أزمة دبلوماسية جديدة وخطيرة تشهدها منطقة القرن الأفريقي، إثر توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس حكومة أرض الصومال الانفصالية موسى بيهي عبدي، على اتفاقية تعاون تسمح أرض الصومال بموجبها لإثيوبيا إنشاء قاعدة عسكرية في مياهها البحرية، مقابل أن تعترف إثيوبيا بأرض الصومال، وهو الاتفاق الذي أثار غضب جمهورية الصومال، التي ترفض استقلال هذه المنطقة الانفصالية التي تعتبر جزءًا من أراضيها.
إيجار لمدة 50 عامًا
قال رئيس أرض الصومال، موسى بيحي عبدي، الذي ألقى كلمة في حفل الاتفاق الثلاثاء، إن أرض الصومال ستأجّر جزءًا من بحرها لإثيوبيا، على أن تعترف بها أديس أبابا.
Republic of Somaliland and the Fedeal Democratic Republic of Ethiopia signed a Memorandum of Understanding (MoU) today. In the MoU, Ethiopia officially recognises the Republic of Somaliland while Somaliland grants naval and commercial sea access on lease to Ethiopia for 50 years. pic.twitter.com/vRtcv2xoWl
— Muse Bihi Abdi (@musebiihi) January 2, 2024
وأضاف: “نحن سعداء أنه بموجب الاتفاقية سنسمح للجيش الإثيوبي بقاعدة عسكرية بحرية طولها 20 كيلومترًا، على أن تعترف بنا كما هو منصوص عليه في الاتفاقية، وتكون أول حكومة تعترف بدولة أرض الصومال”.
وأشار إلى أن الـ 20 كيلومترًا التي ستتمركز فيها القوات الإثيوبية هي إيجار لمدة 50 عامًا، وذكر أن الطرفَين سيتعاونان في كل شيء، مضيفًا أن ميناء بربرة سيكون أحد الموانئ التي ستستخدمها إثيوبيا لاستيراد بعض البضائع من الخارج.
وأرض الصومال، أو “صومالي لاند”، لا تحظى بأي اعتراف رسمي منذ إعلانها “من جانب واحد” الانفصال عن الصومال عام 1991، باعتبارها كيانًا مستقلًّا عن الصومال إداريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا.
حديث متكرر لآبي أحمد عن البحر الأحمر
منذ عدة سنوات يكرر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الحديث عن أهمية “وصول بلاده إلى البحر الأحمر”، كان الأبرز تصريحه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أمام أعضاء مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، عندما قال: “أديس أبابا ستواصل سعيها لإيجاد ميناء بديل بما يتوافق مع النمو السكاني والاقتصادي للبلاد”.
ولفت أحمد إلى أنه “ليس لدينا نية لتهديد سيادة أي دولة، لكننا نرغب في الوصول إلى البحر الأحمر على أساس القواعد. طلبنا هو بدء مناقشات نحو حلول مستدامة”، في لهجة تبدو مخفَّفة عن خطاب سابق أدلى به في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جاء فيه: “وجود إثيوبيا كأمّة مرتبط بالبحر الأحمر”، مضيفًا أن بلاده محتاجة إلى ميناء، وتابع أن السلام في المنطقة رهين “بتقاسم متبادل ومتوازن” بين إثيوبيا المعزولة عن البحر وجيرانها.
ومع أن رئيس الوزراء الإثيوبي كان يتحدث بالتحديد عن الوصول إلى البحر الأحمر، فإن المنطقة التي يتحدث عنها الاتفاق تقع على الساحل الشمالي للصومال على خليج عدن، قرب مدخل البحر الأحمر.
غضب صومالي
فور الإعلان عن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، سارعت الحكومة الصومالية إلى إعلان رفضها القاطع لاتفاق جارتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي لاستخدام ميناء بربرة.
ولم تكتفِ الحكومة الصومالية بإعلان رفضها واعتبار “الاتفاق لاغيًا ولا أساس له من الصحة”، بل سارعت إلى استدعاء سفيرها في أديس أبابا للتشاور غداة الإعلان عن الاتفاق.
وقالت الحكومة الصومالية في بيان لها إن تصرف إثيوبيا، الذي يشمل أيضًا الاعتراف بأرض الصومال دولة مستقلة “عندما يحين الوقت المناسب”، يشكّل خطرًا على الاستقرار والسلام في المنطقة.
