ترجمة حفصة جودة
كان العقيد كورتز يقضي العديد من الساعات على الإنترنت في ألعاب مثل “فارمفيلا”، أما الآن فهو يصطاد الإرهابيين على الإنترنت، يبلغ كورتز (اسم مستعار) من العمر 41 عامًا ويدير شركته الخاصة للبناء، وهو واحد من عشرات “الصيادين” المتطوعين والذين يقضون العديد من الساعات على الإنترنت لمحاولة التعرف على المجموعات الإرهابية والتسلل إليها ومنع انتشارها على الإنترنت.
يقول كورتز: “نحن نحاول أن ننقذ الأرواح ونقضي على تلك الحماقات لحماية الأطفال من مشاهدة تلك الدعايا والتفكير بأنها قد تكون لطيفة”.
يحاول هؤلاء الصيادون سد الفجوة في قدرة شركات التواصل الاجتماعي على إبقاء الإرهابيين بعيدًا عن شبكاتهم، وذلك من خلال تتبع مجندي داعش المشهورين عن كثب وروادهم عبر تطبيقات المراسلة الخاصة مثل تلغرام وواتساب أو الشبكات العامة مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب، بعض من هؤلاء يقدم معلومات قيمة عن تهديدات موثقة لتنفيذ القانون.
ظهر هذا النوع من الصيد عام 2014 عندما أعلن مجموعة من القراصنة “Anonymous” الحرب على الدولة الإسلامية من خلال حملة “#OpIsis”، هذا الجيش الحر من النشطاء الرقميين تمكن من كشف والإبلاغ عن داعمي داعش على وسائل التواصل الاجتماعي واخترقوا مواقعهم الإلكترونية.
“استغرق الأمر مني عدة أيام لاكتشاف بعض الأمور وعدة أسابيع لأتعلم كيف أسقط الحسابات مثل الذباب” – كورتز
أصبح كورتز أحد الصيادين بعد هجوم باريس في نوفمبر 2015، فقد كان يشاهد مباراة كرة القدم الودية بين ألمانيا وفرنسا عندما توقفت المباراة بسبب أصوات الانفجارات العالية، في هذا اليوم أطلق 7 مهاجمين النار وقاموا بالتفجيرات الانتحارية التي تسببت بمقتل 129 شخصًا في العاصمة الفرنسية.
بعد كتابة منشور غاضب عن الهجوم على فيسبوك، تواصل كورتز مع أحد أصدقائه وهو عضو في جماعة “Anonymous” وسأله إذا كان من الممكن أن يساعد في الحملة، يقول كورتز: “استغرق الأمر مني عدة أيام لاكتشاف بعض الأمور وعدة أسابيع لأتعلم كيف أسقط الحسابات مثل الذباب”.
من رحم هذه المجموعة انبثقت مجموعات أخرى أكثر تنظيمًا مثل “Ghost Security Group” و”KDK” ومجموعة “drama and ego-free” group” التي أسسها كورتز عام 2016 بعد أن انتشر الإسلاموفوبيا وعدم الدقة في تنفيذ العمليات، يقول كورتز: “كان الجميع يتصرفون مثل رعاة البقر، فقد كانوا يتتبعون حسابات خاطئة باستخدام الروبوتات ويسببون الضرر لمسلمين أبرياء، فلم يبذل أحد الوقت والجهد للتأكد من الحسابات وهل هي لجهاديين حقيقيين أم مجرد حسابات متعاطفة”.
تُعرف مجموعة كورتز باسم “the Hellfire Club” رغم أنهم لا يصنفون أنفسهم على هذا النحو خارجيًا لكنهم وجودوا أن اختيار اسم للمجموعة يجلب بعض الدراما، تتكون المجموعة من نحو 12 عضوًا يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وإندونيسيا، ووفقًا لطبيعة عملهم فهم يقضون ما بين 4 ساعات وحتى 15 ساعة يوميًا لتتبع داعش على الإنترنت.
أوليمبياد ريو
تتواصل المجموعة عبر مجموعة خاصة على تويتر حيث ينشرون لقطات لأحاديث داعش على قنوات تلغرام التي تسللت إليها المجموعة وكذلك حسابات تويتر ومقاطع الفيديو على يوتيوب وصفحات فيسبوك، ولأنهم تمكنوا من التسلل إلى قنوات داعش الخاصة، فإنهم يحصلون على إشعارات مسبقة للعمليات المخططة أو حملات التواصل ونقل المعلومات.
رجالنا يتجسسون بعمق في سرية تامة
يعتقد كورتز أنه وزملاءه أكثر مهارة من خوارزميات ومراقبي المحتوى منخفضي الأجور الذين يعملون في شركات التكنولوجيا، لأنهم يتتبعون أنشطة الإرهابيين عبر منصاتهم، فهم يشاهدون كيف يظهر نفس الشخص عدة مرات بأسماء وحسابات مختلفة، هذا الشخص ينبه أتباعه لشخصيته الجديدة على الإنترنت عبر تطبيقات الرسائل الخاصة.
كانت ادعاءات الصيادين صحيحة حتى إن وكالات الاستخبارات طلب مساعدتهم للتعرف على الجهاديين ومن ضمنهم متطرف هندي يعيش في الرقة تحت اسم “رياح النصر”، يقول كورتز: “لقد وجدته على تلغرام في خمس دقائق، ولا أدعي أننا مثل “Delta Force” أو “Seal Team 6″ (أحد أقسام القوات المسلحة الأمريكية)، لكن رجالنا يستطيعون التجسس بعمق وسرية تامة”.
في بعض الأحيان لا يكون الأمر صعبًا على الإطلاق، في تويتر على سبيل المثال ينشئ الجهاديون حسابًا يحمل نفس اسم المستخدم ورقم يشير إلى نسخة الحساب، فمثلاً عن سقوط حساب يحمل اسم “@jihadi_144” يظهر خلال دقائق حساب يحمل اسم “@jihadi_145″، أحد المتحدثات باسم داعش وتُعرف باسم عائشة لديها أكثر من 400 حساب.
“لا توجد طريقة للقيام بشيء نافع ومفيد دون التعاون مع منفذي القانون، أي شيء آخر مجرد لعب أطفال” – مايكل سميث
يقول إيرك فاينبرغ باحث أمني وأحد أعضاء “Hellfire Club”: “العديد من شركات التواصل الاجتماعي تعتمد على التصريحات، إنهم لا يربطون بين البيانات مثلما نفعل”، طوّر فاينبرغ البرمجيات لالتقاط مسارات التواصل والأنماط السلوكية التي تستخدمها داعش عبر المنصات المختلفة، ويشعر فاينبرغ بالغضب من افتقار شركات التواصل الاجتماعي لاتخاذ خطوات عملية.
يستنكر فاينبرغ قائلاً: “هل تخبرني أنهم لا يستطيعون اكتشاف إذا ما كان هناك شعار لداعش على حساب يوتيوب أو حساب فيسبوك؟”، وفي داخل مجتمع الصيادين الأوسع نجد أن هناك انقسام واضح، فهناك من يؤمنون بأنهم بحاجة للتعاون مع طبقي القانون وهناك المجهولون الفوضويون ومناهضو الرأسمالية والذين يطلقون على هؤلاء المتعاونين “الفيدراليين الكادحين”.
يقول كيف – عضو آخر في “Hellfire Club”-: “بمجرد عبورك من عتبة المجهول إلى العمل مع الفيدراليين فسوف تضطر حينها أن تقوم بالأمور بتأنٍ شديد مثل البالغين، بصورة أخرى ما ستقوم به بالفعل مجرد إزالة بعض التغريدات”.
أما المحلل الإرهابي مايكل سميث والذي درس استخدام المتطرفين الإسلاميين لوسائل التواصل الاجتماعي لعدة سنوات وعلى علاقة وثيقة بالعديد من الوكالات الحكومية فله رأي آخر، يقول سميث: “لا توجد طريقة للقيام بشيء نافع ومفيد دون التعاون مع منفذي القانون، أي شيء آخر مجرد لعب أطفال”.
“الأمر لا يتعلق بداعش فقط لكنه باليمين المتطرف في أمريكا، أعتقد أنهم يشكلون الخطر نفسه” – كورتز
ساعد سميث بعض المجموعات الموثوق بها مثل “Ghost Security” والتي تتواصل مع موظفيين في الحكومة، هؤلاء الصيادون أصبحوا مصدرًا حصريًا للتحقيقات الفيدرالية ويعملون دون اتفاقية خدمة أو أي ضمانات للتعويض عن جهودهم.
لا يبدو واضحًا إذا كان هؤلاء الصيادون لهم تأثير حقيقي يتجاوز إسقاط الحسابات، رغم أن بعض المجموعات أعلنت أنها تمكنت من إحباط بعض التهديدات الإرهابية الخطيرة.
يقول كورتز: “في نوفمبر 2015 تواصلت مع مكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI” وأخبرتهم عن متعاطف برازيلي مع داعش يُسمى إسماعيل عبد الجبار البرازيلي بعد أن هدد بتنفيذ عملية تفجير انتحارية، وبعد عدة أشهر كان البرازيلي أحد الـ10 المقبوض عليهم بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي في أولمبياد ريو، فهل أدت معلوماتي إلى القبض عليه؟ لا أدري، لكنني أعتقد أنني ساهمت في ذلك”.
إذا لم يتعاون الصيادون بشكل مقرب مع وكالات الاستخبارات فإن جهودهم تلك قد تأتي بنتائج عكسية وربما خطيرة، يذكر سميث أحد الحوادث الخطيرة التي وقعت عام 2015 حيث أرسل المكتب الخامس “MI5” (أحد أقسام المخابرات الحربية) الشرطة إلى منزل صياد سري معتقدين أنه إرهابي.
ورغم ضعف داعش في الأشهر الأخيرة، فإن كورتز ما زال مستمرًا، يقول كورتز: “الأمر لا يتعلق بداعش فقط لكنه باليمين المتطرف في أمريكا، أعتقد أنهم يشكلون الخطر نفسه، وقريبًا سوف أكتب تقريرًا عن حسابات النازيين الجدد بمجرد الحصول عليها، لا أعتقد أن الشر سيختفي إلى الأبد، فبمجرد أن تمحو أحد الأشرار يظهر آخر بدلاً منه”.
المصدر: الغارديان