أي مصير للتونسيين المفقودين في إيطاليا؟

رغم مضي أكثر من تسع سنوات على فقدان الاتصال بهم، ما زال ملف التونسيين المفقودين في إيطاليا يراوح مكانه دون أي تقدّم يذكر، مما زاد من معاناة أهلهم الذين يطالبون حكومة بلادهم بضرورة التدخّل لدى السلطات الإيطالية لمعرفة مصير أبنائهم الذين ركبوا أمواج البحر في رحلة البحث عن الحياة والمستقبل، ورمتهم مياه المتوسّط إلى السراب.
504 مفقودون كانوا ضمن رحلات هجرة غير شرعية
الحكومة التونسية تقدّر عدد المفقودين بـ504 كانوا ضمن رحلات هجرة غير شرعية، حيث قال كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلّف بالهجرة رضوان عيارة، أمس السبت خلال جلسة عامة عقدها البرلمان التونسي، إن عدد التونسيين المفقودين في سواحل إيطاليا، خلال رحلات هجرة غير شرعية، بلغ 504، منذ 2011.
السبسي: “22 ألف تونسي هاجروا إلى جزيرة لامبادوزا الإيطاليّة بعد الثورة التونسيّة”
ويعود ملف نحو 40 من هؤلاء المفقودين إلى العام 2008، عندما غادر عشرات الشباب إلى مدينة عنابة الجزائرية، للإبحار منها خلسة إلى إيطاليا، قبل أن تنقطع أخبارهم، فيما يعود ملف الأغلبية إلى سنة 2011، حيث توجّه الآلاف إلى سواحل إيطاليا، وخلال الأسابيع والأشهر التي تلت الإطاحة بنظام بن علي، حاول آلاف التونسيين الوصول بشكل غير شرعي عبر البحر إلى جزيرة لمبيدوسا الإيطالية، أقرب نقطة في أوروبا إلى سواحل تونس.
وفي وقت سابق قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي: “22 ألف تونسي هاجروا إلى جزيرة لامبادوزا الإيطاليّة بعد الثورة التونسيّة وعندما كانت الحدود مفتوحة في تلك الفترة وبالتفاهم بين الحكومة الإيطالية التونسية تم التوصل إلى اتفاق في ذلك الوقت يرضي مصلحة الطرفين (لم يذكره)”، مؤكدًا أنه لم يتم سنة 2015 تسجيل سوى 80 تونسيًا ممن هاجروا إلى أوروبا بتلك الطريقة في وقت كثرت فيه موجات المهاجرين إليها.
اتهامات للحكومة بالتقاعس
يقول أهالي المفقودين إن السلطات التونسية لا تكترث بملف أبنائهم، ويتهمون الحكومات المتعاقبة بـ”المماطلة” في هذا الملف، مؤكّدين أن ملف المفقودين آخر اهتمامات المسؤولين وأنّ الدولة تخلت عن أبنائهم بسياستها غير العادلة التي دفعتهم لركوب الخطر، كما أنّ هناك غموض كبير يحوم حوله، وقبل أيام نفذت عشرات الأمهات التونسيات، وقفة احتجاجية للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهن المفقودين في الساحل الجنوبي لإيطاليا.
وتم تنفيذ الوقفة على الجسر المتحرك، الذي يؤمن الحركة بين ضفتي القناة التي تشق مدينة بنزرت، ويتم فتحه 3 مرات يوميًا، للسماح للسفن بالعبور من وإلى بحيرة المدينة، الواقعة شمالي تونس، وتطالب عائلات المفقودين في السواحل الإيطالية رئاسة الجمهورية والحكومة التونسيتين بالتواصل مع السلطات الإيطالية لمعرفة مصير أبنائهم.
وسبق أن أرسل المعهد الوطني لصحة المهاجرين في إيطاليا بتاريخ 10 من يونيو 2013 مراسلة إلى تونس اعتبر فيها أن طريقة تعامل الدولة التونسية مع ملف المفقودين “غير جدية”، حيث لم ترسل حينها تونس إلى إيطاليا سوى 80 تحليلاً جينيًا فقط تبين أن 40 تحليلاً يتعلق بمفقودين بين سنة 2004 و2007.
هل الجينات هي الحل؟
في مقابل ذلك، تقول الحكومة التونسية إنها بذلت جهدًا كبيرًا في هذا الملف، وفي وقت سابق قال رضوان عيارة وزير الدولة المكلف بالهجرة: “ملف المفقودين أحرز تقدمًا، وتم إنشاء بنك جديد للجينات في إيطاليا، سيتحقق من عدد من الهويات التي ظلت إلى حدّ الآن مشكوك في انتماء أصحابها إلى تونس”، لكن لم يتم الكشف عن تفاصيل جديدة منذ ذلك الحين.
تعكف اللجنة المكلفة بمتابعة ملف التونسيين المفقودين في جمع تحاليل وبصمات عائلات المفقودين لإرسالها إلى السجون ومراكز الإيقاف الإيطالية
وفي يونيو/حزيران عام 2015، أمرت الحكومة بتشكيل لجنة لمتابعة الملف تضم في عضويتها ممثلين عن وزارت الشؤون الاجتماعية، العدل، الدفاع، الداخلية، الخارجية، ولم يصدر حتى الآن تقرير متكامل من اللجنة، التي تضم أيضًا في عضويتها، طبيب مختص في الطب الشرعي، وأستاذ قانون دولي.
وتعهد الجانب الإيطالي، وفقًا للمسؤول التونسي، بـ”رفع الجثث من مكانها، وإجراء التحاليل الفنية عليها، والتأكد من مدى إمكانية وجود جنسيات تونسية بها“، وأعلنت وزارة النقل التونسية قبل نحو أسبوع، عزم تونس إعادة النظر في قوانينها البحرية وهيكلة إداراتها، ومراقبة الحركة في مياهها الإقليمية، لمقاومة مشاكل الإجرام والهجرة غير الشرعية.
وتعكف اللجنة المكلفة بمتابعة ملف التونسيين المفقودين في جمع تحاليل وبصمات عائلات المفقودين لإرسالها إلى السجون ومراكز الإيقاف الإيطالية بعد أن تولت إيطاليا إنشاء بنك للتحاليل الجينية والبصمات للكشف عن هويات المساجين والموقوفين لديها.