ترجمة وتحرير: نون بوست
“الهسبرا” مصطلح عبري يعني حرفيًا “الشرح”، ولكنه في المصطلحات الصهيونية يشير إلى العلاقات العامة أو الدعاية.
جرى إنشاء وزارة هاسبرا في سنة 1974 برئاسة شمعون بيريز (الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للوزراء ثم رئيسًا لإسرائيل)، وتم حلها في سنة 1975، لكن الهسبارا ظلت سياسة إسرائيلية حيوية كانت في المقدمة والمركز في كل مرة شاركت فيها إسرائيل في صراع كبير – بما في ذلك غزو لبنان سنة 1982، وانتفاضة 1987، والانتفاضة الثانية سنة 2000. وفي سنة 2009، بعد الهجوم على غزة في إطار “عملية الرصاص المصبوب”، أعيد إحياء الوزارة لتصبح وزارة شؤون الشتات.
وتتمتع الهاسبرا بامتداد عالمي جزئيًا لأن الحركة الصهيونية نفسها متصلة ومنظمة في أكثر من 30 دولة.
الدعاية “الأفقية العصرية”
كان تطور الهسبرا موضوعًا لمجموعة واسعة من الهيئات الصهيونية بالإضافة إلى وزارة الهسبرا السابقة ووزارة الخارجية. وتشمل هذه المجموعات التي أنشأتها وتديرها الحكومة مجموعة كاملة من مؤسسات الفكر والرأي ومجموعات الضغط وجماعات الحركة الصهيونية. وكان المنتدى العالمي لمكافحة معاداة السامية أحد الفضاءات الرئيسية لتطوير استراتيجية الهسبارا الدولية – وهي مجموعة تأسست في سنة 2000 وعقدت مؤتمرات دورية في إسرائيل وأماكن أخرى.
وفي مؤتمر عُقد سنة 2009، زعمت مجموعة العمل حول “نزع الشرعية عن إسرائيل: المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” أن “المعركة” ضد حركة المقاطعة يجب أن تكون “أفقية، وهستيرية، وجنونية”. وتضمنت الاستراتيجية “بعض التنسيق المركزي” عبر “غرفة الحرب”، وهي مساحة تنسيقية تم تجربتها لأول مرة في جامعة رايخمان في هرتسليا (المعروفة سابقًا باسم المركز متعدد التخصصات)، الجامعة الخاصة الوحيدة في إسرائيل.
تشكلت فكرة غرفة الحرب في أعقاب حرب لبنان سنة 2006، وتم وضعها حيّز التنفيذ كجزء من عملية الرصاص المصبوب في كانون الأول/ ديسمبر 2008 من خلال التعاون بين الجامعة ووزارة الخارجية ومجموعة الضغط “قف معانا”، بتمويل من الحكومة الإسرائيلية. ولكن هذا التنسيق من جانب الحكومة كان من المفترض أن يتم تمويهه وإخفائه من خلال استراتيجية “شعبية” حتى يتم تصوير حملة الهسبرا على أنها مستقلة عن الحكومة، على الرغم من أنها لم تكن كذلك.
كما أشارت مجموعة العمل قائلة “يجب ألا ننسى أهمية شبكات “نيت روتس” في مكافحة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. يجب أن تكون المعركة أفقية وليست هرمية – ما اعتدنا أن نطلق عليه “القواعد الشعبية” لتمكين طلاب الجامعات من المشاركة باستخدام مهاراتهم ووسائل الإعلام وشبكاتهم للرد”.
وتابعت مجموعة العمل موضّحة أن “المعركة يجب أن تكون عصرية، ومتجذرة في لغة وأعراف القرن الحادي والعشرين، وتقدم احتفالا محدثا ومثيرا وذا صلة بإسرائيل الحديثة”. ومن بين الطرق للقيام بذلك تسويق النشاط الجنسي الأنثوي والدخول الكامل إلى عالم منصات التواصل الاجتماعي. وقد بدأ كلاهما في الوقت نفسه، بأمر من قنصلية إسرائيل في نيويورك.
جلسة تصوير “فتى المجلة” لجيش الدفاع الإسرائيلي
تمثّلت إحدى أولى المشاريع في نشر صورة سنة 2007 على مجلة مكسيم للرجال بعنوان “نساء جيش الدفاع الإسرائيلي”، وهي قصة لأربع شابات جميلات خدمن في جيش الدفاع الإسرائيلي. وقد شجعت القنصلية الإسرائيلية في نيويورك هذه الخاصية. وتم تمويل الحملة جزئيًا من قبل رابطة الصداقة الأمريكية الإسرائيلية ومجلة “إسرائيل 21سي“. ويتم تمويل هاتين المجموعتين المواليتين لإسرائيل من قبل مؤسسات صهيونية في الولايات المتحدة وغيرها.
