بدأت عملية عسكرية مشتركة بين نظام الأسد ومليشيا “حزب الله” الإرهابية تهدف إلى إخضاع آخر الجيوب التي يسيطر عليها خصومهما عند الحدود اللبنانية – السورية في منطقة القلمون الغربي السورية وجرود بلدة عرسال اللبنانية.
معركة جرود عرسال، معركة أرادها الحزب والنظام معًا لرفع المعنويات بعد هزيمتهما الفادحة في معارك البادية الشامية وحوران، وكشفت حقيقة أن الحزب المنفذ لتوجيهات خامنئي في لبنان ما زال متفردًا بقرار الحرب والسلم وهو مستمر بذلك في تغييب دور الدولة اللبنانية.
قوات الجيش السوري الحر وهيئة تحرير الشام في جرود عرسال، أعدادها قليلة بعد انسحاب أعداد كبيرة من عناصرها إلى القلمون الشرقي، في حين أن القوات المهاجمة لهم تعد بالآلاف فضلًا عن استخدام سلاح الجوي التابع للنظام وسياسة الأرض المحروقة.
أهداف الحزب
مليشيا حزب الله الإرهابية تسعى جاهدة لتفريغ المناطق الحدودية، بهدف إنهاء وجود الجيش السوري الحر وهيئة تحرير الشام، وبالتالي إسقاط أي مشروع مستقبلي يضمن وجود منطقة آمنة داخل سوريا على الحدود مع لبنان، على غرار المناطق الآمنة التي تؤسس حاليًا في شمال سوريا على الحدود التركية، وجنوبها على الحدود الأردنية.
الكاتب جورج سمعان رأى أن بلدة عرسال، أو جرودها على الأقل، كانت حاضرة دومًا في خريطة الصراع منذ تدخل حزب الله في الحرب السورية عام 2012، فالبلدة السنية الأكبر شمال البقاع تشكل عقبة في طريق “انفتاح” السهل اللبناني ذي الغالبية الشيعية على الساحل السوري ذي النفوذ العلوي، وتعني السيطرة على هذا الميدان ضمه كاملًا و”نظيفًا” إلى نفوذ دمشق وحليفيها حتى ريف حلب مرورًا بحمص وحماة.
وتصبح بمعنى آخر “منطقة آمنة” لهؤلاء الحلفاء، ويعني ذلك أن إيران مصممة على عدم إخلاء بلاد الشام، مهما تقدم التفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا اللتين قضى اتفاق قمة هامبورج بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
مليشيا “حزب الله”، أقدمت على قتل النائب السابق لرئيس بلدية عرسال اللبنانية، المكلف بالتفاوض مع “هيئة تحرير الشام”
أما “معهد واشنطن” فأشار إلى أن الأمر ليس سوى مسألة وقت قبل أن يُخرِج “حزب الله” الفصائل ويعلن انتصارًا آخر (محسوم لأن الفصائل محاصرة من جميع الجهات وأعدادها قليلة)، وبالتالي سيتبع ذلك عودة المزيد من اللاجئين إلى سوريا، مما سيسمح لحزب الله في النهاية بإنشاء المنطقة الآمنة الخاصة به في لبنان وعلى طول الحدود السورية.
وبطريقة أو بأخرى، سيقع اللاجئون تحت سيطرة حزب الله، سواء بقوا في المنطقة الآمنة التي يديرها هذا الحزب أو عادوا إلى سوريا للعيش تحت حكم الأسد.
وعلى المدى المتوسط، سيحظى حزب الله بمناطق سيطرة لا تخضع للتحدي حول الحدود اللبنانية – السورية، وبخط إمدادٍ آمن إلى وطنه الأم ومنه، وبالدعم المحلي الناتج عن إعلان النصر – حتى وإن كان دعمًا رمزيًا، وسيستغل حزب الله هذا النصر من أجل استعادة دعم جمهوره – بعد أن تراجع هذا التأييد بسبب مشاركة الجماعة في حربٍ أجنبية والخسائر المصاحبة لها.
