لم تعد الدول العربية الممثل الوحيد للقارة الإفريقية على الصعيد الدولي سياسيا ورياضيا واقتصاديا، حيث عرفت السنوات الأخيرة صعود عدد من الدول الإفريقية غير العربية كلاعب رئيسي أعاد خلط أوراق القارة السمراء من جديد نظرا لحجم الثروات الطبيعية الكبيرة التي تتمتع بها هذه الدول.
فمنذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، كان لإحداث شراكات استراتيجية بين بلدان أفريقية وقوى اقتصادية صاعدة مثل الصين والهند أثرا ملحوظا في تعزيز التعاون من أجل تحقيق أهداف تنموية مشتركة تعود بالفائدة على الطرفين نظرا لما تمتلكه أفريقيا من نفط وغاز وموارد معدنية.
ثروات طبيعية مدفونة في عمق القارة
تقول دراسات دولية إنه يوجد في إفريقيا 10% من احتياطيات العالم من النفط وربما أكثر، ويوجد في جنوب إفريقيا وحدها 40% من احتياطي الذهب العالمي، ويوجد في القارة الإفريقية أكثر من ثلث جميع احتياطيات الكوبالت المعروفة، كما تتوفر المعادن القاعدية بكثرة في إفريقيا حتى أن الصين حصلت خلال السنوات الأخيرة على نصف وارداتها من الألمنيوم والنحاس والحديد والنفط من إفريقيا وبالكاد تم لمس الإمكانات الزراعية للقارة.
يؤكد خبراء أن النفاذ إلى النفط الأفريقي وغيره من الموارد الاستراتيجية الأخرى العامل المحفز الأول، اكتسبت هذه العلاقات أبعادا أخرى للاستفادة من أسواق القارّة السمراء غير المستغلة والسكان الشباب والطبقات الوسطى التي تزداد اتساعا ما أدى إلى تزايد دخول القوى الصاعدة في أفريقيا إلى دق ناقوس الخطر لدى الشركاء الغربيين التقليديين المتمثلين أساسا في الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية.
المغرب: الدولة العربية الصاعدة
تعتبر المغرب الدولة الإفريقية العربية الصاعدة في سوق الاقتصاد والسياحة العالمية، فبفضل استقرار الأوضاع السياسية ومسارعة الملك محمد السادس إلى إقرار إصلاحات دستورية والسماح لمشاركة الإخوان المسلمين في الحكم استباقا لامتداد الربيع العربي إلى الداخل المغربي، توجّه المستثمرون الغربيون والعرب إلى المغرب هروبا من الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرّة في كل من تونس ومصر وليبيا.
جاءت كينيا ونيجيريا في المرتبة الأولى إفريقيا، بعدما أكد 58 في المائة من المستثمرين أنهم ينوون توجيه استثماراتهم نحو هذين البلدين، بينما احتل الكوت ديفوار المرتبة الثانية بنسبة 53 في المائة، ثم إثيوبيا ثالثة
ولكن ورغم ذلك، تفيد دراسة منجزة من طرف الوكالة الفرنسية للاتصال بالتعاون مع معهد “شوازل” للسياسيات الدولية والاقتصاد حول مستقبل الاقتصاد الإفريقي إلى غاية سنة 2050، بأن المغرب حتى وإن حافظ على جاذبيته للاستثمارات الأجنبية، إلا أنه سيكون أمام منافسين أقوياء على غرار أثيوبيا وكينيا التي توقّعت أن تصبح أقطابا جاذبة للاستثمارات الأجنبية، متقدمة في ذلك على المغرب الذي احتل المرتبة الخامسة في ترتيب الدول الإفريقية التي ستستفيد من الاستثمارات الأجنبية، حيث حاز على ثقة 28 في المائة من المستثمرين الذين استجوبتهم الدراسة.
وجاءت كينيا ونيجيريا في المرتبة الأولى إفريقيا، بعدما أكد 58 في المائة من المستثمرين أنهم ينوون توجيه استثماراتهم نحو هذين البلدين، بينما احتل الكوت ديفوار المرتبة الثانية بنسبة 53 في المائة، ثم إثيوبيا ثالثة، متبوعة بالموزمبيق التي حلت في المرتبة الرابعة.
