من مقال في موقع فورين آفيرز الأمريكي
ترجمة وتحرير نون بوست
في لقاء وزيري خارجية تركيا والولايات المتحدة الأخير في باريس على هامش مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في يناير الماضي، حدث شيء غير اعتيادي على الإطلاق، فبينما من المعتاد أن يتحدث المشاركون في المؤتمر عن “كيف كان المؤتمر ناجحا” أو “كيف استطعنا حل المشاكل”، جاءت تصريحات داوود أوغلو كما يقول الكتاب! لكن التصريحات التي قالها وزير الخارجية الأمريكي كانت صادمة إذ قال إن الولايات المتحدة ترفض اتهامات تركيا بالتدخل في الشأن الداخلي التركي محاولة التأثير على الانتخابات التركية القادمة، وبينما كان داوود أوغلو ينظر إلى الأرض مستمعا، قال كيري “لكن البلدين بحاجة إلى تهدئة الأوضاع والمضي قدما”
كانت تصريحات كيري ردا على استراتيجية اتبعتها الحكومة التركية مؤخرا في إلقاء اللوم على أطراف خارجية حين تواجه معارضة أو أزمة داخلية حادة، فقد اتهمت أنقرة واشنطن وسي إن إن وقوى أجنبية لم تسمها بالتحريض على اضطرابات جيزي بارك في مايو ويونيو الماضيين، وعندما انفجرت الأزمة مع جماعة فتح الله غولن هدد رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان بشكل غير مباشر بطرد السفير الأمريكي متهما إياه بـ”تجاوز الحدود”.
ليست مستغربة تصريحات الحكومة التركية ضد الولايات المتحدة، لكن الغريب هو رد الولايات المتحدة التي ردت أخيرا! وإذا كان سلوك تركيا يغضب الولايات المتحدة بشكل كبير، فيجب على الإدارة الأمريكية أن تعتبر الضغط على تركيا إحدى أولويات سياستها الخارجية.
صوتت تركيا في مجلس الأمن ضد فرض عقوبات إضافية على إيران، كما أنها ساعدت إيران على الالتفاف على نظام العقوبات الدولية عبر شراء الوقود من إيران بمقابل من الذهب في عملية معقدة، بل إن بعض المسؤولين الأتراك صرحوا بحق إيران الطبيعي بامتلاك برنامج نووي.
دوما ما كانت تتعامل الولايات المتحدة مع تركيا بدافعين رئيسيين، الأول هو إبراز النموذج التركي الديمقراطي للدول ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة، ولأسباب كثيرة لم يكن النموذج التركي (المتفرد) هو النموذج القابل للتكرار في المنطقة لكن هذا لم يمنع واشنطن من دعمه بكل إخلاص.
أما الدافع الثاني فقد كان قناعة الولايات المتحدة أن تركيا قادرة على أن تمثل دور الوسيط بين الغرب والشرق الأوسط خاصة الإخوان المسلمين وعلاقتها بإيران، ولذلك اعتبرت أمريكا تركيا حليفا لا يمكن الاستغناء عنه، وعندما أصدر الكونغرس قانونا في يناير عام 2013 يحظر استيراد الغاز الإيراني مقابل الذهب خصيصا من أجل تركيا تجاوزت تركيا الخطوط الحمراء من جديد رغم إعطائها مهلة ستة أشهر.
الأوضاع الداخلية في تركيا ليست على ما يرام، حزب العدالة يقلص بشكل منهجي معارضيه السياسيين، ويفعل كل ما بوسعه لتهميش المعارضة وتعجيزها، سجن صحفيين بأعداد لم يسبق لها مثيل، يُحاكم المواطنون هناك بتهم مثل إهانة رئيس الوزراء، وتعرضت بعض الشركات لغرامات بلا سبب غير ماعرضة الحكومة، وأُدين ضباط جيش بتهم مبنية على أدلة زائفة.
ثم هناك سوريا، الولايات المتحدة لديها خلاف حقيقي مع تركيا بخصوص دعم الجماعات الجهادية المعادية للغرب، كما رفضت تركيا تطبيع العلاقات مع حليفتها السابقة إسرائيل ما أدى لتعقيد جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية، وقد عززت تركيا حماس على حساب السلطة الفلسطينية، وفي العراق حاولت تركيا بجهد جهيد تقويض حكومة المالكي الذي تدعمه الولايات المتحدة والتعامل مع حكومة كردستان ككيان مستقل تماما عن بغداد.
ومن أكثر الخطوات الاستفزازية التي قامت بها تركيا كانت إعلانها في سبتمبر الماضي اختيار شركية صينية لاستيراد نظام دفاع صاروخي جديد، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في أن الشركة تخضع لعقوبات بسبب انتهاك الحظر المفروض على تصدير الأسلحة إلى إيران وكوريا الشمالية وكذلك سوريا.
من الواضح أن الصفقة الصينية كانت خطا أحمرا بالنسبة للولايات المتحدة، لذلك فقد ردت الولايات المتحدة بتحذيرات علنية وسرية لأنقرة من أنها قد تعرض نفسها لعقوبات كما أنها قد تدفع حلفاءها في الناتو لإعادة التفكير في دور تركيا في الحلف.
حتى الآن تشير الأدلة إلى أن اتخاذ مواقف أكثر تشددا تجاه تركيا يعمل بشكل جيد. أعلنت تركيا هذا الشهر أنها قريبة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد أكثر من عام من اعتذار بنيامين نتنياهو الشخصي لتركيا على ضحايا مافي مرمرة، القافلة التركية التي هاجمتها القوات الإسرائيلية قبل أن تصل إلى شواطئ غزة. وهذه إشارة تركية إلى أن الغرب ما زال شريكا جديرا بالاهتمام.