وستكون النتائج المترتبة على المنطقة الآمنة التي يديرها حزب الله وخيمة لأسبابٍ إنسانية وسياسية على حدٍ سواء، وسيؤدي هذا التطور إلى تفاقم الإحباط بين العائدين إلى سوريا.
المفاوضات ومقتل الفليطي
جددت معركة جرود عرسال فرص التفاوض بين مليشيا الحزب وهيئة تحرير الشام، بعد تطورات ميدانية تمثلت في سيطرة الحزب على عدد من المواقع في الجرود، وكذلك استؤنفت المفاوضات مع سرايا أهل الشام التابعة للجيش السوري الحر لإخراج مقاتليها إلى الشمال السوري.
وتجدر الإشارة أيضًا أن المفاوضات السابقة بين الحزب وفصائل الثورة السورية في عرسال جاءت مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته المتمثلة في إنشاء مناطق آمنة في سوريا لحماية اللاجئين، وهي خطط لم تتحقق بعد.
ولكن مليشيا حزب الله الإرهابية، أقدمت على قتل النائب السابق لرئيس بلدية عرسال اللبنانية، المكلف بالتفاوض مع هيئة تحرير الشام، بعد استهداف سيارته بصاروخ موجه في جرود البلدة، وقد اتهم الشيخ مصطفى الحجيري أحد وجهاء بلدة عرسال، الحزب باستهداف السيارة التي كانت تقل نائب رئيس بلدية عرسال السابق أحمد الفليطي في أثناء قيامه بالوساطة، وهو ما أكده شهود عيان.
التضييق على اللاجئين
وتمثل عرسال كما ذكر آنفًا جيبًا سنيًا وسط منطقة شيعية، وتضم ما يقرب من مئة ألف لاجئ سوري، وقد مثلت حجر عثرة في أوقات عدة أمام حزب الله لبسط نفوذه التام على المنطقة.
الحملة التي قام بها الجيش اللبناني بتنسيق مع مليشيا حزب الله التابعة لإيران بحق اللاجئين السوريين في عرسال، ليست اعتباطية أو رد فعل على أي انتهاك أمني كما أراد أن يصورها البعض، وقد تعرضت لانتقادات واسعة من سياسيين لبنانيين بارزين، كما طالبت منظمات حقوقية وهيئات علمائية بإجراء تحقيق لما جرى من تعذيب وقتل لـ”اللاجئين”.
سلاح حزب الله في لبنان لم يعد سلاح مقاومة ولكن سلاح مليشيا لا يختلف عن الحشد الشعبي في العراق
فيما قال الدكتور المحامي طارق شندب: “اللاجئون السوريون موجودون في لبنان بفعل إرهاب مليشيا حزب الله التي قتلت الشعب السوري وهجرته واحتلت أرضه، والتحريض ضد اللاجئين من صناعة أعوان نظام الأسد في بيروت وعملائه من المليشيات الإرهابية”.
وتابع “مليشيا حزب الله رأس الاٍرهاب في لبنان والمنطقة، والجيش اللبناني يعرف نوايا الحزب ويعرف أنه يحاول توريطه في القتال، والحزب يريد استهداف عرسال كجيب سني مناصر للثورة السورية، والجيش يعرف ذلك”.
ويبلغ عدد السوريين في لبنان نحو مليون و300 ألف، ويعيشون في ظروف إنسانية صعبة، في حين تشن قوات الأمن والجيش اللبناني حملات اعتقال يومية في صفوف اللاجئين بتهم “دخول البلاد بطريقة غير شرعية” أو تهم تتعلق بالإرهاب.
انتقادات
وقد أعلن تيار “المستقبل” أن التطورات العسكرية في الجرود جزءًا لا يتجزأ من الحرب السورية التي يشارك فيها حزب الله إلى جانب القوات السورية، ورفض تيار المستقبل كل أشكال توريط لبنان بالحرب السورية.
علي الأمين الكاتب اللبناني رأى أن “معركة جرود عرسال ضد المسلحين لن تبيض جرائم مضايا والقصير والزبداني، ولن تساعد في طي نكبة تهجير ملايين السوريين، فالجريمة أكبر من أن تطوى، وقهر الشعب السوري مقدمة لاستكمال استباحة لبنان وتدجين شعبه بسطوة الانتصارات الوهمية المشبعة بالهزائم للدولة والوطن”.
