“أنا ميهمنيش أي حاجة من دول كل اللي راعبني إني أروح ويقولي مش شايفكم، مش عارفة هستحمل حاجة زى كده ولا هيجرالي إيه، آخر مرة زرته رجعت منهارة قعدت يومين بكاء متواصل مش عارفة أعمل إيه، دلوقتي بعد ما قال مش قادر يشوف كويس هيبقى إيه الوضع، هفضل ادعي وادعي إن ربنا ينتقم من الظالم ويخسف بيه وينتقم من كل من شارك في إهماله طبيًا ووضعه في ظروف تؤدي لفقدانه بصره”، بهذه الصرخات كشفت الدكتورة منار الطنطاوي النقاب عن المأساة التي يتعرض لها زوجها هشام جعفر الصحفي والباحث في العلوم السياسية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية والذي تم اعتقاله من قبل السلطات المصرية في الحادي والعشرين من أكتوبر 2015.
642 يومًا قضاها هشام جعفر داخل سجن العقرب شديد الحراسة بجنوب القاهرة، قيد الحبس الاحتياطي، دون تهمة محددة أو حتى محاكمة عادلة، تعرض خلالها لسيل جارف من الانتهاكات سواء في التعامل الشخصي أو الرعاية الصحية والطبية، حتى كاد الرجل أن يفقد ما تبقى له من بصره، في الوقت الذي يفيض فيه النظام بسوابغ كرمه على الفاسدين والمرتشين وأصحاب الأيادي الملطخة بدماء المصريين.
صرخات مدوية تطلقها زوجة هشام، والمقربون منه لعلها تحرك ساكنًا أو توقظ نائمًا أو تحيي ميتًا، لتنقذ مواطنًا كل جريرته أنه يحمل قلمًا ولم يحمل سلاحًا، يحمل فكرًا تنويريًا ولم يحمل قنابل إرهابية، حتى إنه لقب بـ”شيخ الإصلاحيين” لكثرة دعمه للحوار ونبذ العنف، فماذا ارتكب جعفر في حق وطنه ونفسه حتى يواجه هذا المصير المجهول؟
#تخيل_و_دون_عن_هشام_جعفر حملة يطلقها صحفيون لانقاذه من العمى بمحبسه الخميس https://t.co/nnDAcuikRT
— التقرير المصري (@egyptionreport) July 11, 2017
من هشام جعفر؟
يعد هشام جعفر أحد أبرز رواد الصحافة الإلكترونية في مصر وواحد من قاماتها الكبار وذلك عبر دوره المحوري في تأسيس أكبر بوابة إخبارية إلكترونية في الشرق الأوسط – سابقًا – (إسلام أون لاين) والتي استطاعت أن تفرض نفسها على مدار سنوات طويلة على ساحة الإعلام العربي إلى أن تم غلقها مؤخرًا.
كما تميز بجهوده الحثيثة في مجال التسامح والدعوة للحوار ونبذ العنف وكراهية التطرف ومحاربته في الداخل والخارج، فضلاً عن خطواته لإعلاء قيم الديمقراطية وخدمة المرأة والمجتمع وتنمية العمل الإعلامي والتدريب الصحفي، عبر رئاسته لمؤسسة “مدى للتنمية الإعلامية” التي ينبثق عنها مراكز وكيانات فرعية تخدم كل فئات المجتمع.
642 يومًا قضاها هشام جعفر داخل سجن العقرب شديد الحراسة بجنوب القاهرة، قيد الحبس الاحتياطي، دون تهمة محددة أو حتى محاكمة عادلة
شارك جعفر في العديد من الفعاليات التي تعلي من شأن الحوار والسلام الاجتماعي، حيث عمل كبير مستشاري المركز الإقليمي للوساطة والحوار، وشارك في إعداد “وثيقة الأزهر” التي كانت تهدف لنبذ الفكر المتطرف والعنف، كذلك “وثيقة المرأة” بالتعاون مع المركز القومي للسكان بمصر، هذا فضلاً عن جهوده الشخصية لحل الخلافات الطائفية بالتعاون مع الأقباط.
بجانب كونه عضو نقابة الصحفيين المصريين، فقد عمل “شيخ الإصلاحيين” مستشارًا للمجلس القومي للسكان، مساهمًا في وضع “الاستراتيجية الوطنية للسكان” خلال عام 2013، كما عمل مستشارًا لليونيسيف في تصميم ورش عمل، هذا بخلاف العديد من الكتب والدراسات التي ألفها منها: أزمة الإخوان المسلمين، وإسلاميون وديموقراطيون: إشكاليات بناء تيار ديمقراطي، الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية.
