في الـ16 من شهر يوليو الحالي، وصل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى القاهرة، لعرض مبادرته الجديدة بشأن مقايضة الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، لتسليم مدينة الحديدة مقابل تسليم رواتب الموظفين.
ولد الشيخ بعد يومين قضاها في القاهرة، التقى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وقدم له مبادرة تتضمن شروط على حلفاء الداخل اليمني (الحوثي/صالح) فيما يخص مدينة الحديدة.
وفي الـ15 من يونيو الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي الأطراف المتحاربة في اليمن للتوصل إلى اتفاق بوساطة الأمم المتحدة بخصوص إدارة ميناء الحديدة الاستراتيجي واستئناف دفع رواتب الموظفين في وقت تقترب فيه البلاد من المجاعة.
أصبح لدى المؤسسات الدولية الحديث الأبرز فيما يخص الصراع في اليمن، وهو تسليم الرواتب وميناء الحديدة طواعية إلى طرف ثالث
حذرت الأمم المتحدة التحالف العربي الذي تقوده السعودية من أي محاولة لمد الحرب إلى ميناء الحديدة الذي يمثل نقطة حيوية على البحر الأحمر لتسليم المساعدات ويستقبل نحو 80% من واردات اليمن الغذائية، دون أن تضغط على الأطراف أو تبني قرارات تلزمهم بالعودة إلى الحوار السياسي.
وهو نفس الحديث الذي أصبح يدعو إليه المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ دون أن يكون فاعلًا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة، وذلك يعد تراجعًا عن موقفه السابق الداعي لحل الأزمة اليمنية عبر الحوار السياسي بين مكونات الأطراف المتناحرة على السلطة.
ويبدو أن ذلك أصبح لدى المؤسسات الدولية الحديث الأبرز فيما يخص الصراع في اليمن، وهو تسليم الرواتب وميناء الحديدة طواعية إلى طرف ثالث، وتأجيل النقاش في الضغط على الأطراف المتناحرة على السلطة للتوجه إلى طاولة الحوار لإنهاء الأزمة اليمنية، إلى أجل غير مسمى، وهو ما قد يزيد الأمور تعقيدًا، وتتحول الحرب اليمنية إلى صراع منسي وسط المستجدات على الساحة في المنطقة.
وما يؤكد ذلك، حديث وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في وقت سابق من هذا الشهر في أثناء جلسة للجنة المخصصات التابعة لمجلس الشيوخ في واشنطن، أن بلاده تعتقد أنه يمكن وضع الميناء تحت سيطرة جهة ثالثة، وقال: “سيسلم الحوثيون طوعًا ذلك الميناء إلى جهة ثالثة، ليس السعوديون ولا الإماراتيون وسيكون بمقدورنا الدخول”.
وكان إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، قد قال في مجلس الأمن في 30 من مايو إنه اقترح أن يجري التفاوض على اتفاق لتفادي الاشتباكات العسكرية في الحديدة بالتوازي مع اتفاق لاستئناف ضخ الرواتب على مستوى البلاد.
دعم حكومي ورفض حوثي
غير أن المبعوث الأممي أشار إلى أنه لن يلتقي مع الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام المتحالف معهم بزعامة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو ما يؤشر إلى رفض مطلق من قبل الجبهة الداخلية في اليمن (تحالف الحوثي/ صالح) لمناقشة أمر كهذا، لاعتبار أن ذلك خطة سعودية تسعى للسيطرة على الميناء دون خسائر حتى لا تتكرر خسائر التحالف كما في ميناء المخا الذي لم يستطع السيطرة عليه، وما زالت الحرب فيه مستمرة بين الكر والفر منذ إعلانه السيطرة على الميناء في 23 من يناير 2017.
لكن الحكومة المنفية في الرياض، قالت إنها وافقت على خطة للأمم المتحدة من نقطتين تهدف إلى تخفيف المعاناة في الحرب الأهلية، لكن الحوثيين أعربوا عن تشكيكهم.
نرحب بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن وندعو لمزيد من الضغط على الانقلابيين للاستجابة لمقترحات المبعوث الأممي .https://t.co/dltIHBvITP — عبد الملك المخلافي (@almekhlafi52) June 17, 2017
لا يأمن الحوثيون هذه الخطة التي تدعوهم إلى تسليم أهم ميناء، حيث يستطيعون تمويل عملياتهم الحربية من خلاله، ولا يمكن أن يناقشوا مثل هذه الخطة، لكون النتيجة معروفة سلفًا وهي تسليمها طواعية إلى جهة ربما قد تكون لها ولاءات للسعودية أو الحكومة التي تدعمها الرياض.
