في الوقت الذي تسعى فيه هياكل التمويل الدولية على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لإقناع تونس بضرورة التفويت في البنوك العمومية التونسية إلى القطاع الخاص، تعمل حكومة يوسف الشاهد على إصلاح هذه البنوك وإعادة هيكلتها لإخراجها من الأزمة المالية وإدخالها في منظومة التنمية من جديد، وإن فشلت في ذلك ستعمد إلى بيعها حسب خبراء.
خطط صندوق النقد الدولي
أعادت زيارة المتابعة التي أداها وفد عن صندوق النقد الدولي الخميس الماضي، إلى تونس مطالب الصندوق من الحكومة إلى الواجهة (إصلاح القطاع المصرفي وتسريح الموظفين والزيادة في الضرائب والحد من ارتفاع كتلة الأجور وإعادة هيكلة الشركات الحكومية وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار) خاصة منها خصخصة البنوك العامة التي تمثّل أحد الشروط المهمة لصندوق النقد الدولي لمساعدة تونس.
تأخر صرف القسط الثاني من القرض بسبب عدم تقدم الإصلاحات التي تعهّدت بها الحكومة التونسية لصندوق النقد الدولي
وتمتلك الدولة التونسيّة ثلاثة مصارف، وهي “الشركة التونسية للبنك” (مصرف تجاري تونسي)، “البنك الوطني الفلاحي”، “بنك الإسكان”، وهي ركيزة القطاع المصرفيّ في تونس، وتستحوذ هذه المؤسسات على 40% من حجم تداولات الاقتصاد التونسي، وتشارك الأصول المصرفية بنسبة 23% من قيمة التمويل الإجمالي للاقتصاد، كما أن بها ما يقارب 29 ألف موظف، وتساهم بنسبة 3% من الناتج الداخلي، كما أنها تمول جميع القطاعات تقريبًا.
وفي وقت سابق قالت وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي: “بيع حصص من البنوك العامة بالبلاد، يأتي في إطار خطط لإصلاح القطاع المصرفي، يطالب بها صندوق النقد الدولي الذي أجل دفع الشريحة الثانية من قرض مخصص لتونس بسبب تباطؤ وتيرة الإصلاحات”، وتواجه هذه المصارف الحكومية الثلاث، مشكلات مالية كبيرة بسبب المحاباة وتدني المعايير وضعف الرقابة على مدى سنوات وارتفاع الديون المسجلة أو المشكوك في استرجاعها، ولا توجد إحصائيات رسمية عن وضعيتها الحالية.
لقاء بين رئيس الحكومة التونسية وكريستين لاغارد
وكان من المفترض أن تتسلم تونس شريحة ثانية كانت مقررة في ديسمبر الماضي، بقيمة 314.4 مليون دولار، إلا أنه وبسبب عدم تقدم الإصلاحات في تونس، التي على رأسها بيع حصص من البنوك العامة، لم تحصل تونس عليها إلا في شهر يونيو الماضي بتأخير وصل لأكثر من ستة أشهر، ليبلغ مجموع الأقساط الّتي تمّ صرفها ما يقارب 628.8 مليون دولار من إجمالي قيمة القرض البالغة 2.8 مليار دولار.
أهداف لم تحقّق
مطالبة صندوق النقد الدولي من تونس بيع حصصها من البنوك العامة، لاقت رفضًا كبيرًا من قبل التونسيين الأمر الذي دفع الحكومة إلى رفض هذا المطلب في البداية والتشديد على ضرورة إصلاح القطاع عبر ضخّ مزيد من الأموال لهذه البنوك لإنعاشها.
في هذا السياق، صادق البرلمان التونسي في أغسطس 2015، على إعادة هيكلة مصرفين حكوميين في خطة تبلغ قيمتها نحو 439 لمساعدتهما على تجاوز صعوبات تفاقمت بفعل الاضطرابات التي شهدتها تونس منذ ثورة يناير 2011، ويسمح المشروع للحكومة بضخ تمويل بقيمة 383 مليون دولار في الشركة التونسية للبنك ونحو 56 مليون دولار في بنك الإسكان، في إطار خطة متكاملة لإعادة هيكلة المصرفين لتدعيم صلابتهما المالية وضمان استمرار توازناتهما المالية، حسب مسؤولين حكوميين.
