استقبل المصريون العام الجديد بموجة ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع والخدمات، الأساسية والفرعية، وسط حالة من الترقب بشأن ملامح المرحلة المقبلة، والقلق إزاء تبعات تلك الارتفاعات على الحياة المعيشية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدني.
وفي الوقت الذي كان يأمل فيه كثير من المصريين أن تتحسن الأوضاع نسبيًا في ظل تعهدات الرئيس عبد الفتاح السيسي وأنصاره، إذ بتلك الزيادات التي بدأت مع الساعات الأولى للعام الجديد تصيبهم بالصدمة بينما رئيسهم لم يحلف بعد يمين ولايته الرئاسية الثالثة بعد نجاحه في “الانتخابات” التي أجريت الشهر الماضي وحصل فيها على قرابة 89% من أصوات الناخبين.
بداية قاسية يستهل بها السيسي ولايته الجديدة، يطيح فيها بآمال المصريين في أن تكون تلك الفترة القادمة أفضل نسبيًا من الولايتين السابقتين اللتين تعرض فيهما الشعب المصري لضربات موجعة على كل المستويات، أسفرت في النهاية عن الزج بالملايين منهم إلى أتون الفقر والعوز.
ارتفاعات كبيرة في الأسعار
استيقظ المصريون صبيحة اليوم الأول من يناير/كانون الثاني الحاليّ بقرارات حكومية مفاجئة تضمنت ارتفاعًا في أسعار العديد من السلع والخدمات، حيث رفعت الشركة المصرية للاتصالات (حكومية) خدمات الإنترنت بنحو 33%، القرار ذاته اتخذته شركتا القطاع الخاص أورانج وفودافون بعد الحصول على موافقة الهيئة القومية لتنظيم الاتصالات (حكومية).
ومن الاتصالات إلى الطاقة، حيث ارتفعت أسعار فواتير الكهرباء بنسب تتراوح بين 16- 26%، وكانت أسعار الوقود قد شهدت ارتفاعًا هي الأخرى نهاية العام الماضي، هذا بخلاف الصناعات الكهربائية هي الأخرى التي زادت بنسب وصلت إلى 20%.
وفي سياق موجة الارتفاعات شهد قطاع النقل والمواصلات زيادات كبيرة حيث رفعت وزارة النقل أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسبة تصل إلى 20%، كذلك أسعار تذاكر القطارات والطائرات، الأمر امتد أيضًا إلى تذاكر وسائل النقل الخاصة.
بعد تأجيلها لنحو عام نصف..
الحكومة تقر زيادة جديدة في أسعار شرائح استهلاك الكهرباء بدءا من يناير الحالي، بنحو 10 إلى 22%
التفاصيل: https://t.co/yMIZHynRX8 pic.twitter.com/O2G1CSDQk6
— شبكة رصد (@RassdNewsN) January 2, 2024
الصناعات المعدنية هي الأخرى كانت على موعد مع زيادة في الأسعار، حيث رفعت شركة مصر للألمونيوم (حكومية) أسعار الألمونيوم 6 آلاف جنيه للطن (من 105.500 ألف جنيه للطن في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى 111.150 ألف جنيه للطن بداية 2024)، كذلك سعر طن الحديد الذي وصل إلى 42828 جنيهًا، وسعر طن الأسمنت لـ2230 جنيهًا.
كما شهدت السلع الغذائية الأساسية ارتفاعًا جنونيًا، حيث ارتفع سعر البيض ليحقق 136 جنيهًا للكرتونة، ووصل سعر الدواجن إلى نحو 80 جنيهًا (بعض الأصناف يتجاوز سعر الكيلو 180 جنيهًا)، أما السكر وهو السلعة الحيوية لكل البيوت المصرية فوصل سعر الكيلو إلى أكثر من 50 جنيهًا قبل أن يتراجع إلى 31 – 32 جنيهًا للكيلو بدلًا من 20 جنيهًا العام الماضي، كذلك لتر الزيت الذي يتأرجح بين 45 – 150 جنيهًا حسب النوع، فيما وصل سعر كيلو البصل إلى 40 جنيهًا بعدما كان لا يتجاوز سعره 10 جنيهات قبل أقل من عام.
ومن السلع إلى الدولار، حيث بلغ سعره في السوق السوداء مستويات قياسية متراوحًا بين 54 في السوق الموازي العام و74.3 جنيه في سوق الحديد، فيما تجاوز سعره لدى تجار الذهب حاجز الـ55 جنيهًا، في الوقت الذي يبلغ سعره الرسمي في البنوك 30.9 جنيه.
التضخم وأوجاع المصريين
أدت تلك الموجات المتتالية من ارتفاع الأسعار إلى زيادة معدلات التضخم وبلوغها مستوى تاريخي جديد، فقد وصلت إلى 38% نهاية العام الماضي وبدايات العام الحاليّ، وهي النسبة التي يرى اقتصاديون أنها أقل بكثير مما هي عليه في الواقع، إذ قفزت أسعار الكثير من السلع بنسب قد تتجاوز 150% في فترة لا تزيد على أشهر معدودة.
وبدورها أسفرت المعدلات المتصاعدة للتضخم وأسعار السلع عن تكبيد كاهل المصريين المزيد من الأعباء، حيث يستقبلون عامهم الجديد بإخراج الكثير من السلع من دائرة الاهتمامات بعدما باتت أسعارها في متناول الأثرياء فقط، كذلك إعادة النظر في الكثير من العادات الغذائية والاستهلاكية بعدما بات أمنهم الغذائي في خطر.
بعد الزيادات الأخيرة.. النائبة مها عبد الناصر تقول إن أسعار الإنترنت في #مصر أغلى من #إيطاليا و #فرنسا والهند و #الصين#مزيد pic.twitter.com/BHpCKEU55g
— مزيد – Mazid (@MazidNews) January 5, 2024
ومما يزيد من تأزم المشهد مع العام الجديد تراجع مدخرات المصريين بشكل كبير، وانخفاض القيمة الشرائية للأجور والمرتبات التي لم تتحرك بالنسب الملائمة للقفزات الكبيرة في زيادة الأسعار، فضلًا عن تهاوي قيمتها الحقيقية في ظل انهيار العملة الوطنية (الجنيه) أمام العملات الأجنبية.
وانعكست تلك المؤشرات السلبية في مجملها على نظرة المؤسسات المالية العالمية للاقتصاد المصري وقدرته على الخروج من المأزق، حيث خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني تصنيف مصر الائتماني من B3 إلى CAA1، مع نظرة مستقبلية مستقرة، كذلك وكالة “ستاندرد آند بورز” التي خفضت تصنيفها الائتماني السيادي طويل الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية لمصر إلى “B-” من “B”، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو التقييم ذاته الذي منحته وكالة فيتش العالمية.
فقدان الأمل في تحسن الأوضاع
مبررات الحكومة والمسؤولين المصريين لتلك الزيادات في الأسعار تذهب باتجاه أن تلك الزيادة لن تكون الأخيرة، وأنها نتاج طبيعي للمؤشرات الراهنة التي تدفع الدولة لمزيد من الإجراءات القاسية من أجل الوفاء بالتزاماتها المالية والاقتصادية وحتى لا تدخل إلى نفق مظلم جديد يصعب الخروج منه.
وجاءت ردود بعض المسؤولين استفزازية بامتياز، كما حدث مع وزير النقل المقرب من السيسي، كامل الوزير، الذي برر زيادة أسعار تذاكر المترو بأنها من أجل زيادة رواتب موظفي المرفق، وعليه كان لا بد من تحميل المواطن تلك الزيادة بصرف النظر عن تداعيات ذلك على غالبية مرتادي المترو وأكثريتهم من متوسطي ومحدودي الدخل.
تلك الردود والخطاب الإعلامي الرسمي الحكومي يشيران إلى عدم وجود نية لدى السلطة في تغيير السياسات المتبعة، وهي السياسات التي أكد الجميع فشلها وأنها غير صالحة للحالة المصرية، غير أن هناك إصرارًا غير مبرر من جانب الحكومة والرئيس على الاستمرار عليها، وهو ما قلل من منسوب التفاؤل لدى الشارع بتحسن الأوضاع، فالمقدمات ذاتها تقود في النهاية إلى نفس النتائج.
كيف برر وزير النقل المصري، كامل الوزير زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق وقطارات الأقاليم؟#الشرق_مصر#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/BWGGbK0nFq
— اقتصاد الشرق – مصر (@AsharqbEGY) January 2, 2024
يبدو أن المبررات التي ساقتها السلطات المصرية على مدار السنوات الماضية لتمرير إجراءاتها القاسية اقتصاديًا، وتبرير فشلها في تحسين الأوضاع، لم تعد مقنعة بالنسبة للمصريين، بداية من جائحة كورونا مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية وصولًا إلى حرب غزة وتوتر الساحة الشرق أوسطية، خاصة أن المواطن لم يلتمس أي تحسن خلال تلك الأعوام يمنحه قدرًا يسيرًا من الأمل.
كما أن الالتزامات المادية على الدولة المصرية لسداد فوائد وأقساط الدين الخارجي الذي بلغ 165 مليار دولار، الرقم الأعلى في تاريخ مصر، تؤكد هذا المنسوب المتراجع من الأمل، فالدولة ملتزمة خلال العام الجديد (2024) بسداد 29 مليار دولار فوائد وأقساط دين، 14.5 مليار دولار في النصف الأول ومثلها في النصف الثاني من العام نفسه، وفي عام 2025 مطالبة بسداد 19.4 مليار دولار، وفي عام 2026 يبلغ إجمالي قيمة الأقساط والفوائد واجبة السداد 22.8 مليار دولار.
وتلتهم تلك الاقساط والالتزامات النصيب الأكبر من الموازنة العامة للدولة، ما يعني أن الشعب خلال هذا العام والأعوام التي تليه سيعاني من تقليص الموازنة وتفريغها بشكل كامل من الدعم، وهو ما سيكون له تداعياته على حياة المواطنين، لا سيما محدودي الدخل الذين يشكلون السواد الأعظم من المصريين.
لم يكن المصريون ينتظرون “سيسي نويل” العام الجديد لتقديم الهدايا، على أنهم ربما أملوا ألّا يدشّن ولايته الجديدة بتلك الحزم القاسية التي تزيد أوجاعهم وتثقل كاهلهم المثقل بطبيعة الحال على مدار السنوات العشرة الأخيرة، لكن “أن الشعب المصري لم يجد من يحنو عليه”، كما قال السيسي يومًا.