أثارت موجة تقارير إعلامية عن نية وزير الخارجية الأمريكي الاستقالة من منصبه، موجة عارمة من اللغط بشأن خلافات مع البيت الأبيض وتصدع إدارة ترامب، جعلت الخارجية الأمريكية تخرج أمس وتؤكد أن رئيس الدبلوماسية ريكس تيلرسون لا يعتزم الاستقالة من منصبه، نافية التقارير التي أشارت إلى خلافات مع البيت الأبيض.
وذكرت شبكة “سي إن إن” أن تيلرسون يعتزم المغادرة بنهاية العام، وهو ما نفته المتحدثة “هيذر نويرت” بشكل قاطع، وقالت للصحفيين: “المعلومات كاذبة، تحدثنا إلى الوزير وكان واضحًا جدًا أنه يعتزم البقاء في وزارة الخارجية”، وأضافت “لدينا الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، وهو يدرك ذلك، إنه منهمك تمامًا في ذلك العمل”، وردًا على سؤال عن برنامج عمل تيلرسون غير المثقل، قالت نويرت إن وزير الخارجية أخذ إجازة قصيرة.
وتعد الخلافات المتزايدة مع البيت الأبيض بخصوص السياسة المتعلقة بإيران والموظفين وحصار قطر والأزمة السورية وطريقة الإدارة، ملفات ساخنة شهدت خلافًا بين رؤية المؤسسة الرئاسية ومؤسسة الخارجية الأمريكية بقيادة تيلرسون، إضافة إلى أسلوب الرئيس دونالد ترامب الفوضوي والمربك في السياسة الخارجية، حسبما أفادت “سي إن إن”.
استقالات متتالية
تأتي هذه الأنباء بعد أيام قليلة من استقالة المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، احتجاجًا على تعديل في فريق الاتصالات الحكومي، حسبما أفادت تقارير، وسبق أن تعرض سبايسر في الأسابيع الأخيرة لانتقادات في ظل الفوضى التي تسود الدائرة الإعلامية في البيت الأبيض، حيث رأى خبراء أن ترامب متهم بالمساهمة في هذه الفوضى عبر تغريداته ومقابلاته.
قبل استقالة شون سبايسر ومايك ودبكي استقال مايكل فلين مستشار الأمن القومي والمحرك الرئيسي لخطط ترامب لسياسة التعاون الوثيق مع موسكو
شون سبايسر علل استقالته بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” باستيائه من تعيين الرئيس ترامب لمدير جديد للاتصالات، إذ عين ترامب “أنتوني سكاراموتشي”، رجل الأعمال والمستثمر في وول ستريت، في منصب مدير الاتصالات الحكومية الذي كان يشغله سبايسر جزئيًا.
وذكرت “نيويورك تايمز” أن سبايسر عارض بشدة تعيين سكاراموتشي، ويعتقد أن تعيينه خطأ كبير من جانب الإدارة الأمريكية، وقال سبايسر في ظهور له على محطة “فوكس نيوز” الإخبارية إن تعيين سكاراموتشي مخاطرة بـ”كثير من الطهاة في المطبخ” في إدرة الإعلام بالبيت الأبيض.
المتحدث باسم البيت الأبيض المستقيل شون سبايسر
وكان مدير الاتصالات في البيت الأبيض مايك دوبكي قد قدم استقالته في 18 من مايو/أيار الماضي بعد مرور 3 أشهر فقط على توليه منصبه، بعدما كان الرئيس ترامب قد عين دوبكي من أجل إعادة صياغة الاستراتيجية الإعلامية داخل البيت الأبيض، وعدت الفترة التي شغل مايك دوبكي فيها هذا المنصب النافذ والبعيد عن الأضواء، حافلة بالأزمات، ورغم أن مدير الاتصالات شخصية معروفة بشكل أقل من سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض، فإنهما يرسمان معًا الأجندة الإعلامية للبيت الأبيض.
شون سبايسر علل استقالته باستيائه من تعيين الرئيس ترامب لمدير جديد للاتصالات هو “أنتوني سكاراموتشي”
لم تتوفر معلومات وتفاصيل بشأن أسباب رحيل دوبكي، ولكن في رسالة بعثها عبر البريد الإلكتروني إلى أصدقائه، قال دوبكي: “الأسباب التي تقف وراء رحيلي شخصية، لكن كان شرف عظيم أن أعمل مع الرئيس ترامب ومع الإدارة الحالية”.
وقبل مايك دوبكي وشون سايسر، استقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايكل فلين بعد فضيحة اتصالات مع روسيا، واتهم فلين بمناقشة موضوع العقوبات الأمريكية مع السفير الروسي في الولايات المتحدة قبيل تولي ترامب مهام الرئاسة، وأفادت تقارير بأنه ضلل مسؤولين أمريكيين بشأن محادثته تلك مع السفير الروسي.
واعتبر مسؤولون أمريكيون، فلين، بأنه المحرك الرئيسي لخطط ترامب لسياسة التعاون الوثيق مع موسكو قبل ضبطه في محاولة تضليل كبار المسؤولين في البيت الأبيض بشأن محادثاته الهاتفية مع سفير روسيا لدى الولايات المتحدة، سيرغي كيسليك.
