تعرضت صناديق الثروات السيادية بشكل عام والصناديق الخليجية بشكل خاص إلى خسائر فادحة بسبب الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008، ويعود السبب وراء ذلك بسبب استثماراتها المالية المرتكزة بشكل أساسي في سندات الحكومة الأمريكية وسندات الحكومات الغربية الأخرى، والتي تعرضت لخسائر فادحة أدت لفقدان جاذبيتها بعد الأزمة المالية نتيجة التدهور الكبير في عوائدها وانخفاض سعر صرف الدولار ومخاطر تراكمها كديون على الحكومات وبالأخص الأمريكية منها.
في ورقة بحثية لكل من عبد الحق دحمان، ومحمد جعفر هني، تم تقديمها في “مؤتمر المالية والاقتصاد الإسلامي الدولي” الذي عقد في يومي 15 – 16 الشهر الجاري في مقر جامعة صباح الدين زعيم باسطنبول بإشراف كبرى وأعرق الجامعات التركية، هي: جامعة اسطنبول، وجامعة سكاريا، وجامعة صباح الدين زعيم.
تفيد الصناديق السيادية في الحد من تكاليف الفرصة البديلة لحيازة الاحتياطيات، واجتناب دورات الرواج والكساد في بلدانها المنشئة، وتسهل ادخار عائدات الفوائض التي تحققها المالية العامة من صادرات السلع
بعد الأزمة المالية، صار لزامًا البحث عن أدوات استثمارية أكثر أمنًا لموارد الصناديق السيادية واقتراح خطط استثمارية رشيدة تجنبها الوقوع في الخسائر المالية في المستقبل عبر الاستثمار في الأصول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والاستفادة أكثر من طفرة الصناعة المالية الإسلامية. فالاستثمار في سوق الصكوك سيمكن تلك الصناديق من الحفاظ على مواردها المالية من التآكل والضياع.
صناديق الثروة السيادية
ظهر مفهوم صناديق الثروة السيادية ” sovereign wealth funds ” في السنوات الأخيرة في عالم إدارة الفوائض المالية، حيث عُرّف على أنه يرجع إلى تراكم الفوائض المالية لدى الدول وإمكانية استثمار هذه الفوائض وفق إستراتيجية استثمارية تضعها الحكومات بهدف تحقيق أهداف مالية وخلق منافع عامة.
تصنف صناديق الثروة إلى صناديق سلعية، يعود معظمها إلى صناديق الدول النفطية والتي يمكن أن تكون لغرض استقرار العائدات أو الادخار عبر الأجيال، أو لغرض الحد من آثار العوائد النفطية في الاقتصاد الكلي. وصناديق غير سلعية، وهي ناتجة من تحويل جزء من موجودات الصرف الأجنبي، بالنسبة للدول التي لديها فوائض في موازين المدفوعات، كالصين، إلى أدوات استثمارية.
يبلغ عدد صناديق الثروة السيادية حول العالم 77 صندوقًا وتقدر إجمالي موجوداتها بأكثر من 7 تريليون دولار
وحول مصادر تمويل الصناديق السيادية، فإما أن تكون من المدخرات فوق الاستثمارات التي تنتهي في أيدي الحكومات بالنهاية، أو أن تكون الدولة لديها سلع استراتيجية مثل النفط والغاز حيث تعتبر عائدات هذه السلع المصدر الرئيسي لأكبر الصناديق الاستثمارية في العالم، وهناك أيضًا مدخرات بسبب الاقتصاد التصنيعي ناتجة عن فوائض في ميزانها الجاري بسبب الزيادة في صادراتها وتراكم احتياطيات الصرف الأجنبي، وأخيرًا هناك الأموال المتأتية من نمو احتياطيات البنك المركزي.