قراءة في أهم بنود مبادرة ولد الشيخ
في الـ16 من شهر يوليو الحالي، وصل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى القاهرة، لعرض مبادرته الجديدة بشأن مقايضة الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، لتسليم مدينة الحديدة مقابل تسليم رواتب الموظفين.
ولد الشيخ بعد يومين قضاهما في القاهرة، التقى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وقدم له مبادرة تتضمن شروط على حلفاء الداخل اليمني (الحوثي/صالح) فيما يخص مدينة الحديدة.
تتلخص أهم بنود المبادرة أو المساومة التي قدمها المبعوث الأممي في النقاط التالية:
– إعلان محافظة الحديدة منطقة آمنة، وإيقاف أي تدخل عسكري.
– سحب الحوثيين المسلحين من المحافظة بكل مديرياتها أو عناصر لا تنتمي للمؤسسات أو الدوائر الحكومية.
– تسليم المحافظة إلى طرف يمني ثالث لا يتبع الحكومة “الشرعية” ولا يتبع الحوثي/صالح.
– تأسيس مجلس إدارة للمحافظة من أبنائها بمشاركة عضو واحد من أطراف الأزمة اليمنية.
– إلزام البنك المركزي اليمني بفتح فرع له في المحافظة وتسند إدارته لكوادر عربية تعتمدها الأمم المتحدة.
– يضمن المجتمع الدولي تسليم مرتبات الموظفين لمختلف محافظات اليمن وفقًأ لكشوفات عام 2014 بشرط توريد متحصلات الجمارك والضرائب والغاز والنفط لفرع المركزي اليمني في الحديدة.
– تعمل الكوادر العسكرية والإدارية والفنية العاملة عام 2010م في محافظة الحديدة ومن مختلف القطاعات العسكرية والأمنية على حماية المرافق في محافظة الحديدة، على أن يتولى القيادة في تلكم الوحدات ضباط عسكريون ممن لم يشاركوا في العمليات العسكرية من خارج طرفي النزاع.
الحديث عن تسليم الرواتب وميناء الحديدة، ليس من الصواب النقاش فيه في الوقت الحالي، وأبناء اليمن يعانون من الجوع والمرض والموت بمختلف أشكاله
– لخلق الثقة وضمان التنفيذ تفتح سفارات الدول التالية قنصليات لها في محافظة الحديدة (أمريكا/ بريطانيا/ روسيا/ الصين/ فرنسا/ ألمانيا/ الأردن/ مصر ومن يرغب من الدول العربية والأجنبية).
لجأ المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ إلى ترويج مبادرة سعودية من أجل تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية على الأرض، لعدم قدرة التحالف على الحسم العسكري في كل المناطق التي قال إنه سيطر عليها، لكن نوع المبادرة يثير الريبة لدى غالبية اليمنيين، لأن بنودها توحي أن هناك طبخة دولية أو من قبل السعودية تسعى من خلالها للخروج من اليمن بعد تمزيقه إلى دويلات متعددة مستغلة الوضع الإنساني، فيبدو من المبادرة أنها تتخذ ذلك ورقة كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف المملكة العربية السعودية.
المبادرة التي سرب جزءًا منها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في لقائه مع عدد محدود من الإعلاميين، لا يبدو أن هناك التزامات دولية لوقف الطلعات الجوية على اليمن وفتح مطار صنعاء وهي المطالب الأساسية التي يطالب بها تحالف (الحوثي/صالح) للقبول بأي حوار ترعاه الأمم المتحدة.
المبادرة توحي بفشل المجتمع الدولي في إيجاد حلول إدارية نموذجية في المناطق التي يدعون تحررها من قبضة الحوثي وصالح سواء في عدن أو حضرموت وغيرها، مما يعكس عمق الخلافات القائمة وتعدد مصادر القرار.
يلاحظ في المبادرة أنه خصص حزب الإصلاح (إخوان اليمن) لأن يكون عضوًا مشاركًا في إدارة الحديدة، وساواهم بالحكومة والحوثيين وصالح، واعتبرهم جزءًا من المشكلة مع أنهم دائمًا يرفضون هذا المصطلح، لكن وضعهم كمشارك في الأزمة السياسية يشير إلى أن هناك خطة يتم التخطيط لها للقضاء عليهم في اليمن، ولعل اختيار عام 2010 كسنة أساس في اختيار الكوادر الإدارية والفنية والعسكرية في المحافظة ربما لاستبعاد كوادر الإصلاح وهادي الذين تسلموا السلطة عقب ثورات الربيع العربي في العام 2011 مقابل خروج كوادر الحوثيين ولجانهم الثورية، وهذه نقطة لا بد من التأمل فيها مع أخذ بعين الاعتبار الشائعات التي تقول إن هناك اتفاقًا شبه دولي على تسليم اليمن للعميد أحمد علي عبد الله صالح.