وتم تقديم الخاصية بواسطة مجلة “مكسيم” على النحو التالي: “إنهن رائعات للغاية ويمكنهن تفكيك سلاح عوزي في ثوانٍ. هل نساء جيش الدفاع الإسرائيلي المجندات الأكثر جاذبية في العالم؟ وظهر في الصورة أربعة من مجنّدات قوات الاحتلال وتم التعرف عليهن بالأسماء الأولى فقط.
قالت ياردن إن “التدرب على الهدف كان نشاطها المفضل”. وأضافت قائلة “أحببت إطلاق النار من سلاح طراز إم 16، وكنت أجيد إصابة الأهداف”. ثم انضمت إلى فيلق المخابرات العسكرية الإسرائيلية “أمان”.
وأوضحت نيفيت “كانت وظيفتي سرية للغاية، ولا يسعني أن أقول عنها سوى أنني درست بعض اللغة العربية”. وقالت المشاركة الثالثة غال: “قمت بتدريس الجمباز والتمارين الرياضية، لقد أحبني الجنود لأنني جعلتهم مؤهلين”. ويشار إلى غال على أنها “ملكة جمال إسرائيل السابقة”، وهي بالطبع غال غادوت، النجمة السينمائية والداعية الصهيونية المشهورة.
حسب ما ورد، كانت إسرائيل سعيدة لغاية بهذا الأمر لدرجة أن وزارة الخارجية أقامت حدثًا للاحتفال بنشر المجلة، مع ظهور غال غادوت. وانطلقت مسيرة غادوت المهنية بعد ذلك إلى الحد الذي تعاقدت فيه مع العلامات التجارية الفاخرة والاستهلاكية مثل “غوتشي” و”ريفلون” و”ريبوك”. وفي سنة 2016، لعبت دور “المرأة الخارقة” في فيلم هوليوود الذي يحمل نفس الاسم. وكتب أحد المراقبين قائلا “يحزنني أن أرى سلسلة قصصية أحببتها منذ الطفولة تتلطخ بالانغماس المباشر في سفك الدماء المناهض للفلسطينيين”.
نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن ديفيد دورفمان، الذي كان في ذلك الوقت مستشارا إعلاميا للقنصلية في نيويورك، قوله: “إن الذكور في هذا العمر ليس لديهم أي شعور تجاه إسرائيل بطريقة أو بأخرى، ونحن نعتبر ذلك مشكلة، لذلك توصلنا إلى فكرة من شأنها أن تكون جذابة لهم”. وذكرت صحيفة “الغارديان” أن “إسرائيل حريصة على تسويق نفسها كدولة غربية بها شواطئ ونوادي ليلية بدلاً من دولة مليئة بالمتعصّبين الدينيين كانت في حالة طوارئ دائمة منذ إنشائها”.
وفي سنة 2016، أدارت مجلة “فايس” مشروعًا للصور، والذي من الواضح أنه تمت الموافقة عليه من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، إذ تضمن سلسلة من الصور التي التقطها جندي إسرائيلي سابق، والتي وصفتها بأنها “سلسلة حميمة” تصور “أنوثة المجندات المتحدية”.
استراتيجية منصات التواصل الاجتماعي
هناك حملة هاسبرا أخرى تتضمن استراتيجية وسائل الإعلام الاجتماعية للجيش الإسرائيلي، والتي تم إطلاقها في سنة 2007 مع شبكة “ماي سبيس” وفيسبوك. ونسبت صحيفة “الغارديان” هذه السياسة إلى ديفيد سارانغا، الذي كان آنذاك قنصل الإعلام والشؤون العامة في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك. وأصبح سارانغا الآن رئيس القسم الرقمي في وزارة الخارجية الإسرائيلية في تل أبيب.
