ترجمة وتحرير نون بوست
يشير مسؤولي إدارة ترامب، باستمرار، إلى أن سياسة إدارة أوباما في سوريا كانت فاشلة، وذلك بهدف تبرير نهجهم، الذي يشمل التعاون مع روسيا، وقبول بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، فضلا عن التخلي عن العديد من الأطراف المعارضة المدعومين من قبل الولايات المتحدة لسنوات.
وعلى الرغم من أن فريق ترامب ورث عن سلفه ملفا مرعبا حول سوريا، إلا أن النهج الحالي الذي يتبعه، يعتبر بمثابة تكرار لنفس الأخطاء الأساسية التي ارتكبها الرئيس باراك أوباما. ومن المرجح أنه سيكون لهذه الأخطاء نفس التداعيات السلبية على النزاع السوري وعلى المصالح الأمريكية.
خلال الأسبوع الماضي، تحدث مدير عام وكالة الاستخبارات المركزية، مايك بومبيو، على هامش انعقاد منتدى “آسبن” الأمني السنوي، عن مصالح الأمم المتحدة حيث أكّد أن “للولايات المتحدة عدوان اثنان رئيسيان في سوريا ألا وهما تنظيم الدولة وإيران”.
في السياق ذاته، تابع بومبيو قائلا: “إلى جانب منع إيران من إقامة منطقة لبسط نفوذها في المنطقة، يتمحور هدف واشنطن في تهيئة الظروف الملائمة التي تسمح بتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ما يساهم بدوره في تعزيز أمن الولايات المتحدة”.
أوباما وكيري ارتكبا أخطاءً كثيرة؛ على غرار اتّسام جهود واشنطن لتدريب وتسليح المعارضة بضعف التنفيذ
علاوة على ذلك، أضاف بومبيو أن “ترامب، ليس أمامه خيار سوى العمل مع روسيا في سوريا نظرا لأن كلا من أوباما، ووزير خارجيته جون كيرى، قاما بحثّ “بوتين”، على التدخل في سوريا سنة 2013، بهدف التفرغ إلى التوصل لاتفاق حول الأسلحة الكيماوية”. وفي الحقيقة، لا يوجد حتى اللحظة الراهنة أي دليل دامغ يثبت أن روسيا ترغب حقا في محاربة الإرهاب هناك”.
في المقابل، أشار بومبيو إلى أن الولايات المتحدة “لا تملك نفس مصالح روسيا في سوريا”، فضلا عن أنه تساءل عن أهداف روسيا الحقيقية. في الواقع، يعدّ بومبيو على حق، إلا أنه ليس مسؤولا عن إدارة سياسة الولايات المتحدة في سوريا”.
والجدير بالذكر أن البتّ في هذه المسألة يعدّ من صلاحيات وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي أدلى بتصريحات متناقضة تماما في مدينة هامبورغ الألمانية، هذا الشهر، إثر اللقاء الذي جمعه رفقة ترامب، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لترتيب قرار وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا.
في الواقع، أشار إلى أن تيلرسون “يظن أن روسيا تملك نفس أهداف الولايات المتحدة في سوريا، وتسعى إلى جعلها موطنا مستقرا وموحدا. علاوة على ذلك، وعلى هامش منتدى آسبن الأمني، قال كبير المسؤولين في الشرق الأوسط في إدارة تيلرسون، الذي يدعى ستيوارت جونز، إن الولايات المتحدة قد عمدت إلى تخويل الروس تحقيق الأمن في سوريا، من خلال منحهم صلاحية وقف إطلاق النار.
كما أضاف تيلرسون أن “هذا يعدّ بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الروس على قيادة هذه العملية”. ولذلك، كان حل الولايات المتحدة يتمحور حول وضع هذه المسؤولية على عاتق الروس. وفي حال فشلوا في ذلك، فمن المؤكد أن ذلك سيتسبب في حدوث مشكلة”.
إدارة ترامب توافق على سيطرة إيران والأسد على جزء كبير آخر من سوريا
في المقابل، تتخذ سياسة تيلرسون في سوريا تقريبا نفس الصيغة الدقيقة التي استخدمها كيري عندما كان يتفاوض حول وقف إطلاق النار مع روسيا في سوريا، في أواخر سنة 2015، وأوائل سنة 2016. ففي العديد من المناسبات، كرّر كيري أنه لا بدّ من اختبار رغبة روسيا في أن تكون شريكا في بناء في سوريا، إلا أنها فشلت في هذا الاختبار من خلال مساعدة نظام الأسد على توسيع سيطرته ومواصلة ارتكاب الفظائع في حق المدنيين.
على العموم، من المؤكد أن كلا من أوباما وكيري ارتكبا أخطاءً كثيرة؛ على غرار اتّسام جهود واشنطن لتدريب وتسليح المعارضة بضعف التنفيذ، فضلا عن دفع روسيا إلى التدخل عسكريا في سوريا سنة 2015. علاوة على ذلك، تخلّت إدارة أوباما عن أولوية السعي إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ثم بدأت بالعمل مع روسيا لصالح تفعيل وقف إطلاق النار على أمل أن يساهم ذلك في وقف المذابح في سوريا”.
في الواقع، يعتقد الكثيرون أن “ترامب”، ربما لا يملك فعلا خيارات كثيرة في التعامل مع الملف السوري. وفي الإطار ذاته، تساءلت سفيرة الأردن لدى واشنطن، دينا قعوار، في آسبن، عن طبيعة السياسة البديلة التي كان يجب على واشنطن إتباعها حيال الأزمة السورية.
والجدير بالذكر أن إدارة ترامب كانت تستطيع عدم تكرار الأخطاء الكبرى التي اقترفتها في السابق، والتي تمحورت بالأساس حول التفاوض مع روسيا دون ممارسة أي ضغوط. ولذلك، يعتبر قرار ترامب بوقف برنامج “سي آي إيه” لتدريب وتسليح بعض جماعات المعارضة السورية التي تحارب الأسد، قصير المدى. وفي الواقع، يبدو أن ترامب قرر وقف تقديم دعم دون الحصول على أي مقابل.
تعتبر إدارة ترامب ليست مسؤولة عن الأخطاء الأمريكية السابقة في سوريا، إلا أن هذا لا ينفي أنها مسؤولة عما تفعله الولايات المتحدة
فضلا عن ذلك، يجب على ترامب عدم تكرار الخطأ الثاني الذي ارتكبته إدارة أوباما، التي سمحت للأسد وإيران بتوسيع مناطق نفوذهما، لاسيما وأن النظام وشركاؤه يستغلون اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا للتقدم في اتجاه جنوب الشرق؛ حيث تدور معركة كبيرة للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية في دير الزور، على حد تعبير ستيوارت جونز.
من المرجح أن إدارة ترامب توافق على سيطرة إيران والأسد على جزء كبير آخر من سوريا، في حين أن العرب السنة الذين يعيشون هناك غير راضين عن ذلك. وفي الإطار ذاته، تساءل زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ويدعى أندرو تابلر عما سنفعله عندما يعود هؤلاء الناس إلى منازلهم ويجدون أنفسهم يعيشون تحت وطأة نيران الميليشيات الإيرانية.
يجب على ترامب زيادة تقديم الدعم إلى المجتمعات العربية السنية المحلية، إن لم يكن عن طريق تقديم الأسلحة، يكون عن طريق دعم حكوماتهم المحلية وقطاع التعليم والخدمات الأساسية. والجدير بالذكر أن تعزيز سلطة ونفوذ القادة المحليين للمنطقة أمر ضروري لأي عملية رامية إلى تحقيق استقرار على المدى الطويل، الذي سيكون حاسما لنجاح أي عملية سياسية.
من منظور آخر، تعتبر إدارة ترامب ليست مسؤولة عن الأخطاء الأمريكية السابقة في سوريا، إلا أن هذا لا ينفي أنها مسؤولة عما تفعله الولايات المتحدة، في الوقت الراهن. وبدلا من اكتفاء الإدارة الحالية بمجرد إلقاء اللوم على أوباما وكيري على الفوضى اللذان تسببا بها، في السابق، في سوريا، ينبغي عليها أن تتعظ من ذلك الفشل.
المصدر: واشنطن بوست