حل الأزمة اليمنية عبر الحوار السياسي، من خلاله يمكن أن تنتهي معاناة اليمنيين تدريجيًا، وليس يسامون بها من أجل تحقيق مكاسب سياسية
اليمن أمام سيناريو جديد، والمنطقة أصبح يتحكم بها من يمتلك المال، ولذا ليس من المستبعد أن يتم فرض هذه المبادرة (المساومة) واستصدار قرار أممي فيها على غرار القرار الأممي 2216، لتكون ضمن القرارات الملزمة، وإحالة الملف اليمني إلى جاره الخليجي ليتحكم فيه كما يشاء مقابل مليارات الدولارات، دون أن يأبه العالم لتلك الحالة الإنسانية التي يعاني منها اليمنيون كافة.
لكن ذلك لن يغير من الواقع كثيرًا لدى طرفي صنعاء كونهم لم يعد لديهم ما يخسرونه بعد كل التضحيات التي قدموها وبعد كل الدمار الذي تسببت به السعودية وحلفاؤها، وكونهم يدركون مصيرهم المحتوم من قبل أعدائهم في الداخل والخارج فيما إذا تراجعوا في منتصف الطريق.
وحقيقة أن الحديث عن تسليم الرواتب وميناء الحديدة، ليس من الصواب النقاش فيه في الوقت الحالي، وأبناء اليمن يعانون من الجوع والمرض والموت بمختلف أشكاله (قصف جوي بري وأمراض وانعدام الغذاء)، بل يجب على الأمم المتحدة أو مبعوثها الأممي استغلال الحالة الإنسانية التي وصل إليها الشعب اليمني، للضغط على الأطراف المتصارعة للقبول بالتسوية السياسية لحل الأزمة اليمنية، لأن حل الأزمة اليمنية عبر الحوار السياسي، يمكن أن ينهي معاناة اليمنيين تدريجيًا، ولا يساومون بها من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
فلو انتهت الأزمة اليمنية عبر الحوار السياسي من خلال الضغط الأممي الحقيقي على الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية، لتدفق الغذاء والدواء إلى البلاد وانتهى الحصار وسيبدأ الأعمار للبنى التحتية التي هدمتها الحرب، ومن خلالها تعود الحياة إلى طبيعتها.
استمرار الظهور بمقترحات جديدة بين الفينة والأخرى، لا يمكن أن تصل باليمنيين إلى حلول، فمثل المقترح الأخير لولد الشيخ، يخدم طرف واحد وهو الحكومة المدعومة من الرياض التي سارعت بإعلان مباركتها له ودعمها لهذا القرار، بحجة تعاونها مع التحالف والمجتمع الدولي لمعالجة الأوضاع المتردية بما فيها الأوضاع الصحية وانتشار الكوليرا، لكن هذا المقترح لا يمكن أن يخرج إلى النور للسبب الذي ورد آنفًا في هذا الموضوع.
دعوة المبعوث الأممي الجديدة لا يمكن أن تنجح، وهي مقترح فقط لإطالة الحرب وفترته كمبعوث إلى اليمن، لإظهار موقفه أمام الرأي العالمي، أنه شخصية متحركة تعمل على السلام، لكن يبدو أن هذا المقترح سيكون الأخير له، لأنه أثبت عدم فاعليته في الأزمة اليمنية، وكلما اقترب من الحل أخفق فيه لعدم جديته.
موقف المجتمع الدولي واضح وهو أن النزاع يجب أن يقف واليمن يجب أن يعود لمسار الانتقال السياسي
ومنذ أبريل 2015، قاد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد الجهود الدبلوماسية الأممية في اليمن، بما في ذلك ثلاث جولات مفاوضات فاشلة جرت بوساطة الأمم المتحدة في كل من الكويت وسويسرا.
ورغم إعادة تجديد ولايته في أبريل من هذا العام لستة أشهر أخرى، وتأكيد رئيس مجلس الأمن إلبيو روسيلي للصحافة الشهر الماضي أن مجلسه يؤيد المبعوث الخاص بقوة، فإن الدول الأعضاء في مجلس الأمن، في اللقاءات المغلقة لم تكن متفائلة بقدرة ولد الشيخ أحمد على الدفع بعملية السلام، وقد أقرّ المبعوث الخاص نفسه في بيان صدر عن مجلس الأمن في 30 من مايو الماضي بذلك حين قال: “إننا غير قريبين من اتفاق سلام شامل”.