مصادر تمويل وتوزع صناديف الثروة السيادية حول العالم كما في العام 2013
تفيد الصناديق السيادية في الحد من تكاليف الفرصة البديلة لحيازة الاحتياطيات، واجتناب دورات الرواج والكساد في بلدانها المنشئة، وتسهل ادخار عائدات الفوائض التي تحققها المالية العامة من صادرات السلع، وعملية الخصخصة ثم تحويلها للأجيال القادمة، وتسمح صناديق الثروة السيادية أيضا بمزيد من التنويع في أصول الحافظة، وزيادة التركيز على العائدات، مقارنة بما يحدث عادة في حالة الأصول الاحتياطية التي يديرها البنك المركزي.
كما أن تلك الصناديق تعد مصدرًا دائمًا وقويًا لتمويل الميزانية العامة من خلال عوائد الاستثمار الذكي، وكذلك حصول الدولة على دخول لتغطية عجزها المالي عندما تنقص إيراداتها وترتفع نفقاتها لسبب أو لآخر. وأخيرًا المساهمة في التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية والمالية.
التمويل الإسلامي اكتسب إقبالاً كبيرًا في الآونة الأخيرة، وتُقدر الأصول الكلية للتمويل الإسلامي بحوالي 2 تريليون دولار أمريكي
يُشار إلى أن الأصول المدارة من قبل صناديق الثروة السيادية ارتفعت بشكل كبير مع بداية الألفية الجديدة، نتيجة زيادة الطلب على السلع غير النفطية مما ساهم في تحفيز النمو الاقتصادي في الصين والهند وغيرهما من دُول الاقتصاديات الناشئة، كما أن الزيادة الهائلة والمفاجئة في أسعار النفط والغاز الطبيعي وفرت للدول النفطية إيرادات كبيرة.
هذه الزيادات وفرت المصدر الرئيسي لتمويل صناديق الثروة السيادية للدُول النفطية وغير النفطية، حيث تزايد عدد صناديق الثروة السيادية مُنذُ عام 1953 ليرتفع عددها إلى أربعة وعشرون صندوقًا نهاية عقد التسعينيات من القرن المنصرم وحالياً يبلغ عددها 77 صندوقًا وفق بيانات معهد صناديق الثروة السيادية لعام 2014.
الأزمة المالية العالمية
في عجالة سريعة لما حصل بين عامي 2001 و 2006 في أكبر اقتصاد في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شجع الازدهار الكبير لسوق العقارات الأمريكية في تلك الفترة البنوك ومؤسسات الإقراض للّجوء إلى الإقراض العقاري مرتفع المخاطر (الرهن العقاري)، والذي يقوم على منح المقترضين قروضًا بدون ضمانات كافية، وبمخاطر كبيرة مقابل سعر فائدة عال بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح تعود لمؤسسات الإقراض، وقد أدت المالغة في الإقراض إلى بلوغ حجم تلك القروض نحو 1.3 تريليون دولار في مارس/آذار من العام 2007.
معظم تلك القروض كانت موجهة للمؤسسات العقارية وشركات المقاولات بحيث زادت القروض المستحقة عليها عن 700 مليار دولار، ومنح هذه القروض كان قائمًا على فرضية عدم وجود خسارة أبدًا، حتى لو لم يتمكن المقترض من سداد قرضه، فإن سعر المسكن سيزيد مع الزمن، وسيتمكن هذا المقترض من بيع بيته أو يتم الحجر عليه وبيعه بسعر أعلى.
بنك ليمان برذرز الأمريكي الذي أثار إفلاسه أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة والعالم
إلا أن السوق لم يكن يسير لصالح هذه الفكرة، إذ شهد سعر الفائدة ارتفاعًا ملحوظًا في تلك الفترة أدى إلى تغيير في طبيعة السوق الأميركية، تمثل في قلة الطلب على العقار نتيجة ارتفاع أسعاره المبالغ فيها، وهو ما قاد إلى تهاوي أسعار العقارات، وتزايد عدد العاجزين عن سداد قروضهم العقارية بشكل كبير والكلام هنا عن الولايات المتحدة.
