن شعار “لا للحرب” الذي يرفعه التحالف المدني يقتضي أن يكون الأخير محايدًا وليس حليفًا للدعم السريع، الأمر الذي جعل الائتلاف طرفًا في الحرب وليس جهة محايدة.
وأضافت عباس أنها من حيث المبدأ تدعم أي مبادرة تهدف إلى وقف الحرب من الناحية الأخلاقية، لكنها استدركت بالقول إن هذا الاتفاق لن يوقف الحرب ولن يعيد الناس إلى منازلهم، موضحة أنه لا يوجد أي ضمانات في الإعلان لوقف الانتهاكات، طالما أن هناك شيئًا موجودًا اسمه الدعم السريع.
كما ذكرت أن الميليشيا لديها الإمكانية على جذب المزيد من المقاتلين باستخدام ممتلكات المواطنين كـ”غنائم حرب”، موضحة أن تلك الثقافة متجذرة في المجتمعات التي يأتي منها مقاتلو الدعم السريع: “نهب يومين ولا اغتراب عامين”، وهم يؤمنون بأن هناك العديد من المدن والقرى التي لم يتم نهبها بعد، وبالتالي لن يكون من مصلحتهم التوقف.
وفيما يتعلق بموقف الجيش، قالت ريم عباس أن موقف القوات المسلحة كان موقفًا سلبيًّا، وبررت ذلك بقولها إنه كان ينبغي على الجيش أن يقود حوارًا مع القوى المدنية قبل أن تتحالف مع الدعم السريع، ولدى سؤالها عن موقف الجيش من إعلان أديس أبابا، أوضحت لـ”نون بوست” أن القوات المسلحة قد تجاوزته، مشيرة إلى أن اللقاء المتوقع بين الجيش والدعم السريع ربما يتم خلاله استبعاد القوى المدنية أو تهميشها.