هل تفلح عرقلة التغطية الإعلامية لحراك الريف في إخماد صوته؟

بعد فشلها الذريع في وقف انتشار حراك الريف والحد من فعاليته داخل مدن الشمال خاصة وباقي مدن المملكة عامة، لجأت السلطات المغربية إلى عرقلة عمل الصحفيين المحليين والأجانب الراغبين في تغطية الحراك الذي تعيشه منطقة الريف والمتواصل منذ أكتوبر 2016، علّها تمنع إيصال صوت المحتجين، مما جعل العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تنتقد ذلك وتستنكر هذه الممارسات.
عرقلة التغطية الإعلامية
انضمت منطقة الريف المغربي إلى الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها ولا الحديث عنها ولا الخوض في مشاكلها من قبل الإعلاميين، إلى جانب الأمور المتعلقة بالملكية والأوضاع في الصحراء الغربية والعديد من المواضيع الحساسة الأخرى، وكل من تخول له نفسه تجاوزها تعرض لما لا يحمد عقباه، وسبق أن أكدت منظمة مراسلون بلا حدود أن المغرب يواصل ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة، وذكرت أن حالات طرد الصحافيين الأجانب ازدادت عام 2016.
مراسلون بلا حدود: المغرب يواصل ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة
منظمة مراسلون بلا حدود قالت في بيان لها الإثنين الماضي، إنها وثقت العديد من الانتهاكات ضد حرية الإعلام في شمال المغرب، عبر عرقلة عملها في تغطية احتجاجات الحسيمة، وفي هذا الصدد قالت ياسمين كاشا مسؤولة مكتب شمال إفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود إن وضع الصحفيين المغاربة والأجانب الذين يغطون الأحداث الجارية في شمال المغرب لا يزال يشهد تدهورًا مستمرًا، فمن خلال محاولة منع التغطية الإعلامية لمظاهرات الريف، تجعل السلطات المغربية تدريجيًا من هذه المنطقة منطقة فوضى يستعصى على وسائل الإعلام المستقلة الوصول إليها.
وفي تصنيفها السنوي الأخير لحرية الصحافة، صنفت منظمة مراسلون بلا حدود المملكة المغربية في المرتبة الـ133 على جدول التصنيف من أصل 180، وأدرجتها ضمن فئة البلاد ذات الوضع الصعب، التي تلي مباشرة القائمة السوداء لأسوأ البلدان في العالم لممارسة الصحافة، متأخرًا عن السنة السابقة التي احتل فيها الرتبة 131.
إلى جانب مراسلون بلا حدود، صنفت منظمة “فريدم هاوس” المغرب في خانة الدول غير الحرة في تقريرها الأخير في مجال حرية الصحافة، محتلًا المرتبة الـ143 عالميًا من أصل 199 دولة، وحصل على 65 نقطة من 100 في تقييم مستوى الحرية في ممارسة الصحافة.
اعتقالات في صفوف الصحفيين
المنظمة طالبت في بيانها السلطات المغربية بإطلاق سراح الصحفيين المغاربة الذين ما زالوا قيد الاعتقال، وإدانة جميع الاعتداءات الجسدية ضد الإعلاميين الذين يقومون بعملهم من خلال تغطية هذه الأحداث، وتزامن إصدار هذا البيان مع إصدار المحكمة الابتدائية في مدينة الحسيمة شمال المغرب حكمًا ضد الصحفي حميد المهدوي، مدير نشر موقع “بديل”، بالحبس النافذ ثلاثة أشهر، وغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم (ألفي دولار).
ما زال 6 صحفيين آخرين رهن الاعتقال الاحتياطي في مدينة الدار البيضاء بانتظار محاكمتهم
ونطق القاضي بالحكم فجر اليوم الثلاثاء، بعد محاكمة مطولة فاقت 15 ساعة، وأدين المهدوي بتهم تحريض أشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في الأماكن العمومية، فيما برأته المحكمة من تهمة المساهمة في تنظيم مظاهرة غير مرخص لها.