وجاء في تصريح للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، نشرته الرئاسة الصومالية على حسابها الرسمي بمنصة إكس: “الصومال ملك للصوماليين. لقد دافعنا دائمًا عن سلامتنا الإقليمية وسيادتنا، وسنؤكد حقوقنا الحصرية وفقًا للقوانين الدولية. سنحمي كل شبر من أرضنا المقدسة ولن نتسامح مع محاولات التنازل عن أي جزء منها”.
“Somalia belongs to Somalis. We have always defended our territorial integrity and sovereignty, and we will assert our exclusive rights in accordance with international laws. We will protect every inch of our sacred land and not tolerate attempts to relinquish any part of it.” pic.twitter.com/ZfQMxt2ytf
— Villa Somalia (@TheVillaSomalia) January 2, 2024
كما وجّه الرئيس محمود -خلال حديثه أمام أعضاء البرلمان الصومالي- رسالة إلى إدارة أرض الصومال، أكد فيها أن الحكومة الإثيوبية لا تستطيع منحهم الاعتراف الدولي.
وجاء على لسان رئيس الوزراء حمزة عبدي بار، خلال اجتماع لمجلس الوزراء: “أدعو الشعب الصومالي إلى الهدوء. أود أن أطمئنهم بأننا ملتزمون بالدفاع عن بلادنا. فلن يتعرض أي جزء من بلادنا إلى الانتهاك، سواء كان بريًّا أو بحريًّا أو جويًّا، وسندافع عنه بكل الطرق القانونية. وأنا متأكد أننا بمساعدة شعبنا، في الشمال والجنوب، سنتمكن من الدفاع عن بلادنا”.
بينما نشر الرئيس الصومالي السابق، محمد فرماجو، بيانًا على موقع إكس، يرى فيه أن مذكرة التفاهم تشكّل “قلقًا كبيرًا في الصومال وأفريقيا كلها”، وأضاف البيان: “احترام السيادة وسلامة التراب الوطني هو ضمان الاستقرار الإقليمي والتعاون الثنائي. وعلى الحكومة الصومالية أن تردَّ بالطريقة الملائمة”.
The agreement signed by Ethiopia with Somaliland today is a serious concern for Somalia and the whole of Africa. Respect for sovereignty and territorial integrity is the anchor for regional stability and bilateral cooperation. The Somali government must respond appropriately. pic.twitter.com/b5lpzae6f2
— Mohamed Farmaajo (@M_Farmaajo) January 1, 2024
مقديشو تتحرك مع حلفائها الإقليميين
سارعت مقديشو إلى محاصرة الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال دبلوماسيًّا، إذ أجرى الرئيس الصومالي غداة الاتفاق محادثة مع الرئيس المصري، باعتبار أن القاهرة هي المنافس الأبرز إقليميًّا لإثيوبيا، كما أجرى محادثة أخرى مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فالدوحة تعدّ الحليف الأبرز للصومال إقليميًّا، وفي الوقت نفسه هي العاصمة الشرق الأوسطية الأكثر مقدرة على التعامل مع مخططات أبوظبي، الراعي الإقليمي البارز لإثيوبيا.
وصرّح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي، أن الاتصال تناول العلاقات الثنائية بين البلدَين، وسبل تطوير التعاون المشترك، واستمرار التنسيق وتعميقه في مختلف المجالات، بما يتفق والطبيعة التاريخية للعلاقات بين البلدَين، كما تطرق الاتصال للأوضاع الإقليمية.
وأوضح المتحدث أن الرئيس السيسي أكد موقف مصر الثابت بالوقوف بجانب الصومال الشقيق ودعم أمنه واستقراره، وفي وقت لاحق أعلنت مصر رفضها مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، التي بموجبها تحصل أديس أبابا على منفذ بحري.
وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأربعاء، على “ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية الشقيقة على كامل أراضيها، ومعارضتها لأية إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية”، مشددة على “حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده”.
— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) January 3, 2024
فيما يتعلق باتصال الرئيس الصومالي شيخ محمود مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ذكرت “وكالة الأنباء القطرية” أن الزعيمَين بحثا “العلاقات الثنائية بين البلدَين الشقيقَين وأوجه تعزيزها”، كما جرى، خلال الاتصال، بحث أبرز القضايا الإقليمية والدولية.