للحظة أدرك المواطن الأمريكي أن ترك المنزل ليستولي عليه البنك، بأنه الحل الأسلم له بنظر، فالخيار الآخر كان أن يستمر في تسديد قرض أصبح أعلى من سعر منزله فيما لو سدده دفعة واحدة. فبلغ حجم القروض المتعثرة للأفراد نحو 100 مليار دولار، كما جاء في دراسة للدكتور علاء الزعفراني.
ويضيف الدكتور أنه، تبع ذلك ازدياد عروض المنازل المرهونة للبيع، مما أدى معه إلى الضغط أكثر على أسعار العقار، وزاد عدد المنازل المعروضة للبيع في الولايات المتحدة 75% عام 2007، حيث بلغ عددها 2.2 مليون منزلاً. وأصبحت شركات التأمين في مأزق كبير، بسبب تأمينها على تلك القروض المعدومة.
تُساهم الصناديق السيادية الخليجية مجتمعة بنحو 35,95%من إجمالي موجودات صناديق الثروة السيادية العالمية
زاد الأمر سوءًا سحب الودائع من قبل الأفراد من البنوك بسبب تحسس الخطر القادم من هذا الوضع، فضعفت قدرة البنوك على تمويل الشركات والأفراد، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، وانخفضت إيرادات البنوك، وبدأت في تسريح الموظفين. وأصبحت مصاريف البنوك وشركات التأمين أكثر من إيرادتها، وهو ما أدى إلى اختلال توازنها المالي، وإعلان بعضها الإفلاس، للاستفادة من نظام إفلاس الشركات المعمول به في أمريكا، وذلك لحمايته من دائنيه، والهروب من المطالبات المستقبلية.
الأرقام التي كان أمامها الاقتصاد الأمريكي مرعبة، فما بين 2 – 3 ملايين أمريكي يواجهون خطر فقدان منازلهم، ولجوء الكثير من الشركات العقارية إلى تسريح عدد كبير من موظفيها، شركة (Merrill Lynch) الاستثمارية الأميركية تكبدت خسائر بقيمة 14.1 مليار دولار، انهارت أسعار الأسهم وأفسلت العديد من الشركات والبنوك، وكانت فقاعة الأزمة انفجرت بعد تعثر بنك “ليمان براذرز” وإفلاسه أمام الملأ.
بعد الأزمة المالية
بعد مواجهة أكبر البنوك الاستثمارية في العالم على رأسها “بنك أوف أمريكا” و “سيتي غروب” و ميريل لينش” وغيرها، خطر الإفلاس بسبب الأصول السامة خلال أزمة الرهن العقاري 2007، تمت الإشادة بالصناديق السيادية حول العالم، واعتبارها بمثابة المنقذ المالي لتلك البنوك.
وبالفعل أمدت صناديق سيادية من شرق آسيا ومنطقة الخليج العربي المؤسسات المالية المتعثرة بقدر كبير من رأس المال. وأسهمت حكومات سنغافورة والكويت وكوريا الجنوبية بنصيب الأسد من طوق النجاة، الذي قُدّر بنحو 21 مليار دولار أمريكي، وذلك لإنقاذ مجموعة “سيتي جروب” و”ميريل لينتش” اللتين فقدتا أموالاً طائلة عندما انفجرت فقاعة الرهون العقارية. وقامت الصناديق السيادية خلال الفترة الممتدة من مايو/أيار 2007 إلى يناير/كانون الثاني 2008 بشراء 65 مليار دولار أمريكي من أسهم مختلف الشركات والبنوك والمؤسسات المالية الناشطة في السوقين الأمريكية والأوروبية.
