هل تغير الوجدان العراقي تجاه “إسرائيل” من العداء للمحبة؟

646558-mtzhrw-ltyr-lsdr-f-sh-lthryr-wst-bgdd

“الإرهاب هو نفس الإرهاب سواء في أورشليم أو بغداد، كل من يبيح دماء الغير إرهابي حقير مهما كانت أسبابه ومبرراته لعملياته الشنيعة”، بهذه العبارة رد مدير صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” على شابة عراقية كتبت تعليقًا على صورة نشرتها الصفحة لملابس ضابط عراقي مع عبارات تضامن مفادها أن “إسرائيل” والعراق يعانون من نفس المشكلة وهي “الإرهاب” أو هكذا تحاول الصفحة الرسمية تصدير الصورة، متناسية أن هذا التعليق يدينها قبل غيرها كعصابات سفكت الدماء منذ عشرات السنين، فمذابح صبرا وشتيلا وصورة محمد الدرة لم تغادر ذاكرة الكثيرين بعد!

في العراق المشهد يشبه حالة من جنون الفوضى يحاول الجميع استغلالها بغرض تمرير ما يرغب، ولعل “إسرائيل” أكثر من يتقن هذه اللعبة، فلعبت على ورقتين رابحتين ضمن هذه الفوضى “ورقة الإرهاب” و”ورقة الأقليات المضطهدة”، محاولة تصدير رسالتين للعالم، نحن نتعرض للإرهاب الفلسطيني كما يتعرض العراق للإرهاب الداعشي، والرسالة الثانية نحن مضطهدون كأقلية يهودية في محيط عربي كبير كما يحدث للأقليات في العراق!

هل تغير رأي الشعب العراقي تجاه “إسرائيل”؟

لا يخفى على الجميع حجم العداء التاريخي العراقي الصهيوني، بداية من السبي البابلي ويتوسط المشهد صلاح الدين الأيوبي نهاية بحروب العرب مع الاحتلال، وأعتقد أن قبور شهداء العراق موزعة على طول رقعة أرض فلسطين ومعركة جنين ليست عنا ببعيد.

كل هذه المشاهد، هل بقت محفورة عميقًا في كيان ووجدان الشعب العراقي رغم كل محاولات “إسرائيل” اللعب على الأوتار العاطفية الآنية؟

في الحقيقة لم يكن عناصر جيش القدس من المتطوعين كما روج له في ذلك الوقت، ولكن من الناس البسطاء الذين تم إجبارهم على ترك أعمالهم وعوائلهم للالتحاق بمعسكرات التدريب، رغم الوضع الاقتصادي الصعب لغالبية الشعب العراقي بعد 10 سنوات من الحصار الاقتصادي 

تنقم شريحة اجتماعية عراقية على القضية الفلسطينية منذ عام 2000، فعند انطلاق الانتفاضة الثانية في فلسطين، أمر الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتشكيل جيش إضافي من المتطوعين إضافة للجيش العراقي أسماه جيش القدس، ودرب ما يقارب 5 مليون عراقي لمدة لا تقل عن الشهرين.

في الحقيقة لم يكن عناصر جيش القدس من المتطوعين كما روج له في ذلك الوقت ولكن من الناس البسطاء الذين تم إجبارهم على ترك أعمالهم وعوائلهم للالتحاق بمعسكرات التدريب، رغم الوضع الاقتصادي الصعب لغالبية الشعب العراقي بعد 10 سنوات من الحصار الاقتصادي المفروض على العراق منذ اجتياح الكويت.

هذا الفعل الاستعراضي الذي أقدم عليه نظام البعث في العراق كان بداية تكوين التيار الناقم على القضية الفلسطينية، خاصة أن الطلاب الفلسطينيين كانوا يدخلون أرقى الجامعات العراقية في ذلك الوقت وبدعم لا محدود في فترة كان العراقي يموت جوعًا نتيجة الحصار وهذا جعل الكثير من العراقيين ينظر لفلسطين وقضيتها على أنها أحد أسباب ظلمه وتسلط نظام ديكتاتوري على رقبته.

إضافة للسبب الأول فإن شريحة إضافية تعتقد أن معاداة صدام حسين لـ”إسرائيل” كانت أحد أسباب الدمار والخراب الذي أصاب العراق، خاصة بعد الكشف خلال السنوات الماضية عن عدد من الملفات والوثائق التي تبين تطبيع واسع وكبير بين دول عربية وخليجية مع “إسرائيل”، مما خلق لدى هذه الشريحة تصورًا أن الاستقرار الذي تتمتع به دول مثل الإمارات والأردن ليس إلا نتيجة التنسق والتطبيع العالي مع دولة الاحتلال.

