رغم مرور سنتين على توقيع اتفاق الصخيرات السياسي بين أطراف ليبية مختلفة برعاية الأمم المتحدة، لم تعرف الأزمة الليبية حلًا بعد، مما استوجب تقديم مبادرات سلام أخرى لتعديل الاتفاق أو المضي فيه، إلا أن جميعها لم يكتب لها النجاح، لتعرف ليبيا هذه الأيام مبادرة جديدة صادرة عن الرئاسة الفرنسية، فهل تنجح هذه المبادرة فيما فشلت فيه باقي المبادرات، أم أن الفشل قدرها كغيرها؟
لقاء بين السراج وحفتر
بعد شهرين من لقائهما في أبو ظبي مايو الماضي، من المنتظر أن يعقد رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، المدعومة من الأمم المتحدة، فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر اليوم الثلاثاء اجتماعًا في إحدى ضواحي باريس بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق ما أعلنته الرئاسة في بيان أمس الإثنين، وتضمن بيان الرئاسة أن فرنسا تعتزم من خلال هذه المبادرة تسهيل تفاهم سياسي بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي وقائد الجيش الوطني، في وقت يتولى الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، الذي يشارك في اللقاء، مهامه كوسيط للأمم المتحدة.
تعد المبادرة الفرنسية الجديدة التحرك الأبرز خلال الأسابيع الأخيرة لجمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر على طاولة واحدة
وأشار البيان إلى أن فرنسا تعتزم بالتشاور مع كل شركائها تقديم دعمها للجهود من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة تجمع مجمل الأطراف الليبيية، مضيفًا أن التحدي يتمثل في بناء دولة قادرة على تلبية الحاجات الأساسية لليبيين ولديها جيش نظامي موحد تحت إشراف السلطة المدنية، وتابع أن ذلك ضروري لضبط الأمن في الأراضي الليبية وحدودها ومكافحة المجموعات الإرهابية وتهريب الأسلحة والمهاجرين وأيضًا من أجل العودة إلى حياة مؤسساتية مستقرة.
السراج وحفتر في لقاء سابق
وتأتي المبادرة الفرنسية بعد أيام من إطلاق حكومة الوفاق خريطة طريق من تسع نقاط لإخراج البلاد من الأزمة وتحريك الاتفاق السياسي الموقع الذي أدى إلى إنشاء حكومة الوفاق الوطني، وتضم هذه الخطة تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 2018 تقوم المفوضية العليا للانتخابات وبالتنسيق مع الأمم المتحدة بالإعداد والإشراف عليها ومراقبتها، وتستمر ولاية الرئيس والبرلمان ثلاث سنوات.
صعوبة الوصول إلى حل
رغم أهمية اللقاء بين الطرفين، يرى خبراء، أن هذا اللقاء لا يمكن أن يؤدي إلى حل شامل للأزمة الليبية، ذلك أن كل الأطراف ليست مشاركة فيه، كما أن السراج وحفتر وصلا باريس دون رؤية واضحة كما الحال في اللقاءين السابقين بينهما، والمنتظر أن يلتقي ماكرون على انفراد السراج ثم حفتر في الثالثة بعد الظهر، على أن يُعقد عقب ذلك الاجتماع الثلاثي بحضور المبعوث الأممي غسان سلامة الذي يكون قد التقى قبلها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، وينتهي الاجتماع بصدور الإعلان المشترك وبلقاء صحافي مع الرئيس ماكرون يعرض فيه النتائج ولكن من غير أسئلة وإجابات.
تعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة
وكان السراج وحفتر قد أجريا مباحثات في مايو في الإمارات للمرة الأولى منذ أكثر من عام ونصف، وتناولت مباحثاتهما اتفاق الصخيرات الذي تدعمه الأمم المتحدة، ورغم أن مراقبين قالوا بعد لقاء أبو ظبي إن الوضع في ليبيا يتجه نحو حل قريب للأزمة، فإن تطورات المشهد في الفترة الأخيرة أعادت الصراع إلى نقطة التنافس بين قوى الشرق والغرب الليبية.
وتعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل، بعد فشل اتفاق الصخيرات في إحلال السلام في البلاد.
حفل توقيع اتفاق الصخيرات
وتواجه المبادرة الفرنسية المقترحة، وإن لم يُكشف عن مضمونها، صعوبات عديدة حتى تطبق كما حصل مع المبادرات التي سبقتها، فرغم مرور أكثر من سنة ونصف على إبرام مختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي للاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية بمباركة دولية وأممية، فإن هذا الاتفاق ظل حبرًا على ورق ولم يطبق على الأرض، مما زاد من تعقيد الوضع الميداني والسياسي في البلد الذي يعاني من انتشار كبير للسلاح ويشكو الفوضى في معظم أنحائه.
التأكيد على شرعية السراج ودور حفتر
من المنتظر أن ينص الإعلان المرتقب، حسب تقارير إعلامية، على أن لا حل عسكري للحرب في ليبيا بل الحل سياسي، وأن يؤكد أن فائز السراج هو الممثل الشرعي الذي يحظى بدعم الأمم المتحدة والأطراف الدولية، وأن الجانبين عازمان على العمل معًا من أجل الحل المنشود فضلًا عن وحدة ليبيا، ويهدف اللقاء الليبي إلى تسهيل مهمة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، الذي سيقدم تصورًا لمخرج محتمل للأزمة خاصة في ظل تغير الأوضاع على الأرض وانحسار وجود الجماعات المتطرفة وخسارتها مواقعها على الأرض.
