شهدت السياسة الخارجية التركية محطات مهمة في العام الذي تلا ليلة الخامس عشر من تموز 2016 ومن أهم هذه التحولات هي التدخل العسكري في سوريا بعد 5 سنوات من اندلاع الثورة في سوريا حيث كانت عملية درع الفرات أول تدخل عسكري تركي مباشر في سوريا وذلك في 24 من أغسطس 2016 أي بعد قرابة شهر على المحاولة الانقلابية الفاشلة وقد كانت العملية تستهدف أمرين أساسيين أهمهما منع وصل الكنتونات التي يسيطر عليها الاتحاد الديمقراطي من أجل إعاقة انشاء كيان كردي شمال سوريا، و دحر تنظيم داعش عن المناطق الحدودية القريبة من تركيا .
وقوع الانقلاب وما جرى في أعقابه من سلوك سلبي من الدول الأوروبية التي تلكأت في مساندة تركيا أو التضامن معها أو تركيزها على الحريات للانقلابيين وبعض الجهات المؤيدة لهم أكثر من تضامنها مع الحكومة المنتخبة وتأكيد شرعيتها أدى إلى حدوث توتر في العلاقات التركية الأوروبية ما زال مستمرا إلى يومنا هذا
وقبل الانقلاب بشهر تقريبا كانت تركيا على موعد مع تغيير الرجل الذي عرف بأنه مهندس السياسة الخارجية التركية والذي واجهت السياسة الخارجية في عهده كرئيس للوزراء تحديات كبيرة جدا وقد حل مكانه بعد خلاف في الرؤى مع الرئيس أردوغان حول بعض القضايا رئيس الوزراء الحالي بينالي يلدرم الذي أعلن منذ اليوم الأول أنه سيغير في السياسة الخارجية على مبدأ تكثير الأصدقاء وتقليل الأعداء، وبالفعل بدت السياسة الخارجية في عهده أكثر براغماتية وقد أدى هذا إلى تسريع تطبيع العلاقات من جديد مع كل من روسيا وإسرائيل والإمارات والعراق و ولوحظت بعض السلوكيات لتخفيف التوتر مع مصر واليونان بل حتى ظهرت بعض الإشارات عن تغيير في النظرة لنظام بشار الأسد في سوريا.
وكما ذكرنا كان هذا قبل شهر من الانقلاب وكان داود أوغلو قد استطاع التوصل لاتفاقية تعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي بخصوص منع تدفق اللاجئين من تركيا إلى أوروبا مقابل مبلغ 3 مليار دولار سيقدم إلى تركيا مع إعفاء الأتراك من تأشيرة السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي لكن وقوع الانقلاب وما جرى في أعقابه من سلوك سلبي من الدول الأوروبية التي تلكأت في مساندة تركيا أو التضامن معها أو تركيزها على الحريات للانقلابيين وبعض الجهات المؤيدة لهم أكثر من تضامنها مع الحكومة المنتخبة وتأكيد شرعيتها أدى إلى حدوث توتر في العلاقات التركية الأوروبية ما زال مستمرا إلى يومنا هذا وقد ازداد مع فرض حالة الطوارئ ومع دعوة البرلمان الأوروبي لتعطيل مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إثر دعوة الرئيس أردوغان للاستفتاء على تطبيق حكم الإعدام بحق الانقلابيين بعد استشهاد 240 شخصا ليلة انقلاب 15 تموز. ومع إعطاء أعضاء جماعة غولن وحزب العمال الكردستاني حرية العمل النشاط في بعض العواصم الأوروبية.
نجاح تمرير التعديلات الدستورية في تركيا بفارق ضئيل وقد جعل هذا الباب مفتوحا لتغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي في عام 2019 وهو ما من شأنه أن يوسع خيارات السياسة الخارجية ويعزز سلطات الرئيس ويزيد من الاستقرارالداخلي
وعلى صعيد العلاقات التركية الامريكية بعد الانقالاب فبالطبع ألمح الكثير من المسؤولين الأتراك إلى تورط الإدارة الامريكية في أحداث تموز أو على الأقل علمها بها وقد أدى هذا إلى توتر مع إدارة أوباما كذلك استاء الأتراك من دعم إدارة أوباما للأكراد شمال سوريا وقد تغيرت لهجة الخطاب مع واشنطن وطالب أردوغان الإدارة الأمريكية بتحديد من هو حليفها هل هي الدولة التركية أم مليشيات الاتحاد الديمقراطي ولهذا فقد فضل الأتراك فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون في السباق الرئاسي الأمريكي وهو ما حصل بالفعل ولهذا استبشروا بتحسن العلاقات وتأملوا في استعادة فتح الله غولن من بنسلفانيا والقدرة على اقناع واشنطن بالتخلي عن دعم وحدات الحماية الشعبية الكردية في شمال سوريا.