إضافة لهذه الشريحة التي لا تخلو من البراغماتية في التفكير، هناك شريحة ثانية متأثرة بدعاية “الإرهاب” خاصة من المتضررين بشكل مباشر من أعمال الإرهاب في العراق، وأذكى هذا التصور نقطتين أساسيتين: الأولى وجود عدد من المقاتلين الفلسطينيين المنتمين لتنظيم القاعدة ثم داعش، بعضهم فجر نفسه في العراق وراح ضحية تفجيراتهم عدد من العراقيين، والنقطة الثانية رد الفعل الفلسطيني تجاه مجموعة ملفات عراقية منها إسقاط صدام والحرب على الإرهاب والعلاقة مع تركيا وإيران، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خلق تصورًا لدى شريحة ثانية من العراقيين أن الفلسطينيين مؤيدين بشكل أو بآخر لما يحدث للعراق.

فعندما يتحدث عدد غير قليل من الشباب الفلسطيني الذي تصدر منصات التواصل الاجتماعي عن المشهد العراقي بطريقة تدل على جهل شبه تام بما يحدث للعراق، فإن هذا التعاطي غير الصحيح خلق هذه الشريحة أو على الأقل ساهم في خلقها، خاصة أن “إسرائيل” تعمل على فتح هكذا نقاشات عراقية فلسطينية عبر منصاتها باللغة العربية وتصل لنتيجة مرضية بهذا الفعل.

حاولت “إسرائيل” استقطاب الأقليات العرقية العراقية التي تعرضت لإرهاب داعش المجرم، واستغلال معاناتهم في تسويق رسالتها أننا أقلية يهودية تتعرض للإرهاب من أكثرية في محيط عربي

فلا يكاد يوجد منشور على صفحة “إسرائيلية” يتحدث عن العراق حتى تجد سيلاً هائلاً من التعليقات التي تدل على جهل عام لدى الشريحتين الشابة العراقية والفلسطينية كل منهم تجاه الآخر وهنا تكمن الكارثة.

إضافة للشريحتين أعلاه حاولت “إسرائيل” استقطاب الأقليات العرقية العراقية التي تعرضت لإرهاب داعش المجرم، واستغلال معاناتهم في تسويق رسالتها أننا أقلية يهودية تتعرض للإرهاب من أكثرية في محيط عربي، شبيه لما تعرضت له الأقلية الأيزيدية مثلاً من أكثرية عربية.

هذا الانطباع للأسف خطير على العراق قبل غيره، فهذه الرسالة تدين غالبية الشعب العراقي على أساس أنهم الأكثرية الظالمة للأقليات من الأيزيديين والمسيحيين، وتظهر الصورة كأن العراق من اضطهد هذه الأقليات وليس تنظيم إرهابي عابر للحدود بلا جنسية من قام بقتل وتهجير وتدمير مدن عراقية وأهلها بغض النظر عن الدين والقومية واللون والجنس.

لا يمكن إنكار غياب الإجماع العراقي على القضية الفلسطينية منذ مطلع الألفية، ولكن لا يمكن أيضًا إغفال التراكم التاريخي ودماء شهداء العراق في حروبه للدفاع عن فلسطين

كما أن ساسة العراق الجدد بعد 2003 بعضهم يتبنى سياسية الانفتاح على “إسرائيل” حتى لو كان الأمر بشكل سري أو علني كما فعل سابقًا النائب العراقي مثال الألوسي خلال زيارته لتل أبيب 2005، وقد طرح مثال وغيره نقطة أن الجميع لديهم علاقة مع تل أبيب، فلماذا الضحك على أنفسنا بطرح المعاداة والحقيقة غير ذلك؟

لا يمكن إنكار غياب الإجماع العراقي على القضية الفلسطينية منذ مطلع الألفية بسبب الأسباب أعلاه مجتمعة ومتفرقة، ولكن لا يمكن أيضًا إغفال أن التراكم التاريخي ودماء شهداء العراق في حروبه للدفاع عن فلسطين، وبعد القضية الدينية كون الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين سيبقى في ضمير ووجدان عدد غير قليل من الشعب العراقي وأن الأسباب أعلاه أغلبها مؤقتة ستزول بزوال مسبباتها وتنتهي.

تبقى الحقيقة أن الشعب الفلسطيني شعب تعرض للإرهاب الصهيوني رغم كل ما يحاول الإعلام ترويجه وأن “إسرائيل” لم تكن يومًا متعاطفة مع الشعب العراقي وقضاياه وإنما كانت دائمًا جزءًا من المشكلة وليست جزءًا من الحل، وكل القرائن تدل على أن الصهاينة استخدموا داعش كما فعل غيرهم، وهذا دليل على أنهم شركاء بالدم العراقي كما فعلوا بالدم الفلسطيني ومحاولتهم لطمس الحقائق سحابة صيف ستنجلي قريبًا.