للأسف الشديد هذا العنوان ليس عنوانًا تشويقيًا، بل جملة صفقت أسماع الملايين، من متصل سعودي يجري مداخلة ببرنامج في قناة الحوار الفضائية، قالها المتصل بكل وضوح: “لن ننصر الأقصى”، وكان السبب الذي ساقه المتصل لتبرير هذه الجملة الصادمة أنه لن ينصر الأقصى حتى لا يساعد حماس وقطر! وبالطبع كان رد المذيع على هذا المتصل أن الأقصى لا يحتاج النصرة من أمثاله.
وبغض النظر عن رد المذيع الذي اتفق معه في كل كلمة قالها، إلا أنني توقفت كثيرًا مع هذه المكالمة التي وإن كانت لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق، إلا أنها تعتبر رهيبة المدلول، كارثية المعنى، ودعوني أصارحكم أن محتوى هذه المكالمة لم يصدمني، وهل يوجد مبرر لهذه الصدمة بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي الذي قال بإرهابية مقاومة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، هل من مكان للصدمة بعد أن يقول دونالد ترامب بإرهابية المقاومة الفلسطينية، تحت سمع وبصر من ينصبون أنفسهم قادة للعالم الإسلامي.
الشجب والإدانة والشعور بالقلق تلك كانت الوسائل المؤثرة للغاية التي تناصر بها أنظمتنا العربية القضية الفلسطينية
توقفت أمام هذه الكلمات الرهيبة، واسترجعت كلمات مشابهة لها في المعنى وإن لم تماثلها في الصراحة، خرجت من أفواه معظم مؤيدي الثورات المضادة التي تحاول السيطرة على أوطاننا التي اهتزت بماء ثورات الربيع العربي، كلمات قيلت وزادت وتيرتها قويت الثورات المضادة وارتفع مداها المخرب.
ولكن دعوني أرجع لهذا المتصل الذي لم يحتفظ برأيه الشنيع لنفسه، ولم يستتر ببلاء جهله لدينه وقلة مروءته، إن لم أقل خيانته لدينه وجنسه، دعوني أتساءل عن مقدار التجهيل والتعمية التي تعرض لهما هذا المواطن المسلم العربي، ما الذي أوصله إلى هذه الدركة من دركات الانحطاط والدناءة، أليس هذا المتصل ضحية لجو عام من التحريض والتشويش على قضايا الأمة الرئيسية، أنلومه ونترك من دس في وعيه هذه الأفكار المسممة.
ولماذا أتوجه باللوم إلى هذا المتصل ولا أنظر إلى نفسي ومحيطي، على كل فرد فينا أن يسأل نفسه، أين أنا من قضيتنا المركزية، مجتمعاتنا تشهد ردة حقيقية في نصرة القضية الفلسطينية، هل هذا راجع إلى أن حكوماتنا أسقطت قناع نصرتها لها فكفت عن بث الأغاني المناصرة لفلسطين، تلك الوسيلة الوحيدة التي كان يساندون بها أهلنا في فلسطين، فنسينا نحن بمجرد وقف بث تلك الأغاني.
أظن أننا مسؤولون بدرجة كبيرة عن انحطاط الوعي الذي وصل إليه الأطفال والشباب تجاه القضية
نسيت الشجب والإدانة والشعور بالقلق تلك الوسائل المؤثرة للغاية التي كانت تناصر بها أنظمتنا العربية القضية الفلسطينية، كنا نتهكم على حكامنا لاكتفائهم بهذة الوسائل – الصوتية – لمناصرة القضية، الآن أصبح الحاكم الذي يذكر فلسطين في خطاباته من أبطالنا القوميين الذين ننظر إليهم في ملمات أمتنا العظيمة ليثلج صدورنا بكلماته الدبلوماسية.
هل القضية الفلسطينة حاضرة في شوارعنا الآن مثلما كانت حاضرة منذ عشر سنوات؟ الإجابة بنتهى الوضوح ستكون لا، أتذكر أننا خرجنا بمظاهرات من المدارس في أثناء الانتفاضة الثانية، ولم نعبأ بخطابات الفصل المؤقت التي أرسلت إلى أهلنا الذين شجعونا على هذا المسلك.
هل قمنا نحن بواجبنا في توعية أبنائنا ومحيطنا العام بما حدث ويحدث في فلسطين، أظن أننا مسؤولون بدرجة كبيرة عن انحطاط الوعي الذي وصل إليه الأطفال والشباب، الآن لو سألت معظم طلبة المدارس عن القضية الفلسطينية، فأنصحك أن تهيئ نفسك لصدمة كصدمة المذيع في المتصل الضحية، عندها أسألك ألا تلومهم فهم أيضًا ضحايا، أعرف أن السبب الرئيسي انشغالنا بمصائبنا الداخلية، ولكن هذا حجم معركتنا ويجب أن نكون على قدرها، فالجندي اليقظ يجب أن يؤمن نفسه من كل الاتجاهات، وإلا فلا تلم عدوك أنه أحسن تطويقك.
لذلك يجب إدراك أن معركة الوعي من أخطر المعارك وإلا سيصبح الجيل القادم من نوع المتصل الضحية.