ما زلنا حتى يومنا هذا لم نتعافَ من الأفكار التي تصرّ على تصنيف الإنسان ووضعه في خانةٍ معينة لنطلق عليه أحكامًا تحدد طريقة تعاملنا معه ونظرتنها إليه. وما زالت مجتمعاتنا تسعى إلى التفرقة بين أفرادها بناءً على نسبهم أو مكان تنشئتهم أو مستوى دخلهم، فابن المدينة يختلف عن ابن القريّة، وحامل الجنسية هذه أفضل من حامل الجنسية تلك والعائلة هذه لا تزوّج ابنها من العائلة تلك، ناهيك أصلًا عن التفرقة على أساس الدين أو لون البشرة وأشكال أخرى كثيرة، لكنّ أسوأ ما في الأمر أن يمتدّ كلّ هذا لأطفالنا منذ صغرهم، فيضحون نسخةً طبقَ الأصل عن من هم أكبر منهم سنًا، يحملون أفكارهم ويؤمنون بمعتقداتهم السلبية.
ومع بدء الثورات العربية وتصاعد هجرة المجتمعات واندماجهم بمجتمعات أخرى، غدا من الصعب على كثيرٍ من الأفراد الاندماج بغيرهم لا لشيءٍ سوى بسبب عدم تقبّلهم والنظر إليهم بطريقة مختلفة غالبًا ما تكون سلبية، لكنّ الكارثة تكمن في إيمان الأطفال بتلك المعتقدات العنصرية، ما يعني أنّ مجتمعًا كاملًا في طريقه لأن يكونَ عنصريًا لا يحتوي الجميع.
لا يمكن الاستهانة بتأثير الأفكار العنصرية لدى الوالديْن سواء كانت صريحة أو ضمنية على أطفالهم
يبدأ الأطفال في سنٍ مبكرة ملاحظة الفروقات العرقية المختلفة فيمن حولهم، ووفقًا لبعض الأبحاث والدراسات، فقد توصل العلماء أنّ الأطفال من عمر ثلاثة شهور يستطيعون تمييز الفروقات في اللون والبشرة للأشخاص المحيطين بهم، فيصبحون من هذا العمر أكثر تفضيلًا للوجوه التي تنتمي لمجموعتهم العِرقية مقارنةً بآخرين من مجموعات أخرى.
ولكنّ ملاحظة الفروقات والاختلافات لا تعني بتاتًا تطور أي معقتقدات إيجابية أو سلبية فيما يخصّ العِرق، وإنما تتطور تلك المعتقدات بمرور الزمن وتأثير عوامل أخرى بما في ذلك البيئة الاجتماعية التي ينمو فيها الطفل.
أظهرت بعض الأبحاث الحديثة أنّ التحيّز العِرقي قد ينشأ عند الأطفال عن طريق تلقّي رسائل صريحة ومتعمّدة أو ضمنية غير واعية من الوالديْن بالدرجة الأولى والبيئة المحيطة ثانيًا إلى الأطفال. ما يعني أنّ الوالديْن يلعبان دورًا كبيرًا في تطور الأمر وبالتالي قد يكونان حجر الأساس في منعه أو تقليله في حال وُجد.
كيف يتم اكتساب التحيّز والتمييز؟
يُعتبر التحيّز سلوكًا مكتسبًا ومتعلّمًا، ووفقًا لبعض الأبحاث والدراسات السايكولوجية، فإنّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث أو أربع سنوات قادرون على تكوين آراء نمطية ومسبقة، سواء كانت إيجابية أو سلبية. وإن كانت تلك الآراء مرنة جدًا في السنوات الأولى ويسهل تغييرها، إلا أنها تحتدّ مع الزمن ويصبح من الصعب تغييرها أو استبدالها.
يتأثر الطفل بالقوالب النمطية السلبية التي تصله عن طريق البيئة والثقافة والإعلام كما هو الحال تمامًا بالنسبة للبالغين
وهذه الأفكار السلبية يتم تعلمها بنفس الطريقة التي يتعلم بها الأطفال سلوكيات أخرى من آبائهم، من خلال المراقبة والتحفيز والتقليد، ويمكن لوسائل الإعلام أو الرسوم المتحركة أن تؤدي أيضًا دورًا كبيرًا في تعزيز القوالب النمطية السلبية المؤدية إلى التحامل والتحيز.
كيف تساعد أطفالك على الحدّ من التحيز السلبي؟
- عرّض أطفالك لصورٍ إيجابية للجماعات العِرقية الأخرى
يتأثر الطفل بالقوالب النمطية السلبية التي تصله عن طريق البيئة والثقافة والإعلام كما هو الحال تمامًا بالنسبة للبالغين، لذلك على الوالديْن العمل على الحدّ منها قدر الإمكان من جهة، ومن جهة أخرى التركيز على عرض الصور الإيجابية للجماعات الأخرى عن طريق القصص أو الأفلام أو الكتب.
حاول أن تبدأ في سنٍ مبكرة أن تعرض لطفلك قصصًا للنماذج التي ناضلت ضدّ التحيز العنصري مثل مارثن لوثر كنغ، أو لنساءَ تعرّضن لقمع المجتمع لجنسهنّ الأنثوي، أو لجماعات صغيرة تعرّضت للعنف لاختلافها، فهذا النوع من السرد في حال تمّ تكراره يُعدّ واحدًا من أكثر الطرق فعالية ضد التحيز.
- شجّع طفلك على تكوين صداقاتٍ مع أطفال من أعراق أو مجموعات مختلفة
تساعد الصداقة مع أجناس وأعراق مختلفة على تقليل التوتر والخوف من الرفض الذي يحدث عبر المجموعات، وبالتالي فهي عامل مهم وقويّ في تقليل التحيّز والحدّ من آثاره، فوجود صديق من مجموعة أخرى يساعد على تنمية التعاطف وتقليل التحامل والتعصّب.
- تحدّث بصراحة مع أطفالك عن الأعراق وآثار العنصرية
عدم الحديث عن العِرق والمجموعات المختلفة قد يخلق فراغاتٍ في المعلومات الموجودة في عقل الطفل. فاستخدام جمل من قبيل “كن لطيفًا مع الجميع” لا تفي بالغرض، وإنما على الوالدين تحديد الأعراق والمجموعات الأخرى في بيئة الطفل، والحديث عنها بألفاظ صريحة وواضحة ومناقشتها مباشرة.
أظهرت بعض الأبحاث الحديثة أنّ التحيّز العِرقي قد ينشأ عند الأطفال عن طريق تلقّي رسائل صريحة ومتعمّدة أو ضمنية غير واعية من الوالديْن بالدرجة الأولى
الحديث عن العِرق لا يعتبر من العنصرية، فقد يكون لدى طفلك أسئلة حول الاختلافات بين المجموعات لذلك كن مستعدًا لأن تجيب عليها دائمًا، أو بادر أنتَ وتحدث معه حولها لكن مع مراعاة المرحلة العمرية له.
- اعمل على الحدّ من التحيّز والتفرقة في ذاتك أولًا!
لا يمكن الاستهانة بتأثير الأفكار العنصرية لدى الوالديْن سواء كانت صريحة أو ضمنية على أطفالهم، لذلك عليهما العمل أولًا على الحدّ من الأفكار والمعتقدات التي يحملونها -وإن كانت غير واعية- فيما يتعلّق بالأعراق الأخرى لأنهما يُعتبران قدوتين حتى سن متقدمة من عمر أطفالهما الذين يقلّدون تصرفات آبائهم ويحاولون حمل أفكارهم والإيمان بمعتقداتهم.