#انقذوا_هشام_جعفر المختطف في سجن خارج اطار القانون سجن للقتل البطيئ
يحرم المعتقل واسرته من حقوقهم ألإنسانية في… https://t.co/rtjqGwj6iO
— ahmed abo zied (@ahmedab59732248) August 27, 2016
بحسب شهادات صحية نشرتها زوجة جعفر على صفحتها الشخصية على “فيس بوك”، فإنه مصاب بضمور كامل في العصب البصري الأيمن، وضمور شبه كامل (بنسبة 90%) في العصب البصري الأيسر
21 شهرًا من الاعتقال
في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 2015 ألقت قوات الأمن القبض على هشام جعفر، وأخفته قسريًا لمدة خمسة أيام قبل أن يتعرف عليه أحد المحامين – مصادفة – في أحد أروقة نيابة أمن الدولة العليا، حيث وجهت له عددًا من الاتهامات منها: الانضمام لجماعة محظورة، تلقي أموال من جهات أجنبية مقابل تقديم معلومات اعتبرتها أجهزة الأمن “تمس الأمن القومي”.
كانت إحدى المؤسسات البحثية التي يرأسها جعفر تقوم على إعداد بعض المشاريع البحثية بالتعاون مع جهات رسمية في عدد من المجالات المجتمعية المختلفة، منها الحوار الوطني، فض المنازعات، التسامح، الأسرة والطفل والمرأة، ثم نشر نتائج تلك المشاريع على الموقع الإلكتروني للمؤسسة وهو ما اعترضت عليه أجهزة الأمن حينها، مشترطة ضرورة أن تعرض عليها النتائج قبل نشرها، ومن ثم كان الاعتقال وفق رواية الداخلية.
ومنذ إلقاء القبض عليه في 21 أكتوبر 2015 لم يتم إصدار أي أحكام ضده حتى الآن، وها هو العام الثاني يوشك أن يأتي عليه داخل محبسه بسجن العقرب وهو قابع أسير الحبس الاحتياطي، دون تهمة محددة مشفوعة بأدلة دامغة، تجيب على تساؤلات أهله وذويه عن سبب سجنه طيلة هذه المدة.
ومع مرور الوقت باتت حياة الباحث والصحفي مهددة، في ظل أجواء تشبه في كثير من تفاصيلها ما يحدث داخل سجن “جوانتانامو”، ولما لا وقد فقد 6 معتقلين من نزلائه حياتهم خلال السنوات القليلة الماضية، أبرزهم القيادي بالجماعة الإسلامية عصام دربالة، والبرلماني المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين فريد إسماعيل، جراء انتهاكات تمارسها إدارة السجن ضد المعتقلين، منها الضرب المبرح، والعزل في زنازين تأديبية ضيقة، ومنع الدواء ووقف الرعاية الطبية والتجويع، وحظر زيارة أهالي المعتقلين ومحاميهم، مع ضرب نطاق محكم من السرية الشديدة على ما يجرى خلف جدرانه.
#تخيل_و_دون_عن_هشام_جعفر#انقذوا_هشام_جعفر @FreeEgyptPress pic.twitter.com/G8EvMu9i2I
— ميدان رابعه العدويه (@Isalmnahaya) July 22, 2017
تدهور حالته الصحية
بحسب شهادات صحية نشرتها زوجة جعفر على صفحتها الشخصية على “فيس بوك”، فإنه مصاب بضمور كامل في العصب البصري الأيمن، وضمور شبه كامل (بنسبة 90%) في العصب البصري الأيسر، وهو ما أفقده نسبة كبيرة من بصره إلى الحد الذي أدى فيه امتحانات الثانوية العامة ضمن لجنة “المكفوفين”، إلا أنه لم يرغب في إخبار من حوله بحالته الصحية، وظل على هذه الحالة يتعرف الناس من خلال أصواتها لفترات طويلة، مستخدمًا المعينات البصرية في العين اليسرى.
تقارير طبية تكشف إصابة هشام جعفر بضمور العصب البصري
كما أنه يحتاج إلى مراجعة دورية للطبيب كل 3 أشهر لمتابعة العصب البصري ومجال الرؤية لديه، مما يستلزم توفير بيئة صحية مناسبة، كأن يتعرض يوميًا إلى ضوء الشمس وتهوية جيدة، فضلاً عن ضرورة تناول غذاء صحي وفيتامينات منشطة للعصب البصري، وفي حالة عدم توفر هذه البيئة فإن ما تبقى من العصب البصري الأيسر معرض للتلف والضمور، الأمر الذي إن تم فلا يمكن علاجه.
