توصل تيار دحلان وحركة حماس إلى اتفاق يقضي بتخفيف حدة الحصار عن غزة مقابل سماح حماس لتيار دحلان، وربما لدحلان نفسه في الأيام القادمة، بالعودة إلى قطاع غزة.
شهدت مباحثات الطرفين بعضًا من الجمود بعد الزيارة التي أجراها الرئيس محمود عباس إلى القاهرة، غير أن حيثيات المكتسبات التي تعود على الطرفين بالإيجاب على المدى القريب قد تجعلهما يكملان المشوار الذي مضيا فيه، وقد تدفع دحلان على وجه الخصوص للإصرار على موقفه من مواصلة هذه الجهود، ولكن في ضوء دعم الإمارات لدحلان، أصبح التساؤل الذي تطرحه الأطراف المتابعة: ما مآرب الإمارات، وما مصلحتها من وصول دحلان إلى قطاع غزة؟
نشرت صحف عدة النتائج الأولية للقاء الطرفين، والتي كان من أبرزها مد قطاع غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء، ووعود بتحسين العمل على معبر رفح الذي يستخدمه الغزيون كممر للانطلاق نحو القاهرة ومنها للخارج، لكن لم يتم تناول الموضوع بأبعاده الإقليمية والدولية، وإن كان لا بد فيجب تناوله من حيث الأهداف والمصالح الإماراتية من إرسال دحلان الذي يعتبر ذراعها الأيمن في المسائل الأمنية إلى غزة.
هدف الإمارات في التحول من دولة ما دون الإقليمية إلى دولة إقليمية ذات نفوذ وتأثير واضحين في المحيط الإقليمي والساحة الدولية
البُعد الأول الذي يمكن الركون إليه في تصور أهداف الإمارات من تلك الخطوات هو البعد الإيديولوجي، إذ ترمي الإمارات ـ ذات الأيديولوجيا العلمانية الإقصائية ـ إلى تجفيف منابع جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة المتخطية بتأثيرها الحدود القومية والوطنية، وبما أن حماس تعتبر ذراع الإخوان في غزة، فيمكن تفسير أول الأهداف أنه يكمن في تخفيف ظل حماس المؤثر في سكان قطاع غزة، عبر تقريب رجل لها يمنح الناس بعض الحقوق التي تُريهم إياه، أي دحلان، المخلص من ويلات حماس التي نتجت عن تعرضهم لحصار شديد منذ توليها سدة الحكم عام 2007، فتلك فرصة جيدة لتجفيف ذراع الإخوان في غزة.
أما البُعد الثاني فيكمن في هدف الإمارات في التحول من دولة ما دون الإقليمية إلى دولة إقليمية ذات نفوذ وتأثير واضحين في المحيط الإقليمي والساحة الدولية، ولكي تستطيع تحقيق ذلك ترى، على ما يبدو، أنه لا بد من الظفر بدور فاعل في مناطق النزاعات الأكثر تأثيرًا في مسار العلاقات الدولية حول العالم، وغزة تُعد واحدة من تلك المناطق، وتعتقد أيضًا، على الأرجح، أن تأثيرها في منطقة غزة لصالح “إسرائيل” سيزيد من دورها الإقليمي المنشود.
إن الدولة ما دون الإقليمية والقومية تحتاج إلى دولة عظمى كأمريكا، أو دولة جسرية “دولة حلقة وصل” كـ”إسرائيل”، تصل بينها وبين الدولة العظمى لتحقق ما تصبو إليه، وقد تحقق “إسرائيل”، التي قد تصل الإمارات بأمريكا، ما تريده الإمارات، في حين حققت الأخيرة بعض المكاسب لصالحها في قطاع غزة، كتخفيف وتيرة دعم المواطنين للمقاومة كأقل تقدير.