بدوره كتب الأمين العام المساعد لتيار أهل السنة في لبنان ربيع حداد: “أجندة حزب إيران تسعى لخلق منطقة آمنة في القلمون، والآتي أعظم، والتجييش الحاصل في الإعلام تجاه اللاجئين السوريين إما هدفه إجبار الأشخاص العودة إلى حضن نظام الأسدالذي كان سببًا في تهجيرهم، أو لدفعهم إلى الجبهات، أو مصيرهم إلى المعتقلات”.
مليشيا الحزب دخلت الأراضي السورية وتسببت في دمار المدن السورية وتهجير أهلها
أما وزير العدل اللبناني السابق اللواء أشرف ريفي، فقال: “الحكومة اللبنانية ضعيفة منذ تشكيلها ورهينة بيد ميليشيات حزب الله ونظامنا البرلماني الديمقراطي تحوّل إلى نظام تملي عليه مليشيات حزب الله القرار”.
وجزم بأن سلاح حزب الله في لبنان لم يعد سلاح مقاومة، ولكن سلاح مليشيا لا يختلف عن الحشد الشعبي في العراق.
وتابع: “أدعو تيارالمستقبل والقوات اللبنانية لإعادة النظر بالاستمرار بحكومة تضع رأسها برمال الوصاية الإيرانية، اليد ممدودة على قاعدة الالتزام بالثوابت”.
شهادة مؤسس الحزب
أما مؤسس حزب الله اللبناني (المنشق عنه) صبحي الطفيلي، فطالب بمحاكمة كل من تورط في قتل وتعذيب اللاجئين السوريين في عرسال.
قائلاً إن تبرير الجيش اللبناني قتل بعض اللاجئين تحت التعذيب في السجون، والزعم أنهم توفوا عرضًا، يسيء للجميع، وتابع: حزب الله يحاول ومنذ زمن إقحام جميع المؤسسات العسكرية في لبنان بالقضية السورية، والسلطة الفعلية الحقيقية في لبنان لمن يملك السلاح، في إشارة إلى حزب الله.
وأضاف: سنّيّة عرسال تجعل الجيش وحزب الله حذرين في التعاطي مع الأحداث الحالية، متمنيًا أن تحل القضية بشكل سياسي، والاقتراب كثيرًا من النار قد يحرق الجميع.
الجيش اللبناني لم يستطع أن يمنع تلك المليشيات من احتلال مدن في دولة مجاورة
ورغم ذلك، أكد الطفيلي أن حزب الله لاعب متواضع جدًا في سوريا، مهما حاول الإعلام تضخيمه، كونه مجرد جندي تابع لإيران.
وقال الطفيلي: “اليوم القدس محاصرة، وأطفالنا في القدس يضربون بكل أنواع الأذى، ولكن نحن نهاجم عرسال، فمن صنع الإرهاب الذي تتحدثون عنه، أطفال سوريا المهجرين في الحر والبرد بالجبال وأقول لأشراف الجيش اللبناني: ما يفعله البعض باسمكم يذبح المؤسسة العسكرية”.
الحزب التابع لإيران، يتمدد وسط صمت دولي وعربي على السواء، وهو لم يكتف بالهيمنة على القرار في لبنان واغتيال قادة الدولة اللبنانية، ولكنه كذلك أداة في مشروع الولي الفقيه في اليمن والعراق وسوريا والبحرين، مليشيا الحزب دخلت الأراضي السورية وتسببت في دمار المدن السورية وتهجير أهلها، وا سيما القلمون ومحيط دمشق وحلب وحمص، والغريب أن الجيش اللبناني لم يستطع أن يمنع تلك المليشيات الإرهابية من احتلال مدن في دولة مجاورة، وحتى لو كانت هناك انتصارات جانبية للحزب، فإن على المدى الطويل الأرض ستبقى لأصحابها وسكانها.