يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قد قررت أخيراً أن ترسو بمركبها السياسي الثقيل في ميناء دولة الجزائر، بعد شهور طويلة من الاتصالات والمناقشات السرية مع السلطات الجزائرية، حصلت الحركة في النهاية على ميناءها الأمن، في ظل حالة التخبط العربية والإقليمية ضد “حماس”.
لطالما كانت الجزائر من أولى الدول العربية التي تفتح ذراعيها واسعةً لاستقبال الفلسطينيين بكل أطيافهم وألوانهم السياسية منذ سنوات طويلة وهي تردد جملة الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين، “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
حركة “حماس” اتجهت للبحث عن مكان إقامة بديل عن قطر لعدة أسباب لعل أبرزها تفادي وقوع دولة قطر في الحرج، في ظل الضغط العربي الكبير الذي يمارس عليها وتسبب بحصارها والذي يضع “طرد قادة حماس من أراضيها” شرطاً من شروط رفع الحصار عنها، والعلاقة القوية التي تربطها على المستويين الشعبي والسياسي مع الجزائر.
علاقة راسخة
بحسب معلومات حصل عليها “نون بوست”، من مصادر مقربة من حركة “حماس”، فإن الحركة قبل أسابيع قليلة قد قدمت طلباً رسمياً للسلطات الجزائرية، لإقامة أعضاء مكتبها السياسي الجديد داخل الأراضي الجزائرية بعد أن كانوا مقيمين في دولة قطر.
وتحدثت المصادر، أن السلطات الجزائرية حتى اللحظة لم ترفض طلب حركة “حماس” للإقامة في الجزائر، وهذا مؤشر اعتبره مراقبون فلسطينيون بأنه إيجابي للغاية ودليل على الموافقة الجزائرية على إقامة أعضاء “حماس” داخل التراب الجزائري.
وأوضحت أن الناطق باسم حركة “حماس” سامي أبو زهري، والمتواجد حالياً في العاصمة الجزائرية، هو من قدم طلب الإقامة للجهات الجزائرية المختصة، ولا يزال حتى هذه اللحظة متواجد في الجزائر ينتظر تسلم قرار الموافقة الرسمي .
وكشفت المصادر المقربة من “حماس” لـ”نون بوست”، أن الحركة حاولت في السابق التوجه نحو لبنان وماليزيا للإقامة فيها، إلا إنها علمت أن ضغوطات أمريكية وإسرائيلية كبيرة قد مورست على تلك الدولتين لرفض أقامة أعضاء المكتب السياسي للحركة على أرضيهما.
وأشارت إلى أن حركة “حماس” تربطها علاقات “قوية” مع الجزائر، وظهر ذلك حين هبت أحزاب جزائرية في الحكومة بالدفاع عن الحركة بعد أن هاجمها سفير سعودي ووصفها بأنها “إرهابية”، إضافة لتصريحات الناطق باسم حركة “حماس” سامي أبو زهري الأخيرة التي أكد عمق العلاقة بين حماس والجزائر، وان حركته طلبت من السلطات الجزائرية، الإقامة في الجزائر حتى قبل أزمة الخليج.
وأوضحت المصادر ذاتها، أن حركة “حماس” تلقت بعض المؤشرات الإيجابية بالحصول على الموافقة الرسمية في الإقامة بدولة الجزائر بشكل رسمي، ولكن الآن يحتاج لبعض الخطوات، متوقعةً أن تعلن “حماس” على الموافقة الجزائرية خلال أسابيع قليلة مقبلة.
يُشار إلى أن حركة “حماس“ ترتبط بعلاقة عضوية مع حركة مجتمع السلم “حمس“ الجزائرية، إذ تقيم الأخيرة مهرجانات سياسية وشعبية داعمة لتوجه الحركة، ومناهضة للسلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس.
وقبل أيام أثارت تصريحات للسفير السعودي في الجزائر، سامي بن عبد الله الصالح، وصف فيها حركة “حماس” الفلسطينية بـ”الإرهابية”، جدلا في البلاد، وطالب حزبان إسلاميان باستدعائه، فيما أطلق نشطاء “هاشتاج” ضده تحت عنوان “طبعا مقاومة”.
تداول نشطاء جزائريون على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي “هاشتاج” تحت عنوان “طبعا مقاومة”، تضمّن انتقادات لتصريحات السفير السعودي
وقال ناصر حمدادوش، رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، في بيان له: “على السفير السعودي أن يحترم شعور الشعب الجزائري تجاه القضية المركزية، وهي قضية عقائدية، تصل إلى درجة الوفاء بمقولة الرئيس الراحل هواري بومدين بأن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
وأضاف: “لا نريد أن يتم الزجّ بالدولة الجزائرية في هذه المواقف المخزية تجاه القضية الفلسطينية، ولا الانخراط في هذا المسعى الانبطاحي أمام إسرائيل”، داعياً السفير السعودي إلى “سحب تصريحه العدائي تجاه المقاومة الفلسطينية، وألا يستغل منصبه الدبلوماسي في الجزائر للترويج لتوجّهات غير عربية ولا إسلامية”.
