ترجمة وتحرير نون بوست
امتد نفوذ تنظيم الدولة على مساحة تقارب نصف العراق وسوريا، مدعيا أن الآلاف من المدنيين وعشرات الآلاف من المقاتلين في جميع أنحاء العالم هم جزء من الخلافة التي أعلن عنها. في الوقت الراهن، تم الإعلان عن نهاية هذا التنظيم في العراق كما يواجه مصيرا مماثلا في سوريا، النصف الثاني للإمبراطورية السنية المتطرفة لهذا التنظيم.
عموما، عندما يفقد المقاتلون أرضيهم، يضطرون إما إلى احتضان الموت، أو القبض عليهم من قبل قوة معادية، أو محاولة الفرار. وفي هذا الصدد، يقول الخبراء إنه بدلا من الاستسلام، سيتم توجيه عدد من المتطرفين بسهولة إلى صفوف شبكة جهادية دولية أخرى ألا وهي تنظيم القاعدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التنظيم كان بمثابة حجر الزاوية في بداية ظهور تنظيم الدولة، وكذلك الهدف المعلن للتدخل العسكري للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط.
وعلى غرار تنظيم الدولة، فإن تنظيم القاعدة له فروع متعددة في بلدان مختلفة، إلا أن بعض المحللين يتوقعون أن يكون من الصعب عليه مواجهة العدو أكثر من نظيره. وفي حين لقي تنظيم الدولة رواجا واسع النطاق بسبب العنف الذي يرتكبه، وقدرته على جذب الغرباء إلى الخطوط الأمامية، كانت هذه هي الصفات التي نبذها فيه قادة تنظيم القاعدة.
في الحقيقة، يعد فتك القاعدة أكثر شدة، وقد جعله تركيزه الشديد على المنطقة عدوا صعبا لا يمكن تمييزه في صفوف السكان الأصليين، خاصة من خلال حملات القصف العنيفة، التي اتسمت بها السياسة الخارجية لدول مثل الولايات المتحدة وروسيا، فضلا عن أشرطة الفيديو الدعائية للمتطرفين.
ومع فرصة إعادة إحياء حركتها من رماد خلافة تنظيم الدولة المتعثرة في العراق وسوريا، يمكن للقاعدة أن تستخدم دعمها الشعبي والخطاب المناهض للإمبريالية لتطوير قوة قتالية جديدة قادرة على استهداف أعدائها مرة أخرى في جميع أنحاء العالم.
في هذا الشأن، قال دانيال سيروير، الباحث في معهد الشرق الأوسط وأستاذ إدارة الصراع في “مدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة” لمجلة نيوزويك “إنها حقا أصلية، إنها قوة حقيقية. علاوة على ذلك، لقد ألحق هذا التنظيم أضرارا جسيمة بنا كما أنه يصب جل تركيزه على العدو البعيد ألا وهو نحن”.
المحتجون يحملون أعلام الجيش السوري الحر والقاعدة خلال مظاهرة مناهضة للحكومة بعد صلاة الجمعة في بلدة معرة النعمان في محافظة إدلب، سوريا، 11 آذار/ مارس 2016
وبينما يفقد تنظيم الدولة أراضيه في سوريا ودول أخرى، قد ينضم أتباعه المتطرفون الباقون إلى صفوف تنظيم القاعدة.
على الرغم من قتل تنظيم الدولة للمئات خلال الهجمات التي يشنها إما بالقنابل أو الأسلحة النارية في جميع أنحاء الغرب، إلا أن تأثير المجموعة على الولايات المتحدة لا يقارن بعدد ضحايا خاطفي الطائرات التابعة للقاعدة في هجوم 11 أيلول/ سبتمبر، الذي أودى بحياة قرابة 3000 قتيل. لذلك، لا يزال العمل الإرهابي الأكثر فتكا في العالم يُشكّل مواقف الولايات المتحدة تجاه التطرف في الخارج.
عندما غزت الولايات المتحدة العراق بعد عامين، أعطى فرع تنظيم القاعدة في العراق الفرصة لتوحيد الجماعات المتطرفة الأخرى المناهضة للاحتلال الأمريكي، وتشكيل تنظيم الدولة في العراق في وقت لاحق من سنة 2006. وفي نهاية المطاف، انفصل تنظيم الدولة في العراق عن تنظيم القاعدة وأصبح المنافس الرئيسي لفرعه في سوريا المعروف بجبهة النصرة.
وكانت جبهة النصرة، التي تعرف الآن باسم هيئة تحرير الشام، من بين أكثر القوات المقاتلة فعالية في تمرد 2011 ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته. وسرعان ما بدأت تطغى على المسلحين من الجيش السوري الحر، بدعم من الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربية، لكن تغلبت على نفسها بعد تدخل تنظيم أكثر تطرفا ألا وهو تنظيم الدولة.
بعد أن اجتاح تنظيم الدولة (المنشق عن تنظيم القاعدة) العراق وسوريا سنة 2014، حولت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية بسرعة جهودها في سوريا من التركيز على إسقاط الأسد إلى تدمير المتطرفين. في المقابل، لم يتماشى هذا التحول مع العديد من المتمردين، الذين بدأ الكثير منهم بالفعل في تبني أيديولوجية سنية أكثر تعصبا.
وفي هذا الصدد، صرح سيروير لمجلة “نيوزويك”؛ “أردنا منهم محاربة تنظيم الدولة، لكنهم أرادوا محاربة الأسد”. كما أضاف سيروير “لقد كنا نقاتل عدوا لم يمثل أولوية قصوى”. ونظرا لأن العديد من المتمردين لم يجدوا معارضة جدية تقف في وجه حكومة الأسد غير الجماعات الجهادية، سارعوا للالتحاق بركب الجماعات التابعة لتنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة.