HH the Amir and Somali President Discuss Bilateral Relations, Regional and Global Issues. #QNA #Qatar #Somaliahttps://t.co/54zgl6ysVq pic.twitter.com/iT7l1x0Qyg
— Qatar News Agency (@QNAEnglish) January 2, 2024
تضامن دولي مع الصومال
تعليقًا على مذكرة التفاهم، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن الحكومة الأمريكية تشعر بالقلق إزاء الأزمة في منطقة القرن الأفريقي، وقال ميلر، ردًّا على سؤال حول الاتفاق الذي توصلت إليه إثيوبيا وأرض الصومال والأزمة الناجمة عنه، إننا ندعو جميع الأطراف إلى حل الأمر دبلوماسيًّا.
وأضاف: “لقد شاهدنا الأخبار ونحن نشعر بالقلق، وننضم إلى الشركاء الآخرين للتعبير عن قلقنا البالغ إزاء التوتر في القرن الأفريقي”، ودعا ميلر جميع أصحاب المصلحة إلى المشاركة في مفاوضات دبلوماسية، مؤكدًا أن حكومة الولايات المتحدة تعترف باستقلال جمهورية الصومال الفيدرالية وسلامتها الإقليمية ضمن حدودها عام 1960.
BREAKING: The United States expresses “serious concern” over the diplomatic crisis in the Horn of Africa; recognises Somalia’s sovereignty and territorial integrity “within its 1960 borders.”
Full comment by @StateDept Spokesperson Matthew Miller:
“We did see those reports, we…
— Harun Maruf (@HarunMaruf) January 3, 2024
ومن جهته، أكد الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء، على ضرورة احترام سيادة الصومال، وقال الاتحاد في بيان إنه “يودّ التذكير بأهمية احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية، وفقًا لدستورها وميثاقي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة”، وقال البيان الصادر عن متحدث باسم الاتحاد الأوروبي: “هذا أمر أساسي للسلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي بأكملها”.
#Ethiopia–#Somalia: Statement by #EU Spokesperson on the territorial integrity of the Federal Republic of Somalia
On 1 January, Ethiopian Prime Minister Abiy Ahmed and #Somaliland President Muse Bihi Abdi signed a Memorandum of Understanding on granting Ethiopia access to the… pic.twitter.com/bCiNqphur2
— Addis Standard (@addisstandard) January 2, 2024
فتّش عن الدور الإماراتي
موقع أرض الصومال الاستراتيجي القريب من باب المندب، جعله هدفًا لدولة الإمارات التي عُرفت بمطامعها ونهمها للاستيلاء على موانئ المنطقة، مثل الموانئ اليمنية وميناء جيبوتي قبل طردها من الأخير عام 2018.
دولة الإمارات، وعبر شركتها العملاقة موانئ دبي العالمية، وقّعت اتفاقًا مع أرض الصومال عام 2016 بقيمة 442 مليون دولار، لتشغيل مركز تجاري ولوجستي إقليمي في ميناء مدينة بربرة التجارية.
كما وقع الطرفان بعد سنتَين من ذلك التاريخ اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء بربرة، لتحتفظ موانئ دبي بحصة تبلغ 51% من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021، بما يمكّن الميناء من العمل بقدرة تشغيلية تصل إلى 500 ألف حاوية سنويًّا.
ولهذا يربط بعض المراقبين مذكرة تفاهم إقليم أرض الصومال الانفصالي وإثيوبيا بالإمارات، نظرًا إلى العلاقة الوطيدة التي تربط الأطراف الثلاثة، بجانب أن عائد أرباح دبي العالمية سيتزايد بشكل كبير، في حال تحول ميناء بربرة إلى ممر رئيسي لتجارة إثيوبيا التي تشكّل أكبر اقتصادات القرن الأفريقي.
ومن اللافت أن اتفاق عام 2018 بين موانئ دبي وإقليم أرض الصومال وإثيوبيا، أتاح لإثيوبيا تملُّك حصة تبلغ 19% من ميناء بربرة، لكن لم يتم تنفيذ الاتفاق بعد أن أعلنت حكومة الإقليم الانفصالي العام الماضي أن إثيوبيا فقدت حصتها، بسبب عدم استيفاء الشروط المطلوبة لإتمام صفقة الملكية.