هذا بخلاف ما يعانيه من تضخم في البروستاتا فضلاً عن احتباس في البول وعدم الانتظام في تعاطي الأدوية اللازمة بسبب تعنت إدارة السجن مما يهدد بتعرضه لخطر الفشل الكلوي، على الرغم من تعبير أسرته المتكرر عن استعدادها لتحمل نفقات علاجه على نفقاتها الخاص دون استجابة من المسؤولين عن “العقرب” حتى الآن.
في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 2015 ألقت قوات الأمن القبض على هشام جعفر، وأخفته قسريًا لمدة خمسة أيام قبل أن يتعرف عليه أحد المحامين – مصادفة – في أحد أروقة نيابة أمن الدولة العليا
صرخات عاجز
“عمل إيه هشام جعفر؟ إيه تهمته؟ حاكموه لو متهم وعندكم أدلة إدانة، لكن يبقى التعامل الوحشي غير الآدمي ده يبقى حرام وظلم، وأكيد يارب مش هترضى بالظلم ده، أكيد يارب هتوريني آية تطمني، أكيد يارب هتقف جنب المظلوم”، جاءت صرخات الزوجة المكلومة المقيدة بالعجز عن مساندة رفيق دربها ووالد أبنائها لعلها توقظ ضمائر البعض لينهي تلك المأساة التي يدفع ثمنها أسرة بأكملها.
الأستاذة الجامعية أماطت اللثام قليلاً عن حياة أسرتها التي تغيرت منذ اعتقال زوجها، وكيف أن الظلم الذي تعرض له جعفر قد خيم على حياة أهله وذويه، تارة لحرمانهم من وجوده، وتارة أخرى لقلقهم عليه وعلى حياته داخل محبسه، وهنا تقول الطنطاوي: “أنا حياتي كلها أتغيرت فعليًا وبنسبة 90% من يوم اعتقاله، حاولت كتير أمشي حياتي طبيعية بعد الحدث ده واكتشفت أني بضغط على نفسي وإنها فعلاً مش الطبيعي بتاعي وأني لازم مفكرش ليه حصل ده؟ لأنه فعلاً ملوش إجابة لا عندي ولا عند السلطة بدليل عدم تحويله لمحاكمة ولا مواجهته بأي أدلة إدانة هو حبس احتياطي وخلاص”.
وعن معاناة زيارتها لزوجها في السجن تقول: “تخيلوا لما تبقى واحدة رئيسة قسم علمي في كلية من كليات القمة وتبتدي تلف ورا جوزها الباحث المرموق على سجون مصر وتقف في طوابير في البرد والحر علشان تشوفه 10 دقائق يوم ما الدنيا تبقى حلوة قوي، قبل ما أروح المحاضرات بكون صاحية بالليل علشان أطبخ الزيارة وأجهزها علشان ابني يروح لباباه ووسط أحزاني لازم أروح شغلي وأنا مبتسمة وكأن مفيش حاجة”.
#انقذوا_هشام_جعفر pic.twitter.com/QA394v0pBx
— B!B0 (@baheyyyya) July 17, 2017
إدانات حقوقية
فرضت مأساة جعفر نفسها على موائد السياسيين والحقوقيين والمهتمين بالشأن العام، حتى المختلفين معه سياسيًا، فالمسألة إنسانية في المقام الأول، وكل المواثيق الدولية تقر بأحقية المواطن في محاكمة عادلة ورعاية صحية آدمية داخل محبسه حال إدانته، أما ما يحدث في سجن العقرب فهو أبعد ما يكون عن دولة القانون، وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفي محمد عصمت، في مقال له بجريدة “الشروق “المصرية حين قال “العقرب لم يعد مجرد سجن، بل أصبح أسلوب حياة ومنهجًا للتفكير ويلقى بمفاهيم دولة القانون والمؤسسات على قارعة الطريق، ويدير معاركه بمنطق العصور الوسطى، ليصبح الخصوم السياسيون وكأنهم أسرى حرب من أكلة لحوم البشر، وليسوا مواطنين لهم حقوقهم القانونية التي يكفلها الدستور، حتى لو أدينوا بتهم جنائية خطيرة”.
أصدرت 16 منظمة حقوقية و45 شخصية عامة بيانًا نددوا فيه باستمرار حبس الكاتب والباحث، مطالبين بالإفراج عنه فورًا
بعض المنظمات الحقوقية طالبت السلطات المصرية بسرعة الإفراج عن جعفر منددة بما تمارسه الداخلية من انتهاكات داخل السجن بما يتعارض مع القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، فمن جانبها طالبت هيون رايتس مونيتور القاهرة باحترام حرية الرأي والإعلام، وسرعة إسقاط الاتهامات على الصحفيين، وسرعة الإفراج عنهما، وفتح المناخ أمام حرية العمل الإعلامي.
كما ناشدت المجتمع الدولي والنقابات الصحفية حول العالم بضرورة “التحرك لإيقاف الحملات القمعية ضد الصحفيين في مصر، ومراجعة الأوضاع الحقوقية والقانونية داخل السجون المصرية، في ظل شكاوى المعتقلين بانعدام الآدمية داخل السجون، الأمر الذي نفته الحكومة المصرية ومنظمات حقوقية تابعة لها، مما يستوجب ضرورة إرسال الوفود الحقوقية للوقوف على حقيقة الوضع فيها”.
Journalist Hisham Jaafar is exposed to blindness at any moment & his state of health continues to deteriorate #انقذوا_هشام_جعفر pic.twitter.com/us0MOSPQ5C
— Freedom (@freedom202010) July 17, 2017
كما أصدرت 16 منظمة حقوقية و45 شخصية عامة بيانًا نددوا فيه باستمرار حبس الكاتب والباحث، مطالبين بالإفراج عنه فورًا، محذرين من خطورة تطبيق المادة (78) من قانون العقوبات والمعروفة إعلاميًا بمادة “التمويل الأجنبي”.
البيان أشار إلى أنه في حال تطبيق مثل هذه المادة فإنه من المتوقع “أن تطول آخرين من الأكاديميين والصحفيين والحقوقيين والباحثين والطلاب بحيث تصير حريتهم مهددة ومعرضين للسجن 15 عامًا أو المؤبد – في حال كان أيهم موظفًا عامًا – بمصطلحات مطاطة وفضفاضة مثل الإضرار بالمصلحة القومية، والإخلال بالأمن والسلم العام، وغيرها من المصطلحات التي باتت تُستخدم للسيطرة على المجال العام”.
كما لفت إلى أن ما يتعرض له جعفر في حقيقته يمثل “اعتداءً واضحًا على حرية البحث العلمي المكفولة في الدستور بموجب المادة (66)، كما أن افتراض سوء النية، والدفع بعدم الحصول على موافقة أمنية مسبقة على إجراء البحوث العلمية كقرينة لها، يعد مدخلًا لسيطرة جديدة لأجهزة الأمن على عملية تدفق وتداول المعلومات، بل وتحليلها”.
العديد من الهاشتاجات التي دشنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي ناشدت بالإفراج عن الباحث الإعلامي والإصلاحي، بل وتبنى البعض دعوة للتدوين عن هشام جعفر في كل النوافذ الإعلامية الممكنة، وذلك تحت هاشتاج #تخيل_و_دون_عن_هشام_جعفر، بالإضافة إلى العديد من الهاشتاجات الأخرى التي تطالب بالإفراج عنه وإنقاذه قبل أن يفقد بصره.
#أنقذوا_هشام_جعفر من فقد نعمة البصر. رجل أفنى حياته في صناعة الإعلام المتوازن ومحاربة التطرف والآن تُسلب حريته وتُهدد صحته ظلما وبهتانا pic.twitter.com/glXgHkIOhO
— وسام كمال (@wesamkamal) July 13, 2017
#انقذوا_هشام_جعفر
سجين احتياطي من 21 شهر ، ولا افراج ولا محاكمة!!
كاد ان يفقد بصره ، في سجون مصر ، رجاء انشرهhttps://t.co/TGt8qIpv9u
— Gamal Eid (@gamaleid) July 20, 2017
الحرية لهشام جعفر
الحرية لكل اللي ملهمش شلة تصرخ عشانهم #تخيل_و_دون_عن_هشام_جعفر#أنقذوا_هشام_جعفر#الحرية_للي_من_غير_شلة
— OSAMA ELSAYAD (@ElsayadOsama) July 13, 2017
وهكذا تتواصل صرخات أهالي المعتقلين حرقة وألمًا للإفراج عن ذويهم ممن يتعرضون للموت البطيء داخل المعتقلات والسجون التي تفتقد للحد الأدنى من المقومات الآدمية، فالمسألة ليست مسألة هشام جعفر وفقط، بل مأساة الآلاف من معتقلي الرأي والسياسيين الذين يقبعون داخل زنازينهم دون جريرة أو تهم محددة، كل أمانيهم في محاكمة عادلة ومواجهة موضوعية بأدلة اتهامهم ومعاملة معقولة إلى أن يتم البت فيما هو منسوب إليهم.