توجه موارد صناديق الثروة السيادية للاستثمار في الدول الأجنبية يفيد الدول المستقبلة لتلك الأموال، ويعد بمثابة تكلفة وهدر للمال العام عند المقارنة بالعوائد المتوقعة والتكاليف لهذه الصناديق
إلا أن تدخل صناديق الثروة السيادية للحفاظ على استقرار وسيولة الأسواق المالية الأمريكية والأوروبية مع بداية الأزمة، لم يرفق بالدعم والمساندة اللازمين من تلك الدول عن طريق تنفيذ سياسات فعَّالة لمعالجة مُسببات الأزمة مما أدى في النهاية إلى عدم قُدرة هذه الصناديق في الحفاظ على استقرار الأسواق المالية لمدة طويلة، وتكبدت خسائر مُعتبرة.
مع العلم أنَ أثر الأزمة على الصناديق يعد أثرًا مُضاعفًا، فبالإضافة إلى تسجيل خسائر في الاستثمارات الخارجية للصناديق نتيجة انهيار أسعار الأسهم و السندات في الأسواق الأمريكية والأوربية، أثَّرت الأزمة كذلك على موارد الصناديق بعد تسجيلها انخفاضًا في الموارد التي يتم تمويلها عن طريق فائض الميزان التجاري والموازنة العامة للدولة نتيجة تراجع مُستويات الطلب العالمي وبالتالي انخفاض أسعار المنتجات والمواد الأولية بما فيها أسعار المحروقات في الأسواق الدولية.
أكبر 10 صناديق سيادية في العالم بحسب موقع الثروة السيادية
وبينت الدارسة التي قام بها الباحثان أنه، بالرغم أن دافع التدخل لهذه الصناديق كان بهدف تحقيق عوائد بالأساس، إلا أن الواقع أثبت بعد ذلك تكبدها لخسائر من وراء التدخل لإنقاذ تلك المصارف. فعلى سبيل المثال كانت استثمارات أحد هذه الصناديق في مجموعة “سيتي بنك” تُقدر بحوالي 7.5 مليار دولار، فأصبحت حاليًا لا تتجاوز 6 مليار دولار، كما أن استثمارات صندوق سيادي ثان في” ميرل لنش” والتي قُدرت ب 6.6 مليار دولار، انخفضت بحوالي % 8 ، وتشير الإحصائيات بأنَّ الصناديق السيادية الخليجية لوحدها تجاوزت خسائرها 400 مليار دولار أمريكي جراء هذه الأزمة.
الصناديق السيادية العربية
تمتلك الدول الخليجية 14 صندوقًا سياديًا، تعود ملكية 7 منها إلى الإمارات، وتمتلك السعودية صندوقين، وكذلك سلطنة عُمان، بينما تعود ملكية ثلاث صناديق إلى الدول الخليجية المتبقية (قطر، الكويت، البحرين) كل على حدة، وتبلغ قيمة الأصول المدارة من طرف هذه الصناديق مجتمعة ما يربو عن 1.595 تريليون دولار.
وتُساهم الصناديق السيادية الخليجية مجتمعة بنحو 35,95%من إجمالي موجودات صناديق الثروة السيادية العالمية المصنفة من طرف المعهد المذكور في شهر يناير/كانون الثاني 2011 والمقدرة بحوالي 4.436 تريليون دولار، فيما تقدر آخر بيانات إجمالي موجوودات الصناديق حسب المعهد بأكثر من 7 ترليون دولار.
تتوزع استثمارات الصناديق السيادية الخليجية بين السندات الحكومية وأسواق المال العالمية والاستثمارات العقارية وغيرها. وتختلف نسب كل منها اعتمادًا على إستراتيجية الاستثمار الخاصة بكل صندوق والتي تعتمد هي الأخرى على الهدف من تلك الاستثمارات.
المؤسسات المالية الإسلامية كانت أقل تأثراً وتضررًا بالآثار السلبية للأزمة، مما ساهم في زيادة أهمية هذه المؤسسات وانتشارها على مستوى العالم.
الشيء الممكن ملاحظته حول استثمارات الصناديق السيادية العالمية من الناحية الجغرافية هو تركزها في الولايات المتحدة الأمريكية والتي استحوذت على 75% من إجمالي أصول الصناديق السيادية مقابل 18% للقارة الأوروبية 7% لباقي دول العالم.
