لإن أعلنت حركة مجتمع السلم (حمس) أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر الوحدة الكاملة مع جبهة التغيير الإسلامية بعد انقسام دام سنوات، فإن شبح الانقسام يبقى موجودًا في ظل اختلاف الرؤى بين زعيمي الحزبين بشأن عودة الحركة لحضن السلطة والمشاركة في الحكومة.
وحدة بعد انشقاقات متتالية
بعد قرارها الدخول في قوائم موحدة مع حمس تحت اسم “تحالف حركة مجتمع السلم“، في الانتخابات التشريعية الماضية التي جرت في 4 من مايو، قررت جبهة التغيير الإسلامية في الجزائر الاندماج الكلي مع الحركة الأم “حركة مجتمع السلم”، لتنهي بذلك انقسامًا دام سنوات عدّة، حيث إن جبهة التغيير تأسست مطلع عام 2012 من رحم حركة مجتمع السلم، وذلك بسبب ما وصفه المنشقون بـ”انحراف الحركة عن أهدافها”.
مقري: “مشروع الوحدة مع جبهة التغيير سيكون فرصة لتقوية الحركة لتكون قادرة على مجابهة التحديات كافة التي تشهدها الساحة الوطنية”
وفي مؤتمر الوحدة، انتخب رئيس جبهة الإصلاح والوزير السابق عبد المجيد مناصرة (1997 – 2002) رئيسًا لحركة حمس حتى شهر ديسمبر المقبل ثم يعود المنصب إلى عبد الرزاق مقري حتى شهر مايو المقبل لينظم بعد ذلك مؤتمرًا وطنيًا يزكي قيادة جديدة لأكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر.
وتعرضت حركة حمس منذ رحيل مؤسسها محفوظ نحناح في العام 2006، إلى عدة انشقاقات متتالية بسبب الخلافات الداخلية بشأن الخط السياسي للحركة، أفرزت أحزاب جبهة التغيير والبناء الوطني وتجمع أمل الجزائر، وفشلت بعدها كل محاولات الاندماج وإعادة المنشقين إلى حضن الحركة الأم، وكان الوزير السابق عمار غول، أول المغادرين لحمس حيث اتجه إلى تأسيس حزب تجمع أمل الجزائر (تاج).
كما أسس عبد المجيد مناصرة حركة التغيير، أما مصطفى بلمهدي فأسس مع قياديين آخرين حركة البناء الوطني التي تحالفت في الانتخابات التشريعية الأخيرة مع الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء.
عرفت حركة حمس العديد من الانشقاقات منذ تأسيسها
خلال كلمته في أثناء المؤتمر الاستثنائي المنعقد الأسبوع الماضي، قال عبد الرزاق مقري رئيس الحركة قبل انتخاب مناصرة رئيسًا لها: “هذا اليوم هو يوم المحمدة، هذا اليوم هو يوم الوحدة، إنه يوم عالي الرمزية، سامق القيمة، غالي القدر محبب للنفوس، نضع به بفضل هؤلاء الأفاضل الحاضرين لبنة من ذهب تجعلنا أكثر إيمانًا باستكمال المشروع حتى يتم بنيانه، إنها الوحدة التي صارت عند المسلمين القيمة المستحيلة أو السهل الممتنع، أفتى العلماء بوجوبها شرعًا وضرورتها واقعًا، ولكنها لم تعرف إلى حياتنا طريقًا، فلعلنا اليوم قد سلكنا مسلكًا ممهدًا لترسيخها في الأذهان وتطييبها للنفوس، لتصبح سلوكًا شائعًا في زمن يزداد التفرق فيه اتساعًا في بلدنا وسائر بلاد المسلمين”.
وبحسب مقري، فإن “مشروع الوحدة مع جبهة التغيير سيكون فرصة لتقوية الحركة لتكون قادرة على مجابهة التحديات كافة التي تشهدها الساحة الوطنية، ونرجو أن يساهم هذا المشروع في توسيع رقعة حركة مجتمع السلم مستقبلاً”، من جانبه اعتبر عبد المجيد مناصرة هذا القرار تحقيقًا لرغبة المناضلين في لم شمل وتحقيق الوحدة بين أبناء حركة الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح.
وحدة مؤقتة ومخاوف من الانقسام
هذه الوحدة التي ستمرّ بفترة تجريبية تمتد 10 أشهر، تحمل في طياتها خلافات كبيرة بين الطرفين لها أن تهددها وتؤدي إلى الانقسام مجددًا إذا لم يحسن التعامل معها، خاصة في مسألة عودة الحركة لحضن السلطة الحاكمة والمشاركة في الحكومة.
وفي مايو المقبل، سينعقد المؤتمر العادي للحركة، وفق القانون الأساسي والنظام الداخلي الذي صادق عليه المؤتمرون، وطبقًا لأحكام بنود ميثاق الوحدة بين حمس وجبهة التغيير التي تنص على عقد المؤتمر القادم في غضون سنة من انعقاد المؤتمر الاستثنائي للوحدة، وتتخلل فترة رئاسة مناصرة للحركة، تنظيم انتخابات محلية شهر نوفمبر المقبل، تعد بمثابة امتحان لمناصرة لإثبات قدرته على تسيير حركة الراحل محفوظ نحناح.
برأي مقري فإن شروط التوافق مع أحزاب السلطة غير متوفرة بعد تزوير الانتخابات
ويوجد في الحركة الآن تياران متناقضان بشأن مسألة العودة إلى أحضان السلطة، حيث يميل الرئيس الجديد لحمس عبد المجيد مناصرة إلى عودة الحركة لحضن السلطة والمشاركة في الحكومة، عكس مقري الرافض لذلك، والذي امتنع مايو الماضي عن قبول المشاركة في حكومة عبد المجيد تبون الحالية، وأكد أن الاصطفاف في خط المعارضة أحسن من الارتماء في قطب الموالاة.
تلقت حركة مجتمع السلم الجزائرية الحائزة على المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحصولها على 33 مقعدًا من أصل 462 هو عدد إجمالي مقاعد البرلمان، بعد كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، دعوة للمشاركة في الحكومة، إلا أنّها رفضت ذلك، وكانت حركة مجتمع السلم قد أنهت في يونيو 2012 مشاركتها في الحكومة، بعد 17 سنة من مشاركتها في الحكومات منذ عام 1995، وفكت ارتباطها السياسي مع التحالف الرئاسي الذي كان يجمعها بحزبي السلطة: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، احتجاجًا على ما اعتبرته تزويرًا للانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2012.
يرفض مقري العودة إلى الحكومة مقابل حثّ مناصرة على ذلك
وبرأي مقري فإن شروط التوافق مع أحزاب السلطة غير متوفرة بعد تزوير الانتخابات، إضافة إلى أن حركة مجتمع السلم ترفض خطاب الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) الذي يقول إنه يرحّب بجميع التحالفات، لكن على الجميع أن يعلم مسبقًا أن برنامج الرئيس بوتفليقة خط أحمر غير قابل للمناقشة، ورد مقري على هذا الخطاب قائلًا إن حركته لا تعترف بأي خطوط حمراء، وترفض هذا الكلام.
وتتشكّل خارطة التيار الإسلامي في الجزائر من 6 أحزاب رئيسية، تضمّ حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم وجبهة التغيير، بالإضافة إلى حركة الإصلاح الوطني التي تعد الحزب الإسلامي الوحيد الذي لم يدخل تحالفات جديدة بسبب أزمة داخلية بين قياداته.