رغم ترسانة القوانين والتشريعات التونسية الهادفة لحماية المرأة والحدّ من العنف المسلّط عليها، فإنها لم تؤد إلى الهدف المنشود، مما استوجب تشريعات أخرى تهدف إلى تجريم كل أشكال العنف ضد المرأة، يعكف نواب البرلمان على مناقشتها الآن، للمصادقة عليها وإقرارها.
أهم الفصول
تضمن مشروع القانون الجديد المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، أحكامًا جديدة غير مسبوقة ورادعة لكل أشكال الاعتداء على المرأة والطفل مهما كان مرتكبوه ومهما كان مجاله دون تمييز على أساس الولادة أو اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو السن أو الجنسية أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية أو الحالة المدنية أو الصحية أو اللغة أو الإعاقة، وفقًا لنص مشروع القانون.
تم التوسع في مفهوم العنف ضد المرأة والطفولة ليشمل كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي أساسه التمييز بسبب الجنس
ويهدف هذا القانون، حسب ما جاء في فصله الأول إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر) من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، ويتم ذلك، وحسب المشرع التونسي، من خلال اتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكال العنف ضد المرأة والطفل بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا ومساعدتهم.
وتضمن مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة المرأة والأسرة والمعروض على أنظار نواب البرلمان التونسي عدة تعديلات للوثيقة الجزائية التونسية غيرت من مفهوم عدد من الجرائم وأقرت لها عقوبات بدنية قاسية، حيث ينص على “السجن لمدة 20 سنة لكل مَن يرتكب الضرب أو الجرح عمدًا دون قصد القتل والذي نتج منه الموت”.
ينصّ الدستور التونسي على اتخاد الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة
كما تضمن مشروع القانون عقوبات ضد التحرش تصل إلى حد السجن لمدة سنتين وغرامة مالية مقدارها 5 آلاف دينار (نحو ألفي دولار) “لكل مَن يتعرض لامرأة أو يضايقها في أماكن عامة”، وتم التوسع في مفهوم العنف ضد المرأة والطفولة ليشمل كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي، ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.
عدم الإفلات من العقاب في جريمة اغتصاب الفتاة القاصر
اتفق نواب البرلمان التونسي على إلغاء الفقرتين الرابعة والخامسة من الفصل 227 من القانون الجزائي لأنهما يوفران للجاني إمكانية الإفلات من العقاب لو تزوج بالمجني عليها عقب ارتكابه جريمة مواقعة أنثى دون عنف عمرها أقل من 15 سنة كاملة، أو جريمة مواقعة أنثى دون عنف سنها فوق 15 سنة ودون 20 سنة كاملة، وإلغاء الفقرة 239 من القانون الجزائي الذي ينصّ على “تزوج الفار بالبنت التي فر بها يترتب عليه إيقاف المحاكمة أو إيقاف تنفيذ العقاب”، كانت المجلة الجزائية التونسية تمكّن المغتصِب من إنهاء الملاحقات القضائية في حال تزوج ضحيته، الأمر الذي طالبت منظمات المجتمع المدني بإلغائه منذ عقود.
تعد تونس من أهم الدول العربية وأكثرهم إنصافًا واهتمامًا بالمرأة وذلك منذ عام 1956
وفرض مشروع القانون الجديد تخصيص أماكن مستقلة داخل المحاكم الابتدائية تضم القضاة المختصين بقضايا العنف ضد المرأة على مستوى النيابة العمومية والتحقيق وقضاء الأسرة، وذلك حتى يتم البت في هذه القضايا في أسرع الآجال دون أن يتم تعطيل المتضررة بسبب تراكم الملفات في المحاكم خصوصًا في الطور الابتدائي.
رفض الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضدّ المرأة
وتعد تونس من أهم الدول العربية وأكثرهم إنصافًا واهتمامًا بالمرأة وذلك منذ عام 1956، فقانون الأحوال الشخصية وإلغاء تعدد الزوجات والسماح للمرأة بطلب الطلاق هو قانون لا يزال حتى الآن يشكل استثناءً في العالم العربي، فلطالما كان لتونس سياسيات إيجابية ومنصفة في المساواة بين الجنسين، حيث أمسكت تونس بزمام المبادرة في العالم العربي في مجال حقوق المرأة كانعكاس مباشر للتيار المنبهر بالغرب الذي قاد تونس عقب الاستقلال.
“ماعادش نسكت، القانون معايا”
قبل البدء في مناقشة مشروع القانون الجديد، أطلق الاتحاد الوطني للمرأة التونسية حملة مناصرة مدنية من أجل المصادقة على المشروع تحت شعار “ما عادش نسكت.. القانون معايا”، تندرج في إطار برنامج مشترك وضعته وزارة المرأة والأسرة والطفولة بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الأوروبي، عن تكريس المساواة بين المرأة والرجل وتتواصل الحملة إلى غاية يوم 13 من أغسطس القادم، تهدف إلى توضيح أهمية هذا القانون والدفع نحو المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب، علاوة على تطبيق مقتضيات الدستور التونسي الذي ينص على المواطنة والمساواة بين الجنسين، وفقًا لرئيسة الاتحاد راضية الجربي.
نصف النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و60 سنة تعرضن للعنف مرّة على الأقل من أزواجهن
ورغم هذه الريادة على مستوى التشريعات تعاني المرأة التونسية كغيرها من نساء العالم من ظاهرة العنف المسلط عليها، إذ أظهرت دراسة تونسية أعدت في وقت سابق أنّ العنف المسلط على النساء لم يعد مجرد حالات معزولة أو استثناء بل أصبح ظاهرة خطيرة إلى درجة أن تكرارها شبه يومي مع اختلاف المكان والزمان، وأوضحت الإحصائية التي أعدتها منظمة الكرديف ووزارة المرأة أنّ نصف النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و60 سنة تعرضن للعنف مرّة على الأقل من أزواجهن، وأن 70% من النساء تعرضن للعنف بأنواعه سواء المادي أو الجنسي أو كذلك الاقتصادي.