ولكن ما زالوا يحالون حتى الآن دون تقدم ملموس ولهذا ما زالوا يحافظون على علاقات جيدة مع روسيا وقد كانت الفترة ما بين الانقلاب وما بين تولي ترامب رسميا للإدارة الأمريكية فرصة جيدة لتحسن العلاقات التركية الروسية وقد بدا التنسيق الثنائي واضحا بخصوص عمليات حملة درع الفرات وما تبعها من مسائل مثل اخلاء حلب و محادثات الآستانة التي رعتها روسيا. وتجاوز أزمة اغتيال السفير الروسي في أنقرة اندريه كارلوف على يد شرطي تركي والتي ما زالت أسباب هذا الحادث غامضة حتى الآن.
في 2017 كان الحدث الأهم والذي ألقى بظلاله على السياسة الخارجية التركية هو الاستفتاء في 16 نيسان حيث بدأ التوتر حتى قبل عملية التصويت بسبب منع دول أوروبية لمسؤولين أتراك من الحديث أمام الجاليات التركية في ألمانيا وهولندا والنمسا وطرد وزيرة المرأة التركية، كذلك استمر التوتر خلال فترات الدعاية الانتخابية في كل من ألمانيا وفرنسا ومع تزايد الصعود اليميني وحملات الاسلاموفوبيا في الغرب تفاقمت المشكلة .
وعلى كل حال نجاح تمرير التعديلات الدستورية في تركيا بفارق ضئيل وقد جعل هذا الباب مفتوحا لتغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي في عام 2019 وهو ما من شأنه أن يوسع خيارات السياسة الخارجية ويعزز سلطات الرئيس ويزيد من الاستقرارالداخلي الذي حتما سينعكس على السياسة الخارجية خاصة في موضوع التدخل العسكلاي في الخارج وكذلك الحال في العمل الأمني.
إرسال تركيا لجنودها إلى القاعدة العسكرية التي اتفقت عليها مع قطر في 2014 وهي خطوة عملية جديدة في استخدام القوة الخشنة وذلك بعد عملية درع الفرات
وفي الطريق إلى الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية وقبل شهر تقريبا من ذلك وقعت أزمة بين السعودية والإمارات ومصرو البحرين من جهة وقطر من جهة أخرى وفرضت هذه الدول عزلة على قطر لأسباب غير واضحة وقدمت لها مطالب غير منطقية مما أدى بتركيا إلى رفض هذه العزلة ولكنها في نفس الوقت دعت للحوار وحاولت التوسط وحاليا يستعد الرئيس أردوغان لجولة خليجية على الدول المعنية بهذه الأزمة خاصة أن الأزمة جاءت في فترة كانت تركيا لا تفضل أن تكون منحازة مع طرف خليجي أمام طرف خليجي آخر وذلك لأنها تريد الاستفادة من علاقاتها مع كل دول مجلس التعاون بالرغم من أن العلاقة الأقوى لها هي مع قطر وهنا نذكر نقطة مهمة وهي إرسال تركيا لجنودها إلى القاعدة العسكرية التي اتفقت عليها مع قطر في 2014 وهي خطوة عملية جديدة في استخدام القوة الخشنة وذلك بعد عملية درع الفرات.
حاولت تركيا ممارسة سياسة خارجية أكثر براغماتية قبل وقوع محاولة الانقلاب وهي مازالت تحاول البقاء على هذا الخط لكن أمامها تحديات كبيرة وربما ستساهم هذه السياسة البراغماتية فقط في تأجيل مواجهتها مع بعض الدول التي تختلف معها.