وركّز العنصر التالي على اليوتيوب منذ سنة 2008، “عندما بدأوا بنشر لقطات من الغارات الجوية على قناتهم الرسمية”. وفي وقت لاحق، تفرع جيش الدفاع الإسرائيلي إلى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى بما في ذلك “فليكر” و”إنستغرام” و”تيك توك”. وأطلق الجيش الإسرائيلي حسابًا على موقع “فليكر” في سنة 2010. ومن بين مجموعات الصور ألبوم “نساء الجيش الإسرائيلي“، الذي تم إنشاؤه في سنة 2018، والذي تظهر فيه مجندات قوات الاحتلال بشكل حصري تقريبًا بالزي الرسمي.
يبدو أن حساب الجيش الإسرائيلي على “إنستغرام” قد تم إطلاقه في سنة 2012. واليوم لديه حوالي 1.3 مليون متابع. وفي سنة 2016، أفيد بأن “حسابًا على إنستغرام تظهر فيه مجندات إسرائيليات جميلات، وقد جذبت صورهن المثيرة عشرات الآلاف من المتابعين”. وتم نشر الحساب الذي يحمل عنوان “فتيات الجيش الإسرائيلي المثيرات” في جميع أنحاء الصحف الشعبية في المملكة المتحدة إلى جانب مقاطع متعددة للنساء “المثيرات”. الحساب حاليا غير موجود، ولكن منذ ذلك الحين انضم الجيش الإسرائيلي إلى تويتر عبر حساب @IDFSpokespercon في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وتم إطلاق حساب “تيك توك” التابع للجيش الإسرائيلي في سنة 2020. وبحلول سنة 2021، تجاوز عدد متابعيه أكثر من 90 ألف متابع. واليوم يبلغ عدد متابعيه حوالي 373.300 متابع.
في سنة 2021، قامت مجلة “رولينغ ستون” بتحليل استخدام الجيش الإسرائيلي لتطبيق “تيك توك” لنشر ما يسمى بـ “فخاخ العطش” – التي تُعرف بأنها “فعل أو صورة أو بيان مصمم لجذب الاهتمام الجنسي”. وكما كتبت ألينا ليلويا في السنة نفسها أن “الدعاية الإسرائيلية تؤكّد في منصات التواصل الاجتماعي على جمال وأنوثة المجندات لصرف الانتباه عن جرائم العنف التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين”.
وزارة الشؤون الاستراتيجية
أصبحت حملة “هاسبرا” والحملة ضد المقاطعة على وجه التحديد من مسؤولية وزارة الشؤون الاستراتيجية في سنة 2015. وأوضح المدير العام للوزارة وضابط المخابرات السابق جلعاد أردان، الحليف المقرب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للشؤون الاستراتيجية ووزيرا للأمن العام، أن عملها “يبقى تحت الرقابة”. وفي سنة 2017، أوضح أردان سبب استخدام اتحاد الطلبة المسلمين لمنظمات واجهة، مشيرا إلى أن “معظم أعمال الوزارة ليست تابعة للوزارة، وإنما تتم من خلال هيئات في جميع أنحاء العالم لا تريد الكشف عن علاقتها بالدولة”. مع ذلك، تم ربط عنصر أساسي من الاستراتيجية علنًا بوزير الشؤون الاستراتيجية عبر جهود أردان الخاصة في الترويج لتطبيق “أكت.إل”، الذي شجع المستخدمين على نشر “الرسائل المرغوبة” على منصات التواصل الاجتماعي.
وادعى تقرير داخلي تم تسريبه أن التطبيق يضم 15 ألف “متطوع عبر الإنترنت” من 73 دولة. كان هناك موقع ويب مرتبط بالحملة “4 إل”. وأطلق أردان نفسه التطبيق في حفل على سطح أحد المباني في نيويورك في سنة 2017. وكما قالت الانتفاضة الإلكترونية، فقد “بذل قصارى جهده مع “اليافعين” من خلال ارتداء سماعات رأس منسق الأغاني”. وكانت تقف معه أمام الكاميرات عارضة الأزياء وملكة جمال إسرائيل السابقة يتييش “تيتي” أيناو. ولا تزال لقطات هذه المسألة المحرجة متاحة على موقع يوتيوب.
ربما يمكن العثور على أحد التفسيرات لذلك في الاقتراح القائل إن هاسبرا يجب أن يكون “عصريًا”. ومع ذلك، بعد أن كشفت الانتفاضة الإلكترونية وغيرها من المطبوعات عن أنشطة تطبيق “أكت.إل”، “اتخذت المجموعة تدابير لإخفاء صلاتها بالحكومة الإسرائيلية – وكل ذلك في حين ادعت أنها “مبادرة طلابية” شعبية”.