أما الصناديق السيادية الخليجية فهي متوطنة في الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى ثم تليها المملكة المتحدة، وهي تهتم بمختلف القطاعات الاقتصادية وعلى وجه الخصوص الصناعة التحويلية والخدمات، وبهذا تقف الصناديق السيادية الخليجية في مقدمة المؤسسات التي يُعول عليها لتزويد الأسواق العالمية بجزء من السيولة المالية، ولاعبًا أساسيًا في الأسواق المالية، ودورها المتصاعد في نمط التدفقات الرأسمالية العالمية وأسعار الأصول والاستقرار المالي بصفة عامة.
التوزع الجغرافي لصناديق الثروة السيادية حول العالم بحسب بيانات 2015
ويُشير التوزيع الجغرافي لاستثمارات صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي طِبقًا لما جاء في تقرير معهد صناديق الثروة السيادية المتخصص في استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، أن قارة أمريكا الشمالية قد شكلت الوجهة المفضلة لاستثمارات الصناديق السيادية الخليجية، حيث شكلت ما نسبته 32%-42 % من إجمالي استثماراتهم، تليها القارة الأوربية بنسب تراوحت ما بين 20 %-35%، ثم القارة الآسيوية بنسب تراوحت ما بين 10%-20%.
الاستثمار في سوق الصكوك سيمكن تلك الصناديق من الحفاظ على مواردها المالية من التآكل والضياع
وقد قدرت دراسة خسائر دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2008 جراء التدهور في قيمة الأصول في الأسواق الرئيسية بحوالي 350 مليار دولار بمعدل 27%. وهذه غطت على الزيادة في أصول تلك الصناديق الناتج عن ارتفاع الإيرادات النفطية المقدرة بحوالي 273 مليار دولار للعام ذاته، كما أشارت له دراسة الباحثان.
وكانت أكبر الخسائر في الاستثمارات في الأسواق المالية ومنها صفقات شراء حصص في بعض البنوك في البُلدان الصناعية التي قامت بها بعض الصناديق خلال 2007 و 2008 كشراء حصص في بنك باركليز (هيئة الاستثمار القطرية) أو بنك ميريل لينش (هيئة الاستثمار الكويتية) أو سيتي غروب (هيئة أبو ظبي للاستثمار) والتي قدرت إحدى المصادر خسائرها بنهاية 2008 بحوالي 40، 70، 60 بالمائة على التوالي.
صناعة التمويل الإسلامي
استنتج الباحثان عبد الحق دحمان، ومحمد جعفر هني، في دراستيهما أن الدرس البليغ الذي يُمكن أن يُستنج من الإستراتيجية الاستثمارية للصناديق السيادية الخليجية هو وجوب التحول من الاستثمارات المالية المضاربية إلى الاستثمارية الإنتاجية الحقيقية ( صناعة التمويل الإسلامية المستندة إلى الأصول الحقيقية) مع تركيز هذه الاستثمارات في الدول الإسلامية والعربية النامية لخدمة أغراض التنمية الاقتصادية المحلية والدولية.
فالتمويل الإسلامي اكتسب إقبالاً كبيرًا في الآونة الأخيرة، وتُقدر الأصول الكلية للتمويل الإسلامي بحوالي 2 تريليون دولار أمريكي، أي بزيادة قدرها عشرة أضعاف عما كانت عليه منذ عشر سنوات، وبمُعدل نُمو يفوق التمويل التقليدي في كثير من البُلدان. ومن حيث المبدأ، يمتلك التمويل الإسلامي إمكانات لتشجيع الاستقرار المالي لأن سمة المشاركة في المخاطر تحد من الرفع المالي ولأنَّ تمويله مُعزَّز بأصول ومن ثم فهو تمويل مضمون بالكامل.
تمتلك الدول الخليجية 14 صندوقًا سياديًا، وتبلغ قيمة الأصول المدارة من طرف هذه الصناديق مجتمعة ما يربو عن 1.595 تريليون دولار.