وفي الأثناء، أدى الهجوم المزدوج من قبل الجيش السوري، المدعوم من روسيا وإيران، والقوات الديمقراطية السورية ذات الغالبية الكردية بدعم من الولايات المتحدة، إلى إضعاف مناطق النفوذ الرئيسية التابعة لتنظيم الدولة. وبناء على ذلك، سعت الجماعات المتمردة التي لا تنتمي إلى شبكة متطرفة كبرى بالفعل إلى إحياء حركة القاعدة في سوريا التي هزت هذا الأسبوع منافسيها، للسيطرة على مدينة إدلب شمال غرب البلاد.
تُظهر الخريطة مناطق تنظيم الدولة في العراق وسوريا اعتبارا من 18 تموز/ يوليو 2017
في الواقع، أعلنت الحكومة العراقية فوزها على هذا التنظيم في معقله السابق في الموصل في 10 تموز/ يوليو 2017، كما حققت الحكومة السورية جنبا إلى جنب مع القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة مكاسب كبيرة ضد المتطرفين في سوريا.
أما مؤخرا، أصبح الجيش السوري الحر خيارا أقل جاذبية بالنسبة للكثيرين بعد أن انتشرت الأنباء يوم الأربعاء بأن الولايات المتحدة قد اختارت أن تقطع تماما العلاقات مع المعارضة السورية. وبينما فر العديد من السوريين بالفعل إلى البلدان الحدودية أو إلى الأمان النسبي للمدن التي تسيطر عليها الحكومة مثل طرطوس واللاذقية، قال سيروير إن عددا من أولئك الذين ما زالوا على استعداد للقتال سينضمون إلى القاعدة بدلا من الانضمام إلى الجماعات الكردية القومية في القوات السورية الديمقراطية.
علاوة على ذلك، لا تزال الجماعات المتمردة السورية المدعومة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية والجماعات الكردية المدعومة من البنتاغون في صدام في شمال سوريا. كما أن صعود القومية الكردية يمكن أن يكون ذا أهمية حاسمة لمصالح تنظيم القاعدة خاصة في السنوات المقبلة؛ باعتباره سقوطا لمنافسه الرئيسي تنظيم الدولة.
وفي شأن ذي صلة، أفاد محلل الشؤون الكردية ديليمان عبد القادر لمجلة “نيوزويك”، “أعتقد أن تنظيم القاعدة سيزداد قوة مع هزيمة تنظيم الدولة، حيث سيحاول العودة إلى الواجهة التي خسرها بنسخة أكثر شراسة. ومن المهم أيضا أن نعي أن هدف القاعدة طويل الأمد، في حين أن تنظيم الدولة يريد الخلافة الآن”.
عموما، يرى عبد القادر أن الأكراد هم الحليف الأكثر فعالية للولايات المتحدة في سوريا، وهو رأي عارضته الكثير من الدول العربية. فقد أثبت الأكراد مرارا وتكرارا أنهم قوة مدمرة ضد تنظيم الدولة ورفضهم للمثل الدينية المتشددة عزز أيضا الدعم الأمريكي لهم. ولكن، يبدو أن تطلعاتهم القومية قد ألهمت عقود من العنف ضد حلفاء الولايات المتحدة في حلف الناتو، وأغضبت الحكومتين العراقية والسورية اللتين تحرصان على الحفاظ على السلامة الإقليمية بعد هزيمة تنظيم الدولة والقاعدة.
جنود صوماليون يتواجدون في موقع تفجير انتحاري بسيارة مفخخة على مركز للشرطة في مقديشو، الصومال، في 22 حزيران/ يونيو 2017.
وقد ادعت الجماعة المسلحة، التابعة لتنظيم القاعدة، تنفيذ الهجوم. بالإضافة إلى المقاتلين في العراق وسوريا، أثبتت الامتيازات العالمية الأخرى أن للقاعدة عاملا مميتا مزعزعا للاستقرار في جميع أنحاء العالم.
خارج العراق وسوريا، يدّعي تنظيم القاعدة أنه يسيطر على مجال أوسع من تنظيم الدولة. ويطالب أتباعه بأراضي شاسعة في أفغانستان وليبيا واليمن والصومال وعدد من الدول الأخر في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء أخرى من آسيا.
في آذار / مارس، قدّر قائد قوة المهام المشتركة، عملية العزم الصلب في الولايات المتحدة، أن هناك ما بين 12000 و15000 مقاتل من تنظيم الدولة في قواعد عملياتهم المركزية في العراق وسوريا. وأفادت القيادة التي تتخذ من الكويت مقرا لها لمجلة “نيوزويك”، الأسبوع الماضي، أن توقعاتها لم تتغير كثيرا منذ ذلك الحين.
ولكن، من المرجح أن هذا الرقم سيقزمه عشرات الآلاف من أنصار تنظيم القاعدة وأتباعه في جميع أنحاء العالم. وبينما يتحول التوازن العالمي للسلطة الجهادية، يحذر سيروير من أن المعركة ضد المسلحين الإسلاميين من جميع الأنواع لم تنته بعد. بالإضافة إلى ذلك، قال سيروير لمجلة “نيوزويك” إن “مرحلة الحرب التي يكتسب فيها تنظيم الدولة الأراضي بدأت تندثر، بيد أن هذا لا يعني أن المعركة ضد تنظيم الدولة قد انتهت، والأمر سيان بالنسبة للقاعدة أيضا، لأنه بعد كل شيء، هذه هي الحرب”.
المصدر: نيوزويك