على بُعد خطوات غيرِ كثيرة من ميدان تقسيم وشارع الاستقلال الشهيرين، وفي قلب حيّ “جيهانغير” الفريد ، يقع شارع “شكرجمعة”، أرض المحلات القديمة ودكاكين الأنتيكا، ، والذي كان فيما مضى موطنًا لمجتمعٍ يونانيّ كبير، تركَ آثاره في الحيّ وبناياته، إذ تستطيع أن تستشّفها في وقتنا هذا متى ما قررتَ التسكع والتجوّل في شوارعه وبين أزقته.
يقولون في إسطنبول إنْ كنتَ تريد أنْ تشعر وكأنكَ في باريس، فاذهب إلى جيهانغير، فمعظم بنايات ومنازله الحيّ تعود لأواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والتي تأثرت عَمارتها بالعّمارة الأوروبية بشكلٍ عام والعَمارة الباروكية الفرنسية بشكلٍ خاص.
والباروكيّة مصطلح يُطلق على أشكال كثيرة من الفنّ الذي ساد أوروبا بدءًا من القرن السادس عشر، ومعناه الحرفيّ “شكل غريب، غير متناسق، أو معوّج”. أكثر ما يميّز المبانيَ المصممة على الطراز الباروكيّ هو الأشكال المنحنية والاستخدام المُتقن والمعقّد للأعمدة والمنحوتات واللوحات المزخرفة.
ومن المعروف أنّ الحيّ يُعتبر موطنًا لكثير من الفنانين والمثقفين والكتاب والأدباء والممثلين والموسيقيين على حد سواء، الأتراك أو الأجانب الوافدين إلى إسطنبول، ففيه يقع منزل الأديب التركي الشهير “أورهان باموق”، إلى جانب متحف يحمل اسم روايته “متحف البراءة”، والذي يعرض أحداث الرواية بطريقةٍ جذابة.
لكنّ أكثر ما قد يثير الاهتمام في الحيّ هو محلات ودكاكين الأنتيكا المنتشرة في “شكر جمعة çukurcumaa”، الذي يحتوي على أكثر من 150 محل” أنتيكا”، تعود محتوياتها المتنوعة والمتعددة لأزمان عدة، ما يمنح زائرها جولة فريدة من نوعها في الزمن الغابر.
ترجع بداية محلّات الأنتيكا في ذلك الشارع للسبعينيات من القرن الماضي، إذ بدأ بعض أصحاب المحلّات هناك بالاهتمام بالأشياء القديمة وتجميعها، قبل أنْ ينتشر الأمر أكثر وأكثر في إسطنبول وتكبر المنافسة بين المحلات، لكنّ “شكرجمعة” ما زال يحافظ على رونقه الأول والأجمل.
الطريقة المُثلى لاستكشاف جيهانغير هي التجول بشكلٍ عشوائيّ فيه، فلا تحتاج لخطة سيرٍ أو جدول، اجعل قدميك تقودانك حيثما تريدان دونما تفكير، لكن هيّء نفسك للكثير من الشوارع العمودية والسلالم الطويلة، فالحيّ أصلًا يقع على تلّةٍ صغيرة تطلّ على مضيق البسفور، ما يمنح العينَ منظرًا خلابًا إضافةً لما يوجد في الحيّ نفسه، خاصة من خلال الأزقة الضيقة المُرسَلة للأسفل وكأنها تسير تجاه البسفور وبريق مياهه الزرقاء.
أمّا عن محلات الأنتيكا فيمكنكَ دخولها والغوص في التاريخ برفقة أشيائها ومقتنياتها حتى وإن لم تشترِ منها شيئًا، فأصحاب المحلات ودودون يستقبلون الزوّار بكل رحابة وود.
ففي حال وصلتَ تقسيم أو قصدتَ الاستقلال، عرّج على الحيّ واحظَ بجولةٍ جميلة برفقة الزمن الغابر، بعيدًا عن ضجة الأماكن السياحية الأخرى واكتظاظها.