ويبدو أن عامين من الجهود غير المكتملة التي تقودها الأمم المتحدة بواسطة مبعوثها لإنهاء الحرب لم تسفر عن نجاحات مؤثرة، وحقيقة فإن أعضاء المجلس لا يرون حاليًا أن مجلس الأمن لديه إمكانية معقولة في رسم خيارات واضحة للمضي قدمًا بعملية السلام، بسبب الضغط الإماراتي والسعودي على المجلس بعدم إنهاء الأزمة اليمنية بشكل عادل، ويسعون من وقت لآخر إلى التأثير على الأعضاء لإفشال أي بيان يدعو الحكومة اليمنية للتراجع عن موقفها ومطالبتها بأن يعلن الحوثيون وقوات صالح الاستسلام الكامل.
تراجع في جهود تقريب وجهات النظر
منذ تعيين إسماعيل ولد الشيخ في 25 من أبريل 2015 بديلاً لجمال بنعمر، كانت لديه الكثير من الفرص لتحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية، ليسجل في تاريخه نجاحات شخصية في حل أزمة معقدة في اليمن، لولا تراجعه أكثر من مرة عن مواقفه في حلها.
ففي 21 من أبريل 2016 بدأت المباحثات اليمنية بين المكونات المتصارعة على السلطة (حكومة الرئيس هادي والحوثيون والمؤتمر الشعبي العام) في الكويت من أجل الوصول إلى صيغة سياسية مشتركة برعاية دولية للخروج من الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت في البلاد منذ اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء في 21 من سبتمبر 2014.
ومن خلال الحوار في الكويت، قال ولد الشيخ، إنه استمع لوجهات نظر المشاركين ومخاوفهم، واستخلص من ذلك خارطة طريق تتضمن تصورًا عمليًا لإنهاء النزاع وعودة اليمن إلى مسار سياسي سلمي، بحيث يتضمن إجراء الترتيبات الأمنية التي نص عليها القرار الأممي رقم 2216 وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصاد اليمني، إضافة إلى الإعداد لحوار سياسي شامل لا يستثني أحدًا بما في ذلك المرأة والشباب، يحدد الخطوات الضرورية لتثبيت الحل السياسي الشامل ومنها قانون الانتخابات وتحديد مهام المؤسسات التي ستدير المرحلة الانتقالية وإنهاء مسودة الدستور.
استمرار الحرب أولاً وأخيرًا يستفيد منهه الرئيس اليمني وحكومته، لأنهم يتاجرون بالقضية اليمنية
وأعقبها زيارة في 26 من مارس لبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة السابق إلى الكويت أين المتحاورين اليمنيين، وأبلغهم أن موقف المجتمع الدولي واضح وهو أن النزاع يجب أن يقف واليمن يجب أن يعود لمسار الانتقال السياسي والعمل لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
وبدأ المجتمع الدولي بالضغط على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وكانت هناك موافقة مبدئية من قبل الحوثيين للقبول بهذه المقترحات، غير أن الرئيس اليمني زار في 10 من يوليو 2016 محافظة مأرب لأول مرة منذ هروبه إلى الرياض، وخلالها شن هجومًا على الأمم المتحدة، واعتبرها تشرعن “لانقلاب الحوثيين” وترفض أي عملية سياسية وفقًا للمرجعيات الثلاث (القرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية والحوارالوطني اليمني)، وسحب المتفاوضين من الكويت، وكان هذا أول فشل لمباحثات السلام.
تراجع المبعوث الأممي عن خارطة الطريق التي قدمها، وبدأ يعمل مجددًا على خطة أخرى اقترحتها المملكة العربية السعودية، كانت تدعو إلى استسلام الحوثيين أولًا، ومن ثم الذهاب إلى مكة المكرمة من أجل حوار سياسي يرعاه الرئيس هادي، إلا أن الحوثيين وصالح لم يقبلا الخوض فيها أو نقاشها، وهو ما جعل المبعوث الأممي يتراجع عنها.
وفي 25 من أغسطس 2016 أعلن جون كيري وزير الخارجية اﻷمريكي في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير في الرياض، خارطة طريق جديدة تشمل خارطة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ التي قدمها في الكويت (المبادرة السعودية)، لكنه جعلها متزامنة وتنفذ في وقت واحد، إلا أن المملكة العربية السعودية أوعزت إلى هادي بالرفض المطلق لذلك على اعتبار أنها تهمش دور الرئيس وتنهي مستقبله السياسي، مما جعل المبعوث الأممي يتراجع عنها.
