ترجمة حفصة جودة
هل تتذكرون نظارات جوجل “Google Glass”؟ كان هذا اسم النظارات التي طورها القسم “X” في جوجل (وهو القسم الفكري في الشركة حيث يطور المهندسون أفكارًا إبداعية)، للوهلة الأولى تبدو هذه النظارات مثل زوج رخيص من نظارات القراءة التي نرتديها دون وصفة طبية، تعمل هذه النظارات كشاشة عرض مصغرة (شاشة شفافة تسمح للمستخدم بقراءة البيانات دون الحاجة لتغيير موضع الرؤية).
في جزء من الجانب الأيمن للنظارة نجد مستطيلاً صغيرًا يحجب جزاء من النظارة ويعمل كشاشة حاسب مصغرة، وفي ذراع النظارة الأيمن وضعت جوجل الذاكرة والمعالج والكاميرا ومكبر الصوت والميكروفون والبلوتوث والواي فاي والجيروسكوب والبوصلة والبطارية، لذا عندما ترتدي هذه النظارات فأنت في الحقيقة ترتدي جهاز حاسب صغير للغاية.
تم الإعلان عن “غلاس” أول مرة عام 2012 وأصبحت متاحة للبيع بسعر 1500 دولار عام 2013 لاختيار المستخدمين الأوائل (يُطلق عليهم “مستكشفو غلاس”)، ثم أصبحت متاحة للعامة في مايو 2014.
كانت “غلاس” تجعل الناس من حولك لا يشعرون بالراحة، فهم يعتقدون أن التكنولجيا متطفلة وتقتحم الخصوصية
من الناحية التقنية، كانت قطعة تصغير مدهشة تعمل بالأوامر الصوتية، لقد كانت وظيفة مثيرة للإعجاب، يمكنك أن تطلب منها أن تلتقط صورة أو تسجل مقطع فيديو لمشهد تراه الآن، وبالمثل يمكنك أن تتصل بمحرك جوجل للبحث عن شيء تراه الآن ثم تظهر النتائج أمامك على الشاشة المصغرة بحيث تستطيع قراءتها (يبدو الكلام وكأنه في الفضاء ويبعد عنك مسافة مناسبة للقراءة)، هكذا بدت “غلاس” كتحقيق لرؤى التكنولوجيين مثل دوغلاس إنجلبرت، هذه التكنولوجيا يمكنها أن تزيد من القدرات البشرية مع قوة الحوسبة.
كانت هناك مشلكتين فقط مع “غلاس”، الأولى أنها تجعلك تبدو مثل الأحمق، رغم أن جوجل تعاونت مع الشركة التي صنعت “Ray-Bans”، فإذا كنت ترتدي “غلاس” فسوف تشبه النسخة المعاصرة لمهندسي الخمسينيات والذين كانوا يضعون أقلامًا كثيرة في الجيب الأعلى لسترتهم.
المشكلة الثانية كانت قاتلة، فـ”غلاس” تجعل الناس من حولك لا يشعرون بالراحة، فهم يعتقدون أن التكنولجيا متطفلة وتقتحم الخصوصية، وحراس النوادي لا سمحون لمرتدي “غلاس” بالدخول، وقد تكتشف أن طاولة الطعام التي تعتقد أنك حجزتها تصبح فجأة غير متاحة.
المصصمة ديانا فون مع الممثلة سارة جيسيكا باركر في أثناء تجربة النسخة الأولى لجوجل غلاس في عرض أزياء نيويورك عام 2012
في النهاية، سحبت جوجل المنتج من الأسواق في يناير 2015، تهلل دعاة الخصوصية وأصحاب الموضة لهذا الخبر، لكن إذا كنت مثلي تؤمن بأن التكنولوجيا لديها القدرة على تطوير حياة الإنسان فسوف تشعر بمشاعر مختلطة لهذ الخبر، كان واضحًا أن “غلاس” لم تكن لتعمل كمنتج استهلاكي، لكنها ما زالت وسيلة قوية تدعم الجهود الإنسانية في بعض المناطق.
يبدو أن هذا ما فكرت به جوجل أيضًا، في الواقع كان مهندسو القسم “X” يعملون على “غلاس2.0” (نسخة مؤسسية موجهة للتطبيقات الصناعية) لمدة عام على الأقل قبل سحب المنتج الاستهلاكي من الأسواق، في الأسبوع الماضي كشف المعلق التكنولوجي ستيفن ليفي ما أنتجوه ولأي شيء تُستخدم “غلاس 2.0″، عندما ذهب ليفي إلى مصنع جرارات في مينيسوتا وجد أن العاملين يرتدون هذه النظارات بشكل طبيعي مثلما يرتدون نظارات الأمان (في الواقع إعادة التصميم توفر إمكانية فصل الإلكترونيات لتناسب نظارات الأمان).
التكنولوجيا وُجدت لتكملة الذكاء البشري وليس استبداله
إحدى الشركات التي جربت النسخة الأصلية لغلاس كانت “بوينغ” (لتصنيع الطائرات)، عندما زار المديرون التنفيذيون لجوجل الشركة عام 2014 كانوا مندهشين للغاية، يقولي ليفي: “كان العاملون يقومون بعملية تأطير الأسلاك المعقدة بمساعدة “غلاس”، كان الأمر يشبه الفرق بين تركيب قطع الأثاث باستخدام التعليمات المبهمة الموجودة في مكان ما بالغرفة وأن تحصل على توجيه حقيقي في نفس الوقت من الشخص الذي شيد ملايين من قطع الأثاث”.
لقد تعلمت شيئين من هذه القصة، أولاً إذا كان إنجلبرت حيًا اليوم فسوف يبتسم ملء فمه، فممارسة التكنولوجيا في ازدياد، والتكنولوجيا وُجدت لتكملة الذكاء البشري وليس استبداله، ثانيًا ظهور غلاس 2.0 من رماد المشروع الأصلي يتماشى مع دورة التكنولوجيا.
لم أعد قادرًا على تتبع عدد المنتجات الناجحة التي ظهرت كمشروع جانبي للإخفاقات الأصلة، فليكر على سبيل المثال كان قد انبثق من أداة تطوير لعبة على الإنترنت، إنستغرام كان محاولة لتطوير منافس لـ”فورسكوير”، وتويتر كان مشروعًا جانبيًا جاء من فشل المشروع الإذاعي “Odeo”.
لذا إذا لم تنجح من المحاولة الأولى، ابحث عما يمكنك أن تفعله مما نفذته بالفعل، مشكلة جوجل الوحيدة الآن أنه بمجرد أن يرى الحمقى كيف أصبحت غلاس 2.0 ناجحة فسوف يرغبون في الحصول عليها، لكن إليكم الخبر: إنها لن تصبح رخيصة مثلما كانت أبدًا.
المصدر: الغارديان