يلعب “مفهوم الصورة” دورًا كبيرًا في تحليل العلاقات بين الدول، ومفهوم الصورة يعني انطباعات ثابتة تكونها الدول عن نفسها والآخرين، ومن أشهر الصور المكرسة في العلاقات بين الدول “صورة الحليف” و”صورة العدو”، ويمكن المغامرة بالقول إن الصورة الأخيرة تشكلت في العلاقات الجزائرية المغربية منذ استقلال البلدين في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، وقد ساهمت مجموعة من العوامل في تكريس هذه الصورة خاصة من الجانب المغربي أبرزها:
أ- اعتبر المغرب أن النشاط الدبلوماسي الجزائري أكثر ما يضعف من الموقف المغربي تجاه القضية الصحراوية، وأصر أن الجزائر الطرف الأساسي في النزاع بشأن الصحراء الغربية وليس جبهة البوليساريو، بالإضافة إلى أن كل ما تحقق للجمهورية الصحراوية من اعتراف سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي نتاج مباشر لنشاط الدبلوماسية الجزائرية.
ساهم العامل الخارجي وتحديدًا السياسة الفرنسية في استدامة “صورة العداوة” في العلاقات الجزائرية المغربية
ب- رأى المغرب أن الجزائر تسعى إلى تهميشه استراتيجيًا في منطقة المغرب العربي، من حيث أن الموقف الجزائري من القضية الصحراوية ليس موقفًا مبدئيًا يتعلق بدعم الجزائر للقضايا التحررية واستمرارًا لصورة “قلعة الثوار” التي تشكلت للجزائر في سياستها الخارجية تاريخيًا، ولكنه موقف مصلحي يتعلق بخوف الجزائر من استغلال المغرب للإمكانيات الاقتصادية الموجودة في إقليم الصحراء الغربية والذي يسمح للمغرب استقطاب أولويات القوى الكبرى، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى التهميش الاستراتيجي للجزائر.
ج- يعتبر المغرب أن الجزائر يعطل الكثير من الفرص الاقتصادية له إما من خلال التحكم في الإمدادات الطاقوية أو من خلال التأثير على القطاع السياحي الذي يعتبر بالإضافة إلى القطاع الزارعي عصب الاقتصاد المغربي، حيث يكرر المغرب في خطابه الرسمي معاناته المستمرة من مسألة غلق الحدود والتي تعتمدها الجزائر لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي.
د- ساهم العامل الخارجي وتحديدًا السياسة الفرنسية في استدامة “صورة العداوة” في العلاقات الجزائرية المغربية، وذلك لاعتبارات جيواستراتجية تتعلق بالحفاظ على فرنسا باعتبارها القوة الكبرى الأكثر نفوذًا في منطقة المغرب العربي.
ومع ذلك فإن السياق الحالي يشير إلى تبلور مجموعة من التحولات التي قد تدفع إلى حدوث تقارب في العلاقات الجزائرية المغربية في المرحلة المقبلة وهذه التحولات ترتبط بالأوضاع الداخلية للدولتين كما ترتبط بالبيئة المحيطة بها:
1- أهمية تشكيل محور (جزائري – مغربي) في الدائرة العربية يتصدى لتوجهات اندفاع المحور (الإماراتي – السعودي – المصري) للسيطرة على النظام الرسمي العربي، وقد استغرب هذا المحور التناغم في المواقف الجزائرية والمغربية تجاه الأزمة الخليجية رغم رهانه على عكس ذلك، إذ من الواضح أن هذا المحور الثلاثي ينوي قيادة النظام الرسمي العربي خارج هياكل جامعة الدول العربية التي لم تبادر إلى طرح الأزمة الخليجية داخلها وهو ما يفرض على كل من الجزائر والمغرب تنسيقات عملية خارج جامعة الدول العربية.
القيادات التقليدية لحزب العدالة والتنمية لها رؤية أيدلوجية ضيقة تجاه النظام الجزائري من حيث تعريفه بأنه “نظام عسكري علماني”
2- الامتعاض المشترك من الاستراتجية الفرنسية التي تهمش كلا الدولتين في مقاربتها لمنطقة الساحل الإفريقي رغم تأثر كل من الجزائر والمغرب بالأوضاع في تلك المنطقة، حيث أقدمت فرنسا على جملة من الإجراءات المتسارعة منذ تسلم الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون قيادة الدولة قبل بضع شهور ومنها تشكيل قوة جديدة تسمى “تجمع قوة الساحل” والتي تضم خمس دول بإشراف فرنسي، بالإضافة إلى طرح فرنسا لمقاربة تنموية جديدة من خلال الاتحاد الأوروبي سميت بـ”تحالف من أجل الساحل”، يضاف إلى ذلك إشراف فرنسا بشكل مباشر على جهود التسوية في ليبيا بما يتجاوز المبادرات الدبلوماسية لكل من الجزائر والمغرب.
3- الارتباط المباشر في الأوضاع الداخلية للدولتين، فما تصفهم السلطات المغربية “بالقيادات الأمازيغية المتطرفة” في إطار ما يسمى بـ”حراك الريف” والتي تقود هذا الحراك، تتشابه في خلفيتها الأيدلوجية والعرقية مع ما تسمى في الجزائر بحركة “الماك” وهي الحركة التي تطالب بانفصال منطقة القبائل عن سيادة الدولة الجزائرية.
4- التحولات السياسية الداخلية في كلا البلدين، فبالنسبة للمغرب فإن تشكيل الحكومة المغربية بعيدًاعن السيطرة المطلقة لحزب العدالة والتنمية (يسيطر على 5 وزارات و4 كاتب دولة فقط من بين 39 عضوًا في الحكومة وكلها ليست وزارات سيادية رغم احتلاله للصدارة في الانتخابات التشريعية الأخيرة)، فالقيادات التقليدية لهذا الحزب لها رؤية أيدلوجية ضيقة تجاه النظام الجزائري من حيث تعريفه بأنه “نظام عسكري علماني” (يمكن الرجوع إلى كتاب عبدالإله بن كيران رئيس الحكومة المغربي الأسبق والمعنون بـ”الحركات الإسلامية وإشكالية المنهج”)، ويقابلها في الجزائر تقليص النفوذ الفرنسي والذي كان يعد أحد العوامل الرئيسية في استمرار العلاقات الصراعية بين الجزائر والمغرب.
5- إعادة انضمام المغرب لمنظمة الاتحاد الإفريقي مؤشر قوي على أن المغرب لم يعد ينظر للعلاقات مع الجزائر انطلاقًا من اعتبارات “الهوية” التي كانت تفرض عليه تصور حدود سيادته وأمنه القومي ارتباطًا بما يسمى في المغرب “اللحظة التاريخية للدولة العلوية” والتي تشمل جزءًا من الأراضي السيادية للجزائر أو ما أسماه المغاربة “الصحراء الشرقية” لأن القانون التأسيسي لمنظمة الاتحاد الإفريقي يمنع التعدي على سيادة الدول الأعضاء تجاه بعضها البعض (المادة 4 الفقرة ب تنص على احترام الحدود القائمة على نيل الاستقلال) وهذا يعني أن إعادة انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي تنازل قانونيًا وعمليًا عن أي مطالبة بجزء من الأراضي السيادية للجزائر.