روّج أحد المواقع الإلكترونية التابعة للوزارة، والذي أُنشئ سنة 2017، لتطبيق أكت.إيل. في البداية، عرضت الصفحة الرئيسية للموقع شعار الوزارة المصغر في الأعلى. ولكن بعد ذلك، انتقلت إلى المسألة الجوهرية، حيث تطرق إلى الانتفاضة الإلكترونية، “التي من السهل أن تنهار”. بعد ذلك، أزيل كل ذكر لتطبيق أكت. إيل من الموقع.
كان أحد الأهداف المشتركة لهذه الحملات هو الترويج للصور الخيالية عن إسرائيل. وقد شددت التوجيهات الأخيرة للناشطين المؤيدين لإسرائيل من قبل مجموعة الضغط “إسرائيل تحت النار” على تجنب الانجرار إلى المناقشات حول الصراع بشكل عام وبدلاً من ذلك مشاركة الصور المثيرة للقلق أو المبهجة لـ “الرهائن” أو القوات الإسرائيلية. وتشير التوجيهات إلى أن الصور المنشورة حول القوات الإسرائيلية يجب أن تكون ذات طابع “إنساني”.
الصور ليست محايدة أبدًا
تستفيد إسرائيل من فكرة أن الصور تجعلنا نشعر دائمًا إما بالرضا أو الاستياء. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تجعلنا صورة غروب الشمس على الشاطئ نشعر بالهدوء والراحة. ومن ناحية أخرى، فإن صورة حادث سيارة يمكن أن تجعلنا نشعر بالخوف والحزن على الضحايا. وتتمثل الطريقة الوحيدة لعدم التأثر بالصورة في عدم رؤيتها على الإطلاق. ويلمح الفيلسوف الفرنسي رولان بارت إلى ذلك بقوله: “الصورة عنيفة: ليس لأنها تظهر أحداثا عنيفة، وإنما لأنها في كل مناسبة تقتحم المشهد بالقوة”.
بناءً على ذلك، تشغل الصور جزءًا كبيرًا من مجال خبرتنا في اللحظة التي ندركها فيها. اعتمادا على ما هو معروض في الصور، قد نختبر مشاعر مختلفة بدرجة متفاوتة. ولكن حتى عندما نبتعد عن الصور، فإننا لا نزال نشعر بشيء ما، بعض بقايا مشاهدتها في المرة الأولى التي ستستغرق وقتًا لتتلاشى وربما لن تتلاشى تمامًا. وبالنظر إلى أن الصور ليست محايدة، فليس من المستغرب أن تتمكن الجهات الفاعلة السيئة مثل إسرائيل من استخدامها لأغراض مشينة. ويظهر هذا من خلال المؤثرات الإباحيات على مواقع التواصل الاجتماعي، اللاتي يحاولن حشد الدعم للقوات الإسرائيلية شكل أكثر تحديدًا، هن يفعلن ذلك من خلال جعل جيش الدفاع الإسرائيلي “مرغوبًا فيه” وبذلك ربط إسرائيل بالمؤثرين المعنيين. ويعتمد هذا، في جزء كبير منه، على “تحيز الجاذبية الجسدية”، حيث يُنظر إلى الأشخاص المغرين بصريًا على أنهم أشخاص”جيدون” أو “فاضلون”.
من خلال استغلال هذا التحيز، تخدع إسرائيل الجماهير وتجعلهم يعتقدون أن القوات الإسرائيلية من الشخصيات الخيّرة لأن المؤثرين، الذين يمثلون الجيش الإسرائيلي بصريًا، جيدون – بسبب جمالهم. ويمكن التصدي لهذه الظاهرة من خلال الصور التي تخرج حاليًا من غزة، غالبًا من سكان غزة أنفسهم، الذين – عن طريق الصور والفيديو – يكشفون عن الفظائع التي تلحقها القوات الإسرائيلية بالفلسطينيين العزل.
تسمح لنا مثل هذه الصور، على عكس المؤثرين، برؤية حقيقة قوات الاحتلال – باعتبارها من القوات التي لا تتوانى عن إظهار العنف لتدمير حياة كثير من البشر. كما أن صور سكان غزة المعرضين للخطر تدعونا إلى التفكير بعمق فيما نراه. على نحو مماثل، لاحظت الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ: “لا يمكن لصور (المعاناة) أن تكون أكثر من دعوة إلى إيلاء الاهتمام، والتأمل، والتعلم، وفحص مبررات المعاناة الجماعية التي تمارسها القوى الموجودة”. وأضافت “من المتسبب فيما تظهره الصورة؟ من المسؤول؟ هل هو مبرر؟ هل كان الأمر لا مفر منه؟ هل هناك وضع ما قبلناه حتى الآن ويجب تحديه؟ كل هذا مع إدراك أن الاستياء الأخلاقي، مثل الرحمة، لا يمكن أن يملي مسار العمل.
مع أن سونتاغ محقة في التأكيد على أن صور المعاناة “لا يمكن أن تملي مسار العمل”، إلا أنها كما أشارت هي نفسها تثير استياءنا. وهذا إلى جانب الطريقة التي تدعونا بها هذه الصور إلى استجواب ما نراه، يعد خطوة أولى ضرورية للقيام بخطوات فعالة. إننا نشهد هذا على المستوى الدولي الآن، حيث تتظاهر أعداد كبيرة من الناس، في الشوارع وفي أماكن أخرى، تضامنا مع الشعب الفلسطيني وضد المعاناة التي أجبروا على تحملها على أيدي إسرائيل.
وعلى عكس المؤثرين، يشير المتظاهرون إلى الإجرام والظلم الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية، ويطالبونها بالتوقف عن القيام بذلك. ومن المحتمل ألا تكون الاحتجاجات مغرية أو “ساخنة” بالطريقة التي يظهر بها المؤثرون، لكنها تنطوي على شيء – من جانب المتظاهرين – يستحق الثناء أكثر بكثير: الشجاعة لقول لا للسلطة، وفي هذه الحالة، لإسرائيل. وقد يتشجع المتظاهرون أكثر للقيام بذلك من خلال الصور القادمة من غزة، التي تعد بمثابة تذكير قوي حول الكيفية التي تهدد بها إسرائيل – بمهاجمتها الفلسطينيين الأبرياء – إنسانيتنا المشتركة في نهاية المطاف.
المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي
يقضي المؤثر العادي على مواقع التواصل الاجتماعي يومه في نشر صور لطيفة لخدمة أو منتج مصحوبة بتعليقات توضيحية مرحة أيضًا. ربما تمت إضافة سلسلة من الرموز التعبيرية لتعزيز النغمة النموذجية المتفائلة والمبهجة والهادئة لهذا، ولا تشير إلى دعم التطهير العرقي لمجموعة سكانية معينة. خذ نفس الصيغة ولكن أضف الحرب الحديثة إلى المعادلة وسيكون لديك أعضاء في قوات الاحتلال مثل ناتاليا فاديف، ربما يمكن التعرف عليهم أكثر من خلال اسمها على مواقع التواصل الاجتماعي “غان ويفو” على فيسبوك، ويوتيوب، وإكس (المعروف باسم تويتر سابقا)، وإنستغرام.
when you’re mean to Israel this is who you’re being mean to: pic.twitter.com/qDvjti1akN
— Gun Waifu (@nataliafadeev) November 5, 2023
فاديف، وهي مستوطنة روسية مجندة ضمن قوات الاحتلال، ليست الوحيدة. هناك آخرون، بما في ذلك أمثال أورين جولي، وهي مطلقة نار تنافسية، ومؤثرة، ومدربة إطلاق نار، وناشطة في مجال الأسلحة وحقوق المرأة، وذلك وفقًا لملفها الشخصي على لينكد إن. ولا تعتبر ثقافة المؤثرين الإسرائيليين المتشابكة مع النزعة العسكرية مفهومًا جديدًا، ومع ظهور المزيد من اللقطات التي تكشف وحشية القصف والاعتداء الإسرائيلي مباشرة من غزة، يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت في الوقت الراهن ساحة معركة أخرى يتعين على قوات الاحتلال ومؤيديه تحقيق النصر فيها.
وفقًا للدكتورة جيسيكا مادوكس، الأستاذة المساعدة في قسم الصحافة والإعلام الإبداعي بجامعة ألاباما، فإن هذا النوع من المحتوى – سواء أكان مرتبطًا بالجيش أم لا – يهدف إلى جذب أولئك الذين هم خارج الصراع المباشر. قالت مادوكس: “إنه مصمم للتأثير على الرأي العام وجعل الناس إلى جانبهم من خلال استقطاب مشاعر الصدمة – سواء كانت الصدمة والرعب من مشاهدة الحرب، أو الحسد المرضي لأن المؤثر العسكري “يبدو كشخص لطيف ورائع”.
وبينما يكشف الصحفيون في غزة عن واقعهم اليومي من خلال منشورات واقعية، مع استمرار وسائل الإعلام العالمية في تغطية الوفيات في القطاع المحاصر، يبدو أن الحسابات المؤيدة لإسرائيل تعمل على مواجهة ذلك من خلال نشر محتوى على تيك توك و إنستغرام يساعد على صرف الانتباه عن الحقائق الميدانية. وقد أصبح تكتيكًا قديمًا للدول أن تستخدم المؤثرين واستراتيجيات المؤثرين للتأثير على الرأي العام. وغزو روسيا لأوكرانيا خير مثال على ذلك.
صرحت مادوكس لموقع “تي آر تي وورلد”: “يتم ذلك غالبًا عن طريق جعل الدولة المعنية أو الخاضعة للتدقيق تبدو “ليست سيئة” أو “معادية”. وتابعت: “الدول التي تستخدم المؤثرين تضفي طابعا إنسانيًا على الصراع، لكنه وجه إنساني استراتيجي يعمل كشكل من أشكال القوة الناعمة ليس فقط لإظهار أن الدولة الخاضعة للتدقيق لا تستحق ذلك، بل أنها محبوب ويسهل تقليدها وطموحة. وبعبارة أخرى، فإن البلدان التي تستخدم المؤثرين لا تحاول فقط مواجهة المعلومات باعتبارها دعاية، بل تجعل الدولة أو الجيش المعني مرغوبًا فيه. إن ثقافة المؤثرين تدور حول الظهور بمظهر مرغوب فيه، ولا يعد المؤثرون العسكريون والدعائيون استثناءً”.
يمتد هذا إلى المبدعين الرقميين الذين ليس لهم صلات مع قوات الاحتلال. يستخدم منشئو المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي في بيئات زمن الحرب، حتى تلك غير المرتبطة بالجيش، “التطبيقات كشكل من أشكال المشاهدة” لإظهار ما يحدث في هذا الجزء المحدد من العالم. في حالة المحتوى المؤيد للصهيونية، على سبيل المثال، يمكن أن يكون ذلك من خلال رسائل التضامن مع إسرائيل، أو أشكال أخرى من منشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تهمل خطاب الحكومة الإسرائيلية بشأن الإبادة الجماعية.
أضافت مادوكس أنه من الجدير أن نأخذ بعين الاعتبار أن ما يتم عرضه هو “جانب مشحصن ومتحيّز للصراع” لذلك يعتبر “إدراك القوة بين الدول المعتدية والدول الضحية أمرا ضروريا. يمكن للمبدعين من خارج القوات الإسرائيلية التحدث ضد الحكومة الإسرائيلية، ولكن الكثير منهم يتحدثون أيضًا دفاعًا عنها”.
إذن، كيف تصمد الاستراتيجية الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالتمثيل والدعم في مواقع التواصل الاجتماعي؟ من السخرية من الفلسطينيين المعتقلين من خلال تشغيل أغاني الأطفال والتظاهر بأنهم محتجزون أو معصوبي الأعين إلى السخرية من الناس في غزة وظروفهم المعيشية المزرية التي تهدد حياتهم، وأكثر من ذلك، تُنشر الدعاية الأكثر فعالية ضد إسرائيل من قبل الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي أنفسهم.
يستيقظ المزيد والمزيد من الناس على المعلومات المضللة التي تحاول تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتبرير الهجوم الوحشي المستمر الذي تشنه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي خلف أكثر من 22 ألف قتيل فلسطيني وجرحى لا يقل عددهم عن 57035 شخصًا.
ووفقا لمادوكس، يميل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفئة السكانية الأصغر سنًا، بشكل كبير لدعم فلسطين”. وحسب أستاذ تكنولوجيا الوسائط الرقمية: “لقد اضطر تطبيق تيك توك إلى إصدار بيان يقول فيه إن خوارزميتهم ليست مبرمجة لتكون معادية لإسرائيل”، مضيفًا أن “الشباب يدعمون فلسطين بأغلبية ساحقة”. وأضافت مادوكس: “على الرغم من أنني متأكدة من أن هذه الإستراتيجية الرقمية ناجحة بالنسبة للبعض، إلا أن هذه مشكلة لا يمكن اختزالها في منشورات مكونة من 280 حرفًا أو مقاطع فيديو مدتها ستون ثانية”.
المصدر: تي آر تي وورلد