من جانبه، قال أحمد الدان، الأمين العام لحركة البناء الوطني (الإسلامية)،: “ننتظر من الدبلوماسية الجزائرية استدعاء السفير؛ لإبلاغه موقف الجزائر، ومطالبته باحترام الشعب الجزائري ومواقفه المؤيدة لتحرير فلسطين والأقصى”.
وأضاف أن “المنتظر من السفير مراعاة المشاعر العامة للشعب الجزائري، وهو حر في موقف بلاده، لكن الدبلوماسية لها تقاليدها التي لا يجوز تجاوزها، ومقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين حركة تحرر التزمت ثورة نوفمبر (الثورة التحريرية ضد فرنسا بين 1954 و1962) بدعمها الثابت والمستمر ضد الاحتلال”.
وعلى الفور تداول نشطاء جزائريون على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي “هاشتاج” تحت عنوان “طبعا مقاومة”، تضمّن انتقادات لتصريحات السفير السعودي. وكتب النائب الإسلامي السابق فاتح قرد، على صفحته بموقع “فيسبوك”، إن “ما قاله السفير السعودي يعني أن آيت أحمد إرهابي (أحد قادة الثورة الجزائرية).. بن بلة إرهابي (قائد للثورة التحريرية ضد فرنسا) وجبهة التحرير الوطنية إرهابية”.
وكتب الناشط “يمسى مهني يحياوي”: “الجزائر مع فلسطين ومع المقاومة.. ولا يمكنكم قول عكس هذا في الجزائر”. واقترح المدون “عبد الحميد خرباشي” دعوة ممثلي “حماس” إلى الجزائر “ليشاهد السعوديون كم يعشق الشعب الجزائري الإرهاب”.
لماذا الجزائر؟
حديث حركة “حماس” عن الإقامة بالجزائر وفتح مكاتب رسمية لها سبق الأزمة الخليجية الراهنة بأكثر من عام، حين كشف عضو المكتب السياسيّ للحركة موسى أبو مرزوق في 29 آب/أغسطس من العام 2016 خلال لقاء على قناة “البلاد” الجزائرية، أن مكتباً تمثيلياً للحركة افتتح في الأيام الأخيرة في الجزائر، بعد أن قدمت “حماس” طلباً إلى السلطات الجزائرية بذلك، وحظي طلبها بالموافقة والترحيب من الجزائر، معلناً تعيين القيادي في “حماس” محمد عثمان مشرفاً على المكتب.
لتصبح الجزائر من الدول القلائل التي توافق على افتتاح مكاتب للحركة، علماً بأن القضية الفلسطينية تحظى بتأييد كبير بين الجزائريين، والجزائر تقدم مساعدات مالية ومنحاً دراسية إلى الفلسطينيين.
علاقات “حماس” والجزائر ليست وليدة اللحظة، فقد زارها قادة الحركة سابقاً، أبرزهم رئيس مكتبها السياسيّ خالد مشعل في آذار/مارس من عام 2007 ووزير الداخلية السابق في حكومة “حماس” فتحي حماد في حزيران/يونيو من عام 2009
ومن جهته، قال أحمد يوسف، وهو المستشار السياسي السّابق لرئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية،: “إن افتتاح الجزائر لمكتب حماس على أرضها يعني اعترافاً رسمياً منها بالحركة، وإنجازاً سياسياً كبيراً لحماس، رغم تعقيدات علاقاتها الإقليمية، فالجزائر ساحة كبيرة متعاطفة مع الشعب الفلسطيني“.
علاقات “حماس” والجزائر ليست وليدة اللحظة، فقد زارها قادة الحركة سابقاً، أبرزهم رئيس مكتبها السياسيّ خالد مشعل في آذار/مارس من عام 2007 ووزير الداخلية السابق في حكومة “حماس” فتحي حماد في حزيران/يونيو من عام 2009. كما زارها قادة “حماس” معاً في أيّار/مايو من عام 2011، وهم: وزير الخارجية الفلسطيني السابق محمود الزهار، الناطق السابق باسم حكومة “حماس” طاهر النونو، وعضو المجلس التشريعي عن “حماس” صلاح البردويل.
وجاء موقف الجزائر داعماً لـ”حماس” خلال حرب إسرائيل على غزة 2008-2009، حين رفضت في كانون الثاني/يناير من عام 2009 اعتبارها حركة إرهابية، فيما طالب المتحدث باسم “حماس” سامي أبو زهري في أيّار/مايو من عام 2013، بفتح مكتب رسمي للحركة في الجزائر، استكمالاً لدعم الجزائر للقضية الفلسطينيّة.
أمّا حكومة “حماس” بغزة فأنشأت في عام 2013 مدرسة باسم الشيخ محفوظ النحناح، وهو مؤسس حركة مجتمع السلم الجزائرية. كما توافدت قوافل التّضامن الجزائرية مع غزة في عام 2014 لتقديم المساعدات الإنسانية، فضلاً عن المستشفى الجزائري التخصصي الّذي افتتح بغزة في عام 2010، ويعالج مئات آلاف المرضى الفلسطينيّين، وهو مدعوم من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي مؤسسة غير حكومية جزائرية، وترتبط بعلاقات جيدة مع حماس.
الكاتب الجزائري عبد الحفيظ العز، توقع أن يكون سماح الجزائر لحماس بمزاولة نشاطها على أراضيها له سلسلة من القرارات ايجابية اللاحقة.