سعت تركيا قبل انقلاب 3 من تموز/يوليو، إلى تأسيس “القوس الإفريقي الهلالي” الذي يضم الصومال، السودان، مصر، ليبيا
وبالوصول إلى البُعد الثالث، نجد أنه على صعيد استراتيجي بعيد المدى تحاول الإمارات تنفيذ سياسة بحرية تعتمد على نقطة السيطرة على أكبر عدد ممكن من المواني الموجودة، لتأسيس النفوذين التجاري والأمني اللذين يؤهلانها للاضطلاع بدور دبلوماسي واقتصادي كبير وواسع في المنطقة، وبالتأمل في سيطرتها على قناة السويس عبر دعم انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي واسهامها في مشاريع قناة السويس والمشاريع التنموية المحيطة بها كمؤشر لمسعاها في السيطرة والهيمنتها على جزيرة “ميون” اليمنية القريبة من باب المندب وطرحها فكرة إقامة قاعدة أمنية هناك، وبذلك تكون حققت الإمارات سيطرة موسعة على البحر الأحمر ومضيقه وقناته.
وتهدف من خلال وجود دحلان في غزة والتقرب من “إسرائيل” احتكار النفوذ البحري في حوض البحر المتوسط المحاذي لمصر وقطاع غزة، وذلك ربما من خلال بناء ميناء كبير في غزة، أو المشاركة في دعم الميناء الضخم الذي تبنيه الصين في حيفا، وبهذا الشكل يمكنها أن تقنع “إسرائيل” بمنحها بعض النفوذ في البحرين الأحمر والأبيض، وعلى الأرجح ترمي الإمارات من وراء ذلك تحقيق المآرب التالية:
ـ الحيلولة دون تفرد المملكة العربية السعودية بالسيطرة على قناة السويس، بعد تنازل النظام المصري الحالي عن جزيرتي تيران وصنافير لها، وبعدما تم الاتفاق على بناء جسر “الملك سلمان” الواصل بين السعودية ومصر، والذي يمر من فوق القناة.
ينبغي علينا أن نعي تمامًا أنه مهما بلغ حجم التوافق بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فهما دولتان قوميتان لهما بعض المصالح القومية التي تختلف اختلافًا شاسعًا عن بعضها البعض، فبينما السعودية ترمي إلى تحقيق نفوذ على قناة السويس عبر “جسر سلمان”، تهدف الإمارات إلى الحد من هذا النفوذ عبر تقاسمه بشكل يكفل رجوح كفة الميزان لصالحها، وبذلك تكون هي من توجه السعودية وليس العكس، فمن معه “إسرائيل” الأقوى في المنطقة.
الإمارات العربية المتحدة تحاول من خلال دعم الثورات المضادة القضاء على منبع الثورات التي تدعمها بعض حركات الإسلام السياسي
ـ إبعاد تركيا عن مصر والبحرين، الأحمر والمتوسط، حيث سعت تركيا قبل انقلاب 3 من تموز/يوليو إلى تأسيس “القوس الإفريقي الهلالي” الذي يضم الصومال، السودان، مصر، ليبيا، لكن الانقلاب في مصر وتعاون حفتر مع الإمارات في ليبيا ودعم البشير في السودان وتقريبه لها، واحتضان غزة تحت جناحيها وغيرها، عوامل تحول دون تحقيقها ذلك، فعلى الأرجح تحاول الإمارات من خلال هذه السياسات تحقيق ضمانة لعدم تمكين تركيا من وضع موطئ قدم في المنطقة على صعيد استراتيجي.
في المحصلة، منذ عام 2012 والإمارات العربية المتحدة تحاول من خلال دعم الثورات المضادة القضاء على منبع الثورات التي تدعمها بعض حركات الإسلام السياسي والحركات الليبرالية واليسارية، وترمي من خلال هذا الدعم إلى الظفر بلقب الدولة الإقليمية، وفي ضوء ذلك يبدو من غير الممكن تفسير سبب دعمها لحصول تيار دحلان على دور فاعل في غزة بمعزل عن هذا المسار.