واعتقل المهدوي يوم الخميس بينما كان يصور مظاهرات الحسيمة التي دعا إليها النشطاء رغم منعها من قبل السلطات المحلية، وأصدرت النيابة العامة في ذلك اليوم بلاغًا قالت فيه إن التحقيق مع المهدوي يتعلق بأفعال لا علاقة لها بالعمل الصحفي كمهنة تتولى جمع الأخبار أو المعلومات أو الوقائع أو التحري أو الاستقصاء عنها بطريقة مهنية بقصد كتابة أو إنجاز مادة إعلامية.
الصحفي المغربي حميد المهدوي
وفي 26 من مايو الماضي، ألقت السلطات المغربية القبض على 7 صحفيين ومعاونين إعلاميين في مدينة الحسيمة وضواحيها بسبب تغطيتهم أنشطة حراك الريف، ووجهت لهم تهم تستند إلى فصول في القانون الجنائي، على الرغم من أنهم كلهم يزاولون مهنة الصحافة أو مهنة قريبة منها منصوصًا عليها في قانون الصحافة، هذا وما زال 6 صحفيين آخرين رهن الاعتقال الاحتياطي في مدينة الدار البيضاء بانتظار محاكمتهم.
ترحيل بعضهم
وإلى جانب هذه الاعتقالات، سجلت منظمة مراسلون بلا حدود وجود عدة انتهاكات ضد حرية الإعلام، أقدمت عليها السلطات المغربية منذ بداية حراك الريف في أكتوبر 2016، والمتمثلة في تعمد عرقلة عمل الصحفيين المحليين والأجانب الراغبين في تغطية الواقع الذي تعيشه منطقة الريف في أقصى شمال المغرب، وأقدمت السلطات على طرد الصحفي الجزائري جمال عليلات حين حاول الدخول إلى المنطقة، وضايقت صحفيين أجانب في أثناء عملهم في المنطقة نفسها، ومنعت وسائل إعلام دولية من تغطية أحداثها.
شهد الشهر الماضي تعليق نشاط قناة “فرانس 24” باللغة العربية في المملكة
بالتزامن مع ذلك، كشفت تقارير إعلامية قيام السلطات المغربية مساء الثلاثاء الماضي بترحيل صحفيين إسبانيين يدعيان بخوصي لويس نافازو وفرناندو سانز من المغرب، دون تقديم أي مبرر أو توضيحات لهذا القرار، إلى جانب ذلك عمدت السلطات المغربية إلى تعطيل خدمة الإنترنت وشبكة الهاتف في جميع مدن الريف المغربي، مما زاد من تعقيد عمل الصحفيين، وشهد الشهر الماضي تعليق نشاط قناة “فرانس 24″ باللغة العربية في المملكة، كما تعرضت الصحفية روزا موساوي والمصور أيوب بنكروم، العاملين لصحيفة” لومانيتيه” الفرنسية، لمضايقات من قبل قوات الأمن في أثناء تغطية وقفة تضامنية مع معتقلي الحراك في مدينة مكناس يوم 4 من يوليو.
كما أوقفت عناصر الشرطة والدرك بنقاط تفتيش الصحفية المستقلة نادية سويني في ثلاث مناسبات بينما كانت متوجهة إلى الريف يوم 20 من يوليو لتغطية المظاهرة الممنوعة للأسبوعية الفرنسية “بوليتيس”، حيث طُلب منها إظهار أوراق هويتها وتحديد أسباب وجودها في المنطقة قبل السماح لها بدخول الحسيمة، ولدى وصولها إلى هناك أثار وجودها انتباه عناصر الشرطة الذين أخذوا رقم سيارتها كما سجلوا حضورها على الميدان بينما كانت تجري مقابلة مع نوال بنعيسى، التي تُعد من الوجوه الرمزية في الحراك، حسب منظمة مراسلون بلا حدود.
الصحفيين الإسبانيين لويس نافازو وفرناندو سانز
وفشلت المحاولات الحكومية المتكررة لتطويقه والحد من فعاليته، مرة عبر الحل الأمني ومرة بتقديم الوعود، وتارة أخرى من خلال التهديد والوعيد، فما إن تهدأ الاحتجاجات قليلًا ويأخذ سكان الريف بعض أنفاسهم، حتى يتجدد الحراك في مدن الشمال المغربي غير آبهين بالطوق الأمني المفروض عليهم.
وتشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من إمزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات خلال محاولته الاعتصام بها لمنع مصادرة أسماكه.