يعكس اجتماع اليوم في ضواحي باريس رغبة رئاسية فرنسية في لعب دور ريادي في الملف الليبي بعد غياب
ويتوقع أن يصدر عن الاجتماع المنتظر دعوة لتعديل الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية أواخر 2015 والذي رعته الأمم المتحدة، وينص على إنشاء مجلس رئاسي ليبي يتيح تشكيل حكومة وفاق وطني تجمع كل الأطراف الليبية، تقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية، غير أن الحكومة لم يتم تنصيبها من برلمان طبرق لخلافات في تحديد أسمائها رغم اعتماد اتفاق الصخيرات.
فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني
ويعكس اجتماع اليوم في ضواحي باريس رغبة رئاسية فرنسية في لعب دور ريادي في الملف الليبي بعد غياب، لما يحتضنه من تحديات في ثلاثة ميادين هي الاستقرار في شمال إفريقيا وبلدان الساحل، والحرب على الإرهاب والخوف من تحول ليبيا إلى بيئة رئيسية حاضنة لـ”داعش” وللتنظيمات الإرهابية المختلفة، وأخيرًا تدفق تيارات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي انطلاقًا من الشواطئ الليبية بسبب غياب الدولة والافتقار إلى الرقابة.
أهداف خفية
لإن كان الهدف المعلن من هذا اللقاء حسب بيان الرئاسة الفرنسية تقديم فرنسا بالتعاون مع كل شركائها دعمها للجهود من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة تجمع مجمل الأطراف الليبية، فإن مراقبين يرون أن هذا الاجتماع يأتي في إطار سعي فرنسي لافت لضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، كما أن باريس تسعى من خلال الملف الليبي إلى العودة إلى شمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك بعد أن غابت سنوات عنها واستعادة دور فقدته في المنطقة.
تسعى باريس إلى تأمين أسواق مستقبلية للصناعات الفرنسية في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا
وتتجه الدبلوماسية الفرنسية بعد انتخاب ماكرون رئيسًا إلى رسم نهج جديد في التعاطي مع الصراع في هذا البلد الذي كان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي المهندس الأساسي في شن حملة عسكرية غربية عليه، من خلال لعب دور مباشر في البحث عن حل للأزمة هناك، وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أكد في مقابلة مع صحيفة “لوموند” في مطلع حزيران/يونيو الماضي أن ليبيا أولوية بالنسبة للرئيس الفرنسي.
إلى جانب ذلك، تسعى باريس إلى تأمين أسواق مستقبلية للصناعات الفرنسية في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.
فرنسا كانت أولى المتدخلين عسكريًا في ليبيا سنة 2011
وتعد المبادرة الفرنسية الجديدة التحرك الأبرز خلال الأسابيع الأخيرة لجمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر على طاولة واحدة، وفرصة للفرقاء الليبيين لوضع حد لحالة الجمود السياسي التي تعصف بالبلد الذي لا يفصله عن إيطاليا سوى 200 ميل بحري، وتشكل سواحله منطلقًا لموجات المهاجرين غير الشرعيين الذين يقلق تدفقهم دول الاتحاد الأوروبي.
إعدامات ميدانية
في غضون ذلك، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية أمس الإثنين إن على المسؤولين الليبيين التحقيق مع قوات متورطة في فظائع وفصلها من الخدمة، بعدما أظهر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وحدة عسكرية فيما يبدو تعدم 20 متشددًا مشتبهًا بهم، ويظهر الفيديو وحدة عسكرية مرتبطة باللواء المتقاعد خليفة حفتر وهي تعدم 20 رجلًا مقيدين ومعصوبي الأعين راكعين ويرتدون ملابس برتقالية لاتهامهم بالانتماء لتنظيم “داعش” وتنفيذ تفجيرات وجرائم قتل، وكُتب تعليق على الفيديو يقول إن هؤلاء أعدموا بالرصاص بعد إدانتهم.
الفيديو هو الأحدث الذي يظهر مليشيات حفتر وهي تمارس عمليات إعدام خارج سلطة القضاء لمتشددين مشتبه بهم
ويظهر في الفيديو محمود الورفلي قائد القوات الخاصة بـ”الجيش الوطني” الليبي، ودعت الأمم المتحدة في السابق الجيش الوطني إلى فصله بعد أن ظهر في فيديو في مارس/آذار فيما يبدو وهو يقتل بالرصاص ثلاثة رجال راكعين ووجوههم إلى الحائط وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، وقال إريك جولدستين نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش إن الجيش الوطني الليبي والحكومة الليبية بحاجة إلى فصل أولئك المتهمين بارتكاب انتهاكات من الخدمة ومحاسبتهم إذا ثبتت إدانتهم بعد تحقيق يتسم بالشفافية، وأضاف “عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى تورط كبار القادة العسكريين في هذه الأفعال التي يبدو أنها جرائم حرب”.
والفيديو هو الأحدث الذي يظهر مليشيات حفتر وهي تمارس عمليات إعدام خارج سلطة القضاء لمتشددين مشتبه بهم، وقال جولدستين: “هذه الإعدامات الجماعية الأخيرة، إذا تأكدت، ستكون حلقة أخرى في سلسلة الفظائع التي ارتكبها أفراد من الجيش الوطني الليبي، وهي تُظهر كيف يضع أعضاؤه أنفسهم مكان سلطات إنفاذ القانون في ظل غياب المساءلة”.