وزير العدل الأمريكي سيشنز
ويعد فلين المهندس الأول لمرحلة من التعاون بين إدارة ترامب وموسكو في قضايا الشرق الأوسط، من حيث إنجاز هدف أمريكي جديد يتمثل بتقليص النفوذ الإيراني في العراق وسوريا وتحجيم دور طهران في المنطقة وإبعاد المليشيات المسلحة المدعومة منها عن المناطق الحدودية، خاصة مع الأردن وإسرائيل.
كما تتداول أخبار عن توقع العديد من المحليين استقالة وزير العدل سيشنز، في أي لحظة، بعد أن قال مدير الاتصالات مايك دوبكي في البيت الأبيض إن الرئيس لا يريد بقاءه في فريق إدارته، وبعد تغريدة لترامب كتب فيها، أن سيشنز ضعيف في موقفه تجاه المرشحة السابقة هيلاري كلينتون وقضية بريدها الإلكتروني.
ماذا لو استقال تيلرسون فعلاً؟
اعتبرت روسيا على لسان فلاديمير جاباروف، عضو لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسى – البرلمان الروسى – أن الاستقالة المحتملة لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، ستعني خسارة للرئيس ترامب والاستعداد لحرب باردة.
وقال الرجل في تصريحات أمس الثلاثاء، لقناة “روسيا اليوم” إن روسيا ستعمل دون شك مع أي وزير خارجية أمريكي آخر، لأن هذا الأمر يعتبر من الشؤون الداخلية الأمريكية، وأشار إلى أن تيلرسون، دعا لإقامة حوار واتصالات مع روسيا، وفى حال استقالته فسيفقد ترامب شخصًا مهمًا جدًا بالنسبة له.
الاختلافات الكثيرة بين رؤى الرجلين بشأن العديد من القضايا كانت سببًا دسمًا لامتعاض وزير الخارجية تيلرسون من ترامب وسياساته
فيما علق باحثون على أخبار استقالة تيلرسون بأن “تيلرسون قبطان سفينة مهمشة بدأ طاقمها يغادر شيئًا فشيئًا”، فجميع الملفات المهمة، من إيران إلى السلام في الشرق الأوسط إلى محاربة تنظيم داعش، مركز قرارها البيت الأبيض وليس وزارة الخارجية، فتيلرسون مهمش على الساحة الدولية وفي واشنطن، كما رأى الباحث أليكس فاتانكا، وهو باحث في معهد الشرق الأوسط، وأشار مراقبون أن تيلرسون يضطر إلى أن ينظف وراء البيت الأبيض، ووراء تغريدات الرئيس غير المدروسة.
الاختلافات الكثيرة بين رؤى الرجلين بشأن العديد من القضايا كانت سببًا دسمًا لامتعاض وزير الخارجية تيلرسون من ترامب وسياساته، وتشير المعلومات إلى أن تيلرسون باتت لديه قائمة طويلة من الاعتراضات على الأداء في البيت الأبيض، بما في ذلك الموقف من السياسات تجاه إيران ولكنه على ما يبدو راغب في الاستمرار بمنصبه حتى نهاية العام على الأقل، بانتظار الانتهاء من عملية إعادة ترتيب وزارة الخارجية وتنظيم عملها بشكل يمكن له الحديث عن إنجازات شخصية خلال وجوده في منصبه، ولكن مصادر تحدثت لـCNN قالت إنها “لن تستغرب” إقدام تيلرسون على الاستقالة من منصبه في وقت أبكر بكثير من نهاية العام.
فتيلرسون دعا إلى التزام الحياد في الأزمة القطرية، قائلاً: “ندعو المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى تخفيف الحصار على قطر، فهناك عواقب إنسانية للحصار”، رغم أنها مقاطعة وليست حصارًا، بينما قام ترامب بعد ساعات بإصدار موقف مخالف ودعم السعودية بقوة قائلاً إن خطوات السعودية “صعبة ولكن ضرورية”، وأوضح مسؤولون لاحقًا أن الخلاف بين الرجلين في اللهجة وليس السياسة.
مصادر صحفية أشارت أنها “لن تستغرب” إقدام تيلرسون على الاستقالة من منصبه في وقت أبكر بكثير من نهاية العام
أما في القضية الإيرانية فيشرف تيلرسون على وزارة خارجية يعمل فيها الكثير من الأشخاص الذين ساعدوا في التوصل إلى الاتفاق النووي، والذين يعتقدون أنه إنجاز يستحق العمل به، يقول فاتانكا: “بينما البيت الأبيض مليء بموالين سياسيين لترامب ليس لديهم خبرة في الموضوع الإيراني، ويريدون أن ينتقموا من إيران بسبب تصرفاتها في العراق والشرق الأوسط”، ويُشار أيضًا أن تيلرسون عارض موقف الرئيس من اتفاقية باريس بشأن المناخ، والتي انسحبت الولايات المتحدة منها رغم معارضة تيلرسون.
وأخيرًا فإن استقالة وزير بحجم وزير الخارجية الأمريكي ستكون مدوية في كل المقاييس للإدارة الأمريكية عمومًا ولإدارة ترامب المتصدعة خصوصًا، ومن غير المعروف حتى الآن من الشخصيات التي قد تخلف تيلرسون في منصبه في حال استقال بالفعل.