الملاحظ في هذه الدراسة غياب معظم الدول الإفريقية العربية باستثناء المغرب تقريبا عن المراتب الخمس الأولى، ما يكشف عن تراجع دور هذه الدول في الدورة الاقتصادية للقارة السمراء وهو ما يؤثر سلبا على ثقلها السياسي ويضعف قرارها بالمقارنة مع الدول الأخرى للاتحاد الإفريقي.
إثيوبيا تبتزّ مصر
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، استطاعت إثيوبيا ابتزاز الحكومة المصرية بتهديد المصريين في أمنهم المائي والغذائي ببنائها لسد النهضة الذي سيمنع تدفّق مياه النيل إلى الداخل المصري، فإثيوبيا الدولة الإفريقية النامية يقترب مُعدل نموها من عشرة فى المائة سنويا، الأمر الذي أثّر إيجابيا على وضعها الاقتصادي وقرارها السياسي.
الوضع في مصر لم يختلف كثيرا عن الجزائر وليبيا وتونس، الذين يعانون أوضاعا اقتصادية صعبة نتيجة عدم الاستقرار السياسي وتدنّي أسعار النفط والحرب الأهلية الدائرة بين أبناء الشعب الواحد
كانت جمهورية مصر العربية القلب النابض للقارة الإفريقية بفضل موقعها الاستراتيجي وعدد سكانها الذي تجاوز الثمانين مليونا، إضافة إلى قربها من الدول الإفريقية العربية المؤثرة وهيمنة فرقها الرياضية ومنتخباتها الوطنية على المسابقات الرياضية، لكن بسبب توتّر أوضاعها الداخلية على إثر الانقلاب العسكري، تغيّرت الأمور نحو الأسوأ.
الوضع في مصر لم يختلف كثيرا عن الجزائر وليبيا وتونس، الذين يعانون أوضاعا اقتصادية صعبة نتيجة عدم الاستقرار السياسي وتدنّي أسعار النفط والحرب الأهلية الدائرة بين أبناء الشعب الواحد، ما أفقد المستثمرين الأجانب ثقتهم وأسفر عن تدنّي قيمة عملات هذه البلدان وركود اقتصاداتها الهشّة.
إفريقيا السوداء تتطوّر سريعا
في وقت سابق، تحدثت دراسات مختصّة حول الدول الإفريقية عن اختلاف معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي على مستوى الأقاليم الفرعية للقارة خلال عام 2010، فإقليم شرق إفريقيا سجّل أعلى معدلات النمو والتي بلغت 6.8%، يليه إقليم غرب إفريقيا الذي بلغ معدل النمو فيه 6%، ثم الشمال الإفريقي 4.7%، في حين سجّل الإقليم الفرعي الأهم في إنتاج البترول في وسط إفريقيا 4.3%، وجاء الجنوب الإفريقي بمعدل نمو وصل 3.3% عام 2010.
أما عن الأداء الاقتصادي، فقد تطور في معظم دول غرب إفريقيا خلال عام 2010 بسبب ارتفاع أسعار وعائدات البترول، وزيادة العائد من الأنشطة غير البترولية (مثل نيجيريا)، والتوسع في قطاع الإنشاء والخدمات (غانا)، وتحسين الإنتاجية في قطاعي الزراعة والتعدين (سيراليون)، وزيادة عائدات تصدير المطاط (ليبيريا)، في حين سجّلت غينيا والنيجر أضعف معدلات النمو بسبب استمرار حالات الصراعات والتوتر السياسي وعدم الأمن.
وبسبب هذا النمو تحولت دولة مثل بتسوانا، التي كان معدل النمو بها، منذ استقلالها سنة 1966، من أسرع معدلات النمو فيما يتعلق بأعلى دخل للفرد في إفريقيا، وباتت تعد واحدة من بين قصص النجاح الإفريقية الكبرى، حيث تحولت من واحدة من أفقر البلدان في العالم إلى فئة البلدان متوسطة الدخل حيث يبلغ متوسّط دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي المذكور 14.700 دولار.