والنظام المالي الإسلامي قادر على الحد من شدة ووتيرة الأزمات المالية، بتجنب عناصر الضعف الأساسية في النظام التقليدي، فهو يُدخل مزيدًا من الانضباط في النظام المالي، بإلزام الممَوِل بالمشاركة في المخاطر، ويربط التوسع الائتماني بنمو الاقتصاد الحقيقي، ويُقلل من الغرر والقمار، بإتاحة الائتمان بصورة أساسية لشراء سلع وخدمات حقيقية يمتلكها البائع، ويرغب المشتري في تسلمها.
وأبرز ما يمكن للصناديق السيادية الاستثمار فيه من أدوات التمويل الإسلامي هي “الصكوك”، وما يدعو تلك الصناديق الاستثمار في هذه الأداة الهامة، هي أن عوائد الصكوك ليست التزامًا في ذمة المصدر، وإنـما عوائدها ناشئـة عن ربحٍ أو غلة العقود التي بُنيت هيكلة الصكوك عليها؛ فلو كان الصك صك أعيان مؤجرة فعائد الصك متحقق من الأجرة التي يـدفعها مستأجر الأعيـان المصككة، وإن كـان صك مضاربة فعائد الصك يتحقق من ريع المضاربة والمتاجـرة في المجال الذي أنشئـت الصكوك لأجله. في حين أن عوائد السـندات إنما هي الـتزام من المقترض (مصـدر السند) وهـي ثابتة في ذمته يلزمه الوفاء بها في مواعيد استحقاقها.
النفط والغاز أكبر مصدر مالي لصناديق الثروة السيادية في العالم العربي
من جهة أخرى فإن سوق الصكوك سرعان ما استعاد توازنه وثقة المدخرين منذ بداية النصف الثاني من عام 2009 بعد تأثره نسبيًا على إثر الأزمة العالمية، وقد أظهرت الصحوك ثبات في مواجهة الأزمة وتحقيقها لعائدات مجزية وصلت خلال الأزمة 7% وهي معدلات مرتفعة حيث لم تحققها أي أداة مالية أخرى في ظل الأزمة.
وإذا كان اهتمام الصناديق السيادية منصبًا في الاستثمار في أدوات الاستثمار ذات العوائد الثابتة، فإن صكوك الإجارة ستكون خيارًا مناسبًا لأنها تتمتع بالاستقرار، قد يصل قريبًا إلى درجة الثبات في عوائدها الصافية، حيث تتميز عوائد الإجارة مقارنة بعقود المشاركة باستقرار العوائد، بالنظر لإمكانية تحديدها ومعرفتها مُسبقًا.
ولدى دراسة الباحثان، لدوافع استثمار صناديق الثروة في الصناعة المالية الإسلامية، تبين لهما أن توجه موارد صناديق الثروة السيادية للاستثمار في الدول الأجنبية يفيد الدول المستقبلة لتلك الأموال، ويعد بمثابة تكلفة وهدر للمال العام عند المقارنة بالعوائد المتوقعة والتكاليف لهذه الصناديق. والتي أحيانًا تكون بالسلب إذا أُخذ بعين الاعتبار تكلفة الفرصة البديلة.
الصناديق السيادية الخليجية لوحدها تجاوزت خسائرها 400 مليار دولار أمريكي جراء الأزمة المالية العالمية
فالاستثمار في الدول الأجنبية يُساهم في توفير مدخرات إضافية من شأنها رفع مستويات الاستثمار لديها، وهو ما يؤدي إلى زيادة مضاعفة في مستويات الدخل والإنفاق لتلك الدول، يعتمد ذلك على قيمة مضاعف الإنفاق الاستثماري بها. كما أن تلك الاستثمارات تمثل فرصة ضائعة والمتمثلة في صورة الناتج المحلي الضائع. بالإضافة إلى فرص التوظيف التي قد تخلقها توظيفات تلك الصناديق السيادية.