ضربة لوساطة جيبوتي
تعليقًا على الموضوع، قال الباحث والمحلل في شؤون القرن الأفريقي منصور سليمان، إن أول ما لفت نظره في اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال، أنه جاء بعد أسبوع فقط من وساطة جيبوتي بين الصومال وأرض الصومال لحلّ القضايا العالقة، مشيرًا إلى أن جيبوتي لن تكون مرتاحة لهذا الاتفاق، لأنها ستخسر اقتصاديًّا بسبب اعتماد إثيوبيا حاليًّا على مينائها كمنفذ تجاري.
وأضاف سليمان في حديث لـ”نون بوست”، أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد كثيرًا ما تحدث عن الوصول إلى البحر، وأن هذه المذكرة قد لا يتم تنفيذها بالشكل الكامل، متسائلًا عمّا إذا كانت عبارة “جس نبض” بهدف الحصول على تنازلات من دول المنطقة، مضيفًا أن انسحاب إثيوبيا من اتفاقية عام 2018 مع أرض الصومال شيء غير مفهوم بالنسبة إليه.
فيما توقع الكاتب الصومالي حسن قرني تدخُّل طرف ثالث لتهدئة الوضع المتوتر بعد التضامن الكبير الذي وجده الصومال، لكنه قال في إفادة مقتضبة لـ”نون بوست” إن العقبة ستكون أرض الصومال، موضحًا أنها لن تتراجع عن موقفها المتهور والمضي في شيء يثير غضب مقديشو.
ودافع الكاتب الإثيوبي أنور إبراهيم عن خطوة حكومة بلاده في منشور على منصة إكس، جاء فيه: “انفصلت من قبل إريتريا عن إثيوبيا، ومن ثم انفصل جنوب السودان عن السودان، وانفصال أرض الصومال عن الصومال لن يكون آخر انفصال في المنطقة الأفريقية”.
أنفصلت من قبل أريتريا عن إثيوبيا ومن ثم أنفصل جنوب السودان عن السودان ، وانفصال أرض الصومال عن الصومال لن يكون أخر إنفصال في المنطقة الأفريقية .#افريقيا #القرن_الأفريقي #الصومال #أرض_الصومال
— Anwar Ibrahim Ahmed أنور إبراهيم أحمد (@anwarethiopia) January 3, 2024
عدم وجود ميناء بحري لإثيوبيا يعيق الخطط الإماراتية
من جانبه، قال الباحث في العلاقات الدولية أحمد دهشان، إن إثيوبيا تعاني منذ استقلال إريتريا من عدم وجود منفذ على البحر الأحمر، ما يشكّل عقبة كبيرة أمام الطموحات الإثيوبية، وعقبة كذلك أمام القوى الإقليمية التي تستثمر في إثيوبيا وتعتبرها مركز قوة في القرن الأفريقي يخدم مصالح تلك الدول.
وأضاف دهشان في حديث خاص لـ”نون بوست”: “نحن نتحدث بالتحديد عن دولة الإمارات التي استثمرت بشكل كبير في إثيوبيا، في القطاع الزراعي والصناعي والحيواني، وتهدف إلى أن تكون مركزًا لاستثمارات تلك الدولة على مستوى القارة الأفريقية ككل لحلّ أزمة الغذاء”، موضحًا بالقول إن ما يعيق هذه الخطط عدم وجود منفذ بحري لإثيوبيا.
وزاد أن كل محاولات إصلاح العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا باءت بالفشل، بعد التحالف المؤقت بين البلدَين لأجل القضاء على عدو مشترك هو جبهة تحرير تيغراي، مشيرًا أنه أصبح هناك طريقان أمام إثيوبيا للوصول إلى البحر: الأول التعويل على محمد حمدان دقلو بعد إحكام سيطرته المفترضة على السودان، وهو ما لم يحدث؛ والثاني هو أرض الصومال، باعتبارها إقليمًا صغيرًا يسعى للحصول على حماية واعتراف دولي يمكن أن توفرها لها إثيوبيا.
ولفت إلى أن اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال يهدد أمن المنطقة لأنه ينهي تمامًا إمكانية استعادة أرض الصومال، وبشأن الموقف الضبابي للاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد من الأزمة، قال دهشان إن الأمر طبيعي نسبةً إلى تأثير إثيوبيا على المنظمتَين، وعدم رغبتهما في اتخاذ موقف مناوئ لأديس أبابا.
وفيما يتعلق بالخيارات المتاحة أمام الصومال للتصدي لتلك المذكرة، قال دهشان إنه لا يمكن التعويل على جامعة الدول العربية، بسبب الانقسامات التي تشهدها، وعدم وجود آلية لتنفيذ قرارتها غير إصدار البيانات الصحيفة، لكنه استدرك أنه يمكن للصومال أن يعول على تحرك مصري قطري تركي لأنها الدول الأكثر فاعلية.
التعويل على تحرك مصري قطري تركي
شرح الباحث المصري بالقول إن تركيا استثمرت كثيرًا في الصومال خلال السنوات الماضية في مشاريع كبرى، وكذا الحال بالنسبة إلى قطر التي لديها علاقات متميزة مع الصومال، وتنظر إلى الاستثمارات الإماراتية على أنها محل شك، وبشأن مصر قال إن مخاوفها من الاتفاق تتلخّص في أنه سيمنح إثيوبيا قوة أكبر بكثير، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق حول سدّ النهضة، ما يضعف من الموقف المصري الضعيف أصلًا.
وقال إن الدول الثلاثة إذا اتخذت موقفًا قويًّا داعمًا للصومال يتجاوز البيانات، يمكن أن يجهض تلك الاتفاقية لأنه لن يستثمر أحد في منطقة متوترة، لكنّ محدثنا أبدى عدم تفاؤله من تحرك مصر، قائلًا إن السياسة الخارجية للقاهرة أصبحت ضعيفة وغير فاعلة، مشيرًا إلى أن مصر ليس لديها حلفاء في القرن الأفريقي بسبب إهمالها تلك المنطقة.
وأوضح الباحث منصور سليمان أن موقف الصومال هو الأقوى، بسبب أن ميثاق الاتحاد الأفريقي يقوم على مبدأ “احترام سيادة الدول”، وأنه لم يعترف بأرض الصومال، مشيرًا إلى تصريح الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد الذي تمّت الإشارة إليه مسبقًا.
وقال سليمان إن هذه القضية تعتبر اختبارًا حقيقيًّا لكيفية تصرف الاتحاد الأفريقي وإيقاد، باعتبار أن إثيوبيا دولة مقر للاتحاد، وأن سكرتير إيقاد تربطه علاقة وطيدة برئيس الوزراء الإثيوبي (شغل من قبل منصب وزير الخارجية).
أشار محدثنا إلى الجهود الدبلوماسية التي قادها الرئيس الصومالي للتصدي للمذكرة، لافتًا إلى أن المملكة العربية السعودية ومصر ستتحركان، لأن وجود قاعدة عسكرية إثيوبية لن يكون في مصلحتهما.
وعبّر منصور سليمان عن اعتقاده في أن مذكرة التفاهم قد تجد تحفظًا من عدد من مواطني أرض الصومال أنفسهم، بسبب العداء التاريخي بين الصومال والإمبراطورية الإثيوبية سابقًا.
أخيرًا، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عدّ الاتفاق الذي وقعه مع رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، أنه انتصار دبلوماسي، يحقق سعي إثيوبيا المستمر منذ عقود للوصول المباشر إلى البحر دون اللجوء إلى القوة، إذ قال: “وفقًا للوعد الذي قطعناه مرارًا وتكرارًا لشعبنا، حققنا الرغبة في الوصول إلى البحر الأحمر. ليست لدينا الرغبة في إكراه أي شخص بالقوة”.
لكن هذا الاتفاق الذي أغضب الصومال بشدة، من المرجّح أيضًا أن يثير استياء مصر والسعودية، اللتين تنظران بتوجس إلى سعي الإمارات للهيمنة الإقليمية، وربما تنزعجان كذلك من وجود إثيوبيا العسكري في خليج عدن ومدخل البحر الأحمر، وهي منطقة إستراتيجية كما ذكر الباحث منصور سليمان، وبالتأكيد لن تكون جيبوتي (حليفة السعودية) مرتاحة لخسارة 1.5 مليار دولار سنويًّا حصيلة استخدام إثيوبيا لمينائها.