آخر المبادرات التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن، تسليم محافظة الحديدة لطرف ثالث يقال إنه “محايد”، وتسليم الرواتب كذلك، لكن هذه المبادرة يبدو أنها فشلت قبل أن يتم إعلانها رسميا لعدم منطقيتها.
تراجع ولد الشيخ في تقريب وجهات النظر وفاعليته بالضغط على الأطراف المتصارعة للقبول بالتسوية السياسية، لا يدل على أنه شخصية يمكن الاعتماد عليها باستكمال دور الوسيط لتقريب وجهات النظر، إذا تحول من عامل وسيط لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتخاصمة إلى وسيط لإقناع الحوثيين بتسليم المدن والمحافظات التي يسيطرون عليها إلى طرف ثالث، بدلاً من الضغط عليهم ودفعهم إلى طاولة الحوار.
وهذه المواقف كفيلة بأن تخرجه من دور الوسيط لحل النزاع إلى دور المفاوض بالنيابة، ويستلزم استبداله بشخصية قادرة على فرض تأثيرها على الأطراف المتصارعة للقبول بتسوية سياسية من خلالها يمكن إنقاذ ما يتبقى من اليمن وشعبها، ولا يقبل الإملاءات السعودية لفرض رؤيتها على أي مبادرة جديدة.
نتيجة لهذه الحرب، تفاقمت الأوبئة في البلاد
يفترض ألا تكون الأزمة الخليجية لها تأثيرات على الأزمة الإنسانية في اليمن، أو التحركات الدولية لإيجاد تسوية سياسية للأطراف المتناحرة على السلطة، لكن للأسف يبدو أن لتلك الأزمة تأثيرات عظيمة على اليمن إلى درجة أن شعب يفوق تعداده الـ25 مليون نسمة أصبح غير مهم لدى المجتمع الدولي عند نشوب خلاف دول تغدق عليهم بالمال، وهو ما يثبت أن العالم يكيل بمكيالين ولا تعنيه مصالح الشعوب.
تحرك العالم للضغط على الأطراف الخليجية لعدم التصعيد حتى لا تنشب مواجهة عسكرية بينهما، ويبدو أنه استطاع احتواء المواجهة العسكرية، ومثلها كان يستطيع أن يضغط على أطراف فاعلة لإيجاد تسوية سياسية في اليمن، فعبد ربه منصور هادي لا يمكن أن يبقى رئيسًا مفروضًا على اليمن، ولا يمكن للحوثيين أن يستغلوا الحرب على اليمن لتنفيذ طموحهم في البلاد.
استمرار الحرب أولاً وأخيرًا يستفيد منه الرئيس اليمني وحكومته، لأنهم يتاجرون بالقضية اليمنية، وتغدق عليهم دول الخليج ملايين الدولارات ليدعموها في تفتيت بلادهم، والحوثيون أيضًا مستفيدون من هذه الحرب، لتثبيت جذورهم وتحقيق طموحاتهم، بينما الخاسر الأول والأخير في البلاد هو المواطن اليمني الذي يعاني من المرض والجوع وانعدام المواد الغذائية الأساسية وانقطاع راتب ما يزيد على 1.2 مليون موظف.
ونتيجة لهذه الحرب، تفاقمت الأوبئة في البلاد ويدفع المواطن اليمني الثمن، إذ أعلنت منظمة أوكسفام يوم الخميس 20 من يوليو أن العدد المسجل سنويًا للمصابين بالكوليرا في اليمن هو الأعلى بالتاريخ، مشيرة إلى أن هناك أكثر من 360 ألف حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا خلال ثلاثة أشهر فقط منذ انتشار الوباء في 27 من أبريل 2017، متجاوزًا الرقم القياسي السنوي السابق والذي بلغ 340.311 في هايتي عام 2011.
وتوقعت المنظمة التي تركز على تخفيف حدة الفقر في العالم أن يصل العدد الإجمالي للأشخاص المصابين إلى ما يزيد على 600 ألف شخص، مما يجعله واحدًا من أكبر تفشيات المرض منذ بدء السجلات للوباء عام 1949.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، أن وباء الكوليرا الذي تفشى في اليمن منذ نهاية أبريل، تسبب بوفاة 1869 حالة حتى يوم 24 من يوليو 2017 إضافة إلى 396 ألف و86 حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا.