شهدت الحرب التي يشنها النظام السوري ضد مناطق المعارضة في شمالي غربي سوريا، تطورًا جديدًا تمثّلَ في استخدامه للطائرات المسيّرة المفخخة في استهداف المدنيين، والأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماسّ في المناطق الواقعة ضمن ما يعرَف بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة”.
حيث أدّى هذا الاستهداف إلى مقتل شخصَين وإصابة آخرين، وذلك بالتزامن مع قصف مدفعي من جانب قوات النظام استهدف قرى وبلدات الفطيرة ومعارة النعسان بريف إدلب، وقبل ذلك قُتل مدني إثر استهدافه من قبل قوات النظام بطائرة مسيّرة انتحارية، في محيط بلدة تديل بريف حلب الغربي.
وقال الدفاع المدني السوري تعليقًا على هذه الهجمات: “إن قوات النظام السوري تتّبع نهجًا جديدًا باستهداف المدنيين في شمالي غربي سوريا، يتمثل باستخدام الطائرات المذخّرة بقصف المزارعين بالدرجة الأولى”، مضيفًا أن “الطائرات المسيّرة المذخرة تُستخدم كوسيلة للهجوم أو الاستهداف، إذ تحمل متفجرات عادةً، ويتم توجيهها نحو الأهداف المحددة بواسطة نظام تحكم عن بُعد يسمح للمشغّل بتوجيهها والتحكم في حركتها وقصف الأهداف”.
وذكر الدفاع المدني أن سيارة زراعية أُستهدفت في وقت سابق من قبل قوات النظام بواسطة طائرة مذخرة، على الطريق الواصل بين قريتَي القرقور وفريكة في ريف إدلب الغربي، ما أدّى إلى تضرر في هيكل السيارة.
أهداف متعددة لاستخدامها
بثّت وكالة “سانا” التابعة لنظام الأسد، في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نقلًا عن وزارة الدفاع في حكومة النظام، تسجيلات مصورة تظهر استخدام الطائرات المسيّرة الصغيرة المتفجرة، ضمن ما سمّته “عمليات نوعية مركزة” تستهدف مقارًّا ومستودعات في ريف إدلب، وأظهرت التسجيلات اعتماد قوات النظام على المسيّرات لاستهداف مواقع في الشمال السوري، بالتعاون مع الطائرات الحربية الروسية.
وعن الأسباب التي تدفع نظام الأسد والميليشيات الإيرانية لاستخدام هذا النوع من المسيّرات، يقول المحلل العسكري والاستراتيجي، العميد أحمد رحال، إن أهداف النظام من استخدام هذا النوع من المسيّرات تتلخّص بكلفتها المادية المنخفضة، إذ تتراوح بين 1000 و2000 دولار، وهذا سعر زهيد في مجال الصناعات العسكرية؛ كما لا يوجد فيها مخاطر بشرية باعتبار أنها مسيَّرة ولا يوجد فيها طيار، وبالتالي هي تكلفة مادية فقط دون خسائر بشرية.
أما السبب الثالث بحسب رحال، فيتمثل في الإصابات الدقيقة التي تحققها هذه الطائرات بشكل كبير، من خلال القدرة على التحكم والرصد إلى جانب القدرة على التخفي، إذ تقوم بعملية المتابعة والمراقبة للأهداف لساعات طويلة، ما يضمن لها تحقيق إصابات دقيقة وناجحة.
إضافة إلى ذلك، ذكر الدفاع المدني السوري أن هدف النظام من استهداف المدنيين عن طريق هذه المسيّرات وتعريض حياتهم للخطر، هو الحد من قدرتهم على الوصول إلى الأراضي الزراعية، وهو ما قد يزيد من تقويض مقومات الأمن الغذائي في مناطق شمال غربي سوريا.
أهداف سياسية
لا يقتصر استخدام المسيّرات المفخخة على الأهداف الميدانية والعسكرية، بل يتعدى ذلك إلى تحقيق غايات سياسية، وتوجيه رسائل معينة إلى أطراف فاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها تركيا.
إذ تتمثل هذه الأهداف بحسب العميد أحمد رحال في تشكيل ورقة ضغط على الجانب التركي، الذي ترى روسيا وإيران ونظام الأسد بأنه تراجع عن مواقفه وتعهُّداته التي أعطاها قبل الانتخابات، وقيل وقتها إنها كانت تتضمّن وعودًا لفتح طريق M4 أو باب الهوى، إلى جانب عدة أمور ترى روسيا وإيران أن تركيا لم تفِ بها، لذا تحاول هاتان الدولتان إيصال رسالة معينة من خلال الضغط على مناطق المعارضة.
إلى جانب ذلك، يرى خبراء عسكريون أن نظام الأسد يستفيد أيضًا من هذا الاستخدام سياسيًّا، لأنه يمكنه التهرب من نتائج قصفها، وزعم عدم مسؤوليته، ما يعفيه من الإحراج مع الجهات الضامنة لوقف إطلاق النار، أو في حال حدوث مجازر.
صناعة إيرانية
رغم كلّ التحديات والصعوبات التي تواجهها إيران وميليشياتها في سوريا، بما فيها العقوبات والغارات الإسرائيلية والأمريكية، إلا أنها بدأت في الآونة الأخيرة بتطوير برنامج جديد لتجميع وتطوير الطائرات المسيّرة عن بُعد ضمن مطار تي-4 العسكري، بالتنسيق مع قيادة المطار والقوات الجوية التابع للنظام، إذ تعمل هذه الميليشيات على تجميع وتطوير مجموعة من أنواع الطائرات المسيّرة، بتوصية من ضباط وخبراء إيرانيين تابعين لفيلق القدس الإيراني، وبإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني، وذلك بحسب ما أفادت به مصادر إعلامية متطابقة.
من ناحيته، أشار المرصد السوري في مطلع العام الجاري إلى أن “شحنات من الأسلحة والذخائر وقطع تصنيع الطائرات المسيّرة وصلت إلى مطار الديماس العسكري في ريف دمشق الغربي، بعد نقلها من مطار تي-4 في ريف حمص، إذ بات مطار الديماس خاضعًا لسيطرة إيران وميليشياتها بشكل شبه كامل خلال الفترة الأخيرة”.
وعن دور إيران في تصنيع هذه المسيّرات، يقول العميد رحال إن إيران دولة متقدمة جدًّا في صناعتها، وبالنسبة إلى سوريا فقد حوّلت إيران المطارات التي تسيطر عليها مثل تي-4 وثم مطار الشعيرات، وحاليًّا مطار أبو ظهور، إلى قواعد لتجميع قطع هذه المسيّرات من جهة، ولتدريب العناصر على استخدامها من جهة أخرى.
وعن تفاصيل هذه الدورات، يقول الخبير العسكري أن هناك كوادر كاملة أحضرتها إيران من 4 أشهر مع طيران مسيّر، وافتتحت دورات للتدريب على التحكم بهذه الطائرات للعناصر الموجودين في مطار تي-4.
وفي وقت سابق، اعتبر الناطق الرسمي باسم فصيل جيش العزة، المنضوي ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين” العاملة في منطقة إدلب، في تصريحات صحفية، أن تكثيف استخدام هذه الطائرات في الآونة الأخيرة من جانب قوات النظام يعود “إلى سيطرة الميليشيات الإيرانية على القرار العسكري، والتي تعتمد على هذه الأنواع من الطائرات كونها تصنيعًا إيرانيًّا”.
سوريا حقل تجارب للمسيّرات
كشف تقرير لمنظمة “باكس” الهولندية لبناء السلام في أواخر عام 2023، أن سوريا تحولت خلال سنوات النزاع إلى “مختبر للطائرات المسيّرة” لدول ومجموعات مسلحة متنوعة، وقال التقرير إن كلًّا من الولايات المتحدة وروسيا وايران و”إسرائيل” وتركيا، فضلًا عن قوات النظام السوري، استخدمت 39 نوعًا مختلفًا من المسيّرات خلال النزاع المستمر منذ عام 2011.
وأضافت المنظمة، في تقريرها، أنه خلال العقد الأخير أظهرت الطائرات المسيّرة المطوَّرة في الأجواء السورية كيف مرّت الجهات العسكرية المتعددة بمرحلة تعلُّم، وكيف عززت من معرفتها من ناحية التصميم والإنتاج
وبحسب “باكس”، أثبتت الحرب أنها “أفضل مختبر” للطائرات المسيّرة الروسية، إذ سمحت لموسكو بأن تقيّم مسيّرات حلفائها وأن تختبر مسيّراتها المقاتلة وأسلحتها، وفقًا للتقرير الذي أشار إلى دور مهم لعبَته المسيّرات الروسية في تغيير مسار الحرب لصالح قوات النظام السوري.
وكانت روسيا قد جربت مسيّرة “كوب” في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2021، ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية حينها عن مسؤول في وزارة الدفاع الروسية قوله إن “هذه المسيّرات يمكنها التحليق لفترة طويلة مع الذخيرة في منطقة الهدف المفترض، وهي تعمل في وضع البحث، وعند العثور على الهدف تدمّره كصاروخ جو-أرض موجّه”، فيما أكد موقع “روسيا اليوم” أن “مسيّرة “كوب” استخدمها الجيش الروسي لضرب مواقع الإرهابيين في سوريا“، بحسب تعبيره.