أوصى صندوق النقد الدولي خلال زياراته إلى تونس الأخيرة، بالتفويت في المؤسسات العمومية والبنوك المملوكة للدولة
وبعد ذلك، في يونيو 2016، صادق البرلمان التونسي، على تعديل قانون البنوك والمؤسسات المالية والبنك المركزي التونسي، وذلك في إطار إعادة هيكلة القطاع ورفع كفاءته بما يتوافق مع التطورات العالمية والاقتصادية المحلية، ويأتي القانون ضمن سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في اتخاذها الدولة عبر تصفية القطاع البنكي في مرحلة أولى لضمان خط ائتماني من صندوق النقد الدولي بهدف تحفيز النمو وإعادة عجلة الاستثمار للدوران والتقليل من معدلات البطالة المرتفعة.
إلا أن هذه الإصلاحات لم تؤت أكلها، فالبنوك الثلاث بقيت على حالها، مما دفع بالحكومة إلى التفكير الجدّي في بيعها، وهو ما أكّدته وزيرة المالية السابقة لمياء الزريبي، حيث قالت في تصريح سابق: “الحكومة تدرس بيع حصص في ثلاثة بنوك عامة”، ومن الممكن إذا لم تقم تونس ببيع هذه البنوك بأكملها أو بيع نسب منها أن يجمّد صندوق النقد الدولي دعمه لتونس ويوقف صرف الأقساط المتبقية من القرض المصادق عليه.
تدهور قطاع البنوك العمومية في تونس
وأوصى صندوق النقد الدولي خلال زياراته الأخيرة إلى تونس بالإصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي وإصلاح الجهاز المالي والبنكي والتمسك بالخصخصة وبيع المؤسسات العمومية والبنوك المملوكة للدولة، ووافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي العام الماضي، على برنامج قرض لتونس بقيمة 2.8 مليار دولار على مدى أربع سنوات، شريطة تنفيذ برنامج لدعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
اقتصاد عليل
تشير أغلب المؤشرات إلى تواصل مصاعب الاقتصاد التونسي، إذ سجلت البلاد ارتفاعًا في نسق تطور الواردات خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2017 ليصبح في حدود 16.4% مقابل ارتفاع للصادرات بـ12.7% وهو ما من شأنه أن يدفع نحو مزيد من فقدان الدينار لقيمته وارتفاع الأسعار، حسب العديد من الخبراء.
يواصل الدينار التونسي انزلاقه أمام العملات الرئيسية متأثرًا بالوضع الاقتصادي المحلي والخارجي
إلى جانب ذلك، بلغ عجز الميزان التجاري التونسي خلال النصف الأول من السنة الحالية 7535.2 مليون دينار مقابل 6034.1 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016 وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية)، وتراجع مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة بـ12 يومًا مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث وصل إلى مستوى 99 يوم توريد.
كما تضاعف عجز الميزان التجاري الغذائي خلال النصف الأول من سنة 2017، حيث بلغ 728.5 مليون دينار (ما يمثل 9.7% من إجمالي عجز الميزان التجاري) مقابل 367.6 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016، وفقًا لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.، كما سجّل معدل إنتاج النفط تراجعًا إلى ما دون 30 ألف برميل في اليوم في الفترة الأخيرة، وكانت وزارة الطاقة والمناجم قد أشارت سابقًا إلى أن تونس تتكبد يوميًا نتيجة تعطل الإنتاج، خسائر بقيمة 3.4 مليون دينار فيما تقدر الخسائر أسبوعيًا بما يعادل 25 مليون دينار.
تراجع إنتاج النفط ساهم في مزيد من تعميق الأزمة الاقتصادية
هذا ويواصل الدينار التونسي انزلاقه أمام العملات الرئيسية متأثرًا بالوضع الاقتصادي المحلي والخارجي، حيث بلغت نسبة التراجع مقابل الدولار 12.01% وبنسبة 14.08% مقابل اليورو بتاريخ 18 من يوليو 2017، ويعد الارتفاع المسجل في نسبة التضخم من شهر إلى آخر سببًا رئيسيًا في تراجع قيمة الدينار، فقد بلغ التضخم خلال شهر أبريل الماضي نسبة 5% قبل أن ينزل في الشهر الماضي إلى 4.8%.